مخاوف تعتري القاهرة من برنامج الإصلاح الاقتصادي

الحكومة لمحدودي الدخل: الخوف والشك يطيلان الطريق

مجموعة من اللافتات الإعلانية في شوارع القاهرة تدعو للتقشف الاقتصادي («الشرق الأوسط»)
مجموعة من اللافتات الإعلانية في شوارع القاهرة تدعو للتقشف الاقتصادي («الشرق الأوسط»)
TT

مخاوف تعتري القاهرة من برنامج الإصلاح الاقتصادي

مجموعة من اللافتات الإعلانية في شوارع القاهرة تدعو للتقشف الاقتصادي («الشرق الأوسط»)
مجموعة من اللافتات الإعلانية في شوارع القاهرة تدعو للتقشف الاقتصادي («الشرق الأوسط»)

تبدو القاهرة قلقة من خطوات تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي يتضمن إجراءات ستغير ملامح حياة الغالبية العظمى من المصريين، الذين عانوا على مدار عقود من «برامج دعم» تشجع في الأساس على زيادة نسبة الفساد في الجهاز الإداري للدولة «المتضخم» بالموظفين، أكثر منها تقلل من معاناة المواطنين، إلا أن الجيل الحالي يبدو أنه سيتحمل نتائج وأخطاء الأجيال السابقة.
«يا مصر.. بالإصلاح الجريء نقصّر الطريق»، للمرة الأولى في تاريخها يظهر في شوارع القاهرة، لوحات إعلانية تبشر بالإصلاح الاقتصادي وتحاول تهيئة المواطنين لتقبل البرنامج الذي سيطال موازنات جميع المصريين، إلا أن تأثيراته المباشرة وغير المباشرة ستلحق الضرر بالغالبية العظمى منهم.
وعلى عكس اللوحات الإعلانية التي ملأت شوارع القاهرة، يبدو أن الطريق طويل أمام القاهرة لإقناع السواد الأعظم منهم «بالإصلاح الجريء»، خاصة مع بدء تطبيق ضريبة القيمة المضافة –أول أكتوبر (تشرين الأول) الجاري - التي وافق عليها مجلس النواب مؤخرًا، والتي ستساهم في رفع الأسعار –المرتفعة أساسًا نتيجة تراجع قيمة العملة المحلية - بنسبة تتراوح بين 20 و35 في المائة. إذ تستورد مصر معظم احتياجاتها من الخارج.
وبصوت منبوح مع ابتسامة ساخرة، شكك رضا أحمد صاحب أحد الأكشاك في وسط القاهرة، في جدوى الإصلاح الاقتصادي للحكومة «رغم أهميته» على حد قوله، إلا أنه قال: «المساكين في الآخر هم اللي بيتحملوا كل البرامج الحكومية.. أشك أن الحكومة هتعمل حسابنا».
ولم تنسَ القاهرة شكوك عم أحمد –الخمسيني، السن الذي يغلب عليه الموافقة في استطلاعات الرأي حول نسب الرضا عن أداء الرئيس أو الحكومة - واستبقت تلك الشكوك بلوحات إعلانية تؤكد أن: «الخوف والشك يُطيلان الطريق».

الطريق ليس مفروشًا بالورود

صحيح أن أي إصلاحات اقتصادية ستُقابل بالكثير من الاعتراضات، إلا أن برنامجًا للدعم النقدي محكما ونزيها يلتزم بالشفافية والإفصاح يراعي محدودي الدخل، من شأنه تقليل نسب المخاطر التي ستواجهها الحكومة المصرية، وهو ما يشكك فيه بالفعل أصحاب الطبقة المتوسطة –الآخذة في الاضمحلال.
وتتمثل تداعيات برنامج الإصلاح الاقتصادي في مصر، في ارتفاع الأسعار وبالتالي ارتفاع التضخم وعجز الموازنة ما سيؤثر على أكثر من 40 في المائة من أكثر من 90 مليون مصري يعيشون حول خط الفقر، وهو ما فسره الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أحد خطاباته، قائلاً: «بنحاول نقلل الفجوة بين الموارد والمصروفات عشان العجز ما يبقاش بالضخامة كبير.. كل ما هنقلل من الدين الداخلي كل ما هنقلل من خدمة الدين».
وارتفع الدين الداخلي في مصر إلى 2.3 تريليون جنيه من نحو 800 مليار جنيه قبل ثورة يناير (كانون الثاني) عام 2011. بنسبة 98 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
وقال السيسي في وقت سابق، إنه لن يتردد في اتخاذ إجراءات إصلاح اقتصادي صعبة كان يتجنبها الرؤساء السابقون خشية اندلاع احتجاجات شعبية.
وقفز معدل التضخم السنوي في أسعار المستهلكين في إجمالي محافظات الجمهورية إلى 16.4 في المائة خلال شهر أغسطس (آب) الماضي، مقابل 14.8 في المائة في يوليو (تموز). بينما ارتفع معدل التضخم الأساسي إلى 13.25 في المائة على أساس سنوي في أغسطس الماضي من 12.31 في المائة في يوليو.
وتوصلت مصر لاتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي على قرض قيمته 12 مليار دولار على ثلاث سنوات على أساس برنامج للإصلاح الاقتصادي يتضمن خفض عجز الموازنة العامة للدولة وخفض سعر الجنيه المصري.
ورفعت مصر في أغسطس أسعار الكهرباء بنسبة 40 في المائة، ضمن المرحلة الثالثة من خطة لرفع الدعم في البلاد؛ وبدأت في يوليو 2014 خطة لتحرير أسعار الكهرباء على خمس سنوات بداية من شهر سبتمبر (أيلول) من كل عام مالي.
وبلغت قيمة العجز المتوقع في موازنة العام المالي الجاري، 320 مليار جنيه (36 مليار دولار) بنسبة 9.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي - المقدر بنحو 3.2 تريليون جنيه (360 مليار دولار) - مقابل حجم مصروفات تقدر بنحو 936 مليار جنيه (105.4 مليار دولار).

عجز الموازنة

توقعت وكالة موديز للتصنيف الائتماني اتساع العجز في الموازنة العامة لمصر إلى 12 في المائة خلال العام المالي الجاري مقابل 9.9 في المائة متوقعة من الحكومة.
وقالت موديز، في تقرير لها أواخر الشهر الماضي، إنها لا تتوقع أن تنجح الحكومة في جمع الإيرادات المتوقعة خلال العام المالي الجاري، خاصة بعد تخفيض سعر ضريبة القيمة المضافة، التي أقرها البرلمان مؤخرًا، إلى 13 في المائة بدلاً من 14 في المائة كانت قد اقترحتها الحكومة في مشروع القانون.
وتشير موديز إلى أن توقعاتها للعجز تأتي أيضًا في ظل صعوبات محتملة في زيادة الإيرادات الحكومية خلال العام المالي الجاري الذي تتوقع ألا يزيد فيه معدل النمو الاقتصادي على 3.5 في المائة، في حين تتوقع الحكومة ارتفاع النمو إلى 5.2 في المائة خلال العام المالي الجاري. وفي المقابل ترى موديز أن صدور قانون ضريبة القيمة المضافة «الذي طال انتظاره» خطوة هامة لمصر من شأنها أن تدعم تصنيفها الائتماني، كما أنها ستساهم تدريجيا في زيادة عائدات الضرائب المنخفضة في مصر، بالإضافة إلى دعم جهود الحكومة في ضبط أوضاعها المالية.
السياحة الغائبة

في وقت تنتظر فيه مصر عودة حركة السياحة من روسيا وبريطانيا –الداعم الرئيسي للسياحة في منتجعي شرم الشيخ والغردقة - استقبل أمس السبت مطار شرم الشيخ الدولي أول رحلة قادمة من مدينة فرانكفورت الألمانية - بعد توقف دام نحو عام - وعلى متنها 170 راكبًا.
وانكمش قطاع السياحة في مصر بنسبة 34 في المائة خلال الربع الثالث من العام المالي الماضي، يناير - مارس (آذار) 2016، مقابل انكماش بنحو 9.3 في المائة خلال نفس الربع من العام السابق، بحسب ما أظهرته بيانات تقرير «مؤشرات الأداء الاقتصادي خلال الربع الثالث والتسعة أشهر الأولى من 2015 - 2016». وتأثر قطاع السياحة –مورد رئيسي للدولار في البلاد - نتيجة حادثة سقوط طائرة تابعة للخطوط الروسية الجوية، ومقتل نحو 224 راكبا كانوا على متنها، في أكتوبر العام الماضي.

الاستثمارات الأجنبية

ارتفع صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر 7.2 في المائة في السنة المالية المنتهية في يونيو (حزيران) الماضي، وذلك وفقًا لأحدث التقارير الصادرة عن البنك المركزي. ووفقًا لبيان لوزارة الاستثمار المصرية أواخر الشهر الماضي، بلغ صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في 2015 - 2016 نحو 6.84 مليار دولار ارتفاعا من 6.38 مليار دولار في السنة السابقة.
وأوضحت وزيرة الاستثمار داليا خورشيد أن هذه الزيادة «جاءت بشكل أساسي بسبب ارتفاع صافي الاستثمارات الواردة لتأسيس شركات وزيادة رؤوس أموالها خلال هذا العام المالي حيث بلغت نحو 4.5 مليار دولار مقارنة مع 3.8 مليار دولار خلال العام المالي السابق محققة نسبة ارتفاع قدرها 18 في المائة».
وأشار تقرير البنك المركزي إلى أن صافي التدفقات الواردة في قطاع البترول بلغ نحو 1.6 مليار دولار في السنة المالية 2015 - 2016.
وعلى صعيد متصل بالقطاع الاستثماري، أعلنت شركة سعودية ضخ نحو 8 مليارات جنيه (نحو 90 مليون دولار) استثمارات في مصر من خلال إنشاء أكبر مدينة طبية في البلاد. وأكد محمد خضير الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة في بيان صحافي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، أن «إنشاء مدينة طبية بهذا الحجم في مصر باستثمارات سعودية ضخمة تصل إلى 8 مليارات جنيه يؤكد أهمية مصر على خريطة الاقتصاد العالمي، خاصة أنها تمتلك الكثير من الإمكانيات التي تجعلها جاذبة للاستثمار، كما يعكس نجاح خطط الحكومة في استعادة ثقة المستثمرين والشركات الأجنبية في جاذبية السوق المصرية على المستويين الإقليمي والدولي».
وأعلنت شركة الشرق الأوسط للرعاية الصحية (المستشفى السعودي الألماني) أول من أمس عن توقيع اتفاقية الإشراف الإداري على مدينة البترجي الطبية في منطقة (إليكس ويست) في مدينة الإسكندرية التي بموجبها ستدار المدينة الطبية تحت العلامة التجارية (المستشفى السعودي الألماني). وأعرب المهندس صبحي بترجي – المؤسس والرئيس التنفيذي لمستشفيات السعودي الألماني – عن سعادته بوضع حجر الأساس لمدينة البترجي الطبية والتي تعد أكبر مدينة طبية متكاملة في مصر، وأضاف: «لدينا ثقة كبيرة في القطاع الطبي المصري ونسعى دائمًا لتقديم خدمة طبية متميزة، ونؤمن أنه لدينا مسؤولية تجاه برامج الرعاية المجتمعية». ومن المتوقع أن يكتمل العمل في مشروع المستشفى التابع لمدينة البترجي الطبية في مدينة الإسكندرية بنهاية العام 2019.
وشركة الشرق الأوسط للرعاية الصحية أكبر شركة مساهمة طبية في العالم العربي بقيمة سوقية تفوق ملياري دولار، تقوم بالإشراف الإداري على المستشفيات التي تمتلكها شركة بيت البترجي الطبية خارج المملكة العربية السعودية.



هل تصبح فرنسا «اليونان الجديدة» في منطقة اليورو؟

أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
TT

هل تصبح فرنسا «اليونان الجديدة» في منطقة اليورو؟

أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)

تواجه فرنسا في الوقت الراهن تحديات اقتصادية وسياسية معقدة، تتمثل في ارتفاع معدلات الدين العام وتزايد عدم الاستقرار السياسي، مما يهدد استقرارها الداخلي ويثير القلق بشأن انعكاسات هذه الأوضاع على منطقة اليورو بشكل عام. تأتي هذه الأزمات في وقت بالغ الأهمية، حيث يمر الاتحاد الأوروبي بفترة تحول حاسمة بعد تبعات الأزمة المالية العالمية، مما يطرح تساؤلات حقيقية حول قدرة الدول الأعضاء على مواجهة الأزمات الاقتصادية المقبلة. في خضم هذه التطورات، تظل فرنسا محط الأنظار، إذ يتعرض نظامها السياسي للشلل بينما يتصاعد العجز المالي. فهل ستتمكن باريس من تجنب مصير الدول التي شهدت أزمات مالية مدمرة؟ وما الدروس التي يمكن لفرنسا الاستفادة منها لضمان استدامة الاستقرار الاقتصادي في المستقبل؟

تتجاوز ديون فرنسا اليوم 110 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وبلغت تكلفة اقتراضها مؤخراً مستويات تفوق تلك التي سجلتها اليونان. ويوم الجمعة، توقعت «موديز» أن تكون المالية العامة لفرنسا أضعف بشكل ملموس خلال السنوات الثلاث المقبلة، مقارنة بالسيناريو الأساسي الذي وضعته في أكتوبر (تشرين الأول) 2024. هذه المعطيات أثارت مخاوف متزايدة من أن تكون هذه الأوضاع الشرارة التي قد تؤدي إلى أزمة جديدة في منطقة اليورو. ومع ذلك، عند مقارنة حالة الاتحاد الأوروبي في ذروة الأزمة المالية العالمية، حين كان يواجه خطر التفكك الكامل، مع الوضع الراهن، تتضح الفروق الجوهرية، حيث يظهر الوضع الحالي قدرة الاتحاد على الصمود بشكل أكبر بكثير، مما يعكس قوة أكثر استقراراً وصلابة في مواجهة التحديات الاقتصادية، وفق «رويترز».

وبعد انهيار حكومتها الهشة في أوائل ديسمبر (كانون الأول)، توجد فرنسا حالياً في دائرة الضوء. فقد أدت الانتخابات البرلمانية المبكرة التي أجريت في يوليو (تموز) إلى انقسام الجمعية الوطنية، مما أدى إلى تعميق الأزمة السياسية في البلاد. وفي مسعى لتشكيل حكومة قادرة على استعادة الاستقرار، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون السياسي المخضرم ميشيل بارنييه رئيساً للوزراء بعد الانتخابات، على أمل بناء إدارة مستدامة. لكن التوترات بين الحكومة والبرلمان اندلعت عندما دعا بارنييه إلى خفض الموازنة للحد من العجز المتوقع، والذي قد يصل إلى 6.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام. وقد أدى هذا إلى تجمع أعضاء البرلمان من مختلف الأطياف السياسية لرفض الموازنة، وكان التصويت بحجب الثقة الذي أدى إلى إقالة بارنييه هو الأول من نوعه منذ عام 1962.

وأثناء تطور هذه الأحداث، ارتفعت عوائد السندات الفرنسية لأجل عشر سنوات بشكل مؤقت إلى مستويات أعلى من نظيرتها اليونانية، مما أثار المخاوف من أن فرنسا قد تصبح «اليونان الجديدة». ومع ذلك، إذا تم النظر إلى ما حدث في اليونان في عام 2012، عندما وصلت عوائد سنداتها لأجل عشر سنوات إلى أكثر من 35 في المائة، يلاحظ أن الوضع اليوم مختلف بشكل جذري. ففي الوقت الراهن، تقل عوائد السندات اليونانية عن 3 في المائة، مما يعني أن العوائد الفرنسية قد ارتفعت بأقل من 60 نقطة أساس خلال العام الماضي لتصل إلى مستويات مماثلة.

ومن خلال تحليل التغييرات في عوائد السندات في منطقة اليورو خلال السنوات الأخيرة، يتضح أن اليونان قد نجحت في تحسين وضعها المالي بشكل ملحوظ، في حين أن فرنسا شهدت تدهوراً طفيفاً نسبياً.

قصة التحول: اليونان

بعد أن اجتاحت الأزمة المالية العالمية أوروبا في أواخر العقد الأول من الألفية، تعرضت اليونان لمحنة مالية شديدة، حيث تكشفت حقيقة الوضع المالي للبلاد، وارتفعت تكاليف ديونها بشكل كبير. وفي إطار استجابة لهذه الأزمة، حصلت اليونان على حزم إنقاذ من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي مقابل تنفيذ حزمة من الإجراءات التقشفية القاسية. ونتيجة لذلك، دخلت اليونان في ركود اقتصادي طويل دام لعقد من الزمن، بينما تعرضت لعدة فترات من عدم الاستقرار السياسي.

لكن الحكومة الحالية التي تنتمي إلى التيار الوسطي - اليميني نجحت في استعادة بعض الاستقرار الاقتصادي، حيث تمكنت من تحقيق فائض أولي في الموازنة، وهو ما مكنها من تقليص عبء الديون الضخم. كما شهد الاقتصاد اليوناني نمواً بنسبة 2 في المائة العام الماضي، وهو ما يعد تحسناً ملموساً.

ورغم أن فرنسا قد تحتاج إلى جرعة من العلاج المالي ذاته، فإنها تبدأ من نقطة انطلاق أقوى بكثير من اليونان. فاقتصاد فرنسا أكثر تطوراً وتنوعاً، ويبلغ حجمه أكثر من عشرة أضعاف الاقتصاد اليوناني. كما أكدت وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبال ريتنغ» قبل أسبوعين تصنيف فرنسا الائتماني، مع التوقعات بأن تواصل البلاد جهودها في تقليص العجز في الموازنة. وأشارت الوكالة إلى أن «فرنسا تظل اقتصاداً متوازناً، منفتحاً، غنياً، ومتنوعاً، مع تجمع محلي عميق من المدخرات الخاصة»، وهو ما يعزز موقفها المالي.

الأمر الأكثر أهمية هنا هو أنه حتى في حال قرر المستثمرون الدوليون سحب أموالهم - وهو ما لا يوجد أي مؤشر على حدوثه - فإن فرنسا تملك إمداداً كبيراً من الأموال المحلية، يُمكِّنها من سد الفجوة المالية المتزايدة.

فعل كل ما يلزم

على الرغم من أن منطقة اليورو لا تزال تشهد تطوراً غير مكتمل، فإنه من المهم الإشارة إلى كيفية تعزيز النظام المصرفي في المنطقة منذ الأزمة المالية العالمية. كما ينبغي تذكر كيف أثبت البنك المركزي الأوروبي مراراً استعداده وقدرته على اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع الأزمات المالية في المنطقة. إلا أن ذلك لا يعني أن صانعي السياسات في باريس أو العواصم الأوروبية الأخرى يشعرون بتفاؤل مطلق بشأن التوقعات الاقتصادية للاتحاد.

ففي العديد من الجوانب، تبدو التحديات الاقتصادية التي تواجه فرنسا أقل حدة، مقارنة بتلك التي تواجهها ألمانيا، التي تعرضت حكومتها هي الأخرى لهزة قوية مؤخراً. ويعاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو من تداعيات سنوات طويلة من نقص الاستثمارات، حيث يواجه قطاعها الصناعي القوي سابقاً صعوبات حقيقية في التعافي. كما أن منطقة اليورو، التي شهدت تباطؤاً ملحوظاً في نمو إنتاجيتها، مقارنة بالولايات المتحدة على مدار السنوات الماضية، تواجه الآن تهديدات كبيرة بسبب الرسوم الجمركية التي قد تفرضها إدارة الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب.

لكن هذه التهديدات التجارية قد تكون هي التي تدفع الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ خطوة كبيرة أخرى في تطوره الاقتصادي. فالتاريخ يثبت أن الاتحاد يتخذ خطوات حاسمة عندما يُدفع إلى الزاوية. وفي وقت سابق، قدم ماريو دراغي، الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي، خطة لإصلاحات اقتصادية طال انتظارها، داعياً إلى استثمار إضافي قدره 800 مليار يورو سنوياً من قبل الاتحاد الأوروبي.

وقد لاقت هذه الخطة دعماً واسعاً من المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي، حتى أن رئيس البنك المركزي الألماني، المعروف بتوجهاته المتشددة، دعا إلى تخفيف القيود على الإنفاق في ألمانيا. وإذا أسفرت الانتخابات في ألمانيا وفرنسا عن حكومات أقوى العام المقبل، فقد يُتذكر عام 2025 ليس بوصفه بداية لأزمة جديدة في منطقة اليورو، بل بوصفه عاماً شهدت فيه المنطقة اتخاذ خطوة كبيرة نحو تحقيق النمو الاقتصادي المستدام.