في أحدث موجة من موجات حركة التطهير الواسعة التي تقوم بها السلطات التركية في ظل حالة الطوارئ التي أعلنت عقب محاولة الانقلاب الفاشلة منتصف يوليو (تموز) الماضي لمدة 3 أشهر اعتبارا من الحادي والعشرين من يوليو، وأعلن عن تمديدها أمس الخميس 3 أشهر أخرى، علقت السلطات بث 10 قنوات فضائية موالية للأكراد، استنادا إلى حالة الطوارئ.
وتتخذ القنوات الفضائية من مدينة ديار بكر كبرى المدن التركية ذات الأغلبية الكردية في جنوب شرقي البلاد مقرا لها، وجاء إغلاقها امتدادا لحملات سابقة طالت قنوات كردية أخرى إضافة إلى صحيفة «أوزجور جوندام» الكردية التي تتمركز في إسطنبول والتي اعتقل غالبية الفريق الذي يعمل بها خلال شهر أغسطس (آب) الماضي.
ومن بين القنوات العشر التي توقف بثها فعليا اعتبارا من مساء الأربعاء قناة أطفال، حذفت جميعها من القمر الصناعي التركي توركسات إلى جانب محطتي إذاعة مواليتين للأكراد.
وسبق أن أغلقت السلطات التركية نحو 3 آلاف مؤسسة إعلامية بمتهمة الانتماء إلى جماعة الخدمة التابعة للداعية فتح الله غولن الذي تتهمه السلطات بتدبير محاولة الانقلاب وإعطاء الأوامر بتنفيذها.
وأصدرت نائبة رئيس حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة في تركيا، زينب التويك أكاتلي تقريرًا إحصائيا حول حصيلة حالة الطوارئ منذ إعلانها في 21 يوليو كشف عن وجود 120 صحافيا معتقلين بسبب أعمالهم الصحافية.
وتشير بيانات جمعية الصحافيين الأتراك واتحاد نقابات العمال الثوريين التركي إلى أنه تم اعتقال 200 صحافي، بينما فقد نحو 2308 صحافيين أعمالهم بعد فرض حالة الطوارئ، في حين تم إغلاق 16 قناة تلفزيونية و3 وكالات أنباء و47 صحيفة و16 مجلة و23 إذاعة و26 موقعا إخباريا بدعوى انتمائها إلى حركة غولن. ودخلت وسائل الإعلام في تركيا ضمن حملة التطهير والتصفية التي أعقبت محاولة الانقلاب في الخامس عشر من يوليو (تموز) الماضي. لكن الحملة على المؤسسات الإعلامية ولا سيما القريبة من الداعية فتح الله غولن المتهم بأنه من يقف وراء محاولة الانقلاب لم تكن وليدة هذه الأجواء.
وتعود الحملة على المؤسسات الإعلامية القريبة من غولن إلى ما بعد تحقيقات الفساد والرشوة في تركيا في أواخر ديسمبر (كانون الأول) 2013، التي وصفها الرئيس رجب طيب إردوغان بأنها كانت محاولة من «منظمة فتح الله غولن» أو الكيان الموازي للانقلاب على حكومته.
وتصاعدت هذه الحملة بسبب المعركة الحادة بين الحكومة وما يسمى بالكيان الموازي، أو حركة الخدمة، الذي صنفته الحكومة كمنظمة إرهابية باسم «منظمة فتح الله غولن»، وكانت الموجة الأولى لهذه الحملة في ديسمبر (كانون الأول) 2014، ووقتها قبض على رئيس تحرير صحيفة «زمان» التركية الأسبق أكرم دومانلي، الذي أفرج عنه لاحقا، والموجود حاليا خارج البلاد، وهدايت كاراجا مدير ممجموعة قنوات سمانيولو الذي لا يزال سجينا حتى الآن بتهمة تتعلق بتأسيس تنظيم إرهابي.
أولى مجموعات غولن التي طالتها يد الوصاية الحكومية بسبب الصراع بين إردوغان وحليفه السابق كانت مجموعة كوزا إيبك، التي تضم قناتي بوجون وكنال تورك وصحيفة بوجون، التي أصدرت السلطات التركية في يوليو قرارا بإغلاقها بعد أن كانت أوقفت بثها في مارس (آذار) الماضي.
وكان دخول قوات الأمن في أواخر 2014 مبنى صحيفة «زمان» التي كانت أعلى الصحف التركية توزيعا بـ650 ألف نسخة يوميا، هو الأول، في ظل حكومة العدالة والتنمية التي حظيت بدعم الصحيفة منذ صعود حزب العدالة والتنمية للسلطة في 2003 وحتى وقوع الفراق بين غولن وإردوغان في 2013، لكنه لم يكن الأخير.
ففي منتصف ليل الجمعة الرابع من مارس (آذار) الماضي اقتحمت قوات الأمن مقر الصحيفة بموجب قرار صادر من محكمة الصلح والجزاء بفرض الوصاية عليها وأطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع والطلقات البلاستيكية لتفريق نحو ألفي متظاهر احتشدوا خارج مقر الصحيفة التي كانت أبرز الصحف التابعة مباشرة لحركة غولن.
وأظهرت لقطات نشرت على مواقع التواصل مداهمة الشرطة مقر الصحيفة في منتصف الليل، مطلقة الغاز المسيل للدموع واستخدام خراطيم المياه وتحطيم بعض الأبواب للدخول إلى المبنى.
وفي هذا الوقت صعد الاتحاد الأوروبي من لهجته إزاء قمع الشرطة التركية لمظاهرة سلمية مساندة لصحيفة «زمان». وعبر المفوض الأوروبي لشؤون التوسيع يوهانس هان عن «قلق بالغ إزاء التطورات في محيط صحيفة زمان، الأمر الذي قال إنه يهدد التقدم الذي أحرزته تركيا في مجالات أخرى».
وأضاف: «سنتابع عن كثب ما يحدث. وعلى تركيا، المرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، أن تحترم حرية الصحافة. الحقوق الأساسية غير قابلة للتفاوض».
كما أعلن المكتب الدبلوماسي للاتحاد الأوروبي في بيان أن «الاتحاد الأوروبي شدد مرارا على أن على تركيا وبوصفها دولة مرشحة للانضمام إلى الاتحاد أن تحترم وتعمل على نشر المعايير والممارسات الديمقراطية العليا بما فيها حرية الإعلام».
وعقب محاولة الانقلاب، أصدرت النيابة العامة قرارا بمنع 400 صحافي من السفر غالبيتهم ممن كانوا يعملون في «زمان» والصحف ووسائل الإعلام الأخرى القريبة من غولن من السفر. وتواصت حملة التطهير في وسائل الإعلام التي أغلق 131 قناة وصحيفة ومجلة منها قريبة من غولن.
فقد أغلقت السلطات التركية 16 قناة تلفزيونية و3 وكالات أنباء و23 إذاعة و45 صحيفة و15 مجلة و29 دار نشر وتوزيع في إطار الحملات الأمنية عقب فرض حالة الطوارئ.
توسعت الحملة بعد ذلك لتشمل صحفا خارج إطار وسائل إعلام غولن لتطول صحافيون في صحيفة حريت، ثم اتجهت إلى الصحف وقنوات التلفزيون الموالية للأكراد بعد أن قررت الدولة اتباع أسلوب جديد لإنهاء المشكلة الكردية يختلف عن الأسلوب الذي اتبعته سابقا حيث أجرت مفاوضات لمدة 3 أعوام بشكل غير مباشر مع زعيم منظمة حزب العمال الكردستاني السجين مدى الحياة عبد الله أوجلان وصلت إلى طريق مسدود.
وكشف خبراء عن أن 80 في المائة من وسائل الإعلام في تركيا الآن باتت ناطقة باسم الحكومة وحزب العدالة والتنمية الحاكم وهو وضع ينتقده الغرب والمنظمات الدولية المدافعة عن الصحافة، وتطالب بتخفيف القيود المفروضة على حرية الصحافة والإعلام في تركيا والإفراج عن الصحافيين المعتقلين.
ويتسم الإعلام الرسمي المملوك للدولة بحالة ضعف، وأبرز ممثل له هو مجموعة قنوات «تي آر تي» الحكومة التي تواجه انتقادات واسعة من جانب خبراء الإعلام بعدم قدرتها على مواكبة القنوات الخاصة التي لعبت الدور الأبرز وقت محاولة الانقلاب وما أعقبها.
وبات وضع وسائل الإعلام في تركيا يثير انتقادات حتى من جانب الكتاب المقربين للرئيس رجب طيب إردوغان وتعرض الكاتب الصحافي التركي الشهير فهمي كورو لهذا الوضع قائلا إن الصحف في تركيا لم تعد تنشر أخبارًا بل أصبحت تنقل فقط تصريحات مسؤولي الحكومة في السياسة الداخلية والخارجية.
وأضاف كورو أن وسائل الإعلام التركية تخصص مساحة كبيرة لتصريحات مسؤولي الحكومة في الوقت الذي تشهد فيه البلاد هجمات انتحارية، مؤكدًا أن وسائل الإعلام لا تهدف لكشف خلفية الأحداث، مستدلاً على هذا بأن الصحف التركية لم تتناول أبدًا أسباب استقالة وزير الداخلية أفكان آلا الذي شغل منصب المحافظ، ثم مستشار رئيس الوزراء، وأخيرا وزير الداخلية، وأن الصحافة اكتفت بإرجاع الأمر إلى تغييرات يجريها الرئيس إردوغان ومسؤولو الحكومة وضعف أدائه.
إغلاق 10 قنوات موالية للأكراد في تركيا بموجب حالة الطوارئ
ضمن حملة تطهير واسعة تثير انتقادات غربية

الرئيس التركي طيب إردوغان يلقي خطابا في بالمخاتير في أنقرة أمس (أ.ف.ب)
إغلاق 10 قنوات موالية للأكراد في تركيا بموجب حالة الطوارئ

الرئيس التركي طيب إردوغان يلقي خطابا في بالمخاتير في أنقرة أمس (أ.ف.ب)
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة