التدخل العسكري لروسيا يكمل عامه الأول ويعمق مأزقها في «المستنقع السوري»

4 سيناريوهات محتملة.. وفوز كلينتون المحتمل سيحول بوتين من راع للحل إلى جزء من الأزمة

عامل روسي يتجاوز دبابة روسية موهت بألوان الصحراء، في المعرض الدائم للمعدات العسكرية والمركبات في باتريوت بارك في كوبينكا، خارج موسكو، يوم 8 سبتمبر  (إ ف ب)
عامل روسي يتجاوز دبابة روسية موهت بألوان الصحراء، في المعرض الدائم للمعدات العسكرية والمركبات في باتريوت بارك في كوبينكا، خارج موسكو، يوم 8 سبتمبر (إ ف ب)
TT

التدخل العسكري لروسيا يكمل عامه الأول ويعمق مأزقها في «المستنقع السوري»

عامل روسي يتجاوز دبابة روسية موهت بألوان الصحراء، في المعرض الدائم للمعدات العسكرية والمركبات في باتريوت بارك في كوبينكا، خارج موسكو، يوم 8 سبتمبر  (إ ف ب)
عامل روسي يتجاوز دبابة روسية موهت بألوان الصحراء، في المعرض الدائم للمعدات العسكرية والمركبات في باتريوت بارك في كوبينكا، خارج موسكو، يوم 8 سبتمبر (إ ف ب)

تُنهي روسيا، العام الأول، من تدخلها العسكري في سوريا، بحلول نهاية سبتمبر (أيلول) الحالي، الذي جاء تحت عنوان «محاربة الإرهاب»، لكن الوقائع أثبتت أن المهمّة موسكو كانت بعيدة عن هذا الواقع، فهدفها الأول والأخير كان ترسيخ وجودها في المنطقة، وتكريس دورها كقوّة دولية مستفيدة من الانكفاء الأميركي، والغياب الأوروبي، لكن جلّ ما أنجزته أنها تمكنت من إبقاء بشار الأسد فترة أطول في السلطة.
وبدخولها العام الثاني، يبدو الدور الروسي محفوفًا بصعوبات ومآزق كبيرة، برأي الخبراء، لأن وصول هيلاري كلينتون إلى البيت الأبيض، في حال تحقق، سيبدل الوضع في المنطقة ومنها سوريا، وسيحول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من لاعب فاعل إلى جزء من الأزمة السورية.
هذا الواقع تناوله تقرير مفصّل أعده مركز «جسور» للدراسات، اعتبر فيه أن ما حققته موسكو من تدخلها العسكري في سوريا ينقسم إلى قسمين؛ الأول يتعلّق بالصراع مع الولايات المتحدة والغرب، حيث تمكنت من إرغام واشنطن على الدخول في مفاوضات ثنائية ومباشرة تبدو في العلن ذات صلة بالوضع في سوريا، ولكنها في الواقع تتصل بنقاط الخلاف العميقة بين الطرفين، ومنها مسائل الدرع الصاروخية، ونصب صواريخ قرب حدود روسيا، وتدخلات واشنطن لعرقلة بيع النفط والغاز الروسي إلى أوروبا.
أما القسم الثاني فيرتبط بالوضع السوري، حيث تمكنت موسكو من تثبيت وضع نظام الأسد في الظاهر، وفي الواقع الإمساك بورقة النظام وتوظيفها لخدمة السياسة الروسية إقليميًا ودوليًا، وتجلى ذلك بأن حركة النظام عسكريًا ومواقفه سياسيًا باتت تحتاج إلى موافقة روسية مسبقة، عكستها آلية التعامل مع رأس النظام بشار الأسد، والعمل على إحداث تغيير جذري في مرجعية جنيف (2012)، واستخدام ورقة «الإرهاب» كمجال للتمدد العسكري ميدانيًا.
هذه المقاربة أيدها المحلل الاستراتيجي خطار بودياب، الذي أكد لـ«الشرق الأوسط»، أنه «منذ بدايات الأزمة السورية، استثمر بوتين كل طاقته في دعم بشار الأسد، لتكون سوريا نقطة ارتكاز حيوية للعودة إلى الساحة الدولية، والوصول إلى المياه الدافئة وفرض نفسه لاعبًا دوليًا». ورأى بودياب، وهو أستاذ العلاقات الدولية في جامعة «باريس الجنوب»، أن الرئيس الروسي «استفاد من ضعف سياسة باراك أوباما، الذي سلّمه مفتاح الحل في سوريا، لكن بوتين أصيب الآن بنكسة كبيرة، لأنه لم يتمكن من فرض حلّ في سوريا قبيل رحيل أوباما»، مشيرًا إلى أن «الضربة الأميركية لموقع قوات النظام في دير الزور، أصابت بوتين في الصميم، خصوصًا بعد المعلومات التي تتحدث عن مقتل مستشارين روس في الغارة الأميركية، مما يعني أن كل فرص الحل قد تبخرت».
ولم يغفل تقرير «جسور» هذا الأمر، حيث قال: «كلما اقترب الرئيس أوباما من نهاية ولايته، دون التوصل لاتفاق بين واشنطن وموسكو، يلاحظ تزايد مستوى الغضب والتوتر الذي يعتري السلوك الروسي في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط»، لافتًا إلى أن «إدارة بوتين أفرطت في استخدام أوراقها، بما فيها القوة العسكرية بتبعاتها الأخلاقية والقانونية والسياسية، سعيًا للضغط على الإدارة الأميركية لدفعها لإنجاز اتفاق ثنائي».
وأضاف التقرير: «لعلّ إصرار واشنطن على إبعاد حلفائها عن جوهر المفاوضات التي بقيت طَي الكتمان، يشي بخطورة الصفقة التي تمت ولم تكتمل بعد، ستكون في شقها غير المعلن أثر على السوريين ودول الإقليم، وفي مقدمتها تركيا والسعودية، اللتان تواجهان تحديات أمنية مقلقة نتيجة التحولات في السياسية الأميركية في الشرق الأوسط»، مرجحًا أن تتضمن الصفقة «وجودًا أوسع لموسكو في قواعد عسكرية ثابتة في سوريا، ونفوذًا من منطقة الساحل إلى غرب حلب مع ضمِّ منطقة الوسط، بحيث تخصص لنظام الأسد، ضمن مفهوم سوريا المفيدة، إلى جانب حضور لافت في البحر المتوسط للأسطول الروسي».
لكن عجز روسيا عن ترسيخ حلّ سياسي يتوافق مع طموحاتها، رغم كل الأسلحة التي استخدمتها في سوريا، يؤشر إلى أن النتائج لن تكون لصالح موسكو من الآن وصاعدًا، برأي خطار بودياب، الذي رفض التكهّن بما سيكون عليه المشهد في المرحلة المقبلة، وقال: «الأمر سيتوقف على سياسة الإدارة الأميركية المقبلة، وعلى رغم كل إمكانات بوتين العسكرية، فإنه بات منزلقًا في المستنقع السوري، نتيجة الوضع الاقتصادي السيئ في روسيا والخسائر التي تتكبدها بلاده نتيجة الحرب في سوريا والعقوبات الدولية».
وأضاف بودياب: «أنا لا أستخفّ بقدرات بوتين السياسية الذي ركّز علاقته مع إيران، ولم يقطع علاقاته بدول الخليج العربي، ونجاحه في أن يكون بطل التقاطعات، لكن إذا أتت هيلاري كلينتون إلى البيت الأبيض فلن تكون مهمته سهلة، وعندها سينتقل من راعٍ للحل، إلى جزء من الأزمة في سوريا». وإذ لفت إلى أن «روسيا استطاعت أن تحقق إنجازات في سوريا نتيجة التردد الأميركي والغياب الأوروبي»، فإنه أشار إلى أن «موسكو باتت عاجزة كليًا عن إعادة الاستقرار إلى سوريا، وقد لا تكون قادرة على حماية ما أنجزته حتى الآن».
وأدرج التقرير الذي أعدّه مركز «جسور» الإعلان الروسي - الأميركي ضمن أربعة سيناريوهات، الأول إمكانية توصل الطرفين إلى اتفاق عنوانه الوضع في سوريا، ويشمل تفاهمات حول أوروبا و«الناتو» وقضايا أخرى، لكن التحدي الذي سيواجهه مثل هذا الاتفاق هو ضمان التزام أميركي بها مع قدوم إدارة جديدة، خصوصًا في حال نجاح الجمهوري دونالد ترامب، إضافة إلى احتمال مقاومة دول الإقليم لها إذا مسَّت مصالحها الحيوية.
السيناريو الثاني يرتبط بالتفاهمات الإقليمية، بحيث يكون هذا السيناريو بديلاً عن الصفقة مع واشنطن، وستعمد إليها روسيا في حال فشل اتفاقها الحالي أو يأسها من تغيُّر الموقف الأميركي استراتيجيًا، والخوف من آثار تدخلها العسكري في سوريا لعام ثانٍ، مع احتمال تطور الصراع ودخول عوامل جديدة تعرض القوات الروسية لخسائر نوعية.
السيناريو الثالث، يرتبط باستخدام العنف المفرط بعد انهيار الهدنة، حيث تعود القوات الروسية لما كانت عليه قبيل الهدنة، والاستمرار بحالة اللاتفاهم مع واشنطن والأطراف الإقليمية، أو التوصل إلى تفاهمات غير مكتملة، مما يعني توقع استمرار معاناة الشعب السوري وبقاء الوضع دون حلِّ سياسي.
أما السيناريو الرابع، فيقوم على عنصر المفاجأة، وهو يستند إلى احتمال حدوث تطورات غير متوقعة لدى أحد الأطراف المركزية، تؤدي إلى تغيير في التموضع الاستراتيجي أو تبدلات جوهرية في الموقف من الأزمة السورية، مثل انقلاب 15 يوليو (تموز) في تركيا، وتطورات ملف نفوذ PKK وتفرعاته، الذي جعل خطر إقامة كيان انفصالي جنوب تركيا عاملاً مؤثرًا في تغيير نظرتها وأسلوب تعاملها مع القضية السورية. وخلص التقرير إلى أن موسكو «تواجه وضعًا صعبًا ومقلقًا لها، رغم محاولة الإيحاء بأنها في وضع إيجابي استراتيجيًا». ورأى أن «عدم نجاحها في تحقيق الهدف المركزي من تدخلها في سوري، سيجعل أي مكاسب جانبية عديمة الفائدة من ناحية التأثير على دورها في المنظومة الدولية، كما أن عامل الوقت يشكل عنصرًا ضاغطًا عليها، إضافة إلى الغموض في شكل وطبيعة الإدارة الأميركية الجديدة، التي لا يتوقع أن تكون شبيهة بحالة أوباما التي نُعتت بالضعف وعدم المبادرة».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.