استعادة النظام مخيم حندرات قد تمهّد لدخوله حلب.. والمعارضة تشكّك بطلب موسكو الهدنة

«الدفاع المدني»: سقوط 400 قتيل و1700 جريح خلال أسبوع من انتهاء وقف إطلاق النار

عناصر الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) يقدمون المساعدة في حي الشعار بحلب الثلاثاء الماضي بعد أن استهدفه الطيران الروسي الأسدي (رويترز)
عناصر الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) يقدمون المساعدة في حي الشعار بحلب الثلاثاء الماضي بعد أن استهدفه الطيران الروسي الأسدي (رويترز)
TT

استعادة النظام مخيم حندرات قد تمهّد لدخوله حلب.. والمعارضة تشكّك بطلب موسكو الهدنة

عناصر الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) يقدمون المساعدة في حي الشعار بحلب الثلاثاء الماضي بعد أن استهدفه الطيران الروسي الأسدي (رويترز)
عناصر الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) يقدمون المساعدة في حي الشعار بحلب الثلاثاء الماضي بعد أن استهدفه الطيران الروسي الأسدي (رويترز)

استطاعت قوات النظام التقدم في حلب مستعيدة السيطرة على مخيم حندرات، ما سيمهّد دخوله إلى القسم الشمالي من المدينة، في وقت سجّل فيه تراجع للقصف على المدينة، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان. في غضون ذلك أعلن الدفاع المدني عن سقوط أكثر من 400 قتيل في الأسبوع الذي تلا إنهاء الهدنة وأكثر من 1700 جريح، فيما استهدف الطيران الحربي الروسي يوم أمس الفرن الآلي الأخير في مدينة عندان بريف حلب، ما أدى إلى توقفه عن العمل بشكل كامل، وحرمان سكان المنطقة من مادة الخبز. ووصف رئيس الائتلاف الوطني أنس العبدة ما يقوم به النظام وحلفاؤه بـ«جرائم حرب شنيعة في حلب، ويسعون لتدمير المدينة التاريخية بشكل كامل»، في حين اعتبرت المعارضة أن عرض روسيا بهدنة 48 ساعة في حلب ليس إلا كلاما إعلاميا يبدو واضحا أنه يخالف كل استراتيجيتها التي تتبعها اليوم في معركة حلب.
وفي هذا الإطار، أكد نائب رئيس الائتلاف السابق، هشام مروة، أنه لم تعرض على المعارضة أي خطة أو اقتراح لهدنة في حلب، معبرا في الوقت عينه عن أمله بحدوث ذلك في ظل كل ما يحصل بالمدينة وأهلها. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «روسيا تعتمد على سياستين، إحداهما إعلامية والثانية عملية، في الأولى تبدي المواقف الإيجابية والغربة بالوصول إلى حلول، وفي الثانية تنفذ استراتيجيتها العسكرية ومن يدعو إلى هدنة عليه أولا احترام القرارات الدولية». وأضاف: «آخر ما يفكر به الروس الذين افتقدوا إلى المصداقية في الوقت الحالي هو الهدنة، هم حريصون الآن على تحقيق أي إنجاز عسكري على الأرض قبل نهاية ولاية الرئيس الأميركي ليستثمروه فيما بعد في المفاوضات السياسية».
وفي لقاء مع رئيس مكتب الدفاع المدني في مدينة حلب، إبراهيم هلال، ومدير الدفاع المدني في حلب عمار سلمو، أكد العبدة أن فرق الدفاع المدني محمية بموجب القوانين الدولية، ويعتبر استهدافها جريمة حرب.
ولفت هلال إلى أن القصف شمل كل الأحياء المحاصرة بما فيها الأحياء المكتظة بالسكان، مشيرًا إلى أن العدوان استخدم 19 مرة أسلحة ارتجاجية، وسقط خلال الأيام الثمانية التي تلت إعلان إنهاء الهدنة أكثر من 400 قتيل وما يزيد على 1700 جريح.
وأكد أن فرق الدفاع المدني وفرق الإسعاف لم تتمكن من أداء واجبها بسبب القصف المكثف، خصوصا بعد خروج مركزين عن الخدمة وتدمير جميع آلياتهما، مضيفًا أنه بقي مركزان يعملان داخل أحياء حلب المحاصرة، الأول مخصص للإطفاء والثاني للإنقاذ. وحذر رئيس مكتب الدفاع المدني من نفاد المواد الأساسية في المدينة المحاصرة وعلى الأخص مادة الطحين.
وعلى الصعيد الميداني، تمكنت قوات النظام من السيطرة على مخيم حندرات بعد أيام على خسارته، فيما أشار المرصد إلى أن القصف الروسي وقصف النظام استمر أمس على أحياء حلب الشرقية، إنما بوتيرة أقل من الأيام السابقة، واستمرت الغارات في محاولة لكسر معنويات سكان أحياء حلب الشرقية، ودفعهم للنزوح باتجاه مناطق سيطرة النظام في مدينة حلب، كما أدت الغارات على مدينة عندان بريف حلب إلى إخراج الفرن الوحيد في المدينة عن الخدمة.
ورأى مدير المرصد، رامي عبد الرحمن، أن سيطرة النظام على مخيم حندرات قد يمهّد لدخوله القسم الشمالي من شرق المدينة، موضحا في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، «أن السيطرة هذه المرة على المخيم يبدو أنها ستصمد لوقت أطول بعدما عمد النظام إلى تثبيت النقاط التي استعادها إلا إذا قامت فصائل المعارضة بهجوم مضاد ومفاجئ». واعتبر عبد الرحمن أن قرار النظام بدخول المدينة، وعدم الاكتفاء بحصارها، يعود لسببين أساسيين، هما: تهجير المدينة من أبنائها باتجاه المنطقة الخاضعة لسيطرته، إضافة إلى أن تكلفة الحصار إذا طالت مدته، تبقى أعلى.
وهذه هي المرة الثانية التي تسيطر فيها قوات النظام على المخيم منذ بدأت عملية عسكرية في حلب الأسبوع الماضي. وأكد زكريا ملاحفجي من جماعة «فاستقم»، أن المعسكر وقع في يد قوات النظام التي كانت سيطرت عليه يوم السبت الماضي قبل أن تنتزعه المعارضة من جديد في هجوم مضاد في اليوم نفسه.
من جهة أخرى، قال ناشطون إن الطيران الروسي استهدف فرن عندان بشكل مباشر بعدة صواريخ أسفرت عن اشتعال النيران في داخله بشكل كبير، ودمار في معداته والبناء، ما تسبب بخروجه عن الخدمة، وتوقفه عن العمل بشكل كامل، حيث قامت فرق الدفاع المدني بإخماد الحرائق الناجمة عن القصف.
ويعتبر فرن عندان الآلي الفرن الوحيد المتبقي لسكان المدينة وريفها وبتدميره حرم الآلاف من المدنيين من الخبز، ما يشكل أزمة كبيرة وضغطا على الأفران الأخرى الموجودة في المدن المجاورة لتعويض النقص الناجم عن تدميره.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.