كولومبيا: نهاية مرحلة كتب تاريخها الرصاص

رئيسها يرحب بالثوار في أحضان «الديمقراطية».. وهم يعتذرون

كولومبيا: نهاية مرحلة كتب تاريخها الرصاص
TT

كولومبيا: نهاية مرحلة كتب تاريخها الرصاص

كولومبيا: نهاية مرحلة كتب تاريخها الرصاص

أمام نحو ألفين و500 مدعو ارتدوا ملابس بيضاء رحب الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس، إثر توقيعه في كارتاهينا اتفاق سلام تاريخيا بقرار «فارك» الحركة الماركسية المتمردة ترك العمل المسلح والتحول إلى حزب سياسي، قائلا: «بصفتي رئيس الدولة التي نحب جميعا، أرحب بكم في الديمقراطية»، مضيفا: «أفضل اتفاقا غير كامل ينقذ أرواحا على حرب كاملة».
ومن بين الذين شهدوا توقيع الاتفاق التاريخي 14 رئيس دولة وحكومة، والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ولفيف من كبار الدبلوماسيين، إلى جانب 400 من ضحايا الحرب وأكثر من مائة عنصر من المتمردين.
وقال سانتوس، في خطاب ألقاه خلال حفل التوقيع على الاتفاق الذي ينهي حربا استمرت أكثر من نصف القرن وخلفت مئات آلاف القتلى والمفقودين.
وخلال حفل ضخم أقيم في المدينة الساحلية وقع على الاتفاق بقلم مصنوع من رصاصة أعيد تدويرها ومنقوش عليها عبارة «الرصاص كتب ماضينا.. التعليم مستقبلنا». الاتفاق المؤلف من 297 صفحة وقع عليه كل من الرئيس سانتوس، وقائد «فارك» رودريغو لوندونيو، المعروف أكثر باسميه الحركيين «تيموليون خيمينيز» و«تيموشنكو».
وهذا الاتفاق الذي تم التوصل إليه في هافانا في 24 أغسطس (آب) لا يزال بحاجة إلى أن يصادق عليه الكولومبيون في استفتاء يجري الأسبوع المقبل كي يدخل حيز التنفيذ.
وطلب الزعيم الثوري رودريغو لوندونيو، إثر توقيعه على الاتفاق، الصفح من «ضحايا النزاع»، في مبادرة هي الأولى من نوعها. ودعا إلى «مرحلة جديدة من المصالحة» والسلام بعد حرب استمرت أكثر من نصف قرن وخلفت مئات آلاف القتلى والمفقودين. وقال: «باسم القوات المسلحة الثورية الكولومبية، أعتذر بصدق لجميع ضحايا النزاع عن أي ألم قد نكون تسببنا به أثناء هذه الحرب». وأضاف: «نحن نولد من جديد لإطلاق مرحلة جديدة من المصالحة وبناء السلام».
وبعد ذلك حلق سرب من الطائرات فوق كارتاهينا. وقال زعيم التمرد مازحا أمام سانتوس الذي بدا مبتسما إن هذه الطائرات جاءت «تحيي السلام وليس لتلقي قنابل».
قال رئيس الدولة: «لا حرب بعد الآن! لا حرب بعد الآن!»، قبل أن يكرر الحشد وراءه هذه العبارة. وأضاف: «لا مزيد من القتلى بعد الآن (..) الحرب عبثية»، مشيدا بقرار حركة التمرد «استبدال التصويت بالرصاص» عبر هذا الاتفاق الذي يسمح لهم بالتحول إلى حزب سياسي.
وقال كبير مفاوضي الحكومة أومبرتو ديلا كالي لوكالة الصحافة الفرنسية إن «الأساس في كل ذلك هو ألا نقتتل من أجل أفكار». وأكد ديلا كالي الذي خاض المفاوضات لأربع سنوات مع المتمردين أنه «أفضل اتفاق ممكن».
وحضر توقيع الاتفاق رؤساء 15 دولة أميركية لاتينية من بينهم الكوبي راؤول كاسترو الذي استضافت بلاده لأربع سنوات مفاوضات السلام التي جرت برعاية النرويج وفنزويلا وتشيلي أيضا.
وهنأ الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون «كل الذين جعلوا هذا اليوم مهما وأوجدوا شروط سلام دائم». أما وزير الخارجية الأميركي جون كيري فقد رأى أن كولومبيا «قامت بخطوة هائلة». من جهته دعا الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان إلى إحلال «العدالة لبناء كولومبيا».
أما الرهينة السابقة لدى «فارك» أنغريد بيتانكور فقد قالت إنها تشعر «بارتياح كبير» ورحبت «بنهاية الكابوس». وقالت في اتصال هاتفي مع الصحافة الفرنسية: «لحسن الحظ انتهى الأمر!».
وصادقت حركة «فارك» التي انبثقت في 1964 عن تمرد للفلاحين وتضم اليوم نحو سبعة آلاف مقاتل، على اتفاق السلام الجمعة خلال مؤتمر وطني نظم في إل ديامانتي في قلب معقلها التاريخي في كاغوان (جنوب شرق).
شارك في النزاع المسلح على مر العقود عدد من مختلف حركات التمرد اليساري المتطرفة بينها «جيش التحرير الوطني» التي تؤمن بمبادئ تشي جيفارا والتي ما زالت ناشطة بعددها البالغ 1500 مقاتل، وقد أسفر هذا النزاع عن سقوط أكثر من 260 ألف قتيل و45 ألف مفقود ونزوح 6.9 مليون شخص من بيوتهم.
ولا يرتدي هذا المنتجع الساحلي السياحي الذي لم يطله النزاع، أي طابع رمزي.
واختيرت كارتاهينا التي أدرجت بمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونيسكو) المدينة المحصنة التي بنيت في عهد الاستعمار فيها، على لائحة التراث العالمي، بسبب بنيتها التحتية. وقد فضلتها السلطات على العاصمة بوغوتا التي يمكن أن يسبب موقعها على ارتفاع 2600 متر، مشاكل لبعض الضيوف.

وقبل مراسم التوقيع، اعتبر سانتوس في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» أن توقيع الاتفاقية «يوم جديد لكولومبيا، مرحلة جديدة من تاريخنا، مرحلة لبلد به سلام». وردت «فارك» بالمثل معلنة: «انتهت حرب الأسلحة، وبدأ نقاش الأفكار».
ويتضمن الاتفاق بنودا بشأن المشاركة السياسية لـ«فارك» والعدالة الانتقالية لتهمة ارتكاب جرائم حرب، فضلا عن الإصلاحات الريفية وإعادة إدماج المقاتلين المسرحين في الحياة المدنية. وفي النصف الأول من العام المقبل، سيجري نقل نحو 8 آلاف من مقاتلي «فارك» المتبقين إلى 23 منطقة معينة من البلاد لتسليم أسلحتهم في عملية تشرف عليها الأمم المتحدة.
وأعلنت الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، فيديريكا موغيريني، يوم الاثنين، أن التكتل الأوروبي سوف يرفع حركة القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك) من قائمته الخاصة بالمنظمات الإرهابية، بعد توقيع الحركة على اتفاق السلام مع حكومة كولومبيا. وأضافت موغيريني أن الاتحاد الأوروبي مستعد أيضا لتقديم حزمة مساعدات بقيمة 600 مليون يورو (676 مليون دولار أميركي) لتقديم الدعم لكولومبيا، خصوصا لمساعدتها على تنفيذ اتفاق السلام.
ومن أجل أن يدخل اتفاق السلام حيز التنفيذ، لا بد أن تتم الموافقة عليه في استفتاء وطني يعقد يوم الأحد. وأظهرت استطلاعات الرأي التي أجريت مؤخرا أن أكثر من نصف الناخبين المحتملين سيؤيدون الاتفاق.
وستبدأ كولومبيا قريبا محادثات مع جماعة متمردة يسارية أخرى وهي «جيش التحرير الوطني».



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».