جولة على أشهر أطباق السعودية

وصفات تتوارثها الأجيال لتبقى سرًا من أسرار المطبخ

جولة على أشهر أطباق السعودية
TT

جولة على أشهر أطباق السعودية

جولة على أشهر أطباق السعودية

الكبسة باللحم أو الدجاج أو السمك، والمرقوق والجريش والمثلوثة والمبطن، والمطازيز والكليجا والحنيني والخبيصة والمعصوب، هذه وغيرها أكلات سعودية معروفة ومرغوبة، بعضها سهل الصنع، وبعضها يحتاج إلى خبرة وصبر.
ومما يلفت النظر بالمملكة العربية السعودية تنوع المذاقات حسب الموقع الجغرافي، ولهذا قد تختلف الأطباق ووصفاتها بالمنطقة الشرقية عن تلك التي تشتهر بها المنطقة الغربية، كما تختلف عما هو سائد في نجد والحجاز والمنطقة الجنوبية. أضف إلى ذلك وبسبب التغيرات المناخية الصحراوية المتباينة التي تسود المملكة هناك أطعمة صيفية وأخرى شتوية، ناهيك بأكلات محببة في رمضان وفي الأعياد.
هذا، وإن اتفقت المناطق بصورة عامة في الاعتماد على الأرز والقمح والزعفران، وعشق القهوة العربية التي يحمص بنها تحميصا خفيفا، وتسخن قبل أن تصير حبوب البن سوداء داكنة.
وتطبخ بإضافة البن للماء ويغليان لبعض الوقت، وفي اللحظة الأخيرة يضاف مقدار من الهيل (الحبهان). بواسطة دلو تصب في فناجيل زجاجية صغيرة لا صحون لها وتملأ إلى منتصفها فقط ولا تسكر. تعاد الكرة مرات ومرات ومرات مع تناول تمرات.
وللسعوديين تمور بمختلف الألوان والأحجام والملمس والطعم. ويعامل السعوديون تمورهم كثروة يتزودون بها أينما حلوا، ومنها يصنعون عصيدة وحلو وكيك وحشوات كعك.
من جانبها تشتهر مطاعم شعبية باعتمادها اعتمادا كاملا على تقديم بعض تلك الأطباق التقليدية، ومن تلك المطاعم من يختار مواقع «غالية»، مفضلين أن يكونوا في معية مراكز تجارية فخمة أو قيصريات تعنى بالتراث.
من جانبهن تفتخر سعوديات بأن وصفاتهن لكل طبق «سرية» توارثنها أما عن جدة.
علي بن علي، طاه يمني قدمه لـ«الشرق الأوسط»، ريان أبو جبارة، المشرف على مطعم القيصرية الشعبي، براشد مول بمدينة الدمام، باعتباره من الذواقة المعتمدين، «إذا لم يرض عن طعم الشاي الكرك فإن الشاي لن يباع ويسكب ويتم صنعه من جديد». والشاي الكرك من أكثر الطلبات رواجا، ويتم تحضيره بغلي حب الشاي مع سكر وزعفران وهيل وقرفة، إلى أن تتركز النكهة ثم يضاف الحليب والأفضل حليب مركز.
وأصله هندي والكلمة تعني جامد. ويضيف بعض الهنود إلى تلك المطيبات فلفلا أسود، وهناك من الخليجيين من يمزج بين طريقة الشاي الكرك وطريقة صنع الشاي «العدني». وبالطبع لكل وصفته السرية التي رفض أبو علي وأبو جبارة أن يفصحا لنا عنها، وفضلا الرد على سؤالنا عن أغرب الطلبات التي صادفتهما بأن أحدهم طلب قهوة عربية، مصرا أن يضاف إليها «حليب وسكر»! مؤكدين وهما يضحكان أن ذلك «طلب يحاسب عليه القانون».
بالإضافة إلى شاي الكرك هناك شاي الورد، ويصنع من أوراق الورد الجوري، بإضافة قليل من الشاي الأخضر، كما هناك شاي تلقيمة سهل الإعداد، إذ يغلى الماء «تفويحه»، ومن ثم يصب مقدار السكر ويغليان سويا، وأخيرا يضاف الشاي دون غلي، ويترك الخليط بعض الوقت ليصب. هذا بالإضافة إلى شاي سماور الذي تعود جذوره إلى أيام روسيا القيصرية، وحسب مصادر «الشرق الأوسط» فإن أول إناء سماور صنع عام 1717، ومن روسيا انتقل إلى بلاد أخرى، بما في ذلك تركيا وإيران، كما وصل إلى دول الخليج، ويتوافر بالصومال، وموجود بمطاعم أوروبية، وتحتفظ بعض الأسر بإناء السماور كتحف تراثية.
ولإعداده يتم استخدام إناء السماور لغلي الماء وتقطير بخاره داخل إبريق يحتوي على الشاي، يوضع فوق إناء غلي الماء. تحتاج هذه العملية إلى وقت قد يزيد إلى الساعة إن تم الإعداد وفق الطريقة التقليدية، وألا يمكن استخدام معدات أكثر حداثة لا تزيد على إبريقين، أحدهما لماء مغلي والآخر لشاي مركز.
بالإضافة إلى الشاي تتنوع المأكولات التقليدية وطرق طبخها، بما في ذلك «الفول»، ويأكل السعوديون في إفطارهم كثيرا من الفول ومثلهم المصريون والسودانيون.
وهناك فول يطبخونه لدرجة الذوبان مع العدس، ويطيبونه بجوزة الطيب ودارسين (غرفة) وهيل، ويقدم مع خبز هولي وخبز تبيس، برفقة جبنة الحلوم مشوية. وعندهم فول يسمونه القلابة ويطبخ بالطماطم والصلصلة، كما يقدم المطعم كبدة غنم طازجة بالمعلاق مع جبن شيدر مبشور.
خلافا لتلك الأطعمة التقليدية تمتاز مدن المنطقة الشرقية التي يزينها كورنيش الخليج العربي بمطاعم حديثة متخصصة في الأطعمة البحرية، بالإضافة إلى أطعمة عالمية. من تلك المطاعم بمدينة الخبر مطعم «سنبوك» للعائلات، الحائز على أكثر من جائزة عالمية، آخرها جائزة Travelers Choice لعام 2015. يقع المطعم مواجها من على بُعد لجسر الملك فهد الذي يصل المملكة العربية السعودية بمملكة البحرين.
بدوره يهتم السنبوك بالأواني التي يختارها لتقديم مأكولاته. وإن كانت الأواني تقليدية أثرية في المطاعم التراثية، فإنها بـ«السنبوك» حديثة تعتمد على التقنية والشموع في الحفاظ على درجة حرارة الأطعمة ساخنة، خصوصا الحساءات التي تموج بالروبيان والقواقع، كما يوفر ثلاجات عرض حي لأسماك وسرطانات بحر، ليختار الزبون ما يشتهي.



«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
TT

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة، وتنوع أطباقه التي تبدأ من زبدية الجمبري والكاليماري إلى الفسيخ بطريقة مختلفة.

وتعتبر سلسلة المطاعم التي تحمل اسم عائلته «أبو حصيرة» والمنتشرة بمحاذاة شاطئ غزة هي الأقدم في الأراضي الفلسطينية، لكن بسبب ظروف الحرب اتجه بعض أفراد العائلة إلى مصر؛ لتأسيس مطعم يحمل الاسم العريق نفسه، وينقل أطباق السمك الحارة المميزة إلى فضاء جديد هو مدينة القاهرة، وفق أحمد فرحان أحد مؤسسي المطعم.

«صينية السمك من البحر إلى المائدة»، عنوان إحدى الأكلات التي يقدمها المطعم، وهي مكونة من سمك الـ«دنيس» في الفرن بالخضراوات مثل البقدونس والبندورة والبصل والثوم والتوابل، وإلى جانب هذه الصينية تضم لائحة الطعام أطباق أسماك ومقبلات منوعة، تعتمد على وصفات قديمة وتقليدية من المطبخ الفلسطيني. وتهتم بالنكهة وطريقة التقديم على السواء، مع إضفاء بعض السمات العصرية والإضافات التي تناسب الزبون المصري والعربي عموماً؛ حيث بات المطعم وجهة لمحبي الأكلات البحرية على الطريقة الفلسطينية.

على رأس قائمة أطباقه السمك المشوي بتتبيلة خاصة، وزبدية الجمبري بصوص البندورة والتوابل وحبات القريدس، وزبدية الجمبري المضاف إليها الكاليماري، والسمك المقلي بدقة الفلفل الأخضر أو الأحمر مع الثوم والكمون والليمون، وفيليه كريمة مع الجبن، وستيك، وجمبري بصوص الليمون والثوم، وجمبري بالكريمة، وصيادية السمك بالأرز والبصل والتوابل.

فضلاً عن قائمة طواجن السمك المطهو في الفخار، يقدم المطعم قائمة متنوعة من شوربات السي فود ومنها شوربة فواكه البحر، وشوربة الكريمة.

يصف محمد منير أبو حصيرة، مدير المطعم، مذاق الطعام الفلسطيني لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «هو أذكى نكهة يمكن أن تستمتع بها، ومن لم يتناول هذا الطعام فقد فاته الكثير؛ فالمطبخ الفلسطيني هو أحد المطابخ الشرقية الغنية في منطقة بلاد الشام، وقد أدى التنوع الحضاري على مر التاريخ إلى إثراء نكهته وطرق طبخه وتقديمه».

أطباق سي فود متنوعة يقدمها أبو حصيرة مع لمسات تناسب الذوق المصري (الشرق الأوسط)

وأضاف أبو حصيرة: «وفي مجال المأكولات البحرية يبرز اسم عائلتنا التي تتميز بباع طويل ومميز في عالم الأسماك. إننا نتوارثه على مر العصور، منذ بداية القرن الماضي، ونصون تراثنا الغذائي ونعتبر ذلك جزءاً من رسالتنا».

«تُعد طرق طهي الأسماك على الطريقة الغزاوية خصوصاً حالة متفردة؛ لأنها تعتمد على المذاق الحار المميز، وخلطات من التوابل، والاحتفاء بالطحينة، مثل استخدامها عند القلي، إضافة إلى جودة المكونات؛ حيث اعتدنا على استخدام الأسماك الطازجة من البحر المتوسط المعروفة»، وفق أبو حصيرة.

وتحدث عن أنهم يأتون بالتوابل من الأردن «لأنها من أهم ما يميز طعامنا؛ لخلطتها وتركيبتها المختلفة، وقوتها التي تعزز مذاق أطباقنا».

صينية أسماك غزوية يقدمها أبو حصيرة في مصر (الشرق الأوسط)

لاقت أطباق المطعم ترحيباً كبيراً من جانب المصريين، وساعد على ذلك أنهم يتمتعون بذائقة طعام عالية، ويقدرون الوصفات الجيدة، والأسماك الطازجة، «فنحن نوفر لهم طاولة أسماك يختارون منها ما يريدون أثناء دخول المطعم».

ولا يقل أهمية عن ذلك أنهم يحبون تجربة المذاقات الجديدة، ومن أكثر الأطباق التي يفضلونها زبدية الجمبري والكاليماري، ولكنهم يفضلونها بالسمسم أو الكاجو، أو خليط المكسرات، وليس الصنوبر كما اعتادت عائلة أبو حصيرة تقديمها في مطاعمها في غزة.

كما انجذب المصريون إلى طواجن السي فود التي يعشقونها، بالإضافة إلى السردين على الطريقة الفلسطينية، والمفاجأة ولعهم بالخبز الفلسطيني الذي نقدمه، والمختلف عن خبز الردة المنتشر في مصر، حسب أبو حصيرة، وقال: «يتميز خبزنا بأنه سميك ومشبع، وأصبح بعض الزبائن يطلبون إرساله إلى منازلهم بمفرده أحياناً لتناوله مع وجبات منزلية من فرط تعلقهم به، ونلبي لهم طلبهم حسب مدير المطعم».

تحتل المقبلات مكانة كبيرة في المطبخ الفلسطيني، وهي من الأطباق المفضلة لدى عشاقه؛ ولذلك حرص المطعم على تقديمها لزبائنه، مثل السلطة بالبندورة المفرومة والبصل والفلفل الأخضر الحار وعين جرادة (بذور الشبت) والليمون، وسلطة الخضراوات بالطحينة، وبقدونسية بضمة بقدونس والليمون والثوم والطحينة وزيت الزيتون.

ويتوقع أبو حصيرة أن يغير الفسيخ الذي سيقدمونه مفهوم المتذوق المصري، ويقول: «طريقة الفسيخ الفلسطيني وتحضيره وتقديمه تختلف عن أي نوع آخر منه؛ حيث يتم نقعه في الماء، ثم يتبل بالدقة والتوابل، ومن ثم قليه في الزيت على النار».

لا يحتل المطعم مساحة ضخمة كتلك التي اعتادت عائلة «أبو حصيرة» أن تتميز بها مطاعمها، لكن سيتحقق ذلك قريباً، حسب مدير المطعم الذي قال: «نخطط لإقامة مطعم آخر كبير، في مكان حيوي بالقاهرة، مثل التجمع الخامس، أو الشيخ زايد».