شهدت جلسة مجلس الأمن صباح أمس هجوما متبادلا بين الولايات المتحدة وروسيا حول التزام كل طرف باتفاق هدنة وقف إطلاق النار، وتحميل كل طرف الآخر مسؤولية قصف قافلة المساعدات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة.
وبدا وزير الخارجية الأميركي محبطا وغاضبا وهو يستمع لخطاب نظيره الروسي سيرغي لافروف ويتلقى وريقات تحمل رسائل صغيرة من سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة سامانثا باور، وقلب في ملف كبير أمامه.
وفي كلمته هاجم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف المعارضة السورية متهما إياها بعدم الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار وعدم الانسحاب من طريق الكاستيلو. وقال: «وزارة الدفاع الروسية تراقب ما يحدث في حلب ومن الواضح أن المعارضة لم تنسحب من طريق الكاستيلو ولم تلتزم بالاتفاق، وقد أقدمت على 300 اختراق لهدنة وقف إطلاق النار قامت بها جماعة أحرار الشام ومجموعات معارضة أخرى، وهي المجموعات التي كان من المفترض أن تلتزم بالهدنة».
وطالب وزير الخارجية الروسي بإجراء تحقيقات حول قصف قافلة المساعدة الإنسانية، أول من أمس، مشيرا إلى أن بلاده قدمت كل المعلومات حول القصف وشريط فيديو يسجل واقعة القصف. وقال: «طلبنا من الجانب الأميركي التأثير على جماعات المعارضة لوقف إطلاق النار وقدمنا لائحة من 150 جماعة و20 جماعة منها لم تلتزم بالاتفاق، ومن بينها جماعة أحرار الشام وهي مرتبطة بجماعة جيش الإسلام وكلتاهما جماعة إرهابية ولها صلات بجبهة النصرة، وكذلك جماعة جند الأقصى الذي تعد جماعة إرهابية وتتعاون مع أحرار الشام وفيلق الرحمن الذي يتعاون مع النصرة». وشدد لافروف على «التزام الأطراف السورية بعدم وضع شروط مسبقة للدخول في مفاوضات وعدم الخضوع لأي ابتزاز».
ورد وزير الخارجية الأميركي جون كيري قائلا: «ليست شروط مسبقة أن نطالب بهدنة ووقف إطلاق النار، فكيف تجلس المعارضة على طاولة الحوار بينما يقوم النظام بقصف قنابل الغاز على المدنيين، كيف تجلس قوى المعارضة وتجري حوارا سعيدا بينما لا يلتزم الطرف الآخر باتفاقية وقف إطلاق النار رغم الاتفاق عليها».
وشدد وزير الخارجية الأميركي منتقدا خطاب نظيره الروسي «هذا ليس شرطا مسبقا وإنما شيء اتفقنا عليها وقد وافقنا على نشر وثائق الاتفاق، وليس واجبا قراءتها للإقرار أن قصف المستشفيات، وقتل الأطفال هو أمر غير قانوني وانتهاك للقانون الدولي».
وأكد وزير الخارجية الأميركية أن جميع الأطراف الدولية تشترط نفس الهدف، وهو أن ترى سوريا موحدة وتعددية وتحترم الجميع وتجري عملية انتقالية يختار خلالها السوريون رئيسهم، ورغم ذلك هناك رفض لجعل هذا الأمر حقيقة واقعة.
ودون أن يسمي طرفا أو آخر، اتهم كيري أطرافا «تجلس على طاولات مجلس الأمن وأطرافا خارجية، تعمل على إشعال واستمرار الأزمة السورية وتبعاتها التي توصف بأنها تتعدى تبعات الحرب العالمية الثانية». وبلهجة ساخرة أشار كيري إلى الفارق ما بين الآراء الشخصية والحقائق، مشيرا إلى أن الجميع يتفهم المأساة الإنسانية والسوريين غاضبون لأنهم يسمعون أقوالا ولا يرون أفعالا. وقال: «سأقدم حقائق، فالتقارير تتحدث عن قصف مستشفيين في حلب، وهناك دولتان فقط لديهما قوات جوية في هذه المنطقة، روسيا وسوريا، وما حدث من قصف لقافلة المساعدات الإنسانية يعصف بكل الجهود ويشكك في مدي التزام روسيا وسوريا بالاتفاق».
وأشار كيري إلى تناقض الروايات التي قدمتها روسيا حول ملابسات قصف قافلة المساعدات الإنسانية وقال: «روسيا قالت إنها كانت ضربة ضد جبهة النصرة، ثم سمعنا قصة أخرى أن القافلة كانت تحمل مسلحين، وهذا أيضا ليس مبررا. ثم تبدلت الرواية إلى نفي قيام سوريا أو روسيا بقصف القافلة والقول إن القافلة اشتعلت بها النيران». وتابع كيري متهكما: «هل تصدقون ذلك؟ هذه ليست نكتة وربما تكون محاولة لتشتيت الانتباه. لكن كل ما قيل يتناقض مع تقارير الصليب الأحمر والهلال الأحمر وشهود العيان الذين قالوا إن المكان أصبح جحيما والطائرات المقاتلة تحلق في السماء».
وطالب كيري كلا من روسيا وسوريا بالصدق، وأشار إلى أن بلاده لن تخذل الجماعات التي تحارب النصرة، وأن الحل الوحيد هو إجراء مفاوضات وتنفيذ الهدنة واستخدام الأدوات الدبلوماسية لوقف إطلاق النار باستثناء «داعش».
ولوح كيري بجزرة التعاون العسكري مع روسيا، وقال: «بأوامر من الرئيس أوباما تم إجراء كل التحضيرات لتنفيذ التنسيق العسكري مع روسيا بعد تنفيذ الهدنة والسماح بالمساعدات، ونحن ملتزمون بهذا التنسيق كجزء من الخطة وعلينا منع القوات السورية من الطيران فوق مناطق المعارضة السورية. ومنع الطيران سيمنع الأسد من مهاجمة المدنيين بحجة ملاحقة جبهة النصرة ولا بد من وضع نهاية للمعاناة وتوفير المساعدات».
وشدد وزير الخارجية الأميركي على أن من يعتقد أن حلا عسكريا ممكنا في الأزمة السورية، خاطئ، وطالب المجتمع الدولي بعدم الخضوع لنوايا الأسد والجماعات الإرهابية التي لا تؤمن بالهدنة، وقال: «الأسد لا يؤمن بالهدنة وكذلك النصرة وداعش فهل نخضع لنواياهم أم ننفذ إرادتنا؟».
وحذر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي - الذي تشارك بلاده كعضو غير دائم في مجلس الأمن - من استمرار نزيف الدم في سوريا لأكثر من خمس سنوات وتفشي الإرهاب والصراعات الطائفية ورهان كل طرف على حسم عسكري يعطيه الغلبة. وطالب السيسي الدول الأعضاء في مجلس الأمن بإيجاد صيغة عملية وفورية لوقف نزيف الدماء، مشيرا إلى أن المجتمع الدولي غارق في معالجة الأعراض دون أن يتدخل لمواجهة المرض. وقدم الرئيس المصري رؤية بلاده للحل في سوريا في ركيزتين هما الحفاظ على وحدة الدولة السورية والحيلولة دون انهيار مؤسساتها والثانية دعم التطلعات المشروعة للشعب السوري عبر التوصل لصيغة حل سياسي تكون مرضية لجميع السوريين وتوفير البيئة لجهود إعادة الإعمار.
من جانبه، أصر بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة على الترتيب لمفاوضات سورية للتوصل إلى اتفاق حول تشكيل هيئة انتقالية تتولي الحكم في سوريا، وفقا لقرار مجلس الأمن 2254 وتستهدف الحفاظ على المؤسسات بما يضمن استمرار عمل الحكومة. وأضاف أن «أي تسوية يحب أن تقدم إطار عمل للعدالة الانتقالية، وأطالب كل شخص أن يستخدم نفوذه للتوصل إلى وقف إطلاق النار وتشجيع الأطراف السورية للدخول في مفاوضات».
وأكد المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا على أهمية استئناف المفاوضات، رغم الفظائع التي تجري على الأرض ورغم انخراط الأمم المتحدة في ثلاث جولات من المفاوضات للتوصل إلى اتفاق لتسوية سياسية انتقالية، وأشار دي ميستورا إلى مقترحات وإطار عمل لكل الأطراف للدخول في محادثات مباشرة. وقال: «قلنا مرارا إن الصراع لن يحل عسكريا، لكن بمفاوضات مباشرة بين الحكومة والمعارضة وتشمل التفاوض حول انتقال سياسي وإصدار دستور جديد ثم إجراء انتخابات حرة، بما يتوافق مع قرار مجلس الأمن 2254 وأي انتقال سياسية يجب أن يناقش صلاحيات الهيئة الانتقالية».
وعلق دي ميستورا آمالا كبيرا على القيام بذلك، بقوله «هذا يبدو كحلم لكن هناك بالفعل مشاورات حول إعادة إعمار سوريا ويجب على المعارضة أن تفهم أن الانتقال السياسي لا يتمحور حول شخص واحد وإنما يتمحور حول كيفية ممارسة القوة والسلطة بشكل مختلف، وأي انتقال يجب أن يكون شاملا وأن يفهم كل الأطراف أن السلام ضرورة لإنقاذ بلادهم وهذه فرصة للتفاوض».
وشدد جون كي وزير خارجية نيوزيلندا - الذي ترأس بلاده الدورة الحالية لمجلس الأمن - على ضرورة محاسبة المسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيماوية والتوصل إلى حل للأزمة السورية التي خلقت تهديدات أمنية تتعدى الحدود السورية. وأدان جون كي قصف قافلة المساعدات الإنسانية وفشل الأطراف الدولية في فرض سلام في سوريا وفرض وقف إطلاق النار، وإيقاف الفظائع الإنسانية، واتهم مجلس الأمن بالفشل في إنهاء الصراع السوري.
وقال جون كي «من المهم أن نضع سوريا على مسار السلام فلا أحد يستفيد من استمرار الصراع، ويجب أن يتفهم النظام السوري أنه لن ينتصر وأن تتفهم المعارضة أن عليها التوصل إلى اتفاق، وقرار مجلس الأمن 2254 يقدم مسارا لوقف إطلاق النار ويضع إطارا زمنيا للعملية الانتقالية. ونشجع كلا من الولايات المتحدة وروسيا لتولي القيادة وعدم إغفال الفرصة». وأضاف: «العملية السياسية يجب أن تحقق السلام ولا تتركز فقط حول مستقبل الأسد، وندعو روسيا وإيران والسعودية وتركيا إلى الدفع للتوصل إلى تسوية سياسية ضرورية».
من جانب آخر، اتهم بن رودس نائب مستشارة الأمن القومي للاتصالات، روسيا بالفشل في إثبات حسن النوايا، مشيرا إلى أن بلاده ستستمر في التحدث مباشرة إلى روسيا ومعرفة ما إذا كانت جادة في تنفيذ بنود الاتفاق. وشدد على أن التعاون العسكري بين البلدين لن يبدأ إلا إذا تم التنفيذ الكامل لوقف الأعمال العدائية ورؤية النتائج، قبل المضي قدما في تنفيذ هذا التعاون العسكري.
جلسة ساخنة في مجلس الأمن.. وكيري: كيف تحاور المعارضة النظام والأسد يقصف؟
لافروف يرفض شروطًا للمفاوضات.. ونظيره الأميركي يطالب بمنع طيران الأسد من التحليق
جلسة ساخنة في مجلس الأمن.. وكيري: كيف تحاور المعارضة النظام والأسد يقصف؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة