على مدى عقود، اتهمت باكستان الهند بتأجيج التمرد الانفصالي في إقليم بلوشستان. وفي واقع الأمر، في فبراير (شباط) عام 2014، قبل ثلاثة أشهر فقط قبل تعيينه في منصب مستشار الأمن القومي الهندي، أقر أجيت دوفال ضمنيا بما يلي: «إن واجهنا عملية إرهابية أخرى على غرار عملية مومباي سوف تفقدون بلوشستان إلى الأبد». وكان دوفال يشير إلى ضلوع باكستان في هجمات مومباي لعام 2008 والتي أسفرت عن مصرع 172 شخصا وإصابة أكثر من 300 آخرين.
وفي خطوة جريئة من جانبها، تعتزم الحكومة الهندية منح حق اللجوء السياسي لزعماء البلوش الذين يقاتلون من أجل الاستقلال عن باكستان.
وقال راماناندا سينغوبتا، أحد المعلقين السياسيين البارزين، أنه إذا كانت الحكومة الهندية تخطط فعلا لمنح حق اللجوء السياسي إلى زعماء البلوش، فإن حجم خطوة كهذه سوف تكون أقرب ما تكون إلى منح نفس الحق إلى الزعيم الديني البوذي الدالاي لاما. وكان منح اللجوء السياسي للدالاي لاما بمثابة شوكة في خاصرة العلاقات الهندية الصينية لعقود من الزمن، وإذا ما استقر المقام بزعماء البلوش في المدن الهندية، فمن المرجح للعلاقات بين الهند وباكستان أن تشهد توترا أعمق مما عليه الأمر الآن.
وكتب الكاتب الباكستاني المستقل، يعقوب خان بانغاش في صحيفة إكسبريس تريبيون أن باكستان في حاجة لأن تأخذ السياسة الهندية الخارجية على محمل الجدية. وقال: «إن الهند سهلت إقامة الدالاي لاما على أراضيها في مواجهة ضغوط دولة قوية مثل الصين. كما ساعدت مؤسس بنغلاديش الشيخ مجيب الرحمن أيضا، وتعتزم الآن مساعدة براهامداغ بوغتي ورفاقه. وهذا الأمر لا يبشر بالخير بالنسبة لباكستان».
وتأتي هذه الخطوة اتساقًا مع السياسة المعتمدة حديثًا لدى الحكومة الهندية من توفير الدعم الدبلوماسي والمعنوي لشعب بلوشستان، الذي يعيش في هذه المنطقة المفعمة بالاضطرابات، والغنية بالمعادن بشكل خاص، وهي أيضًا منطقة القتال المفتوح ضد باكستان.
وفور إعلان الجانب الهندي عن العرض الجديد، أقر كثير من زعماء البلوش السياسيين الذين يعيشون في المنفى أنهم سوف يتقدمون رسميا بطلبات الحصول على اللجوء السياسي في الهند. وقال زعيم الحزب الجمهوري البلوشي براهامداغ بوغتي إنه، برفقة عدد من مساعديه المقربين، سوف يتقدمون بطلبات الحصول على حق اللجوء السياسي في الهند قريبا.
وأضاف بوغتي قائلا من سويسرا، حيث كان قد تقدم بطلب اللجوء السياسي: «لقد قررنا أن نتقدم رسميا بطلبات الحصول على حق اللجوء السياسي إلى الحكومة الهندية. وسوف نذهب إلى السفارة الهندية لمتابعة الإجراءات القانونية الخاصة بذلك». وبراهامداغ بوغتي هو مؤسس الحزب الجمهوري البلوشي الذي حظرت باكستان أنشطته على أراضيها.
ويعتبر الزعيم البلوشي البالغ من العمر 34 عاما هو أكثر الرجال المطلوبين في باكستان، ولقد نجح في المحافظة على حركة التمرد من خلال حزبه السياسي.
ولقد أشاد بوغتي كثيرا برئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي لذكره إقليم بلوشستان في خطاب يوم الاستقلال الهندي، واقترح مرارا وتكرارا، أن تفتح الهند أبوابها وأراضيها للبلوش. وكان قد فر الزعيم البلوشي من مسقط رأسه «ديرا بوغتي» عام 2006 في أعقاب اغتيال جده «أكبر بوغتي» خلال عملية عسكرية باكستانية أشرف عليها قائد الجيش الباكستاني الأسبق الذي صار رئيسا للبلاد بعد الإطاحة برئيس الوزراء الحالي نواز شريف من السلطة في انقلاب عسكري شهير. وأصبح الزعيم البلوشي يعيش في أفغانستان كضيف على الدولة، ثم انتقل منها إلى سويسرا في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2010.
وحاول بوغتي الحصول على حق اللجوء السياسي في سويسرا ولكن الحكومة السويسرية رفضت طلبه في يناير (كانون الثاني) من العام الحالي، في إشارة إلى قرار إسلام أباد الإعلان عن أنه إرهابي مطلوب لضلوعه في تنفيذ كثير من الهجمات على أراضيها. وسوف تمنح الهند الجنسية إلى المساعدين الرئيسيين لبوغتي، وهما شير محمد بوغتي، وعزيز الله بوغتي.
وكانت شبكة «جيو نيوز» الإخبارية الباكستانية قد ذكرت أن هناك 15 ألف مواطن بلوشي عالقين في أفغانستان. وأن هناك ما يقرب من ألفين آخرين موزعين بين مختلف البلدان الأوروبية.
وسوف يفضل براهامداغ بوغتي أن يجتمع كل هؤلاء الناس للعيش سويا والعمل على نصرة قضيته الخاصة. وإلى جانب قبول العرض الهندي بمنح حق اللجوء السياسي، قال بوغتي إن زعماء البلوش قرروا رفع دعاوى جنائية ضد جنرالات الجيش الباكستاني والصيني أمام محكمة العدل الدولية. وقال بوغتي: «سوف نرفع دعاوى قضائية ضد الصين بمساعدة من بنغلاديش، وأفغانستان، والهند».
ووفقًا لمصادر رفيعة المستوى في وزارة الداخلية الهندية، سوف يتم منح تأشيرات الدخول لهم في غضون أسابيع قليلة من التقدم رسميا بطلبات الحصول عليها.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة قد أعربت عن قلقها الصريح لانتهاكات حقوق الإنسان في إقليم بلوشستان، فإن التطورات الإيجابية في ذلك الأمر بالنسبة لباكستان جاءت في صورة بيان صادر عن الولايات المتحدة تفيد فيه احترامها للسلامة الإقليمية للبلاد وأنها لا تدعم استقلال إقليم بلوشستان عن باكستان.
ولكن الهند تتشارك الآن مع فريق من حلفائها في الجنوب الآسيوي لإقصاء باكستان. وسرعان ما أضاف الرئيس الأفغاني الأسبق حميد كرزاي صوته المؤيد إلى رئيس الوزراء الهندي مودي وإلى بنغلاديش فيما يتعلق بقضية إقليم بلوشستان، وكانت بنغلاديش قد نالت استقلالها عن باكستان في عام 1971 وأعلنت عن دعمها الرسمي للقوميين البلوش. واعتبرت هذه الخطوة كنتيجة مباشرة للموقف الهندي الجديد المتخذ، ومؤشرا على إمكانية التنسيق مع العواصم المجاورة.
وتعتبر الفترة من سبتمبر (أيلول) إلى مارس (آذار) من الشهور المهمة في التقويم الدبلوماسي الهندي، وسوف يكون أمام الهند الكثير من المناسبات لعرض قضية إقليم بلوشستان في المحافل الدولية. فهل ستعرض وزيرة الخارجية الهندية سوشما سواراج القضية البلوشية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك يوم 26 سبتمبر الحالي خلال خطابها الرسمي أمام الجمعية؟
إذا ما استمرت الهند في الحديث عن قضية بلوشستان، فمن السهل إعادة ضبط الطاقات الخارجية الباكستانية للتعامل مع تداعيات هذا السيناريو، ويمكن للنزاع على كشمير أن يشتعل على خلفية الأحداث. والعلاقات العامة الهندية هي أفضل حالا من الباكستانية، وفي ظل الصورة الدولية، فمن شأن قضية بلوشستان أن تتحول إلى حجر الزاوية على مسرح العلاقات الدولية كذلك.
والهند لا تثير قلق باكستان فقط، ولكنها تؤرق الصين أيضًا من خلال إثارة قضية إقليم بلوشستان.
الصين تشيد ممرا اقتصاديا بقيمة 46 مليار دولار مع باكستان، ذلك الذي أعلنت عنه في العام السابق. ولقد وصف بأنه سوف يغير من قواعد اللعبة الاقتصادية في المنطقة، واقترحت الصين بناء طريق سريع يمر من كاشغار في الصين، عبر المنطقة التابعة لباكستان في كشمير، بما في ذلك منطقة غيلغيت - بالتيستان، وصولا إلى غوادار في بلوشستان، وعلى حافة الخليج العربي. ولقد أبرم الجيش الباكستاني صفقة من شأنها أن توفر الحماية العسكرية للمشروع بأكمله. وكان النشطاء البلوش، المهللون بالبيان الأخير من رئيس الوزراء الهندي مودي في أغسطس (آب) الماضي، قد شوهدوا يتظاهرون احتجاجا خارج السفارة الصينية لدى المملكة المتحدة. وكانوا يسجلون اعتراضهم على مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني.
وفي الآونة الأخيرة، كانت الصين قد تجاهلت الهند عن عمد مما سبب إحراج دبلوماسي كبير للهند. فلقد شعرت الهند بسخونة العلاقات وتوترها مع الصين عندما ساندت الأخيرة باكستان واعترضت على قرار عضوية الهند في مجموعة التوريد النووية الدولية.
يقول الخبير الاستراتيجي سوشانت سارين: «على الرغم من أن إيران وباكستان قد يشعران بالسعادة من الموقف الهندي تجاه باكستان بشأن إقليم بلوشستان، فقد ينبغي عليهما الحذر حيال العدد الكبير من السكان البلوش في بلدانهما. والصين أيضًا قد تبدأ في استعراض عضلاتها أمام الهند، وقد تجد الهند صعوبة في مواجهة اثنين من الخصوم على حدودها مرة واحدة. ولذا، فإن مودي في حاجة إلى التأني والروية في العمل واتخاذ القرارات. وعليه الاعتماد على خطة عمل مدروسة ومنظمة من خلال المضي قدما بطريقة محسوبة بمنتهى الدقة. ولقد أظهر مودي قدرته على التفكير بالأسلوب غير الاعتيادي. ولكن عليه توخي الحذر حتى لا تُحاصره أفعاله وقراراته. وعلى المستوى الاستراتيجي، تدرك الهند أيضًا أنه عن طريق تدويل قضية بلوشستان أنها تزيد التكاليف كثيرا على الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني». وسوف تكون الأيام القادمة حبلى بكثير من الأحداث.
وبعد الهجوم السياسي والدبلوماسي، تسعى الهند الآن إلى توجيه أسلحتها الناعمة نحو باكستان عن طريق زيادة انتشارها عبر موجات الأثير وعن طريق شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي. وبالإضافة إلى ذلك، فإن إطلاق حزمة الخدمات الإعلامية وتطبيق الجوال المعروف باسم «All India Radio» يعمل نحو رفع الكفاءة التكنولوجية الهندية من أجل تعزيز جودة استقبال برامجها الإذاعية لدى المستمعين البلوش.
الهند تعمل على تدويل قضية بلوشستان.. وتفتح باب اللجوء لقادتها
التمرد البلوشي قد يكون أكثر إثارة للتوتر من كشمير مع باكستان
الهند تعمل على تدويل قضية بلوشستان.. وتفتح باب اللجوء لقادتها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة