انهارت الهدنة السورية بعد دقائق معدودة على إعلان النظام سقوطها، وتسبب انهيار الهدنة التي دامت أسبوعًا بموجب اتفاق أميركي - روسي، بتعرض معظم جبهات القتال الرئيسية لقصف جوي ومدفعي، حيث نفّذ طيران النظام والطائرات الروسية، غارات مكثّفة على أحياء مدينة حلب الشرقية المحاصرة، بالتزامن مع قصف مدفعي عنيف. فيما هددت المعارضة بإشعال كافة الجبهات من الشمال إلى الجنوب، وتوعّدت بـ«فكّ حصار حلب قريبًا، وتحرير حماه بالكامل».
ومع تجدد الأعمال القتالية، عاد الميدان إلى صدارة المتابعة، إذ أفادت وكالة الصحافة الفرنسية بأن الغارات الجوية والقصف المدفعي على حلب، أجبرت سكان الأحياء الشرقية على ملازمة منازلهم، وتبادلوا الأحاديث عبر الإنترنت حول انتهاء الهدنة. فيما أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان عن مقتل 39 مدنيًا على الأقل في محافظة حلب.
وقال المرصد إن مروحيات النظام «قصفت أحياء بمدينة حلب بأكثر من 27 برميلاً متفجرًا الثلاثاء (أمس)، وسط اشتباكات عنيف في شمال المدينة». وأكد أن البراميل «استهدفت أحياء باب النصر والأنصاري وبستان القصر وباب النيرب والميسر وكرم الطراب ومنطقة جسر الحج داخل مدينة حلب، ما أدى إلى سقوط ضحايا»، مؤكدًا أن «مظاهرات خرجت في أحياء السكري والفردوس والصالحين بمدينة حلب طالبت بـ(توحيد الصفوف)، كما طالبت جيش الفتح بالتدخل لفك الحصار عن المدينة». ولم يكن ريف حلب أفضل حالاً، حيث دارت اشتباكات عنيفة بين قوات النظام ولواء القدس الفلسطيني من جهة، والفصائل المعارضة المسلحة من جهة ثانية، في محيط مخيم حندرات شمال حلب، ترافق مع قصف طائرات حربية وقصف قوات النظام للمخيم ومنطقة الشقيف.
من جهته، حمّل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، الطرف الروسي «المسؤولية الكاملة عن إنهاء اتفاق وقف الأعمال العدائية، بالإضافة إلى المسؤولية عن جميع الخروقات التي وقعت مُذ دخل الاتفاق حيز التنفيذ، والتي تم توثيق 264 منها سقط خلالها 65 شهيدًا». واعتبر أن قصف قافلة الإغاثة يقع على عاتق الروس، لافتًا إلى أن «هذه الجريمة، تمثل إعلانًا عن حرق كل الحلول ومتابعة خيار القتل والتدمير الذي يفضله نظام الأسد بدعم من الاحتلال الروسي المجرم، كما تُعدُّ إدانة لعجز المجتمع الدولي وغيابه عن تحمل مسؤولياته أمام حرب إجرامية تشن منذ خمس سنوات على شعب عريق خرج مطالبًا بحقوقه في الحرية والكرامة والعدالة».
وأمام إقفال باب الحلّ السياسي، أقلّه في هذه المرحلة، اعتبر هشام مروة عضو الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة، أنه «مهما استمرّ القتال لا بد من الوصول إلى الحلّ السياسي». وأكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «العمليات العسكرية وسياسة التجويع التي يعتمدها النظام بتغطية روسية، لن توصل إلى الحلّ المنشود». وقال: «المعارضة ترى أنه لا بدّ من الضغط على النظام، عبر دعمها بالسلاح النوعي وتفعيل قدراتها العسكرية، لأن النظام لا يفهم إلا لغة القوة».
واستنادًا إلى التجارب المخيبة، أوضح عضو الائتلاف، أن بشار الأسد «لا يؤمن بالخيارات السياسية، ولن تنفع معه إلا مواجهة عسكرية تجبره على الرضوخ للحل السياسي»، لافتًا إلى أن «المجتمع الدولي بات أمام فرصة توفر الدماء على الشعب السوري، عبر اتخاذ قرارات فاعلة وضاغطة على الأسد، وملزمة تحد من ديكتاتوريته». وأضاف: «الروس يحاولون الآن تكرار تجربة غروزني في سوريا، مستفيدين من التردد الأميركي». وشدد هشام مروة على أن الأميركيين «سيفهمون في نهاية المطاف أن لا شريك لهم في سوريا إلا المعارضة المعتدلة، لكنني غير متفائل بإجراءات جادة من واشنطن قبل وصول الإدارة الأميركية الجديدة».
أما من وجهة نطر المعارضة العسكرية، فرأى عضو المجلس العسكري في الجيش السوري الحرّ أبو أحمد العاصمي، أن «الهدنة لم تبدأ لتنهار، بدليل أن النظام والروس لم يتوقفوا عن ارتكاب المجازر في حلب والغوطة وإدلب». وقال إن «نظام بشار الأسد لا يؤمن بالحل السياسي، وهذا دأب الروس أيضًا». معتبرًا أن «الهدنة انتهت بقرار أميركي روسي وليس بقرار من بشار الأسد».
وعن الخيارات العسكري المتاحة أمام الفصائل، فأعلن العاصمي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «ردّ الثوار على استئناف القصف، سيكون بفكّ الحصار عن حلب قريبًا، وتحرير مدينة حماه وريفها بالكامل، وإشعال جبهة الجنوب على نطاق واسع»، مذكرًا بأن «الشعب السوري لم يعد لديه ما يخسره أكثر مما خسر». وأكد أن «حشود النظام في الساحل السوري ستكون فريسة للثوار الذين سيغنمون أعتدتها وسلاحها». وأوضح أن «الطيران الروسي يعجز عن تأمين غطاء جوي لكل الجبهات، لذلك يلجأ إلى قصف المدنيين ليشكل ضغطًا على البيئة الحاضنة للثورة».
من جهته، اعتبر الخبير العسكري العميد أحمد رحال، أن هدنة الأسبوع، ورغم كل خروقاتها «انطوت على إيجابيات كثيرة، أهمها أنها كشفت عدم إيمان الروس بالخيار السياسي، كما أثبتت أنه نهج بشار الأسد هو نهج القتل منذ بدء المظاهرات في الـ2011 إلى الآن». وقال في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، لقد اكتشفت المعارضة أن «نصف من يدعون صداقتهم للشعب السوري، هم أعداؤه، والدليل المجازر التي يرتكبها الروس والإيرانيون ولم تجد أميركا في ذلك سببا لتتحرك نحو مجلس الأمن، بينما عند قصف موقع بالخطأ للنظام السوري سارعت روسيا إلى عقد جلسة لمجلس الأمن».
وأكد رحال أن «انهيار الهدنة وعودة النظام وحلفائه إلى التصعيد، يستدعي إعادة بناء استراتيجيات جديدة، وإعادة بناء تحالفات»، مشيرًا إلى أن «الخطة التي طرحها رياض حجاب في نيويورك تصلح للحل السياسي والعسكري». ولفت إلى أن هذه الخطة «ستترافق مع بناء قيادة عسكرية جديدة، وتشكيل غرف عمليات جديدة، حتى لو نسفنا غرف الموك التي لم تعمل لصالح الثورة السورية».
انهيار الهدنة السورية يضع المعارضة أمام أحادية الخيار العسكري
انهيار الهدنة السورية يضع المعارضة أمام أحادية الخيار العسكري
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة