فرنسا ما زالت في حالة حرب ضد الإرهاب: مرة أخرى، تشدد أعلى السلطات الفرنسية على استمرار التهديد الإرهابي وعلى الحاجة لمواجهته من خلال المحافظة على الانسجام الوطني والوحدة والاستمرار في الدفاع عن القيم التي تميز المجتمع الفرنسي مع الإبقاء على التدابير الأمنية لتلافي تكرار العمليات الإرهابية.
هذه التأكيدات جاءت أمس على لسان الرئيس فرنسوا هولاند بمناسبة الاحتفال التكريمي التقليدي الذي جرى في قصر الأنفاليد بحضور كبار المسؤولين في الدولة «رؤساء الحكومة ومجلسي النواب والشيوخ والوزراء» ولكن كذلك مسؤولين سياسيين آخرين بينهم الرئيس السبق نيكولا ساركوزي ورئيسي الحكومة السابقين ألان جوبيه وفرنسوا فيون. وهؤلاء الثلاثة يتنافسون للفوز بترشيح حزب «الجمهوريين» لخوض الانتخابات الرئاسية في شهر مايو (أيار) من العام المقبل.
وبالنظر للجدل الذي تثيره الحملة الانتخابية التمهيدية بسبب التركيز على مواضيع الإرهاب والإسلام والهوية الوطنية والتهديدات التي تلم بها، فإن مناسبة الأمس كانت فرصة للرئيس هولاند لإعادة وضع النقاط على الحروف وليطرح نفسه حاميا للوحدة الوطنية بوجه الانقسامات وسدا منيعا بوجه الإرهاب. وتنبع أهمية ما يقوله من الحملات المتلاحقة التي يقوم بها اليمين الكلاسيكي واليمين المتطرف على السلطات التي يتهمها بالضعف والعجز عن حماية المواطنين. ويتضح يوما بعد يوم أن مرشحي اليمين واليمين المتطرف يتبارون في استهداف السلطة الاشتراكية ويبدون مصممين على استغلال الموضوع الأمني لاجتذاب الناخبين خصوصا أن شعبية هولاند تداعت إلى أقصى الحدود «أقل من 15 في المائة ما زالوا ينظرون بإيجابية إلى أداء هولاند رئيسا للجمهورية» ومعها تداعت قواعد اليسار والاشتراكيين على وجه الخصوص. ولم يعد سرا أن هولاند ينوي خوض المنافسة للفوز بولاية رئاسية ثانية. لكن استطلاعات الرأي تفيد أنه سيخرج من المنافسة منذ الدورة الأولى بحيث يبقى في الميدان للجولة الثانية مرشح اليمين الكلاسيكي ألن جوبيه أو نيكولا ساركوزي ومرشحة حزب الجبهة الوطنية مارين لوبن. لكن هولاند لن يعلن موقفا نهائيا من إعادة ترشحه إلا مع بداية العام القادم. ويراهن كثيرون على امتناعه عن التنافس في حال بقيت استطلاعات الرأي على حالها.
في الكلمة التي ألقاها أمس، في جو مهيب وبعد قراءة أسماء ضحايا الإرهاب من الفرنسيين في الداخل والخارج الذين سقطوا منذ العام 1989 والاستماع إلى كلمات مؤثرة لذوي الضحايا، عاد هولاند ليؤكد أن الإرهاب «أعلن الحرب على فرنسا» وأن العدو هو واحد ولكن بوجهين: «القاعدة» و«داعش». وأضاف الرئيس الفرنسي أن الاعتداءات الإرهابية التي ضربت بلاده كانت «تستهدف فرنسا بكليتها» وكانت جميعها تسعى لاستغلال اسم الإسلام وإلحاق العار به وزرع الخوف وضرب الديمقراطية والثقافة الفرنسيتين. لكن هولاند يرى الحرب الإرهابية اليوم «مختلفة» عن إرهاب الماضي إذ أنها «أخذت أبعادا جديدة» لأنها تريد أن «تنسف طريقتنا الاستثنائية في أن نعيش معا». وقال متوجها لضحايا الإرهاب وذويهم الذين حضروا الاحتفال: «إن فرنسا كانت كلها مستهدفة عبركم، فرنسا حقوق الإنسان التي تدافع عن قيمها في كل مكان في العالم». ورغم حرص هولاند على البقاء فوق المناكفات السياسية، فقد أراد من تركيزه على الوحدة والانسجام الوطنيين مهاجمة اليمين بجناحيه لأنه يرى أنه أخل بهذه القاعدة عندما سعى لاستغلال العمليات الإرهابية لأغراض سياسية. كذلك رد هولاند على من يريد من بين صفوف اليمين اتخاذ تدابير «استثنائية» مثل إنشاء محاكم خاصة لمحاكمة الجرائم الإرهابية أو الحجر على كل من يشتبه بأنه تبنى فكرا راديكاليا متطرفا من غير المرور أمام القضاء بالتأكيد أن محاربة الإرهاب «يجب أن تبقى في إطار ما تتيحه دولة القانون» التي «لا تعني أبدا حالة من الضعف بل تعكس قوة الدولة».
ومن ناحية مقابلة، رأى الرئيس الفرنسي أنه يتعين الاستمرار في الإجراءات التي اتخذت لمواجهة الإرهاب. وجدير بالذكر أن فرنسا تعيش في ظل حالة الطوارئ منذ خريف العام الماضي بعد مقتلة مسرح الباتاكلان ومقاهي ومطاعم العاصمة ليلة 13 نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي. وبحسب الرئيس الفرنسي، فإن دور الدولة ليس فقط أمنيا أو تشريعيا بل هو أيضا في مواكبة ضحايا الإرهاب وذويهم ومساعدتهم نفسيا وقانونيا وماديا عبر الاستمرار في تغذية الصندوق الخاص بالتعويضات العائدة لهم فيما تسمع شكاوى تتهم الدولة بتناسيهم بعد مرور فترة من الزمن.
ربما كانت اللحظة الأكثر تأثيرا في احتفال الأمس قد حلت عندما تحدثت طالبة عمرها 21 عاما، اسمها ياسمين بوزرقان - مرزوق التي فقدت ثلاثة من إخوتها في العملية الإرهابية التي ضربت مدينة نيس ليل 14 يوليو (تموز) الماضي والتي أوقعت 84 قتيلا ومئات الجرحى. وروت ياسمين كيف وهي تبكي كيف عاشت «مشاهد الحرب» في تلك الليلة المشؤومة وكم تتألم عندما ترى أن هناك من يخلط بين الإسلام والإرهاب. ووصفت الإرهابيين بأنهم نوع من «البرابرة الذين لا دين ولا شريعة لهم». ومن ضحايا كورنيش البحر في مدينة نيس العشرات من ذوي الأصول العربية والمسلمة. وجاءت مناسبة تكريم ضحايا الإرهاب بعد أيام قليلة على «اكتشاف» فرنسا وجوها جديدة وهي الإرهاب بصيغة المؤنث والقاصرين. وخلال الأيام العشرة الماضية، ألقت الأجهزة الأمنية القبض على مجموعة من الفتيات والنساء والقاصرين التي كانت تحضر لعمليات إرهابية في العاصمة باريس وفي ضواحيها.
فرنسا كرمت ضحايا الإرهاب.. وهولاند يؤكد: عدونا «داعش» و«القاعدة»
الرئيس الفرنسي: حرب الإرهاب ضدنا اتخذت أبعادا جديدة
فرنسا كرمت ضحايا الإرهاب.. وهولاند يؤكد: عدونا «داعش» و«القاعدة»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة