كم كاتبًا ومثقفًا سوريًا يعيشون في المنفى؟ في أقل التقديرات، لا يقل العدد عن العشرات. وهم في أغلبهم باحثون وروائيون وشعراء معروفون جيدًا، في الأقل لممثلي اتحادات الكتاب العرب الذين أنهوا اجتماعهم في دبي الأربعاء الماضي، وأصدروا بيانهم الختامي «الجميل»، بديباجة تتكرر منذ خمسين سنة في دساتيرنا وبياناتنا وخطبنا، وبشكل خاص في بيانات الجامعة العربية التي يمثل هذا الاتحاد، في الحقيقة، تعبيرها الأدبي والثقافي. يقول البيان: «(...) بناء على ما تقدم، يهم الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب أن يؤكد تمسكه برفض أي اعتداء أو تطاول أو مساس بحرية الرأي والتعبير تحت أي ظرف، ومهما كانت الذريعة».. كلام ولا أروع! لكنه، للأسف، خالٍ من المعنى، كأي كلام عام، مجرد، هائم في الهواء.
لم نقرأ في البيان أية إشارة تضامن مع المثقفين السوريين الذين شردهم النظام البعثي السوري في كل أنحاء الأرض، بل يسيء البيان إليهم وإلى قضيتهم، ولنا جميعا في الوقت نفسه، حين يسميهم «كتاب وأدباء عرب اضطروا إلى النزوح من المناطق المشتعلة عسكريا»، كذا! والأخطر من هذا، حضر اتحاد السلطة السورية، هذا الاتحاد الذي لم يعد يضم أي اسم ثقافي معتبر ما عدا أزلام السلطة الصغار، أعمال المؤتمر، وشارك في نشاطاته، بينما رفضت الأمانة العامة لاتحاد الكتاب العرب، على الرغم من كل المناشدات التي سبقت المؤتمر، حضور رابطة الكتاب السوريين التي يرأسها المفكر المعروف صادق جلال العظم، والتي تضم العشرات من الباحثين والشعراء والروائيين الذين حافظوا على شرف كلماتهم من التلوث والارتزاق، وبثمن باهظ، سجنًا وموتًا ومنفى.
والبيان الختامي لهذا الاتحاد، الذي من المفروض أنه اتحاد كتاب، لم يتضمن كلمة تضامن واحدة مع الكتاب السوريين بشكل خاص، ولا مع الشعب السوري عمومًا، بل يسمي ما يحدث من كارثة قل نظيرها في التاريخ المعاصر بـ«صراع لا يراعي حرمة الدم، ولا حق المدنيين العزل في حياة آمنة»، وهو يطالب «جميع الأطراف الداخلة في هذا الصراع بالاحتكام لصوت العقل والحكمة».. كلام ولا أجمل، وكأنه صادر من السكرتير العام لهيئة الأمم المتحدة، أو الأمين العام للجامعة العربية. ثم يقول هذا الاتحاد العتيد، على لسانه رئيسه، إنه «ليس طرفًا في المعادلة الداخلية السورية». هكذا إذن، قرابة نصف مليون قتيل سوري، وأربعة ملايين مهاجر، وبراميل متفجرة فوق الرؤوس، وطائرات موت أسدية وروسية، وميليشيات من كل حدب وصوب، هي مجرد معادلة داخلية سورية! والأنكى من ذلك أن الأمين العام لهذا «الاتحاد الصوري» سارع بإصدار بيان يسترضي فيه الاتحاد الأدبي للمخابرات السورية، ممثلا بـ«زميله العزيز رئيس اتحاد الكتاب السوريين»، بعدما هاج وماج هذا الأخير، لأن بيان الاتحاد العام «طالب الأطراف المتقاتلة في سوريا بوقف نزيف الدم» و«ساوى بين الجلاد والضحية»، ليقول له ما معناه: اعذرونا، نحن لم نسئ إليكم، أو بكلمة أخرى، لم نسئ لنظامكم، بينما لم يكلف نفسه أن يجيب، وإن سلبا، على رسالة مفكر مثل العظم، التي أرسلها إلى الأمانة العامة مطالبا فيها، باسم كل الكتاب المنفيين، بتجميد عضوية اتحاد النظام، وقبول عضوية الرابطة. ومن يكون العظم وزملاؤه؟ لا سلطة أو حكومة وراءهم.
هذا اتحاد لا يخجل من نفسه، وليس جديدًا عليه مثل هذا الموقف، فقد فعل الشيء نفسه سابقًا مع الكتاب العراقيين في عهد صدام حسين.
لقد شكل آنذاك المئات من المثقفين العراقيين المنفيين رابطة أدبية، رأسها الكبير محمد مهدي الجواهري، وكان في عضويتها أكثر من 500 مثقف عراقي، منهم على سبيل المثال غائب طعمة فرمان وهادي العلوي ومحمود صبري وسعدي يوسف ومحمد سعيد الصكار، ومع ذلك لم يقبل عضويتها اتحاد الكتاب العرب، على الرغم من المناشدات المستمرة والوثائق التي قدمت، وظل متمسكًا بعضوية اتحاد صدام حسين، بل أصبح رئيس هذا الاتحاد فيما بعد رئيسًا لاتحاد الكتاب العرب، كما أصبح البعثي السوري علي عقله عرسان رئيسًا له لاحقًا، ولا يزال وريث عرسان «الرفيق» الذي لا يجيد أي شيء سوى كتابة التقارير، نائبا لرئيس هذا الاتحاد.
هذا ليس اتحاد كتاب أحرار، بل اتحاد كتاب السلطات. إنه جامعة عربية تلبس لبوسًا ثقافيًا، بل إنه حتى أسوأ من الجامعة العربية الرسمية التي أبقت في الأقل كرسي النظام السوري فارغًا.
دعونا مرة في هذا العامود إلى الاستقالة من هذا الاتحاد الذي يتحدث وكأنه ناطق بأسمائنا، حتى نبرئ ضمائرنا وكلماتنا أيضًا مما قد يلحق بها من عار التواطؤ، وإن بالصمت.
ولا بأس أن نكرر هذه الدعوة مرة أخرى لعلها تنفع هذه المرة.
استقيلوا من اتحاد السلطات العربية
استقيلوا من اتحاد السلطات العربية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة