المشهد: سباق الألف ميل

المشهد: سباق الألف ميل
TT

المشهد: سباق الألف ميل

المشهد: سباق الألف ميل

* سباق الأميال في موسم الجوائز بدأ. من فنيسيا إلى توليورايد وفي الوقت نفسه تورنتو. لندن ونيويورك وسان سابستيان ودوفيل على مرمى حجر. قرطاج، القاهرة، مراكش، دبي على بعد حجرين وأكثر من عشرة مهرجانات أخرى أصغر أو أكبر تترامى حتى نهاية العام.

* المهرجانات ليست المصدر الوحيد للجوائز، بل كذلك المناسبات السنوية وهذه أصبحت أكثر حضورًا من ذي قبل. على امتداد الأشهر الخمس المقبلة تعلن مؤسسات مثل جمعية المخرجين وجمعية الكتاب وجمعية الممثلين وجمعية المنتجين وكل جمعية تعمل ضمن اختصاصات السينما جوائزها.

* «البافتا» و«الغولدن غلوبس» و«لندن فيلم سيركل» ودزينة أخرى من المؤسسات النقدية ترفع قوائمها بالمرشحين والمرشحات في صناعات السينما المختلفة وصولاً إلى أم الجوائز الأوسكار.

* لا جوائز مماثلة في العالم العربي إلا على أضيق نطاق غالبها يقع في مصر، ولا واحد منها يحتوي على بانوراما تشمل كل ما تم إطلاقه من أفلام ونشاطات في التمثيل والإخراج والكتابة في كل أنحاء العالم العربي، وهو أمر جيد. لأنه لو بدأ لتوقف بعد عامين أو ثلاثة بسبب التناحر بين الأعضاء والرؤساء حول من سينال هذه الجائزة أو تلك. عندنا تمشي مثل هذه الأمور إلى الخلف ونتبعها.

* في باقي العالم تحاول كل مؤسسة الآن أن تسجل حضورها الفني في هذا الموسم وأكثر من ذي قبل. ليست كل جمعية نقدية أو صحافية سينمائية تستطيع إطلاق حفل يشبه حفل «الغولدن غلوبس». هذا يحتاج لملايين الدولارات تحصل عليها «جمعية مراسلي هوليوود الأجانب» من جراء بيع حفلتها إلى محطات التلفزيون ويبقى معها ما تصرفه على الأعضاء والمناسبات الصغيرة، بل وتتبرع به إلى جمعيات خيرية أو إلى طلاب سينما وجامعاتها.

* لكن هذا الحضور يتعاظم إعلاميًا على الأقل. من يتابع المجلات المتخصصة والمواقع السينمائية الجادة (والجيد منها في أميركا أكثر من مائة وحول العالم أكثر من ألف) يتلقف يوميًا أخبارًا عن هذه الجمعيات الصغيرة، كما عن تلك المؤسسات الكبيرة. ما جديد الأفلام المستحقة للترشيحات. توقعات النقاد. قوائم بالأفضل. قراءات نقدية مختلفة. مقابلات و... المزيد من التوقعات كلما اقترب موعد إعلان جائزة رئيسية.

* كل ذلك وسواه جزء من عيد دائم يمتد من الآن وحتى موعد حفل الأوسكار في الأسبوع الثاني من شهر فبراير (شباط). السينما بذلك كائن حي ينتقل من شاشة إلى أخرى ومن مناسبة إلى سواها ويجعلنا نلهث وراء الأعمال كما لو أن العالم كله سينما.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.