في الوقت الذي من المفترض أن تنطلق فيه محادثات بين وزيري الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأميركي جون كيري يومي الثامن والتاسع من سبتمبر (أيلول) في جنيف؛ لبحث الاتفاق حول الأزمة السورية، صدرت من موسكو وواشنطن معلومات متضاربة حول احتمال انعقاد مثل ذلك اللقاء، في حين صدر تصريح من وزارة الخارجية الروسية، مساء أمس، يقول: إن وزير الخارجية الروسي ونظيره الأميركي بحثا، هاتفيا، التعاون المحتمل بين البلدين لهزيمة الجماعات الإرهابية الناشطة في سوريا.
وأضافت الوزارة، أن المحادثة الهاتفية جاءت بعد مباحثات بشأن سوريا بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي باراك أوباما في الصين قبل أيام. وبحث الوزيران أيضا التعاون المحتمل لتسهيل تسليم المساعدات الإنسانية، والتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية.
وتناقلت وسائل إعلام أميركية معلومات تبقي احتمال انعقاد لقاء لافروف – كيري، الفعلي، رهنا بموافقة روسيا على مقترحات قدمها أوباما لبوتين خلال محادثاتهما مؤخرًا على هامش قمة العشرين.
وتأرجح موقف الولايات المتحدة من المفاوضات مع روسيا حول اتفاق لوقف الأعمال العدائية في سوريا ما بين موقف للخارجية الأميركية يتفاءل بتحقيق بعض التقدم، وبين موقف وزارة الدفاع الأميركية الذي يلوح ويهدد ويتشاءم من الموقف الروسي والمساندة الروسية لنظام الأسد.
ففي الخارجية الأميركية، أكد مارك تونر، المتحدث باسم الخارجية الأميركية، أن جون كيري تحدث مع نظيره الروسي سيرجي لافروف لمدة 45 دقيقة حول التحديات المتبقية التي يحتاجون إلى التغلب عليها من أجل التوصل إلى اتفاق، مشيرا إلى أن الجانبين لم يصلا بعد إلى الاتفاق المرجو، مبديا التفاؤل بإمكانية إحراز تقدم خلال المحادثات. وأوضح تونر، أن الوزيرين سيجتمعان مرة أخرى، من أجل مواصلة المناقشات، دون أن يحدد موعدا للاجتماع، أو يؤكد اجتماعا وجها لوجه بين الوزيرين.
في المقابل، تحدث وزير الدفاع الأميركي، أشتون كارتر، بلهجة غاضبة في حواره لشبكة «سي إن إن»، مساء أول من أمس، محملا روسيا مسؤولية تصرفات رئيس النظام بشار الأسد، والفشل في التوصل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار في سوريا
وقال كارتر «يمكن لروسيا أن تستخدم نفوذها للمساعدة في وضع حد لهذه الحرب الأهلية، وهم يتحملون مسؤولية النتائج المترتبة على هذه الأشياء التي يمكن تجنبها». وأشار كارتر إلى الهجوم على شرق حلب الثلاثاء الماضي ببراميل غاز الكلور في حي تسيطر عليه قوى المعارضة السورية.
وفي حديث آخر إلى الراديو البريطاني، لمح وزير الدفاع إلى صعوبة المحادثات مع الجانب الروسي، وقال: «أمامنا طريق طويل لنقطعه قبل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة وروسيا»، ملوحا ومهددا بأن «صبر الولايات المتحدة ليس بلا حدود»، داعيا إلى وقف حقيقي للأعمال العدائية، وقال «ما رأيته هو وقف جزئي للأعمال القتالية، وصبرنا ليس بلا حدود».
وتشير مصادر إلى أن الخلافات تتركز على قضايا تقنية حول توصيف الجماعات المسلحة في سوريا، أي الجماعات التي يمكن أن يطلق عليها مصطلح معارضة معتدلة، وأي الجماعات يمكن وصفها بـ«جماعات إرهابية»، وترسيم المناطق لسيطرة كل جماعة والأهداف المحددة لقصف الإرهابيين ورسم الخرائط التفصيلية وطرق الإمدادات، كما تتعلق بكيفية ضمان احترام وقف إطلاق النار من جميع الأطراف، وضمانات لنفاذ المساعدات الإنسانية إلى كافة الذين في أمس الحاجة إليها.
وقد تم الاتفاق على الخطوط العريضة للاتفاق على مدى أسابيع ماضية عدة، لكن المسؤولين الأميركيين يتهمون روسيا بالتراجع عن بعض العناصر، بما في ذلك توقيت ومدة وقف إطلاق النار، وغيرها من جوانب الاتفاق، وقال مسؤول لصحيفة «واشنطن بوست»: نحن نتطلع لفترة طويلة من الهدوء؛ لأن الحديث طال للغاية، وكانت هناك وعود قدمت ووعود لم يتم الوفاء بعها، ونحن نتطلع إلى سلسلة من الخطوات التي تصل بها إلى نهج شامل وهذه ليست مجرد هدنة أخرى قصيرة الأمد».
وفي لحظة غضب، أشار مسؤولون في إدارة أوباما إلى أن الإدارة الأميركية تقترب من نفاد صبرها مع روسيا. وقال مسؤولون كبار في الإدارة الأميركية لصحيفة «واشنطن بوست»: إن الترتيبات بين واشنطن وموسكو للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار جنبا إلى جنب مع التعاون الثنائي في مكافحة الإرهاب ينتظر قرارا من موسكو خلال الأيام المقبلة.
وأوضح المسؤولون، أن الجانب الأميركي قدم بالفعل مقترحات «نهائية» إلى الروس في أعقاب اجتماع الرئيس أوباما مع الرئيس بوتين في الصين، الاثنين الماضي. وازداد غموض الوضع مع إعلان الخارجية الروسية اجتماعا محتملا بين لافروف وكيري في جنيف صباح أمس (الخميس) واليوم (الجمعة)، مع تصريحات لنائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف عن احتمال مشاركة مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا ستيفان دي ميستورا للمحادثات، فيما رفضت الخارجية الأميركية تأكيد الاجتماع، وأوضحت أن الوزيرين تحدثا هاتفيا فقط. وأوضح مسؤولون أميركيون، أن واشنطن لا ترى هدفا من عقد جلسة تفاوض أخرى إذا لم تغير موسكو من موقفها، فيما أبدت موسكو «استياءها من إعلان الولايات المتحدة عقوبات تتعلق بأوكرانيا ضد روسيا خلال الأسبوع الحالي». وقال بيان لوزارة الخارجية الروسية إن «حل الصراعات الإقليمية والتعاون الذي تطالب به إدارة أوباما بانتظام يعد مستحيلا دون توافر اللياقة الأساسية».
ورفض الجانب الأميركية تحديد الخطوات التي ستتخذها الإدارة الأميركية في حالة عدم التوصل إلى اتفاق مع روسيا، وقال مسؤولون إن الأولوية لدى إدارة أوباما هي المعركة ضد تنظيم داعش في العراق وسوريا.
وكانت ماريا زاخاروفا، المتحدثة الرسمية باسم الخارجية الروسية، قد أكدت في تصريحات لها يوم أمس وفي حديثها عن المحادثات الجارية بين خبراء عسكريين ودبلوماسيين روس وأميركيين حول «تفاصيل تقنية في الاتفاق الأميركي - الروسي»، زاخاروفا أن العمل جار، وأن «الجانب الروسي عازم على تحقيق نتائج»، لافتة إلى أن «الفصل بين المعارضة المعتدلة والمجموعات الإرهابية تشكل حاليًا المشكلة الرئيسية في المحادثات». ودعت المتحدثة الرسمية باسم الخارجية الروسية إلى عدم الاهتمام بالتسريبات التي تنشرها صحف أميركية حول سير المحادثات، وتحديدا تلك التسريبات التي تشير إلى أن لقاء لافروف – كيري المرتقب سيكون الأخير بحال لم يتم التوصل للاتفاق المنشود حول الأزمة السورية. واعتبرت أن تلك التسريبات «لا تمتلك فهما عميقا وتقييمات واقعية وتحليلا لما يعمل عليه الخبراء الأميركيون والروس»، مرجحة أن «الهدف من تلك التسريبات قد يكون التحفيز لعمليات ما، أو لتحقيق أهداف معينة».
من جانبه، رد دميتري بيسكوف، المتحدث الصحافي باسم الرئيس الروسي، على التسريبات التي نشرتها الصحيفة الأميركية، التي قالت: إن الرئيس الأميركي سلم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «آخر اقتراح أميركي» حول الاتفاق لتسوية الأزمة السورية، خلال محادثاتهما على هامش قمة العشرين في الخامس من سبتمبر في الصين. وقال بيسكوف بهذا الصدد إن «تلك المعلومات لا تتطابق تماما مع الواقع»، مؤكدا في الوقت ذاته أن «الموضوع السوري جرى بحثه فعلا بالتفصيل خلال محادثات الرئيسين»، و«جرى بحثه بتفصيل أوسع خلال محادثات الوزيرين لافروف وكيري حينها». وأضاف بيسكوف إن «الحديث يدور في الواقع حول اتفاق ما، وثيقة ما، لم يتم وضع اللمسات الأخيرة عليها حتى الآن؛ لأنه ما زالت هناك مسائل لم يتم الاتفاق عليها بعد، والعمل مستمر»، مشددًا على أن «كل هذه القضايا يمكن بحثها ضمن صيغة الحلول الوسط، وللتوصل إلى تلك الحلول الوسط ما زال العمل جاريا».
كيري ولافروف يتحدثان هاتفيًا 45 دقيقة لبحث اتفاق التسوية
واشنطن تتأرجح بين تفاؤل الخارجية.. وتشاؤم وتهديد من البنتاغون
كيري ولافروف يتحدثان هاتفيًا 45 دقيقة لبحث اتفاق التسوية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة