مقتل «منجنيق داعش» و«أمير» الشام

أقوى ضربة تلقاها التنظيم المتطرف

أبو محمد العدناني ({الشرق الأوسط})
أبو محمد العدناني ({الشرق الأوسط})
TT

مقتل «منجنيق داعش» و«أمير» الشام

أبو محمد العدناني ({الشرق الأوسط})
أبو محمد العدناني ({الشرق الأوسط})

تأكدت يوم 30 أغسطس (آب) 2016 أخبار مقتل «أبو محمد العدناني»، الناطق الرسمي باسم تنظيم داعش المتطرف، وأقرت به أبرز وسائل إعلام «داعش» وكالة «أعماق» ووكالة «حق». ولعل هذه الضربة الأقوى على ما يبدو للتنظيم الإرهابي المتطرف، منذ بدء ضربات التحالف الدولي ضد في 30 سبتمبر (أيلول) 2014. فـ«العدناني» ليس فقط صوت التنظيم، بل لعله أهم أركانه ولوحة الإشارات الأهم لتوجهاته وتوجيهات عناصره. وحين ظهر «أبو محمد العدناني» خلال شهر رمضان الماضي، الموافق 21 مايو (أيار) الماضي، كانت رسالته التوجيهية واضحة بتنفيذ هجمات ضد الدول الأوروبية والولايات المتحدة، حين قال «اجعلوا هذا الشهر شهر المصائب على الكفار، في كل مكان. والدعوة موجهة خصوصًا لأنصار الخلافة (المزعومة) في أوروبا وأميركا»، أخذت العمليات و«الذئاب المنفردة» تنشط بكل ما لديها من إمكانات في مختلف الدول الأوروبية، دهسًا وتفجيرًا وطعنًا ومحاولات قتل فاشلة في كل اتجاه.
وصف تركي بن مبارك البنعلي، أكبر منظّري «داعش» سابقًا: «أبو محمد العدناني» في كتيب له صدر عام 2014 - ردا على راديكالي مصري مقيم في العاصمة البريطانية لندن أساء إليه بعد إعلانه الخلافة المزعومة، ونعته أنه «مجهول وخليفته مجهول» – بأن «العدناني» هو «منجنيق الدولة»، وترجم له ترجمة وافية عرفت بمراحله الحركية وشيوخه وتوجهاته، وإن لم يتعرض لكامل نشاطه وتاريخه الإعلامي، ومنها أنه ارتبط بالحركات الراديكالية عبر «أبو مصعب الزرقاوي»، تحديدًا، أثناء استقرار الأخير في سوريا لبعض الوقت قبل دخوله إلى العراق.
في الحقيقة، ربما كان هذا الرجل الأخطر في «داعش»، بل نراه أخطر من «أبو بكر البغدادي» نفسه، ولعله صانعه وهالته، وهو مَن أقنعه بأن يعلن خلافته.
وكان يظهر في أوقات تحمل في مخاضاتها أحداثًا كبرى، ظهر بعد فض اعتصام الأنبار بالقوة عام 2013 بيوم واحد، مبشرا بعودة «القاعدة» في العراق، وداعيا أهل العراق لاستيعاب الدرس من الميليشيات المرتبطة بنوري المالكي والحكومة العراقية حينئذ، وهو من كان يتكلم ويروج منذ عام 2012 في رسائله وبياناته أن «خلافة» «داعش» قادمة وأن «الخليفة» المزعوم سيعلن قريبا.
* المعلومات المتوافرة
لم يأت في ترجمة البنعلي - الذي أقيل من منصبه في يونيو (حزيران) الماضي - أن الاسم الكامل لـ«أبو محمد العدناني» هو طه صبحي فلاحة. ولقد ولد في شمال غربي سوريا عام 1977 في بلدة بنش بريف محافظة إدلب. وذاعت شهرته بصفته ناطقا باسم «داعش» منذ بدء الخلاف مع قيادات «القاعدة» في أبريل (نيسان) ومايو 2014، خصوصا في إعلان الانفصام من بيعة «القاعدة» في الشرط المشهور الذي انتقد فيه أيمن الظواهري «عذرًا أمير القاعدة» في 12 مايو 2014، ثم في إعلانه «الخلافة» المزعومة لـ«أبو بكر البغدادي» في 29 يونيو 2014، وهو الإعلان الذي بُث بخمس لغات. وبعدها توالى ظهوره بصفته وجها رئيسيا في الجدل مع «القاعدة» بتسجيله، لكنه اختفى منذ بدايات عام 2015 بشكل كبير، ربما بسبب استهداف قيادات التنظيم من ضربات التحالف التي انطلقت في أغسطس من العام نفسه!
كان «العدناني» يستخدم أثناء وجوده في العراق هوية مزورة باسم «حسين خلف نزال الراوي». ويعرف عنه أنه استقر في الأردن لبعض الوقت في مدينة الزرقاء على مقربة من جماعة التيار المتشدد الذي كان يقوده «أبو محمد المقدسي».
وربما جاء تجاهل هذا اللقاء المبكر نظرا للفصال المتأخر بين «داعش» من جهة وبين هذه الجماعة و«القاعدة»؛ إذ تنكر «الزرقاوي»، وبعده البنعلي، لشيخه السابق، كما تنكر «داعش» لـ«القاعدة»! وهوجم هاني السباعي، الذي قدم كتابًا لتركي البنعلي عام 2012 عام 2014، أي بعد ذلك بعامين فقط.
غير أن البنعلي يشير في ترجمته إلى أنه تم تجنيد «العدناني» من قبل «الزرقاوي» في سوريا بعد فرار الأخير من أفغانستان، وقبل دخوله العراق. وأن التوجه كان القيام بعمليات داخل سوريا في البداية، ولكن النظام السوري أحبط حينذاك هذه المخططات، وجرى اعتقال الشاب «العدناني» مرتين كما تذكر رسالته «منجنيق الدولة».
* الحضور الإعلامي
بالنسبة لتطور الحضور الإعلامي لـ«العدناني» وخطورته، نذكر ما يلي:
1 - بدأ بروزه إعلاميا منذ أواخر 2011، وكان اهتمامه عراقيًا في هذه الفترة؛ إذ لم تدخل «القاعدة في العراق» على الثورة والساحة السورية إلا أواخر هذا العام، وحتى أبريل من العام التالي. وصدرت له رسالة صوتية منشورة في فبراير (شباط) 2012 بعنوان «العراق العراق يا أهل السنة» يستنفر فيها التطرف السنّي ضد التطرف الشيعي الذي حدد بعض ملامحه حينها.
2 - كان حضوره الأبرز وتأثيره الأهم إعلاميا بعد فض الاعتصام السلمي في الأنبار يوم 30 يناير (كانون الثاني) 2013، ولقد أثار العشائر، حيث أحسن وتنظيمه الاستثمار في المظلومية السنّية هناك. وبعدها بيوم واحد (31 يناير) كان أول ظهور لما بات يُعرف بـ«أبو محمد العدناني» وظهر بصفته ناطقا باسم «القاعدة في العراق» حينئذ - و«داعش» فيما بعد - داعيا السنة إلى الانتفاض بالسلاح في وجه التمييز الطائفي لرئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي ضدهم، وللالتفاف حول «القاعدة» من جديد كونه حلا وحيدا لهم.
3 - في مرحلة عودة «القاعدة في العراق» قال «العدناني» في خطبة له بعنوان «الاقتحامات أنجع» في نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 «ولقد أعلنتها دولة العراق الإسلامية عالية مدوية: لا تفاوض، لا مساومة، لا مداهنة، ثباتٌ لا تراجع، حربٌ لا هوادة فيها، ويقول عن تقدم تنظيم الدولة في العراق، فالآن نغزوهم ولا يغزوننا» (1)
4 - في المفاصلة مع «القاعدة» والظواهري، تتضح شدة «العدناني» في خطابه في 12 مارس (آذار) 2014، الذي انتقد فيه الظواهري وخلع بيعته وبيعة تنظيمه من قيادته «عذرًا أمير القاعدة»، حيث عايره بالتبعية والتصالح مع إيران، موظفًا سياق الثورة السورية والدور الإيراني فيها، وأنه كان يمنعهم من استهدافها.
وفي 29 يونيو 2014 كان إعلان «أبو محمد العدناني» الخلافة المزعومة لـ«أبو بكر البغدادي» بعدما تلا نسبه، ثم ألزم مختلف الحركات الراديكالية ببيعته! وإلا قطف الرؤوس...!
* شيوخ العدناني وتعليمه
كما هو شأن كثير من زعماء «القاعدة» و«داعش» الذين لم يتلقوا تعليمًا شرعيًا نظاميًا، كان هناك مقتطفات يدخل فيها الجواني والتأويلي مع العلمي والشرعي المضبوط. ويقول البنعلي عن تعليم «العدناني» أنه «بدأ بكتب التفسير، وكان أحبها إليه (تفسير ابن كثير) الذي قرأه مرارًا، ثم (في ظلال القرآن) حتى همّ بكتابة (في ظلال الظلال)، وكتب الحديث وأهمها لديه (الصحيحان)؛ إذ إنه كان يراوح بينهما، وكتب الفقه عامة. ولقد شُغف بكتب الإمام الشوكاني - رحمه الله - وعلى رأسها (نيل الأوطار)، وعني بـ«فقه الجهاد» فقرأ –على سبيل المثال – (مشارع الأشواق) أكثر من ثلاث مرات، وكتب السيرة والتاريخ التي أولاها اهتمامًا بالغًا»، ثم يضيف البنعلي - من باب المبالغة - أنه قرأ كتاب «البداية والنهاية» ست مرات!
ومن المبالغات والتناقضات كذلك، ما يذكره البنعلي أنه قرأ جل كتب الأدب كـ«البيان والتبيين» و«العقد الفريد» وغيرهما، وقرأ دواوين العرب كالمعلقات وشروحها، وحفظ الكثير من أشعارهم، وتابع البنعلي «أظنه مستظهرًا لديوان المتنبي، وقد قال عن المتنبي (ما أراه إلا أشعر العرب في الجاهلية والإسلام!)، وفي النحو درس (الأجرومية) ثم (قطر الندى)، ثم (ألفية ابن مالك)، وأما كتب المعاجم فقد طالع (لسان العرب) لابن منظور وغيره». وطالع «لسان العرب» كاملا! أي مبالغة هذه؟! وكيف قرأ «البيان والتبيين» للجاحظ المعتزلي؟ وكيف رأى متحدث الداعشية في القرن الحادي والعشرين المتنبي وعصره ودولة بني حمدان التي والاها وهي شيعية المذهب، والخلافة الضعيفة في أيامه...!
إنها المبالغة وعواصف الكلام غير المضبوط في وجه «القاعدة» التي خالفت «داعش»، والتي كان ينتمي إليها البنعلي نفسه سابقا!
على صعيد آخر، لا يذكر البنعلي أي شيوخ لـ«العدناني» في سوريا؛ نظرًا لضغط النظام، لكنه يذكر تلقيه على الحركي الراحل «أبو أنس الشامي» مساعد «الزرقاوي». ويذكر البنعلي بيتي شعر أو نظم لـ«العدناني» في رثائه. ويقول: إن من شيوخه أيضًا «أبو ميسرة الغريب» - قتل في غارة أميركية عام 2007 - الذي التقاه في العراق، وكذلك أمير «داعش» الحالي «أبو بكر البغدادي» الذي يذكر المترجم أنه أتم حفظ القرآن عليه، رغم أنه سبق وقال: إنه أتمه من قبل (!) وتعلم التجويد (!) ثم تفرغ للقراءات العامة..
وعن المؤلفات، يذكر البنعلي أنها كثيرة لكنها فقدت منه في السجن، بجانب منظومات يعني ألا يبحث أحد عنها.
* مواقع «العدناني» التنظيمية
ذكر تركي البنعلي عن التطور التنظيمي لـ«العدناني» ما يلي: دخل العمل التنظيمي منذ بداية الألفين ميلادية، مبايعًا «أبو مصعب الزرقاوي» في سوريا مع خمسة وثلاثين شخصًا، وانطلقوا بالإعداد لبدء قتال ما وصفه بـ«النظام النصيري» آنذاك، قبل دخول الأميركان العراق، فلما حصل الاحتلال الأميركي للعراق، شد رحاله إليها، فتلقاه الشيخ «أبو محمد اللبناني» الراحل. ثم يضيف البنعلي في ترجمة القيادي القتيل أن من أهم المناصب التي شغلها:
1 - مدرب في معسكر حديثة أيام «التوحيد والجهاد».
2 - أمير حديثة بتنصيب «أبو مصعب الزرقاوي».
3 - مدرب في معسكر الجزيرة.
4 - شرعي القاطع الغربي في الأنبار.
5 - الناطق الرسمي باسم «دولة العراق الإسلامية».
6 - الناطق الرسمي باسم «داعش».
7 - الناطق الرسمي باسم خلافة «داعش» المزعومة.
ويذكر البنعلي أن العدناني اعتقل عند الأمن السوري ثلاث مرات، وعند الأميركان في العراق مرتين، سجن في إحداها ست سنوات، واقترب في السجن من دائرة «الزرقاويين» الذين شكلوا معه مساره فيما بعد.
ولكن أهم ما يذكره البنعلي عن «العدناني» في ترجمته أمران، نحددهما فيما يلي:
أولاً، قربه من «الزرقاوي»؛ فهو كان محل ثقة «الزرقاوي» بشكل بعيد، حتى أن الأخير كان يقول له: «أطلعني ولا تشاورني».
ثانيًا، قدرته على التجنيد؛ إذ جنّد «أبو عمر البغدادي»، ويذكر البنعلي أن «أبو محمد العدناني» كان أول من أطلقت العمليات القتالية في حديثة بغرب العراق ومعه ثلاثة عشر شخصًا، إلى أن استقلت حديثة على أيديهم. وفيها كان تحت إمرته «أبو عمر البغدادي» زعيم «القاعدة في العراق» السابق (قتل مع نوابه عام 2010)، وأن «العدناني» قرّبه منه، وكان يستشيره ويتوقع أن يكون له شأن. كذلك يذكر البنعلي شيئا يكشف قدرته العسكرية وعناده، وأنه كان «آخر من انسحب من مدينة الفلوجة في معركة الفلوجة الثانية، مع الشيخ «أبو حمزة المهاجر» و«أبو الغادية» و«أبو الربيع» و«أبو جعفر المقدسي» و«أبو عاصم الأردني». وكانت تربطه علاقة خاصة بـ«أبو حمزة المهاجر» و«أبو عمر البغدادي» الذي قضى معه، وكانا يقيمان معًا المباريات الشعرية في ساحات الحرب.
ختامًا، لا شك أن استراتيجية المطرقة الصلبة في تصفية قيادات «داعش» تؤتي ثمارها في دفع هذا التنظيم الأعنف عالميًا وتاريخيًا للتراجع، وفقدان أسسه وأركانه الرئيس. ومن قتل أمس لعله الأهم بين هذه القيادات، و«الزرقاوي» الحالي المدير لعقل التنظيم ووسائط اتصال عناصره.



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.