المخدرات تعصف بأوساط الشباب في مناطق سيطرة النظام السوري

حملة اعتقالات تشمل الإناث قبل الذكور بتهم التعاطي والترويج والاتجار

تحولت المخدرات إلى آفة تعصف بعقول مستقبل الشباب السوري ({غيتي})
تحولت المخدرات إلى آفة تعصف بعقول مستقبل الشباب السوري ({غيتي})
TT

المخدرات تعصف بأوساط الشباب في مناطق سيطرة النظام السوري

تحولت المخدرات إلى آفة تعصف بعقول مستقبل الشباب السوري ({غيتي})
تحولت المخدرات إلى آفة تعصف بعقول مستقبل الشباب السوري ({غيتي})

فوجئت عشرات الأسر المعروفة بولائها لنظام الأسد وخدمة عدد من أبنائها في ميليشيا «جيش الدفاع الوطني»، بحملة اعتقالات شملت العشرات من الشباب والشابات في الأحياء التي يسيطر عليها النظام وسط العاصمة دمشق، بتهمة تعاطي وترويج المخدرات.
جاءت الحملة بناء على اعترافات بعض ممن ضبطوا بالجرم وهم يروّجون المخدرات في أوساط الشباب بدمشق، حيث جرى اعتقال الشباب والشابات الذين وردت أسماؤهم في التحقيقات من منازلهم. وأعرب فالح. ع. عن استغرابه للعدد الكبير الذي اعتقل من البناء الذي يسكنه ويقع في حي القصور بشرق دمشق، وقال: لقد تم اعتقال أربعة شبان طلاب جامعة، وكان اعتقالهم بتهمة المخدرات مفاجأة كبيرة لأنهم أبناء من عائلات محترمة ويتمتعون بسمعة حسنة!! أما المفاجأة الأكبر - حسب فالح، وهو صاحب مكتب عقاري - فإن «عدد الإناث أكبر من عدد الذكور» معتبرا ذلك دليلاً «على خراب كبير ضرب المجتمع السوري بفعل الحرب».
حملة النظام على المخدرات تأتي بعد استفحال ظاهرة انتشارها بين الشباب، وتحديدًا، في المناطق التي يسيطر عليها، وخروجها إلى العلن بعدما كانت تعتبر إلى وقت قريب من إحدى أكبر الموبقات الاجتماعية المرفوضة الممارسة سرا بسبب القوانين التي تشدد في عقوباتها الترويج والاتجار بالمخدرات. وللعلم، تعتبر المادة 40 من قانون المخدرات رقم 2 لعام 1993 تقديم المخدرات للتعاطي «جريمة يعاقب عليها بالاعتقال المؤبد وبغرامة من مليون إلى 5 ملايين ل. س.». وفي المادة 42 من ذات القانون اعتبرت تقديم المادة المخدرة للتعاطي دون مقابل «جريمة معاقب عليها بالاعتقال المؤقت لمدة لا تقل عن 10 سنوات والغرامة من 500 ألف ل. س. إلى مليوني ل. س. وترفع هذه العقوبة إلى الاعتقال المؤبد والغرامة من 500 ألف ل. س. إلى مليوني ل. س. إذا قُدمت هذه المادة إلى قاصر أو دفع القاصر إلى تعاطيها بالإكراه أو الغش أو الترغيب أو الإغراء».
كان لهذا القانون المشدد الصادر في التسعينات من العقد الماضي دور كبير في الحد من انتشار المخدرات في أوساط السوريين، فباتت سوريا بحكم موقعها الجغرافي «دولة عبور» للمخدرات لا «سوق استهلاك». ولكن منذ اندلاع الأحداث الدامية وانصراف النظام نحو تجييش وتجنيد الشباب في صفوف القوات المدافعة عنه، تحولت البلاد إلى سوق متعطشة للمخدرات في ظل انعدام الشعور بالأمان واليأس من انتهاء الحرب. لا يكاد يمر شهر دون أن تعلن قوى الأمن الجنائي التابعة للنظام عن ضبط مروّجي مخدرات في مناطق سيطرة النظام، آخرها كان يوم أول من أمس حين أعلن عن القبض على اثنين من مروّجي الحبوب المخدرة وبحوزتهما 400 ألف حبة كبتاغون. ووفق بيان صادر عن وزارة الداخلية في حكومة النظام، كان بحوزة الموقوفين أيضا مبالغ مالية من عملات مختلفة.
كان فرع الأمن الجنائي في دمشق قد قبض خلال الأسبوع الماضي على اثنين من مروّجي المخدرات في مدينة حماه وكان بحوزتهما 13 كيلوغراما من مادة الحشيشة و4200 حبة كبتاغون. وجاء ذلك بالتزامن مع إعلان المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي في لبنان عن تمكن «مكتب مكافحة المخدرات المركزي» في «الشرطة القضائية اللبنانية» بالتنسيق مع جهاز أمن مطار رفيق الحريري الدولي، من إحباط عملية تهريب الحبوب المخدرة «tramadol» من الهند إلى لبنان عبر المطار كانت في طريقها للإدخال إلى سوريا، وتم ضبط مليون وخمسين ألف حبة «tramadol» موضبة داخل 21 صندوقا، قدرت قيمتها نحو خمسة ملايين دولار أميركي.
مراقبون جيدو الاطلاع يقولون: إن المخدرات تعصف راهنًا بأوساط السوريين في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام التي باتت تعاني من انفلات أمني وأخلاقي غير مسبوق، مع استشراء الفساد وظهور أمراء الحرب من «الشبيحة» المستفيدين من انتشار المخدرات والانحلال الأخلاقي بنتيجة التشرد والفقر وانعدام الأمان وتنامي تجارة الابتزاز.
ويقول أبو رامي وهو (موظف متقاعد) دمشقي معارض لا يجرؤ على إعلان موقفه بأن «شبيحة» النظام هم مَن ينشرون المخدرات وهم مَن يبلغون عن المتعاطين لأنهم يعرفونهم، وذلك بهدف الابتزاز وجني الأموال. ويشير إلى أن سبعة شباب وفتيات كانوا قد اعتقلوا قبل أسبوعين وشى بهم شاب من الحي ذاته كان يزودهم بالحبوب المخدرة. ولقد جرى اعتقاله بداية ثم أطلق سراحه بعد أقل من شهر!! ويضيف أبو رامي «كل شاب وشابة من هؤلاء دفع ويدفع أهلهم مبالغ باهظة لإطلاق سراحهم إنها مورد دخل أيضا لوزارة الداخلية وللفاسدين فيها». وينهي كلامه بالتأكيد على «أنه لا أحد يجرؤ على ترويج وبيع المخدرات ما لم يكن خلفه مسؤول مهم أو شبيح مدعوم».
من ناحية ثانية: «يلجأ الشباب إلى تعاطي المخدرات كنوع من العلاج النفسي»، كما تقول راما (17 سنة) التي كانت تدرس الموسيقى وتعرفت إلى مجموعة من الشبان والشابات الظرفاء أعمارهم تتجاوز العشرين على علاقة بالوسط الفني. وتضيف راما أن معظمهم «يعاني من أمراض نفسية مختلفة مثل القلق والرهاب والكآبة وعندما يدخنون الحشيش أو يتناولون حبوبا تسمى حبوب الضحك، يتحولون إلى أشخاص ظرفاء يضحكون ويرقصون ويروون النكات طوال الوقت». وعما إذا كانت تتعاطى المخدرات تقول راما بأنها جرّبت مرة واحدة لكنها لم تحب الحالة فلم تكررها.
في المقابل، تعبّر سميرة ن، التي تعمل مدرّسة ويعمل زوجها مهندسًا، عن فقدان الأمل بمعالجة ابنها الذي تحوّل من طالب جامعي نشيط إلى مدمن عصابي كئيب كاره لنفسه وللجميع. وتقول: «أنا وزوجي كل يوم نبكي بدل الدموع دمًا، ونندم لأننا عارضنا هجرته إلى أوروبا قبل ثلاث سنوات».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».