أيد مجلس الشيوخ البرازيلي عزل الرئيسة ديلما روسيف بأغلبية 61 صوتا مقابل رفض 20 صوتا لإدانتها بانتهاك قوانين الميزانية. وأنهى التصويت 13 عاما من حكم حزب العمال التقدمي، وأتى بنائبها السابق ميشال تامر رئيسا. لكن هناك اعتقادا بأن ذلك هو بداية الأزمة في البرازيل وليس نهايتها، على الصعيدين، المحلي والدولي.
ونددت روسيف في أول رد فعل لها بـ«الانقلاب البرلماني»، وتوعدت بمعارضة شرسة للحكومة الجديدة برئاسة خلفها تامر.
توترات في علاقات البرازيل مع حكومات يسارية في أميركا اللاتينية ظهرت مباشرة بعد أن استدعت فنزويلا والإكوادور وبوليفيا سفراءها؛ احتجاجا على الخطوة التي وصفتها الدول بأنها «انقلاب» وردت برازيليا بالمثل. وكان القادة اليساريون في فنزويلا والإكوادور وبوليفيا والسلفادور حلفاء مقربين من روسيف وسلفها لويس اينآسيو لولا دا سيلفا، ومن بينهم رئيس فنزويلا نيكولاس مادورو الذي قال: إن الولايات المتحدة تقف وراء عملية مساءلة روسيف لعزلها. «هذا الانقلاب ليس ضد ديلما فقط. إنه ضد أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي. إنه ضدنا.. هذا هجوم على الحركة اليسارية الشعبية التقدمية».
وجاء في بيان للخارجية الفنزويلية بهذا الشأن، أن عزل روسيف يمثل «خيانة تاريخية للشعب البرازيلي». كما أكد البيان أن العزل ينتهك الدستور البرازيلي ويقوض الديمقراطية. ووصف رئيس نيكاراغوا، دانيل أورتيجا، عزل روسيف بأنه «ظالم» واعتبره بداية لـ«أوقات صعبة» للشعب البرازيلي.
وجاء في رد البرازيل، أن موقف حكومة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو ينم عن «جهل عميق بالقانون البرازيلي، ويمثل رفضا تصادميا للتكامل في أميركا اللاتينية».
ووصفت حكومة كوبا عزل روسيف بأنه «انقلاب قضائي برلماني».
كما أدانت حكومة الإكوادور عزل روسيف، وقالت عنه على لسان وزير خارجيتها جويلوم لونج إن «الانقلاب المستتر يهدد الاستقرار السياسي في المنطقة». وقال لونج إنه تم استدعاء القائم بأعمال سفير الإكوادور في البرازيل إلى كيتو.
وعبرت الخارجية البرازيلية عن عدم تفهمها لموقف حكومة الإكوادور وبوليفيا وكوبا، وطالبت هذه الحكومات بالإبقاء على قيم العلاقات
الإقليمية.
وقالت الحكومة اليسارية في السلفادور في بيان إن عزل روسيف «يمثل تهديدا خطيرا للديمقراطية والسلام والعدل والتنمية والتكامل في أميركا اللاتينية»، لكنها لم تعلن أنها تعتزم سحب سفيرها هناك.
وأكدت الحكومة الأرجنتينية، أن الأرجنتين تراهن على تعزيز سوق «ميركوسور» المشتركة بين دول أميركا اللاتينية من خلال التعاون المتجدد مع البرازيل، وأن الأرجنتين تحترم الإجراءات المؤسسية في جارتها البرازيل.
من المرجح، رغم ما أظهرته من صمود وتصميم، أن تنسحب ديلما روسيف من الحياة السياسية لتتقاعد في سن الـ68. لكن إن كان أعضاء مجلس الشيوخ صوتوا بغالبية ساحقة على إقالتها، إلا أنهم لم يحرموها من حقوقها المدنية، مثلما كانت تخشى؛ إذ نددت مسبقا بـ«عقوبة إعدام سياسي».
ويبقى بالتالي في إمكانها الترشح لشغل مقعد في مجلس الشيوخ أو مجلس النواب، غير أنه لن يكون بوسعها الترشح للرئاسة عام 2018، بعدما شغلت المنصب الرئاسي لولايتين متتاليتين، وهو الحد الذي يسمح به القانون. وحذرت الأربعاء «هذا ليس وداعا».
خليفتها ميشال تامر انتظر اللحظة الأشد عزلة وضعفا لديلما روسيف، غير أن انتصاره قد يكون قصير الأمد؛ نظرا إلى نقاط ضعفه هو نفسه.
فشرعيته تطرح أصلا تساؤلات على الصعيد الدستوري، وهو في موقع ضعيف بسبب الجدل حول كيفية وصوله إلى السلطة وصفات «الخائن» و«المتآمر» و«الانقلابي» التي أطلقتها عليه ديلما روسيف.
وما يزيد من هشاشة موقعه أن رجل الجهاز السياسي غير المعروف كثيرا من البرازيليين يعاني من شعبية، ثم إنه يواجه مع حزب الحركة الديمقراطية البرازيلية الذي ينتمي إليه فضيحة «بتروبراس»، المجموعة النفطية العامة، وتبعاتها الخطيرة. وورد اسمه هو نفسه في تهم عدة، من دون أن يؤدي ذلك حتى الآن إلى عواقب قضائية.
وفي ظل هذه الظروف الصعبة، أقر ميشال تامر نفسه الأربعاء، أن أمامه «سنتين لإعادة وضع (البلاد) على السكة»، فيما تشهد أسوأ انكماش اقتصادي منذ عقود. وقال: «سيكون هذا صعبا»، محددا أولوية له خفض البطالة التي تطاول 11.8 مليون برازيلي. ويمكنه الاعتماد حاليا على غالبية متينة في البرلمان وعلى تأييد أوساط الأعمال.
وسعيا منه لمهادنة حلفائه الجدد في الحزب الاشتراكي الديمقراطي البرازيلي، الحليف التاريخي لحزب العمال، وعد بأنه لن يترشح هو نفسه للرئاسة.
وبعد أربعة انتخابات رئاسية خسرها الحزب الاشتراكي الديمقراطي البرازيلي على التوالي مقابل حزب العمال، يعتزم هذا الحزب من وسط اليمين الفوز في الانتخابات المقبلة.
إلى يسار الساحة السياسية البرازيلية، فإن حزب العمال بزعامة ديلما روسيف ومرشدها في السياسة الرئيس السابق لويس ايناسيو لولا دا سيلفا لا يحلم حاليا بانتخابات 2018، وقد أضعفته 13 سنة في السلطة وأنهكته فضائح فساد.
ويركز الحزب اهتمامه في الوقت الحاضر على ضمان استمراريته، فيحاول بدايةً الحد من الأضرار في الانتخابات البلدية في أكتوبر (تشرين الأول)، حيث يخشى هزيمة تاريخية.
وهو الآن تحرر من أعباء الرئاسة، مع الانتقال إلى المعارضة، حيث يراهن على فشل ميشال تامر، ولن يتردد في استغلال الاستياء الاجتماعي الناجم عن التدابير التي ستتخذها حكومة تامر، وسيحاول فتح جبهة اجتماعية من خلال حراكه النقابي.
أزمة البرازيل لن تنتهي مع عزل الرئيسة
دول يسارية تستدعي سفراءها تضامنًا مع ديلما روسيف
أزمة البرازيل لن تنتهي مع عزل الرئيسة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة