أبرمت وزارة المعادن السودانية اتفاقا مع شركة سيدكو للاتصالات (الثريا) لتغطية مناطق التعدين في البلاد التي تتجاوز 220 موقعا يعمل بها مليون شخص و434 شركة، بخدمات الاتصالات المتقدمة التي تتيح مراقبة وإنتاج وأداء العاملين في القطاع، وذلك منعا للتهريب الذي تفشى خلال العامين الماضيين بعد الزيادات الكبيرة في نشاط التعدين التقليدي وعدم مواكبة سعر شراء الذهب من قبل الحكومة لأسعار البورصات العالمية.
وأنتج السودان خلال الستة أشهر الأولى من العام الحالي 45 طنا من الذهب يعتزم زيادتها إلى مائة طن بنهاية 2016. حيث يطمح السودان للحصول على مقعد ضمن أكبر دول العالم إنتاجا للذهب، إلا أن التهريب الواسع للذهب أحدث فجوة كبيرة بين المنتج والمصدر، مما أثر سلبا في حصول البلاد على موارد بالعملة الصعبة وإيرادات جمركية تُفرض على المُصدرين، بجانب ظهور أشكال من الجريمة المنظمة التي تتم بها عمليات التهريب.
وكشف تقرير حول تهريب الذهب قُدم أمام ورشة عمل نظمتها وزارة المعادن أخيرا وتحصلت «الشرق الأوسط» على نسخه منه، عن أن هناك إجراءات متعددة أصدرتها السلطات لمعالجة الظاهرة، يقابلها أساليب متعددة وذكية لتهريب الذهب، يستخدم فيها المهربون التقنيات والثغرات في الموانئ البحرية والبرية والجوية، والتلاعب بالمستندات الرسمية وتهريبه في شكل سبائك ومشغولات تتزين بها النساء المسافرات للخارج، أو عبر طائرات الشحن المتجهة لبعض الدول، أو استغلال مهربي الذهب وتجار العملة لعربات الإفراج المؤقت وثلاجات الفواكه عند مغادرتها السودان، أو التهريب عبر تجار المواشي في بعض المناطق الحدودية، بجانب أن الوجود الأجنبي بمناطق التعدين الأهلي شكل بيئة صالحة لتهريب الذهب خصوصا في المناطق النائية والحدودية.
وفصل التقرير الأساليب التي يستخدمها المهربون في المطارات والموانئ والحدود، التي لا حصر لها ولا عد، وكلها كانت تتم بسبب تواطؤ بعض العاملين أو بسبب قصور في عمليات التفتيش، حيث إن غياب أجهزة الكشف اللازمة يساعد المهربين على تهريب كميات كبيرة من الذهب، كما ذكر التقرير.
وبين التقرير المجهودات التي بذلها السودان للحد من الظاهرة، وعلى رأسها إنشاء إدارة وجسم مختص لمكافحة تهريب الذهب، والمتابعة المستمرة لعمليات بيع وشراء الذهب وضبط حركته والحد من المضاربة في السعر المعلن من قبل البنك، وحصر وارد الذهب من الولايات إلى المركز ومراقبة معامل المعايرة والورشات، ومراقبة الشركات التي تعمل على تصدير الذهب للخارج لإعادته «مشغولا» للبلاد، ورصد ومتابعة مهربي الذهب وإعداد قائمة بأسمائهم عبر المعابر، ورصد ومتابعة كميات الذهب التي لم تشتر من قبل بنك السودان، واستجواب بعض المضاربين المنتشرين في مجمع الذهب الشهير في السوق العربية في وسط العاصمة الخرطوم، التي تشكل أكبر سوق للتعامل بالمعدن النفيس في السودان.
ولم يكتف التقرير بعرض الوضع الراهن لتهريب الذهب في السودان، وتأكيده فعالية الإجراءات التي اتخذتها وزارة المعادن والجهات الأخرى لمنع تلك الممارسات، بل أصدرت اللجنة أكثر من 20 توصية رفعت لوزارة المعادن، وعلى رأسها تفعيل الرقابة على النشاط التعديني في المواقع، والسيطرة على إنتاج التعدين التقليدي، وتشديد وإحكام الرقابة على المطارات والموانئ والنقاط الجمركية الحدودية منعًا للتهريب، والإسراع في فتح منافذ الشراء الخاصة ببنك السودان بمواقع الإنتاج، التي أعلن عنها البنك المركزي الشهر الماضي وشرع في تأسيس مراكز شراء وبيع في عدد من مواقع التعدين يتوقع أن تباشر أعمالها وتتوسع قريبا.
كما اشتملت التوصيات على إحكام السيطرة على الحدود، خصوصا تلك التي ينشط بالقرب منها التنقيب الأهلي، وإزالة التقاطعات بين القوانين واللوائح في مجال التعدين في المركز والولايات، وتفعيل تطبيق القوانين لردع المهربين والمتحايلين على الإجراءات، بجانب حصر ومسح العاملين في التعدين الأهلي، ورصد وحصر الأشخاص الذين يقومون بشراء الذهب بمناطق التعدين الأهلي بالولايات المختلفة وكميات إنتاجهم.
كما تضمنت التوصيات تفعيل الرقابة الإلكترونية في المطارات، وإخضاع المسافرين لإجراءات خاصة، وسن قوانين رادعة لتزوير المستندات، وتوعية الجهات الرسمية منسوبيها لتفتيش العاملين وسد الثغرات.
من جهة ثانية، وجه الدكتور أحمد صادق الكاروري، وزير المعادن السوداني، بمراجعة كل التصديقات الممنوحة للشركات في ولاية كسلا بشرق البلاد، وذلك بعد تقاعس عدد من الشركات المرخصة في عمليات الإنتاج، وعدم الالتزام بتسديد استحقاقات الدولة في المربعات التي منحت فيها التراخيص، معلنا أن وزارته ستنزع تلك التراخيص إذا استمرت الشركات في تخاذلها، وأن الحكومة لديها بديل جاهز لهذه الشركات، حيث تتجه حاليا لاستقطاب شركات بمقدرات مالية عالية وتكنولوجية متقدمة تقلل فترات الاستكشاف ومعالجة الإشكالات التي تواجه القطاع في الولاية.
ويبلغ عدد الشركات العاملة في الذهب في السودان 349 شركة، منها 149 شركة امتياز و152 شركة تعدين صغيرة و48 شركة لمخلفات التعدين، وارتفع العدد إلى 434 شركة بعد دخول الشركات السعودية والإماراتية والقطرية والمصرية الشهر الماضي في منظومة الاستثمارات العالمية في الذهب، بجانب 16 شركة دخلت مرحلة الإنتاج الأسبوع الماضي، وذلك بعد طرح وزارة المعادن فرصا وتسهيلات وحوافز للشركات العربية الراغبة في الاستثمار، بدءا بتخصيص نافذة واحدة للإجراءات، وحتى السماح لها بتصدير منتجاتها مباشرة، بجانب اتخاذ إجراءات لتفادي الحظر الأميركي على صادرات الذهب، وإدراج الذهب السوداني في البورصة العالمية قريبا.
وكان الدكتور أحمد صالح الكاروري وزير المعادن السوداني قد صرح لـ«الشرق الأوسط» في وقت سابق بأن بلاده تعول على التعدين في حل مشكلات الاقتصاد السوداني الذي يعاني عجزا وتدهورا كبيرين بسبب الحصار والحظر الأميركي، معتبرا أن تحقيق السودان المرتبة الثانية أفريقيا في إنتاج الذهب بعد جنوب أفريقيا، يعتبر الطريق الأقصر لذلك، إلى جانب تحويلات المغتربين السودانيين البالغ عددهم نحو خمسة ملايين سوداني، مشيرا إلى أن نسبة مساهمة قطاع الذهب في الناتج المحلي للدولة بلغ 3.4 في المائة بمعدل نمو 10.3 في المائة، موضحا أن بلاده تزخر بثروات معدنية ضخمة سيتم استغلالها وعرضها للاستثمار للشركات العالمية.
السودان يستعين بـ«الثريا» لمحاصرة تهريب الذهب
وزير المعادن يهدد بنزع تراخيص «الشركات الفاشلة»
السودان يستعين بـ«الثريا» لمحاصرة تهريب الذهب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة