شهدت بداية العام الحالي تطورًا ملحوظًا في العلاقات بين السعودية والصين، وذلك بعد زيارة الرئيس الصيني شين جين بينغ للسعودية ولقائه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، إذ صدر في 20 يناير (كانون الثاني) 2016م بيان مشترك بشأن إقامة علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين، تماشيا مع الرغبة المشتركة في زيادة وتعميق التعاون في المجالات كافة، والارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة.
وأكد البلدان حرصهما على بذل الجهود لتطوير التعاون في المجالات السياسية والعلمية والأمنية والثقافية والإنسانية والتنسيق في مجال الشؤون الإقليمية والدولية.
* استراتيجية طويلة المدى
ووفقًا لنص البيان السعودي الصيني المشترك، فإن الجانبين اتفقا على أنه في ظل التطور المستمر للتعددية القطبية في العالم والعولمة الاقتصادية يزداد الطابع الاستراتيجي والعالمي للعلاقات السعودية - الصينية يومًا بعد يوم، وأصبح كلا البلدين شريكًا مهمًا لبعضهما البعض على الساحة الدولية، وينظر الجانبان إلى العلاقات بينهما دائمًا بنظرة استراتيجية وطويلة المدى، ويقومان بتطوير العلاقات مع الجانب الآخر كتوجه مهم في علاقاتهما الخارجية.
وأشار إلى حرص الجانبين على تبادل الزيارات الرفيعة المستوى وتعزيز التواصل الاستراتيجي حول العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك وتوثيق التعاون الاستراتيجي وتوطيد الثقة الاستراتيجية المتبادلة.
وأكد الجانبان اهتمامهما بآليات التشاور بين البلدين في مختلف المجالات وعلى جميع المستويات، وسيتخذان إجراءات فعالة لتحفيز وتسهيل تبادل الأفراد بينهما وتعزيز التواصل والاستفادة المتبادلة في المجالات كافة، مع تشديد الجانبين مجددًا على الدعم المتبادل للمصالح الحيوية لبعضهما البعض، وتأكيد الجانب السعودي على مواصلة الالتزام الثابت بسياسة الصين الواحدة، وتأكيد الجانب الصيني على دعمه لجهود الجانب السعودي، للحفاظ على أمن البلاد واستقرارها وتطوير اقتصادها وتحسين معيشة شعبها ودعمه قيام الجانب السعودي بدور أكبر في الشؤون الإقليمية والدولية.
* استقرار سوق الطاقة
جانب آخر من جوانب التعاون السعودي - الصيني برز من خلال إبداء الجانبين رغبتهما في استمرار تعزيز علاقات التعاون في مجال الطاقة، وأكدا أهمية استقرار السوق البترولية للاقتصاد العالمي، كما أبدى الجانب الصيني تقديره للدور البارز الذي تقوم به السعودية لضمان استقرار أسواق البترول العالمية باعتبارها مصدرًا آمنًا وموثوقًا ويعتمد عليه في إمدادات البترول للأسواق العالمية.
* توسيع الاستثمار
ويوضح البيان المشترك الذي صدر عن السعودية والصين في بداية 2016، مدى حرص الجانبين على مواصلة الالتزام بمبدأ المنفعة المتبادلة والكسب المشترك لإجراء التعاون العملي وتفعيل دور آلية اللجنة السعودية - الصينية المشتركة للتعاون في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والفنية، وذلك لإثراء مقومات التعاون باستمرار، وتوسيع الاستثمار المتبادل ومواصلة تعميق التعاون في مجال البنية التحتية وحسن التعامل مع المشاريع المتبادلة في مجالات السكك الحديدية والطرق والجسور والاتصالات والموانئ وغيرها.
* تعاون فضائي وطاقة نووية
وكان إطلاق التعاون السعودي والصيني في مجالات الفضاء والأقمار الاصطناعية والاستخدام السلمي للطاقة النووية والطاقات الجديدة في مقدمة اهتمام البلدين، إذ أكدا استعدادهما لمواصلة دفع التطور المستمر للتعاون. وأعرب الجانبان عن ترحيبهما بالتشاور في إطار التعاون لبناء «الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري في القرن الحادي والعشرين»، مؤكدين وجود إمكانيات ضخمة للتعاون العملي بين البلدين واستعدادهما لتعزيز التنسيق والارتقاء في السياسات الخاصة بالقوة الإنتاجية لتدعيم نقل تكنولوجيا وتطوير القطاعات وتنويع الاقتصاد، كما شدد الجانب الصيني على أهمية مشاركة الجانب السعودي كعضو مؤسس في إنشاء «البنك الآسيوي لاستثمار البنية التحتية»، وأكد الجانبان حرصهما على تعزيز التعاون في المجالات ذات الصلة وبذل الجهود المشتركة لدفع التنمية والنهضة في منطقة آسيا.
* تعزيز التشاور الأمني
وبدأ التوافق في السياسات السعودية والصينية، عندما شدد البلدان على رفضهما القاطع للإرهاب بجميع أشكاله وصوره التي تهدد السلام والاستقرار في شتى أنحاء العالم واستعدادهما لتعزيز التعاون الأمني في هذا الصدد، ورفضهما ربط الإرهاب بأي دين أو مذهب، وإعراب الجانب الصيني عن تقديره للجهود السعودية في إقامة مركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، ودعمه لجميع الجهود المبذولة من السعودية وغيرها من الدول في مواجهة الإرهاب.
* تعزيز العلاقات الثقافية
كما أخذت العلاقات الثقافية بين البلدين اهتمامًا كبيرًا، إذ أوضحت السعودية والصين في بيانهما المشترك، أن جميع الحضارات يجب أن تتبادل الاحترام والتسامح بما يحقق التعايش المنسجم بين مختلف الحضارات البشرية، وأشاد الجانب الصيني بالجهود السعودية الفاعلة لتعزيز الحوار والتواصل بين مختلف الحضارات والأديان. وأكد الجانبان استعدادهما لبذل الجهود المشتركة للحفاظ على التنوع الحضاري بروح التسامح والاستفادة المتبادلة، وثمّن الجانب الصيني الجهود السعودية في إقامة مركز الملك عبد الله العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات في فيينا.
وشجع الجانبان التبادل الثقافي بين البلدين على المستويين الرسمي والشعبي، وأكدا دعمهما التواصل والتعاون في مجالات الإعلام والصحة والتعليم والبحوث العلمية والسياحة وغيرها، ومواصلة تبادل إقامة الأسابيع الثقافية والمشاركة النشطة في مختلف الفعاليات الثقافية التي يقيمها الجانب الآخر، وتعزيز التعاون بين البلدين في مجالات الشباب والرياضة والمهارات المهنية، بما يعزز التواصل والصداقة بين البلدين والشعبين الصديقين.
* تعاون في القضايا الإقليمية والدولية
تعززت مع بداية عام 2016م، العلاقات الاستراتيجية بين السعودية والصين، وأجمع الجانبان في بيانهما المشترك وقتها على أن دفع السلام والاستقرار في الشرق الأوسط يتفق مع المصلحة المشتركة للمجتمع الدولي، وهما على استعداد لتعزيز التواصل والتنسيق بشأن الأوضاع في المنطقة، بما يحقق الحلول السياسية للقضايا الساخنة، ويدعمان حق الدول بتقرير النظم والطرق التنموية التي تتناسب مع ظروفها الوطنية بإرادتها المستقلة، بما يحقق الاستقرار الدائم والتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة. كما تتفق رؤية البلدين على ضرورة منع انتشار أسلحة الدمار الشامل بأنواعها كافة، وأبديا تأييدهما لجعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل بما في ذلك الأسلحة النووية، وذلك طبقًا للقرارات الدولية ذات الصلة.
* سلام عادل في الشرق الأوسط
برز اهتمام السعودية والصين في أهمية تحقيق السلام الشامل والعادل في الشرق الأوسط، وفقًا لمبادرة السلام العربية وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، بما يضمن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، بما في ذلك حقه في إقامة دولة فلسطينية مستقلة وموحدة ذات سيادة كاملة وعاصمتها القدس الشرقية، وأبدى الجانب الصيني تقديره للمساهمة السعودية في سبيل تعزيز السلام في المنطقة، وأبدى الجانب السعودي إشادته بالجهود الصينية المبذولة لدعم القضايا العادلة للشعب الفلسطيني ودعم الصين لجهود السلام في الشرق الأوسط.
* التسوية السورية ووحدة اليمن
التوافق في المواقف السعودية الصينية حيال الحل في سوريا، برز من خلال إعراب الجانبين عن قلقهما البالغ إزاء خطورة الوضع، والتأكيد مجددًا على ضرورة إيجاد تسوية سياسية سلمية عاجلة للمسألة السورية والتطبيق الكامل لبيان جنيف الأول الذي تم التوصل إليه في 30 يونيو (حزيران) 2012م والبيانين الصادرين عام 2015م عن اجتماعات فيينا للفريق الدولي المعني بسوريا وقرار مجلس الأمن الدولي رقم «2254». كما أكدا أهمية الاستمرار في تقديم المساعدات الإنسانية وأعمال الإغاثة للاجئين السوريين، وتشجيع المجتمع الدولي على تقديم مزيد من الدعم للسوريين داخل سوريا وخارجها. وأكد الجانبان موقفهما الثابت من وحدة اليمن واستقلاله وسيادته، وطالبا اليمنيين بالحفاظ على وحدتهم الوطنية بمختلف مكوناتهم وأطيافهم وتياراتهم الاجتماعية والدينية والسياسية، وعدم اتخاذ أي قرارات من شأنها تفكيك النسيج الاجتماعي لليمن وإثارة الفتن الداخلية، مشددين على دعمهما للشرعية في اليمن وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة، وكذلك المبادرة الخليجية المتعلقة باليمن.
وبما أن لكل من السعودية والصين مصالح واسعة النطاق في كثير من القضايا الإقليمية والدولية المهمة، فإن البلدين اتفقا على تكثيف التنسيق والتعاون في الأمم المتحدة ومجموعة العشرين وغيرهما من المنظمات الدولية والمحافل متعددة الأطراف، مشيرين إلى أن قضية إصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تتطلب مشاورات بين جميع الدول الأعضاء لدفعها بخطوات متوازنة والتوصل إلى توافق في الآراء على أوسع نطاق من أجل إيجاد حزمة الحلول. كما دعمت السعودية استضافة الجانب الصيني مجموعة العشرين خلال العام الحالي، مؤكدة أنها ستبذل جهودًا مشتركة معه لإنجاح القمة.
2016.. عام الشراكة الاستراتيجية بين السعودية والصين
شملت المجالات السياسية والأمن.. وامتدت إلى علوم الفضاء والطاقة
2016.. عام الشراكة الاستراتيجية بين السعودية والصين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة