«تفخيخ الأطفال».. يسقط أقنعة «داعش» الزائفة

يستغل عقولهم كـ«لوح أبيض» لنقش عقيدته الدموية

أحد عناصر داعش أثناء حراسة فرن في مدينة الرقة السورية التي يسيطر عليها تنظيم داعش في صورة تعود لعام 2013 (أ.ف.ب)
أحد عناصر داعش أثناء حراسة فرن في مدينة الرقة السورية التي يسيطر عليها تنظيم داعش في صورة تعود لعام 2013 (أ.ف.ب)
TT

«تفخيخ الأطفال».. يسقط أقنعة «داعش» الزائفة

أحد عناصر داعش أثناء حراسة فرن في مدينة الرقة السورية التي يسيطر عليها تنظيم داعش في صورة تعود لعام 2013 (أ.ف.ب)
أحد عناصر داعش أثناء حراسة فرن في مدينة الرقة السورية التي يسيطر عليها تنظيم داعش في صورة تعود لعام 2013 (أ.ف.ب)

أثار شريط فيديو يظهر فيه مجموعة من الأطفال وهم يعدمون رميًا بالرصاص أسرى في العراق، وتوقيف الشرطة العراقية طفلاً حاول تنفيذ عملية انتحارية بحزام ناسف، إضافة إلى الهجوم الانتحاري الدامي الذي نفذه خلال حفل زفاف بجنوب بتركيا، تساؤلات كثيرة حول تجنيد تنظيم داعش الإرهابي المتطرف الأطفال. وأبرز هذه التساؤلات ماذا يهدف «داعش» من استخدام الأطفال في عمليات تفجيرية؟ وهل هناك مخطط للتنظيم للاعتماد عليهم بشكل أساسي؛ توفيرا للنفقات بدلا من عناصره القتالية المدرّبة؟ ومن ثم ما الطريقة المثلى لحماية الأطفال من الفكر التكفيري والممارسات العنفية؟
يرى خبراء مصريون معينون بشأن الجماعات الإرهابية، أن اتجاه تنظيم داعش الإرهابي لدفع الأطفال للقيام بعمليات تفجيرية يسقط آخر أقنعة التنظيم الزائفة، ويرجح هؤلاء أن يكون التنظيم قد توجه إلى استغلال الصغار توفيرا للنفقات، وحتى يتفادى خسارة عناصره من ذوي الخبرة. ومن ناحية أخرى، بقول الخبراء أن الأطفال ورقة رابحة جديدة لـ«داعش» يستغلهم وقودا للحروب، ولنقش عقيدته الدموية على عقولهم البيضاء، وفيما تسمى مدارس «أشبال الخلافة» يصار إلى تدريب الأطفال على 3 مستويات، فكرية وقتالية ونفسية.
المراقبون يرون أيضًا، أن التنظيم المتطرف ما زال يمارس أفعالا غير شرعية على وجه الإطلاق، وهو على الرغم من مناداته بتطبيق «الخلافة الإسلامية»، فإن جميع تصرفاته وأفعاله لا تمت للإسلام بصلة، وهو عندما يدفع بالأطفال ليواجهوا ضربات التحالف الدولي، فإنه يراهن على أن الضربات ستتراجع حال زجه بالأطفال في المواجهة.
والحقيقة أن «داعش» هدد حقًا بشن مزيد من الهجمات الانتحارية داخل الدول المشاركة في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية للحرب على التنظيم في العراق وسوريا.. ونشر التنظيم شريط فيديو مصوّرا لمجموعة من الأطفال وهم يرتدون الزى العسكري والأحزمة الناسفة لتدريبهم على تفجير أنفسهم، والقتال ضد دول أعضاء التحالف الدولي. وقال التنظيم في الفيديو الذي بثه باللغة الفرنسية «أموالكم وحياتكم ليست معصومة لدينا.. وأطفالنا جاهزون لقتلكم».

رأي دار الإفتاء
دار الإفتاء في مصر قالت: إن لجوء «داعش» للدفع بالأطفال لتنفيذ عمليات انتحارية هو أحد عواقب التغيير الطارئ على نهج حملته العسكرية على دول العالم؛ إذ تسببت حملة التحالف الدولي ضد التنظيم في مقتل الآلاف من مقاتلي التنظيم؛ ما اضطره إلى تجنيد ما يسميهم أشبال الخلافة، من الأطفال لسد الفجوة التي يعانيها في عدد المقاتلين. وأوضح الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتي مصر، أن الهدف من تجنيد «داعش» لهؤلاء الأطفال «هو إعداد جيل جديد أقوى من المقاتلين الحاليين يتم تعليمهم ليكونوا هم مستقبل الخلافة المزعومة». وأردف، أن «داعش» يلقن الأطفال «الأفكار والآيديولوجيات المتطرفة في سن مبكرة جدا، إضافة إلى تدريس المناهج الأكثر وحشية، كما يقوم بعمليات الإعدام العلنية أمامهم، ويعرض لهم أشرطة الفيديو الخاصة بأعمال العنف، ويمنحهم ألعابا مكونة من أسلحة، وهو ما يثير مزيدا من القلق».
وتابع الدكتور نجم، أن «التنظيم الإرهابي يركز في جهوده على تلقين الأطفال منهجا تعليميا قائما على التطرف، وتعزيز فكرة أن يصبح هؤلاء الأطفال إرهابيي المستقبل. كما أن الجيل الحالي من المقاتلين يرى هؤلاء الأطفال أفضل وأكثر فتكا منهم؛ لأنهم - من وجه نظر «داعش» - لم يختلطوا بالقيم العلمانية والمجتمعات الكافرة – على حد زعم التنظيم».
من ناحية ثانية، يقول خبراء إن «نسبة العمليات الانتحارية التي شارك بها الأطفال ارتفعت في يناير (كانون الثاني) الماضي، إلى 3 أضعاف النسبة التي كانت عليها في الشهر نفسه من عام 2015، والواقع أن ما يسمى جيل «أشبال الخلافة» لا يعرف في حياته سوى الإجابة عن سؤالين فقط، كيف تقتل عدوك؟ وكيف تقدم الولاء المطلق للقائد؟ وتشير التقارير إلى أن هناك 3 أقسام للجيش «الداعشي»، هي: «جيش الدولة» و«جيش الخلافة» و«جيش العدنان». وهذه الجيوش تضم معسكرات لـ«أشبال الخلافة» يجري فيها عمل إعداد نفسي وعقائدي مدروس يقوم على مبدأ التكرار وزرع الفكرة في عقل الطفل. وعندما يرى كل طفل ما يجري في مسارح العمليات، سيبدأ في التفكير في فعل كل ما يفعله عناصر التنظيم من المقاتلة؛ لذلك يذهب الطفل إلى مدربه من عناصر «داعش»، ويقول له: «أريد أن أصبح انتحاريًا».
الهدف الاستراتيجي والبصري الأول في الدروس التي تقدم للأطفال هو إجراء «غسل الدماغ» لهم، وهو يبدأ من الملبس العام حتى تعليم القرآن الكريم الذي لا يظهر فيه سوى سور «الكفار وتحليل قتلهم».

مستويات إعداد الأطفال
وهنا يفصّل الخبراء عمل ما تسمى مدارس «أشبال الخلافة» داخل «داعش» ومستوياتها التدريبية الثلاثة، هي:
1 - التدريب الفكري - الديني وهو الأقوى، حيث يتم تدريب الأطفال فيه على الفكر الراديكالي، بما فيه الاستعداد لتنفيذ العمليات الانتحارية فداءً للدولة المزعومة.
2 - التدريب العملي – القتالي، ومعه يتلقى الأطفال التدريب البدني القاسي، ويجري تدريبهم على طرق استخدام الأسلحة.
3 - التدريب النفسي، وبموجبه يؤخذ الأطفال إلى الساحات العامة للمشاركة في ذبح أعداء «داعش» أو «الخائنون» أو «المرتدّون» أو «الكفار»؛ وذلك لتعزيز شعورهم بالانتماء للتنظيم.
ويشير الدكتور إبراهيم نجم إلى أن التنظيم يرى في الأطفال «وسيلة لضمان الولاء على المدى البعيد؛ إذ يجري تدريبهم منذ نعومة أظافرهم على الفكر التكفيري الدموي، خاصة، أن الأطفال يعتبرون صيدًا ثمينًا لجماعات التطرف بسبب استغلال حسن نيتهم وضعف مداركهم؛ لأن عقولهم كـ«لوح أبيض» يمكنه نقش عقيدته الدموية عليه كما يشاء».
ويذهب الخبراء المتابعون إلى أن التنظيم يعلّم جيلاً من الأطفال في معسكرات التدريب التابعة له على التنصّت على آبائهم، وحتى قتلهم، وينشّئ جيلا من «التكفيريين» الجادين، وعندما يكبر الأطفال يبدأون في تعليم الأجيال التي تليهم ما تعلموه وهم في عمر الزهور. ويعرب المتابعون عن تخوّفهم بأن خطر «داعش» لا يكمن الآن فقط؛ بل سيكون أكبر في الفترة المقبلة. وللعلم، وفقًا لإحصائيات تلقى نحو 2000 طفل تدريبات داخل معسكر في مدينة الميادين، بمحافظة دير الزور في شرقي سوريا.
ومن النماذج المقلقة في الآونة الأخيرة، بثّ «داعش» في فبراير (شباط) الماضي شريط فيديو لعملية تفجيرية قيل إنها تمت في منتصف يناير الماضي، في ريف محافظة حلب بشمال سوريا، نفذها طفل لم يتجاوز عمره 11 سنة، كانت في غاية الدموية. والفظيع في الفيديو منظر والد الطفل وهو يساعده على ركوب سيارة مشحونة بالمتفجرات، بعدما علّمه كيف يقودها، ليمضي الطفل بعيدا ويفجّر نفسه فيها.
ثم في مارس (آذار) الماضي، بث التنظيم الإرهابي مقطع فيديو آخر قيل إنه صوّر في سوريان يظهر أطفالاً يتامى يتدربون على الأعمال العنفية داخل دار أيتام، ليكونوا نواة مقاتلين في المستقبل.
وفي مايو (أيار) الماضي، أطلق «داعش» تطبيقًا للأطفال يُسمى «حروف» ويعمل على نظام تشغيل الهواتف المحمولة «آندرويد»، ويهدف إلى استقطابهم وتجنيدهم منذ الصغر، وذلك عبر تعليمهم الحروف الأبجدية العربية باستخدام كلمات تتعلق بالحروب والأسلحة.
وقدّر الخبراء المتابعون استخدم الأطفال في دعاية «داعش» القتالية بما يقرب من 400 مرة خلال الأشهر القليلة الماضية، وظهر الأطفال حاملين الأسلحة الثقيلة، ونفذ بعضهم عمليات انتحارية.
ويشار إلى أن «داعش» يجبر الأطفال على مشاهدة تسجيلات الفيديو وهم يشاركون في قتل سجناء، وهو يركز على الأطفال من عمر السابعة ويخصّص أموالا ضخمة لتدريبهم وتعليمهم شؤون القتال. وفي أحد الأشرطة التي صورها «داعش» شارك خمسة أطفال، منح 4 منهم مسدسات لقتل السجناء، بينما أعطي الخامس سكينا لنحر سجين آخر.

تعمّد الإساءة للإسلام
على صعيد آخر، قال الدكتور محمد أحمد الدش، مدرس الدعوة والثقافة الإسلامية بكلية أصول الدين والدعوة بجامعة الأزهر، إنه «ليس بعجب أن تتحرك كل التنظيمات التكفيرية والتيارات المنحرفة لتجنيد الشباب، وأن تعمل على ضمان ولائها لزعيمهم ولاءً حقيقيًا يدفعهم إلى الزج بأرواحهم في وسط العمليات التفجيرية والوقوف في وجه كل مخالف حتى ولو كانوا آباءهم. فما يهمهم هو الحصول على درجة عالية من الشهادة المزعومة والجنة المكذوبة، لكن العجب هو ما لجأ إليه التنظيم الإرهابي (داعش) من تجنيد الأطفال وتنشئتهم داخل معسكراته الحربية، وإرضاعهم الفكر المتطرف والسلوك الدموي البعيد عن رحمة الإسلام وتعاليمه السمحة، حيث يمكن تشكيل تلك العقلية الغضة وهي في أولى مراحل النضج؛ فهذا أوفر بكثير من تجنيد الشباب الذي يكلفهم أمولا ومحاولات إقناع وترغيب».
وتابع أحمد الدش «لاشك أن تلك التنظيمات تصدر للغرب صورة مشينة عن الإسلام الذي يستعمل أدعياؤه الأطفال وقودا للحروب، وإهدار حقوقهم التي كفلها الإسلام لهم. وفي سبيل تجنيد هؤلاء الصبية يعمل قواد هذا التنظيم على غسل عقول الأطفال من كل أثر لوسطية الإسلام، ونزع معالم الرحمة من قلوبهم في معسكرات مغلقة يتلقون فيها مبادئ ومعالم الخلافة القادمة – في زعمهم – ومبايعة خليفتهم، وانتهاج نظام تعبدي خاص سمته الغلو والتشدد، وإلهاب حماسة هؤلاء الصبية بالأناشيد المتطرفة، والتدريب على حمل السلاح واستخدامه باحتراف ولبس الأحزمة الناسفة والقيام بالأعمال التفجيرية المنفردة».
ولم يستبعد أحمد الدش أن يستعمل هؤلاء الصبية في تجنيد نظرائهم من جنسيات أخرى عن طريق تعليمهم كيفية التواصل معهم باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وتدريبهم على ذلك الأسلوب. وأردف «لما كان الطريق المباشر لتضليل عقول الأحداث هو ارتياد هذه المواقع ومواجهة أصحاب الفكر التكفيري وجب أن يكون الطفل مسلحًا بعدة عقدية وفكرية تحصّنه ضد هذه التيارات المعادية لصحيح الإسلام، وتقع تلك المسؤولية على الأسرة بنسبة كبيرة؛ فهي المحضن الأول للطفل، ومن ثم فالوالدان فيها منوط بهما تنشئة الطفل على وسطية الإسلام في الاعتقاد والعمل وغرس سماحة الإسلام ورحمته في وجدانه. فضلا عن تعزيز ثقته بنفسه وتعويده التفكير المستقل؛ حتى لا ينقاد لغيره طائعا مختارًا دون حجة أو دليل، ثم فتح الأبواب ومد الجسور من الحوار والتواصل بين الآباء والأبناء والاهتمام بمشكلاتهم واحتوائهم؛ حتى لا يكون الإنترنت هو المربي والمتنفس لهم والملجأ من جو التعنيف والإيذاء المستمر».

تقارير بالأرقام
وفي سياق مختلف، كشفت تقارير عن أن ما بين 800 إلى 900 طفل خطفوا على أيدي تنظيم داعش من مدينة الموصل العراقية عام 2015 وحدها؛ وذلك لتدريبهم دينيا وعسكريًا. وجرى تقسيم الأطفال إلى مجموعتين الأولى، لأطفال تتراوح أعمارهم بين خمس و10 سنوات، وتم وضع هؤلاء في مخيمات لتلقي تكوين ديني، والمجموعة الثانية للأطفال بين الـ10 و15 سنة، واقتيد أصحابها إلى مخيمات تدريب عسكرية.
ويجند تنظيم داعش الأطفال بالقوة، ولا يعرف العدد الحقيقي للأطفال المجندين لديها، إلا أنه في كل مرة تظهر إحصائيات جديدة، تؤكد ارتفاع أعدادهم؛ حيث لا يتوانى التنظيم المتشدد في تجنيد أطفال المدارس. وحسب الخبراء فإن الأطفال الانتحاريين أشد فتكا من المُقاتلين الحاليين من عناصر «داعش»؛ لأنهم لم يتعايشوا مع أشخاص يتبنّون القيم الصحيحة، ويجري تلقينهم الكراهية منذ الصغر من خلال تدريبهم على العنف في سن مبكرة.
ويلفت هؤلاء الخبراء إلى أن «التنظيم يغرّر بالأطفال في تحدٍ واضح لسنن الكون؛ لأنهم أسهل الطرق لتنفيذ مُخططه الإرهابي»، مؤكدين أن «داعش» غيّر من استراتيجيته بتوظيف الأطفال بصفتهم بدلاء للعناصر القتالية؛ لإيمان التنظيم بأن أرواح الصغار ثمن هين مقابل خسارة أي عنصر من عناصره، فضلا عن كونه يحتاج إلى الكثير من عناصره لحماية توسعاته الجديدة والأراضي التي سيطر عليها في العراق وسوريا.
وحول استغلال «داعش» للأطفال في عمليات تفجيرية وهدفه من ذلك؟ قال الدكتور حامد مصطفى المكاوي، الأستاذ في جامعة الأزهر، خلال لقاء معه: «يستغل (داعش) الأطفال لتنفيذ عمليات تفجير توفيرًا للنفقات، وحتى يتفادى خسارة الأفراد ذوي الخبرة، فضلاً عن استخدامهم دروعا بشرية من هجمات التحالف الدولي، ومن ثم، يضمن طول الصراع وقوة رسوخ النهج الإرهابي وتسهيل عمليات الحماية الشخصية والتجسس وجمع المعلومات في بعض المناطق؛ كونهم لا يثيرون الشكوك».
وتابع المكاوي «ثم أن الأطفال يستطيعون النفاذ إلى أماكن لا يستطيع وصول الكبار إليها بتنفيذ عمليات انتحارية، كما يتم استخدامهم في عمليات التمويه والخداع، ولا سيما، وأن الأطفال يكسبون التعاطف. وهو يشجعهم بنشر فيديوهات عبر (يوتيوب) وألعاب عنف ويمدهم بالمال مما يشجع العوائل على إرسالهم ويخصص لهم مدارس لتدريس المناهج التكفيرية».
وعن أبرز معسكرات الأطفال، قال الدكتور المكاوي «أبرزها (أشبال العز) غربي مدينة الرقّة بوسط شمال سوريا و(معسكر الزرقاوي) و(معسكر الأشبال)، و(معسكر الطلائع)، وفيها يعزل التنظيم الإرهابي الأطفال عن ذويهم ويحرضهم ضد عوائلهم. وكذلك يفرض التجنيد الإلزامي على الأطفال من سن 10 سنوات في مدينة الرطبة، ولا يحصل الشاب على شهادة تخرج في تلك الدورات التأهيلية، ما لم يمارس وينفذ عملية قطع الرأس. وهم يرغِّبون الأطفال بالتدرّب على رجم نساء وحضور طقوس قطع الرؤوس، ويجري منحهم ألقابا، مثل (أبو القعقاع) و(أبو طلحة) و(أبو عمارة)، ويكلّفون بحمل الرايات والاستماع إلى الأناشيد الحماسية وتفسير الآيات القرآنية وفق سياساتهم والتركيز على القتال والقتل». ويشار إلى أن موقع «الفرقان» التابع للتنظيم نشر دليلا إرشاديا يشرح للأمهات الداعشيات كيفية تنشئة أطفالهن على أعمال العنف والقتل، وحمل السلاح في سبيل نشر أفكار الدولة الداعشية المزعومة.
وعن كيفية مواجهة «داعش» قال مصطفى المكاوي «المواجهة بداية بإطلاق حملة على مواقع التواصل الاجتماعي لتسليط الضوء على الأذى الذي يلحقه هذا التنظيم بالأطفال من اعتداء جنسي وقتل، وخطورة ذلك على مستقبل الأمة، وعلى مستقبل الأطفال صحيا ونفسيًا. وكذلك الحث على محاولة التدخل لتحرير الأطفال من البيئات التي يتم فيها استغلالهم، وإعادتهم إلى حياتهم الطبيعية والنمطية وإشراكهم في أنشطة متنوعة بإشراف كوادر مدربة من الاختصاصيين النفسيين».



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.