يعتبر أكراد سوريا أن قرار أنقرة إرسال قواتها، وبشكل علني لأول مرة منذ اندلاع الأزمة إلى داخل الأراضي السورية، رسالة موجهة وبشكل مباشر إليهم بعد اقترابهم من تحقيق حلمهم بوصل مناطقهم الواقعة شرق نهر الفرات بعفرين، تمهيدا لإعلان الفيدرالية، وإن سنحت لهم الفرصة فرض قيام دولتهم. ولم يتوان أحد مسؤوليهم عن وصف ما يحدث بأنه «إعلان حرب» عليهم، مستبعدا أن تكون واشنطن تركتهم في منتصف الطريق، من منطلق أنها لم تجد بعد بديلا عنهم تتقاطع مصالحه مع مصالحها.
وكما هو متوقع، لاقى المقاتلون الأكراد مطالبة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، بالانسحاب إلى شرق نهر الفرات مهددا بالقيام «بما هو ضروري»، بكثير من الاستياء. وجزم عدد من قيادييهم بأن الانسحاب من منبج التي تم تحريرها قبل أيام غير وارد على الإطلاق، وتساءل أحدهم: «هل دخلنا أراضي تركية لننسحب منها؟».
وأكدت نوروز، المسؤولة في وحدات حماية المرأة الكردية، أن المقاتلين الأكراد سيواصلون معركتهم ضد «داعش» غير آبهين بالمواقف التي يطلقها الأتراك، لافتة إلى أن وجهتهم ستكون بعد منبج، مدينة الباب، ليتم وصلها بعفرين ذات الأغلبية الكردية. وقالت نوروز، ردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول اقتراب إعلان منطقة آمنة على الحدود السورية – التركية: «مصطلح المنطقة الآمنة تستخدمه تركيا من أجل تمرير مشروعاتها. بالنسبة لنا لا مشكلة في ذلك؛ لأننا نعرف أنه بالقريب العاجل سوف نشتبك مع فصائل تركمانية كما نشتبك معهم في الشيخ مقصود».
ودان آلدار خليل، القيادي في حزب الاتحاد الديمقراطي، التوغل التركي في بلدة جرابلس الحدودية الخاضعة لسيطرة تنظيم داعش، ووصف الأمر بأنه «إعلان حرب». وقال إن تدخل أنقرة برا «انتهاك للسيادة السورية وإعلان حرب على الإدارة الذاتية والنظام الفيدرالي»، الذي تم إعلانه في مارس (آذار) الماضي.
من جهته، اعتبر ريدور خليل، المتحدث باسم وحدات حماية الشعب الكردية السورية، أن التدخل العسكري التركي في سوريا «اعتداء سافر على الشؤون الداخلية السورية، وهو ناجم عن اتفاق بين تركيا وإيران والحكومة السورية». وأضاف أن المطالب التركية بانسحاب وحدات حماية الشعب الكردية شرق الفرات لا يمكن تلبيتها إلا من قبل تحالف «قوات سوريا الديمقراطية»، المدعوم من الولايات المتحدة، والذي تمثل الجماعة الكردية جزءا رئيسيا منه، ويحارب تنظيم داعش.
أما ممثل حزب الاتحاد الديمقراطي السوري في موسكو، عبد السلام علي، فأكد بدوره أن الأكراد لن يغادروا المناطق السورية الواقعة في الضفة الغربية لنهر الفرات، بغض النظر عن الشروط التركية. وقال علي في حديث لوكالة «سبوتنيك» الروسية: «هذه مناطق كردية حررها الأكراد في معارك دموية مع الإرهابيين، لماذا علينا أن نرحل من هناك بناء على طلب تركيا؟ تركيا تدخلت بشكل غير قانوني في شمال سوريا وهي تملي شروطها الآن». ولم يستبعد المتحدث وقوع اشتباكات بين القوات التركية والأكراد شمال سوريا.
وأكد نواف خليل، مدير المركز الكردي للدراسات، أن الأكراد سيقاومون من سيقوم باستهدافهم ولن ينسحبوا إلى أي مكان. وأكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «نحن لن ننسحب من أي منطقة تم تحريرها. هل دخلت قواتنا أصلا الأراضي التركية لتطالبنا أنقرة بالانسحاب؟» وأضاف: «من يتولى حماية منبج هو مجلس المدينة العسكري المكون من أبنائها.. فإلى أين يريدون من أبناء المدينة أن يذهبوا؟».
واستبعد خليل أن تكون واشنطن تركت الأكراد في منتصف الطريق، ردا على سؤال، وقال: «هم لم يجدوا أصلا بعد بديلا تتقاطع مصالحه مع مصالحهم للقيام بخطوة مماثلة.. أضف إلى ذلك أننا لسنا ساذجين لنترك بيضنا في سلة واحدة».
وتشير كل المعطيات والمستجدات الأخيرة إلى أن الطرح التركي بإقامة «المنطقة الآمنة» بات أقرب للتحقق أكثر من أي وقت مضى بعد التوغل التركي برا، داخل الأراضي السورية. وهو ما عبّر عنه العميد المتقاعد هشام جابر، مدير مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة، معتبرا أن «المنطقة الآمنة التي حلمت بها تركيا بدأ العد التنازلي لتحقيقها، ولتصبح أمرا واقعا». وقال جابر لـ«الشرق الأوسط»: «حتى ولو لم يتم الإعلان رسميا عن إنشائها وبالتحديد من قبل واشنطن، إلا أن منطقة الحظر الجوي ستكون موجودة عمليا ولن يحلق فيها الطيران الحربي السوري».
واستبعد جابر تماما أن يُسمح للأكراد بأن يواصلوا التمدد باتجاه مدينة الباب لوصل الشريط بالجيب الكردي، مرجحا أن ينسحبوا من منبج لتنحصر منطقة تواجدهم شرق نهر الفرات، وهو ما تطالب به تركيا. وأضاف: «أما المنطقة الآمنة المرتقبة فالأرجح أن تتبلور ملامحها خلال فترة شهرين أو ثلاثة، على أن تمتد من جرابلس إلى أعزاز أفقيا وجنوبا إلى منبج».
التوغل التركي يحيي «المنطقة الآمنة» على الحدود التركية ـ السورية
الأكراد اعتبروه «إعلان حرب».. وأكدوا مساعيهم لوصل مناطقهم عبر «الباب»
التوغل التركي يحيي «المنطقة الآمنة» على الحدود التركية ـ السورية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة