قال العاهل المغربي الملك محمد السادس، إن ما يشجع على انتشار فكر التطرف والتكفير والإرهاب، هو أن «عددًا من الجماعات والهيئات الإسلامية تعتبر أن لها مرجعية في الدين، وأنها تمثل الإسلام الصحيح. مما يعني أن الآخرين ليسوا كذلك».
وأدان الملك محمد السادس، في خطاب وجهه الليلة قبل الماضية إلى الشعب المغربي بمناسبة الذكرى الـ63 لـ«ثورة الملك والشعب»، التي تصادف 20 أغسطس (آب) الحالي، قتل الأبرياء باسم الإسلام، وقال: «إننا نؤمن بأن قتل راهب حرام شرعًا. وقتله داخل كنيسة حماقة لا تغتفر، لأنه إنسان، ولأنه رجل دين، وإن لم يكن مسلمًا. والإسلام أوصانا خيرًا بأهل الكتاب»، مشيرًا إلى قوله تعالى: «لا نفرق بين أحد من رسله»، وقوله عز وجل: «ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين».
وأكد الملك محمد السادس أن «الإرهابيين باسم الإسلام ليسوا مسلمين، ولا يربطهم بالإسلام إلا الدوافع التي يركبون عليها لتبرير جرائمهم وحماقاتهم. فهم قوم ضالون، مصيرهم جهنم خالدين فيها أبدًا»، موضحًا أنهم «يظنون، عن جهل، أن ما يقومون به جهادًا. فمتى كان الجهاد هو قتل الأبرياء»؟ مشيرًا إلى قوله تعالى: «ولا تعتدوا، إن الله لا يحب المعتدين».
وتساءل الملك محمد السادس في هذا الصدد: «هل من المعقول أن يأمر الله، الغفور الرحيم، شخصًا بتفجير نفسه، أو بقتل الأبرياء؟ علمًا بأن الإسلام لا يجيز أي نوع من الانتحار مهما كانت أسبابه». مستشهدًا بقوله تعالى: «من قتل نفسًا بغير نفس، أو فساد في الأرض، فكأنما قتل الناس جميعًا».
وذكّر الملك محمد السادس بأن الإسلام دين السلام، وأن الله تعالى يقول: «يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة». وتحدث العاهل المغربي عن الجهاد في الإسلام، وقال إنه يخضع لشروط دقيقة، من بينها أنه لا يكون إلا لضرورة دفاعية، ولا يمكن أن يكون من أجل القتل والعدوان، مشيرًا إلى أن من المحرمات قتل النفوس بدعوى الجهاد. وأضاف أنه «من شروط صحة الجهاد أيضًا، أن الدعوة إليه هي من اختصاص إمارة المؤمنين. ولا يمكن أن تصدر من أي فرد أو جماعة»، مشددًا على أن «الذين يدعون للقتل والعدوان، ويكفرون الناس بغير حق ويفسرون القرآن والسنة لطريقة تحقق أغراضهم، إنما يكذبون على الله ورسوله، كما يستغلون بعض الشباب المسلم، خصوصًا في أوروبا، وجهلهم باللغة العربية وبالإسلام الصحيح لتمرير رسائلهم الخاطئة ووعودهم الضالة»، مضيفًا أن «الإرهابيين والمتشددين يستعملون كل الوسائل لإقناع الشباب بالانضمام إليهم، ولضرب المجتمعات المتشبعة بقيم الحرية والانفتاح والتسامح».
وتساءل الملك محمد السادس: «هل يقبل العقل السليم أن يكون جزاء الجهاد هو الحصول على عدد من الحور العين؟ وهل يقبل المنطق أن من يستمع إلى الموسيقى، ستبلعه الأرض، وغيرها من الأكاذيب؟».
وقال الملك محمد السادس محذرًا: «كلنا مستهدفون. وكل من يفكر أو يؤمن بما قلته هو هدف للإرهاب. وقد سبق له أن ضرب المغرب من قبل، ثم أوروبا وكثيرًا من مناطق العالم». ودعا العاهل المغربي المسلمين والمسيحيين واليهود، إلى «الوقوف في صف واحد من أجل مواجهة كل أشكال التطرف والكراهية والانغلاق».
في السياق ذاته، دعا الملك محمد السادس، المغاربة المقيمين بالخارج، للتشبث بقيم دينهم، وبتقاليدهم العريقة، في مواجهة ظاهرة التطرف والإرهاب الغريبة عنهم، وقال: «إننا نتفهم الوضع الصعب الذي يعيشونه. فهم يعانون من تشويه صورة الإسلام، ومن العمليات الإرهابية، التي حصدت أرواح كثير منهم، كما يعانون من ردود الفعل، ومن الاتهامات الموجهة لهم، من قبل البعض، بحكم عقيدتهم».
من جهة أخرى، تطرق العاهل المغربي في خطابه إلى علاقة المغرب بأفريقيا، وقال في هذا الصدد إن «المغرب وضع أفريقيا في صلب سياسته الخارجية»، موضحًا أن «مصلحة المغرب من مصلحة أفريقيا، ومصيره لا يمكن أن يكون من دونها والتقدم والاستقرار، في نظرنا، إما أن يكونا مشتركين أو لا يكونا»، مشددًا على أن «المغرب يعطي دائمًا لشعوب قارته، ولا ينتظر أن يأخذ منها والتزامه من أجل قضاياها وانشغالاتها، لم يكن يومًا من أجل استغلال خيراتها، ومواردها الطبيعية، خلافًا لما يسمى بالاستعمار الجديد».
ويأتي حديث العاهل المغربي عن علاقة بلاده بأفريقيا في سياق قراره العودة إلى منظمة الاتحاد الأفريقي، الذي اتخذه قبل نحو شهر، في رسالة موجهة إلى القمة الـ27 للاتحاد الأفريقي، التي عقدت في كيغالي عاصمة رواندا.
وكان المغرب قد غادر المنظمة الأفريقية عام 1984 احتجاجًا على قبول عضوية «الجمهورية الصحراوية»، التي أعلنتها جبهة البوليساريو الانفصالية عام 1976 بدعم من الجزائر وليبيا.
وفي بادرة نظر إليها المراقبون بارتياح، مد الملك محمد السادس يد المغرب لجارته وشقيقته الجزائر، لتجاوز الخلافات الظرفية، بسبب قضايا بائدة عفا عليها الزمن (نزاع الصحراء)، وقال: «إننا نتطلع لتجديد الالتزام والتضامن الصادق، الذي يجمع على الدوام الشعبين الجزائري والمغربي، لمواصلة العمل معًا، بصدق وحسن نية، من أجل خدمة القضايا المغاربية والعربية، ورفع التحديات التي تواجه القارة الأفريقية»، مذكّرًا بـ«التنسيق والتضامن، بين قيادات المقاومة المغربية، وجبهة التحرير الجزائرية، حيث تم الاتفاق على جعل الذكرى الثانية لثورة 20 أغسطس، مناسبة لتعميم الثورة في الأقطار المغاربية، فقامت انتفاضات شعبية بمختلف مناطق المغرب والجزائر».
من جهة أخرى، تطرق العاهل المغربي في خطابه إلى الوضع الذي يحظى به المهاجرون الأفارقة في المغرب، وقال إن بلاده تعد من بين أول دول الجنوب التي اعتمدت «سياسة تضامنية حقيقية، لاستقبال المهاجرين، من جنوب الصحراء وفق مقاربة إنسانية مندمجة، تصون حقوقهم وتحفظ كرامتهم»، داعيًا الذين ينتقدون المغرب إلى أن «يقدموا للمهاجرين، ولو قليلاً مما حققناه»، معربًا عن الأسف للتوجه المنحرف، الذي أخذه تدبير قضايا الهجرة بالفضاء المتوسطي، «حيث تم تغييب أي سياسة حقيقية لإدماج المهاجرين».
وقال العاهل المغربي إن بلاده تعتز بما تقوم به في مجال استقبال وإدماج المهاجرين ولن تتراجع عن هذا النهج العملي والإنساني، مضيفًا أنه تفعيلاً لهذه السياسة، قام المغرب بتسوية وضعية المهاجرين «وفق معايير معقولة ومنصفة، وتوفير الظروف الملائمة لهم للإقامة والعمل والعيش الكريم».
وسجل الملك محمد السادس ببالغ التقدير والارتياح «ما يتميز به هؤلاء المهاجرون من حسن السلوك والمعاملة، ومن جد في العمل، والتزام بالقانون، واحترام لقيم ومقدسات المغاربة»، وقال: «أود التأكيد أننا لا نقوم إلا بواجبنا تجاه هذه الفئة، لأنهم ناس دفعتهم الظروف الصعبة للمغامرة بأرواحهم، ومغادرة أهلهم وبلدانهم».
وخلص العاهل المغربي إلى القول إن هذه السياسة الإنسانية أهلت المغرب ليتولى، إلى جانب ألمانيا، الرئاسة المشتركة سنتي 2017 و2018، للمنتدى العالمي للهجرة والتنمية.
الملك محمد السادس: قتل الأبرياء ليس جهادًا.. والإرهابيون ليسوا مسلمين
المغرب يمد يده للجزائر لتجاوز الخلافات الظرفية.. وتطلع لتجديد التضامن الصادق بين البلدين
الملك محمد السادس: قتل الأبرياء ليس جهادًا.. والإرهابيون ليسوا مسلمين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة