بولنت أرينتش..ضمير العدالة والتنمية

خروجه على النص أفقده مودة إردوغان

بولنت أرينتش..ضمير العدالة والتنمية
TT

بولنت أرينتش..ضمير العدالة والتنمية

بولنت أرينتش..ضمير العدالة والتنمية

لمع اسم بولنت أرينتش على الساحة السياسية في تركيا على مدى أكثر من 40 سنة أمضاها تحت قبة البرلمان نائبا في أحزاب رئيس الوزراء الراحل نجم الدين أربكان، ثم في صفوف العدالة والتنمية الحاكم الآن، والذي شكل مع كل من الرئيس رجب طيب إردوغان والرئيس السابق عبد الله غل ثلاثة أضلاع قام عليها الحزب. ولقد عرف أرينتش على مدى مسيرته السياسية بالتواضع والتمسك بالمبادئ واختير رئيسا للبرلمان، كما عين في حكومات إردوغان المتعاقبة في أكثر من منصب وزاري وكنائب لرئيس الوزراء. غير أن علاقته بالرئيس إردوغان ساءت في الفترة الأخيرة، وخرج من فريق السلطة في مؤشر لافتراق الطرق بين رفاق الصف الواحد.
خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة لم يبد أن بولنت أرينتش كان راضيا أو مقتنعا بطريقة تسيير الأمور داخل «العدالة والتنمية»، أو إجمالا في الحياة السياسية في تركيا، لكنه ظل صامتا حتى لا يستغل كلامه كمعول هدم للحزب الذي كان واحدا من أبرز من شيدوا بناءه. لكنه مع تطور الأحداث في تركيا بدأ يخرج عن صمته، فحاول أن يتكلم وطوّر فعل الكلام إلى الحركة بعد أن لاحظ جفوة من رفيقه إردوغان، لكن تدخل عبد الله غل كان حاسما لمنع تدهور العلاقة أكثر فأكثر.
خلال العام الماضي ظهر بولنت أرينتش، الذي عرف على مدى مسيرته في حزب العدالة والتنمية بأنه «ضمير الحزب» و«حكيم الحزب»، غير راض تماما عن الصراع بين إردوغان وحليفه السابق الداعية فتح الله غولن، الذي بات متهما بالوقوف وراء محاولة الانقلاب في تركيا منتصف يوليو (تموز) الماضي.
وحينما وجد أرينتش تصاعدا في تيار الهجوم على غولن وحركة الخدمة، المسماة الآن «منظمة فتح الله غولن»، أو «الكيان الموازي»، بسبب تحقيقات الفساد والرشوة التي طالت وزراء في حكومة العدالة والتنمية في نهاية عام 2013. والحملة على مدارس غولن، قال بجرأته المعتادة: «إذا كانت مدارس غولن هي الكيان الموازي فجميعنا من الكيان الموازي، لأن أولادنا تعلموا في هذه المدارس».
وقبل انتخابات السابع من يونيو (حزيران) 2015، أبدى أرينتش قلة رضاه على الأوضاع في تركيا، وتوقع أن يتعرض حزب العدالة والتنمية لهزة كبيرة. وهو ما حدث بالفعل، لكنه قال إن لديه الكثير من الأسرار التي يحتفظ بها وسيعلن عنها يوم 8 يونيو بعد ظهور نتيجة الانتخابات.
بعد ذلك لم يسمح له بالظهور على شاشة التلفزيون الرسمي «تي آر تي» الذي كان يقع تحت مسؤولياته كنائب لرئيس الوزراء. ولقد أبدى غضبه لذلك قائلا: «إنني منعت من الظهور على تلفزيون بلدي، الذي أشرف عليه لأنني فقدت مودة شخص ما» - في إشارة إلى إردوغان - وتطور الأمر بعد ذلك إلى الحيلولة دون ظهوره في ندوات في 5 جامعات تركية.
وبعد محاولة الانقلاب الفاشلة منتصف يوليو الماضي أصبح أرينتش هدفا لهجوم مليح جوكتشيك، رئيس بلدية أنقرة، الذي كتب في تغريدات على «تويتر» موجها كلامه إلى أرينتش: «كل الناس يعرفون أنك خادم حركة الخدمة. فالجشع والطمع يلتهمونك، أنت مخادع والمؤمنون يكرهونك، حسبي الله ونعم الوكيل فيك».
ولم يتأخر رد أرينتش العنيف عبر حسابه على «تويتر» قائلا: «عندما تأسس حزب العدالة والتنمية وقف جوكتشيك مع أحد أحزاب المعارضة، ووجه جميع أشكال الإهانات لإردوغان وحزبنا. والجميع يعلم أنه انضم إلى حزب العدالة والتنمية بطريقة التوسل إلينا آنذاك، وليس من الممكن أخذ عباراته التي قالها عن تأثير حركة الخدمة وفتح الله غولن على الناس عن طريق استخدام الجن على محمل الجد. ولا بد أن نسأل عن كيفية انضمامه إلى حزب العدالة بعد تأسيسه بعامين ومن سانده في ذلك؟».
وكان جوكتشيك قال في برنامج تلفزيوني إن غولن خدعه هو شخصيًا، وإنه كان يوزع على أتباعه قطعا معدنية قرأ عليها بعض التعاويذ وإنه يستخدم الجن في تطويع أتباعه وإن هذا حدث معه أيضا.
وناشد أرينتش في صفحته على «تويتر» الحكومة قائلا إن مدينة أنقرة تحتاج إلى رئيس وإن البلدية في حالة يرثى لها، وأضاف: «إنني أوصيك يا جوكتشيك باستخدام (الزفت) الذي يملأ لسانك في رصف الطرق السيئة في أنقرة التي تتولى أنت رئاسة بلديتها، والتي يعاني فيها الناس من خطر الغرق في أحيائها ومعابرها السفلية إذا ما تساقط المطر فيها لمدة خمس دقائق فقط إذ تمتلئ شوارعها الرئيسية بالحفر. وأتوقع أن تكون هذه أيضا رغبة مواطنينا الأعزاء في أنقرة، إذ إنها تفتقر لرئيس بلدية منذ فترة طويلة». واتهم جوكتشيك قبل سنوات في قضية فساد بسبب دمج نادي أنقرة غوجو مع نادي أنقرة سبور، الذي كان يترأسه ابنه، لخلق كيان قوي لصالح ابنه.
وفي إطار حملة الاعتقالات التي تشهدها تركيا على خلفية محاولة الانقلاب الفاشلة طالت الاعتقالات 154 موظفا بوزارة الصحة من بينهم ضياء طاي، مدير الصحة العامة لمحافظة مانيسا، غرب تركيا، ابن عم زوجة بولنت أرينتش. وتعليقا على اعتقال ابن عم زوجته ضياء تاي قال أرينتش في تغريدة على حسابه على «تويتر»: «إن ضياء له شخصية محترمة وقومي ومحب لوطنه كما أنه بيروقراطي جيد، وأنا متأكد أنه لم يعين في وظيفته بطرق غير شرعية».
وأضاف أرينتش، وهو في الأساس محام وقانوني بارز في تركيا، أنه يؤمن بصدور قرار عادل بحق قريبه متمنيا إصدار قرار الإفراج في أقرب وقت.
كذلك كشف أرينتش عن أن كثيرين من المحيطين بإردوغان الآن، ومنهم الصحافي أرصوي ديده، هم من «جماعة الخدمة» وأتباع غولن لكنهم الآن يتظاهرون بأنهم بريئون منه. ثم تعهد قائلا: «إنني سأظل أدافع عن غولن حتى لو اضطررت لارتداء الجبة».
والحقيقة أن أرينتش خاض الكثير من المعارك السياسية في العام الماضي وبداية العام الحالي، من اعتراضه على الإطاحة بالمؤسسين القدامى لحزب العدالة والتنمية لصالح بعض الأعضاء الجدد، إلى الحديث عن اهتزاز الثقة في الهيئة القضائية أثناء تولي العدالة والتنمية الحكم قائلا: «الحزب لم يحقق إلا التنمية.. دون العدالة بعد أكثر من 10 سنوات من وجوده في السلطة. ما يحزنني هو أننا على قدر جيد جدا من التنمية.. لكن هل نحن على نفس القدر الجيد من العدالة؟». ثم أضاف: «أنشأنا قصور عدل جميلة جدًا، لكن علينا أن نعمل جاهدين لزيادة الثقة في العدالة والقضاء». وكان يشير إلى «قصور العدل» أو المحاكم الجديدة التي أقامها إردوغان في سنوات حكم حزب العدالة والتنمية. وتابع هجومه: «إذا تدنت الثقة في القضاء لنحو 20 في المائة في بلد ما.. ينبغي أن نضع رؤوسنا في أكفنا وأن نستغرق في التفكير».

الصوت المعارض بالداخل
وسبق أن مثل أرينتش صوتا معارضا نادرا داخل الحزب الحاكم. ففي مارس (آذار) من العام الماضي انتقد إردوغان لتدخله في تعامل الحكومة مع عملية السلام مع المتمردين الأكراد.
وبسبب مواقفه المبدئية تعرض لهجمة شرسة على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما دفعه لأن يصدر بيانا من 6 صفحات في فبراير (شباط) الماضي للرد على التهديدات والإهانات التي توجهها إليه الصحف وحسابات مواقع التواصل الاجتماعي المقربة من حزب العدالة والتنمية الحاكم بسبب انتقاداته للحزب الذي يعد أهم مؤسسيه. وفي لقاء مع قناة «سي إن إن تورك» التركية العام الماضي انتقد أرينتش طريقة إدارة حزب العدالة والتنمية للبلاد، معربا عن الأسف لإزاحة القيادات التي أسست الحزب لصالح شباب عديم الخبرة، كما انتقد التخلي عن مفاوضات السلام لحل المشكلة الكردية. وبعد تعرضه للهجوم أكد أنه يقف وراء تصريحاته وأنه لا يدين لأحد بشيء. ثم قال إن ما كشفه في ذلك البرنامج هو جزء صغير من الوقائع التي يعرفها وسبق أن شهدها. ورد أرينتش، الذي اشتهر بدعوته لوزراء وقيادات حزب العدالة والتنمية بألا تغرهم المناصب وأن يتقشفوا ويبتعدوا عن حياة الرفاهية، على منتقديه في بيانه على مواقع التواصل الاجتماعي قائلا: «أريد أن أجيب في عدة جمل على منتقدي القائلين «لماذا تكشف كل هذا الآن وأمام الرأي العام؟». اعلموا أن سؤال «لماذا الآن» لا يمكن توجيهه لأي حقيقة يراد الكشف عنها. تتكلّمون بحرية وراحة بال إن لم يشهد تاريخكم السياسي الممتد لأربعين سنة أي شائبة أو إن لم يرِد اسمكم في قضايا أو فضائح مالية. وعدا ذلك إما ستصبحون العكاز الذي يتكئ عليه مَنْ منحكم مناصبكم أو ستصبحون رأس الحربة لمن سيمنحكم عمودًا في صحيفته».
وحملت هذه العبارات انتقادات صريحة للحكومة التي تورّط 4 من وزرائها في مزاعم الفساد والرشوة ولوسائل الإعلام القريبة للحكومة التي شنت ضده حملة هجوم مكثفة.
وأعرب المتحدث السابق باسم الحكومة وكبير مستشاري رئيس حزب العدالة والتنمية حسين تشيليك ووزير العدل السابق سعد الله أرجين ووزير الرياضة سعاد كيليتش، الوزراء السابقون في حكومة إردوغان، عن دعمهم لأرينتش على حساباتهم بموقع التواصل الاجتماعي «تويتر». عندما قاموا بإعادة نشر تصريحات أرينتش لمتابعيهم على الموقع. وكان تشيليك قد تناول عملية السلام الداخلي مع الأكراد في تصريحات كتبها في مدونته، مشيرًا إلى أن المسؤولين، بمن فيهم رئيس البلاد ورئيس وزرائه لم يكترثوا لتحذيراته التي ظل يطلقها منذ عام 2009.

بوادر انشقاق حزبي
أحدثت هذه التصريحات أزمة كبيرة وأشارت إلى بوادر انشقاق قد يهز حزب العدالة والتنمية من جذوره وقام الرئيس السابق عبد الله غل، وقتها، بدور المنقذ، واحتوى الأمر باتصالات واجتماعات مع إردوغان ومعارضيه لتنتهي الأزمة دون تأثير على حزب العدالة والتنمية. إلا أن أرينتش بقي على موقفه واحتفظ بجرأته حتى لو كان سيدفع ثمنها في حروب ومشاحنات مع بعض من يحاولون إظهار ولاء مزيف ويزايدون على تاريخ مؤسسي «العدالة والتنمية».
لكن هذه المواقف نقلته إلى الظل إلى الحد الذي أقيم فيه احتفال بالذكرى الخامسة عشرة لتأسيس «العدالة والتنمية» في 14 أغسطس (آب) الحالي لم يظهر فيه أرينتش على الرغم من أنه من الأضلاع الرئيسية التي قام عليها الحزب.

في سطور
* ولد بولنت أرينتش يوم 25 مايو (أيار) 1948، في مدينة بورصة، بشمال غربي الأناضول. وبعد الانتهاء من المدرسة الثانوية في مدينة مانيسا، بغرب تركيا، تلقى تعليمه العالي في جامعة أنقرة حيث حصل على شهادة الليسانس (الإجازة) الحقوق وذلك في عام 1970. وبعد التخرج، عمل أرينتش - وهو متزوج وأب لثلاثة أولاد قتل أحدهم عام 1997 – لحسابه الخاص في مانيسا.
انجذب أرينتش إلى السياسة منذ مرحلة دراسته الجامعية. ودخل عالم السياسة فعلاً عندما انتخب نائبا عن حزب «الرفاه» الإسلامي في البرلمان عن مانيسا في الانتخابات العامة عام 1995 وخدم في لجنة العدل في البرلمان. وفي هذه الأثناء اختير أيضًا عضوًا في مجلس الحزب.
وبعد قرار المحكمة الدستورية التركية إغلاق حزب «الرفاه» يوم 15 فبراير 1998، انتقل إلى حزب «الفضيلة» الإسلامي الذي ورث القاعدة الشعبية لـ«الرفاه».
وتكرّر انتخاب أرينتش خلال الانتخابات العامة لعام 1999 نائبا عن مانيسا، وهذه المرة عن حزبه الجديد «الفضيلة». وأصبح عضوا في لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان. ومجددًا، بعد حظر المحكمة الدستورية حزب «الفضيلة» وإغلاقه في 22 يونيو 2001. شارك أرينتش رجب طيب إردوغان في تأسيس حزب العدالة والتنمية.. وفي العام نفسه، يوم 14 أغسطس (آب) اختير رئيسًا لكتلة حزبه في البرلمان.
انتخب أرينتش للمرة الثالثة نائبا عن مانيسا في الانتخابات العامة في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) 2002. ولم يلبث أن انتخب رئيسًا لمجلس النواب. وفي أول مايو 2009 عيّن في منصب وزير الدولة المسؤول عن المؤسسات، ونائب رئيس الوزراء في الحكومة الثانية التي شكلها إردوغان.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».