منذ إعادة انتخابه رئيسا لموريتانيا في منتصف عام 2014، أجرى محمد ولد عبد العزيز 4 تعديلات في الحكومة، جاء آخرها ليسبق بقليل الحوار السياسي المزمع تنظيمه مع مختلف أطياف المعارضة. وقد أصدر الرئيس ولد عبد العزيز هذا التعديل أمس، الذي يقضي بتعيين وزير جديد للنفط والطاقة والمعادن، الشاب محمد ولد عبد الفتاح، وهو مهندس متخرج من فرنسا، كان يشغل منصب المدير العام للشركة الموريتانية للغاز (سوماغاز).
والمهندس ولد عبد الفتاح يخلف أحمد سالم ولد البشير الذي يوصف بأنه «رجل ثقة» الرئيس، إذ تمكن خلال السنوات الأخيرة من تقلد عدة مناصب حكومية، وأشرف على تنفيذ مشاريع مهمة، وتشير المصادر إلى أن النظام يستعد لتكليفه بإدارة الشركة الوطنية للصناعة والمناجم (سنيم)، وهي أكبر شركة في البلاد، وتختص في استخراج وتصدير خامات الحديد من مناجمه في شمال البلاد.
وفي غضون ذلك، يرى مراقبون أن هذا التعديل الجزئي في حكومة الوزير الأول الموريتاني يحيى ولد حدمين، مجرد تعديل روتيني لا يحمل أي صبغة سياسية، عدا كونه حمل وزيرًا شابًا إلى الفريق الحكومي لتعزيز سياسة النظام الحاكم تجاه فئة الشباب، التي أعلن ولد عبد العزيز أنه سيعمل عليها لتحقيق شعار «تجديد الطبقة السياسية» الذي رفعه في حملته الانتخابية الأخيرة.
من جهة أخرى، جددت الرئاسة الموريتانية دعوتها لحوار سياسي من المفترض أن يشارك فيه مختلف أطياف المشهد السياسي في البلاد، وقال الوزير الأمين العام برئاسة الجمهورية مولاي ولد محمد لقظف إن «الوقت لم يعد يسمح بتأخر انطلاق الحوار»، وأكد في مؤتمر صحافي عقده بنواكشوط، مساء أول من أمس، أن الحوار «ظل دائما مقاربة ومنهجا واستراتيجية لدى رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز، وينبع من قناعة تامة بأنه الوسيلة الوحيدة لحل جميع المشكلات».
وقال ولد محمد لقظف، الذي كلفه الرئيس الموريتاني بالتحضير للحوار السياسي، إن «العمل جار منذ سنة ونصف السنة لتهيئة الظروف المناسبة للحوار»، ولكنه تحدث عن تفاوت في ردود الفعل لدى الطيف السياسي، مشيرًا إلى أنه لاقى الترحيب لدى أحزاب الأغلبية وكتلة المعاهدة من أجل التناوب السلمي، التي تعد «معارضة قريبة من النظام»، كما رحبت به أحزاب أخرى معارضة توصف بأنها «صغيرة الحجم»، ولكن المعارضة الراديكالية، ممثلة في المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة وحزب تكتل القوى الديمقراطية، أعلنت رفضها للحوار الذي تدعو له الحكومة، وقالت إنه «مسرحية هزلية، وحوار شكلي»، وطالبت العام الماضي بضمانات يجب أن تتحقق قبل الدخول في أي حوار، وذلك من أجل ما سمته «تجاوز أزمة الثقة، وإثبات حسن النية» من طرف النظام.
ويعد المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة أكبر كتلة سياسية معارضة في البلاد، إذ يضم 10 أحزاب سياسية، وعدة نقابات عمالية، ومنظمات من المجتمع المدني، وعددا من الشخصيات السياسية المستقلة، أما حزب تكتل القوى الديمقراطية فهو حزب معارض عريق يرأسه أحمد ولد داداه الذي ترشح لعدة انتخابات رئاسية سابقة، والذي يوصف بأنه «الزعيم التقليدي للمعارضة» في موريتانيا.
وأمام تصلب مواقف المعارضة، قال الوزير الأمين العام لرئاسة الجمهورية إنه أجرى عدة لقاءات أخيرا مع المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة «لتذليل العقبات أمام مشاركته» في الحوار، وأشار إلى أن «تلك اللقاءات أخذت مسارات مختلفة، وكان بعضها علنيا أو شبه علني، وكانت خلاصتها أنه تمت الموافقة على جل الضمانات المطلوبة، ولم يبق سوى عقبة أو اثنتين أمام مشاركة المنتدى».
وبخصوص وثيقة الممهدات التي طالبت المعارضة بتنفيذها في شهر أبريل (نيسان) عام 2015، قال ولد محمد لقظف إنها «لا تطرح أي إشكال، باستثناء ما يتعلق بحكومة وحدة وطنية»، وأضاف أن «المسلسل الانتخابي لا يحتاج لمثل هذه الحكومة، ومن غير الوارد طرحها في نظام يتضمن أغلبية ومعارضة، وكل المعارضات في العالم تحرص فقط على وجود لجنة مستقلة للانتخابات»، وخلص إلى القول إن «الحكومة مستعدة لتوفير كل تلك الشروط بالتشاور مع كل الأطراف».
وفي حالة عدم استجابة المنتدى وحزب التكتل لدعوة الحكومة للحوار، فقد أوضح ولد محمد لقظف أن هنالك اتصالات متقدمة مع أطراف أخرى تمثل بقية المشهد السياسي، وقال: «لقد بدأ عمل تمهيدي مع هذه الأطراف التي دعيت لتقديم تصوراتها والقضايا التي ترغب في طرحها في هذا الحوار التوافقي التشاركي، وأملنا كبير في أن يلتحق المنتدى والتكتل بالحوار، لأن نتائجه ستكون لصالح البلد».
وأكد ولد محمد لقظف أن الحكومة تسعى نحو الحوار من أجل «ترسيخ الديمقراطية، وإشراك جميع الفاعلين السياسيين، وخلق ظروف ملائمة للتنمية»، وأضاف أن «رئيس الجمهورية أعطى تعليماته بأن يكون هذا الحوار شاملا لكل المواضيع، ومن دون خطوط حمراء، وكاملا - بمعنى أن يشارك فيه الجميع من أحزاب سياسية ومجتمع مدني ومثقفين».
كانت موريتانيا قد شهدت في السنوات الماضية عدة محاولات لتنظيم حوار وطني شامل، يشارك فيه الجميع، ولكنها ظلت ناقصة في كل مرة، بسبب انعدام الثقة بين النظام والمعارضة الراديكالية. فقد بدأت هذه المحاولات بحوار عام 2009، وتبعه حوار آخر عام 2011 أسفر عن تعديلات دستورية مهمة، كما جرت محاولتان لم تتكللا بالنجاح في عامي 2013 و2014. وفي العام الماضي، دعا الرئيس الموريتاني لحوار سياسي شامل، وجرت اتصالات لم تنجح في تقريب وجهات النظر بين المعارضة والنظام.
وتثير المعارضة الراديكالية كثيرا من الشكوك حول نية النظام من وراء الحوار الذي يدعو له، وتقول أطراف فيها إن الرئيس الموريتاني يسعى لتعديل الدستور من أجل البقاء في السلطة لمأمورية رئاسية ثالثة يمنعها الدستور الحالي، ولكن ولد عبد العزيز سبق أن أكد في مقابلة مع صحيفة إسبانية، مطلع العام، أنه «لن يترشح لمأمورية رئاسية جديدة»، وقال في خطاب شعبي، مطلع شهر مايو (أيار) الماضي، إنه «لن يكون عقبة أمام العملية الديمقراطية في البلاد».
موريتانيا تجدد «الطبقة السياسية» بتعيينات وزارية شبابية
الرئيس ولد عبد العزيز دعا لحوار سياسي «بلا خطوط حمراء»
موريتانيا تجدد «الطبقة السياسية» بتعيينات وزارية شبابية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة