العفو العام والمصالحة المستحيلة في العراق خوف شيعي وقلق سني وترقب كردي

مازال يراوح مكانه في البرلمان.. والجبوري يبحث سبل تمريره

العفو العام والمصالحة المستحيلة في العراق خوف شيعي وقلق سني وترقب كردي
TT

العفو العام والمصالحة المستحيلة في العراق خوف شيعي وقلق سني وترقب كردي

العفو العام والمصالحة المستحيلة في العراق خوف شيعي وقلق سني وترقب كردي

خلال هذا الأسبوع زار رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري مجلس القضاء الأعلى مرتين.. مرة متهمًا ينتظر رحمة القاضي باعتقاله أو الإفراج عنه ومرة رئيسًا لأعلى سلطة تشريعية في البلاد تؤهله مخاطبة القضاة بما يريد الإفصاح عنه في قضية مفصلية على صعيد مرحلة ما بعد عام 2003، وهي المصالحة المجتمعية وكلمة السر فيها هي «قانون العفو العام» الذي ما إن بدأ التصويت على فقراته الـ13 أول من أمس الاثنين حتى «تبخر» البرلمانيون من أعضاء التحالف الوطني الشيعي من داخل الجلسة مما أدى إلى اختلال النصاب القانوني.
سقط القانون الذي يراهن عليه السنّة بسبب خوف الشيعة من تبعاته، لأنه يربطهم في الغالب بما يعدونه ماضيا مرا حين كان السنة هم قادة البلاد لمدة تزيد على الثمانين عاما. وبين خوف الشيعة من عودة شبح الماضي وقلق السنة على مستقبلهم في ظل تعايش بات يبدو مستحيلا طبقا لما أكده الأسبوع الماضي لـ«الشرق الأوسط» اثنان من أبرز قياديي السنة في واجهة المشهد السياسي العراقي، وهما أسامة النجيفي، زعيم ائتلاف «متحدون»، الذي يرى أن التعايش بات صعبا مما يستدعي سرعة إنجاز الأقاليم الفيدرالية في المحافظات الغربية ذات الغالبية السنية، وسليم الجبوري، رئيس البرلمان، الذي أكد من جانبه أن الشيعة توافقوا على ما هو استراتيجي فيما بينهم ونقلوا صراعاتهم البينية في المناطق السنية من أجل زعزعة الاستقرار فيها.
الجبوري في حديثه لـ«الشرق الأوسط» ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك حين عد ممارسات وزير الدفاع خالد العبيدي ضده بأنه ليس أكثر من قيامه بتأدية دور «أداة لصراع سني - سني بغطاء شيعي»
وبين خشية سليم الجبوري من الاعتقال بناء على تهم العبيدي والإفراج عنه خلال ساعة لعدم كفاية الأدلة، وخطابه الواضح أمام القضاة بأنه ما لم تحل مشكلة المصالحة المجتمعية في البلاد فلن يكون هناك أفق حقيقي للتعايش، يبقى الحد الفاصل هو الكيفية التي يمكن للبرلمان العراقي تمرير قانون العفو العام بما يبدد مخاوف الشيعة وقلق السنة وترقب الأكراد الذين باتوا أكثر قربًا من قمم جبالهم يترقبون متى تحين ساعة الانفصال، بعد فشل التعايش انسجامًا مع فشل الأنموذج السياسي لما بعد مرحلة ما بعد سقوط النظام السابق.
الجبوري وخلال زيارته لمجلس القضاء بعد أقل من يوم على فشل البرلمان في تمرير قانون العفو العام، بعد أن تمت المصادقة على بعض مواده قال طبقًا للبيان الصادر عن مكتبه إن «قانون العفو العام يمثل علاجًا لحالة مجتمعية تفاقمت وأثّرت وقد آن الأوان لترميمها». وأضاف الجبوري: «نفهم الإصلاح على أنه صون لحقوق الإنسان وحماية لكرامته، وفي إطار ذلك نقدم العفو العام كإحدى خطوات الإصلاح الرئيسية».
الآراء بين المكونات دائما تحمل مساحة من الاختلاف، حتى لو كان الهدف هو البحث عن صيغة للتوافق الذي هو الاستخدام المخفف للمحاصصة مما يؤكد عمق الخلافات وتجذرها بين الأطراف السياسية الباحثة عن حلول، لكن يبدو بعضها مستحيلاً. ففي إطار قانون العفو العام ينفي عضو البرلمان العراقي عن التحالف الوطني جاسم محمد جعفر وجود دوافع سياسية وراء عدم تصويت قوى التحالف الوطني على قانون العفو العام، بعد أن تم التوافق عليه داخل الكتل السياسية واللجنتين القانونية وحقوق الإنسان، قائلا إنه «ليس هناك أية دوافع سياسية يل هناك مخاوف مشروعة من استغلال القانون لخروج عتاة الإرهابيين من أمراء (داعش) و(القاعدة) تحت بند إعادة المحاكمة». ويرى جعفر أن «هناك إصرارا من قبل الإخوة (في إشارة إلى الكتلة السنية) على تمرير المادة 8 من القانون بقضها وقضيضها، بينما هي مادة خطيرة لا سيما على صعيد إعادة المحاكمة لمن يرى أن الاعترافات انتزعت منه بالإكراه»، مشيرًا إلى أن «الحل الوسط الذي توصلنا إليه ووافقنا عليه نحن في التحالف الوطني هو أن تكون عملية إعادة المحاكمة لمرة واحدة لكي نمرر القانون كجزء من المصالحة الوطنية بينما الإخوة (يقصد السنّة) يريدونها مفتوحة وهو ما رفضناه ونرفضه».
الغريب أن الكتل الشيعية والسنية والكردية كلها باتت متشظية وفيها المزيد من الخلافات لكنها في القضايا المفصلية التي تؤثر على المكون والطائفة تتصرف بمنطق الطائفة والمكون. جعفر الذي هو نائب عن دولة القانون ضمن التحالف الوطني ولديهم خلافات مع الصدريين وجماعة الحكيم يتحدث على صعيد هذا القانون باسم التحالف الوطني كله بسبب وحدة الموقف، قائلا إن «الصيغة التي توصلنا إليها، والتي سنمررها الأسبوع المقبل هي تعديل بعض فقرات المادة 8 لكي نمضي دون عراقيل».
لكن القيادي السني عضو البرلمان عن تحالف القوى العراقية فارس الفارس لا يستبعد وجود «دوافع سياسية تحول دون تمرير القانون لأننا كنا قد توافقنا عليه بالكامل وكنا صوتنا لتمشية قانون تجريم البعث وهو ما يعني وجود القانونين بصفقة واحدة ولكننا فوجئنا بما حصل». وأضاف الفارس أن «الإخوة (يقصد الشيعة) يرون أننا نريد إخراج الإرهابيين والمجرمين بينما لا يعلمون أن الإرهابيين والمجرمين قتلونا (نحن السنّة) أكثر من سوانا ولكننا نرى أن هناك أبرياء لا يمكننا المساومة عليهم». ويتابع الفارس قائلاً: «هناك ظلم كبير خاصة بالدعاوى الكيدية والمخبر السري، ولذلك فإن من حقنا أن نقلق حيال مثل هذه الممارسات».
أما الكرد، فقد كانوا على موعد مع تمرير القانون وهذا ما عبرت عنه لـ«الشرق الأوسط» آلا طالباني رئيسة كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني في البرلمان العراقي، مضيفة أن «القانون يجب أن يمر إذا أردنا المضي في المصالحة الوطنية، ولكننا فوجئنا بالانسحابات من داخل الجلسة، مما يعني وجود جو عام ضد تمرير القانون رغم حسم القضايا التي كانت خلافية داخل اللجنة القانونية». وتضيف أن «هناك في الواقع من يرى عدم وجود ضرورة للعفو العام خصوصًا من قبل الشيعة، بينما السنّة ينظرون إليه بوصفه أساس المصالحة، ولذلك فإن حل هذا التناقض يبدو أمرا صعبا بينما نحن ككرد نرى أن هذا القانون مهم، ونحن مع إقراره، وسوف نصوت عليه الأسبوع المقبل مع تعديل بعض فقراته التي تثير مخاوف هنا وهناك، علما بأن الحكومة اعترفت بوجود أبرياء في السجون والمعتقلات».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.