الانفلات الأصولي يضع العالم على حافة الخطر

دوافع إمبراطورية سياسية وذهنية أحادية دوغمائية

محمد مرسي أحد قادة {الإخوان} في مصر
محمد مرسي أحد قادة {الإخوان} في مصر
TT

الانفلات الأصولي يضع العالم على حافة الخطر

محمد مرسي أحد قادة {الإخوان} في مصر
محمد مرسي أحد قادة {الإخوان} في مصر

بات فرض عين على جموع المفكرين والمثقفين حول العالم في هذه الآونة المثيرة للشقاق والفراق، التوقف أمام مشهد الانفلات الذي يعم الأصوليات حول العالم، وبات السؤال الذي لا مفر منه؛ ما الذي جرى ولماذا هذا الانفجار الذي يهدد أمن وأمان العالم؟ وهو تساؤل جذري من أجل إيجاد سبل ومسارب، وتخليق آليات للفكاك من براثنه الشريرة. وهنا يعن لنا بداية البحث عن معنى كلمة الأصولية، وسبب سحبها على الإسلام والمسلمين، خصوصًا رغم تجذرها في الديانات الإبراهيمية الأخرى، كاليهودية والمسيحية، عطفًا على وجود جذور لها في النواميس الوضعية، كالبوذية والهندوسية وغيرهما من مذاهب أهل آسيا الشرقية.
بين الأبحاث اللافتة في موضوع الأصولية، الكتاب الجديد للمفكر والباحث المصري المعاصر الدكتور مراد وهبة «زمن الأصولية: رؤية للقرن العشرين»، إذ يؤرخ فيه للأصولية المعاصرة، أي خلال السنوات المائة الماضية، بسلسلة كتب صدرت في الولايات المتحدة الأميركية ما بين عامي (1905 و1915) تحت عنوان «الأصول»، بلغ توزيعها بالمجان 3 ملايين كتاب، ولقد أرسلت إلى رجال دين ولاهوتيين كبار، والأفكار المحورية في هذه الكتيبات يمكن إيجازها في 3 أفكار:
* النضال أو الجهاد من أجل الدفاع عن الأصول.
* رفض النظريات العلمية التي تتناقض مع الإيمان بالوحي الإلهي، كما أنزل في الشرائع السماوية.
* رفض آراء الليبراليين اللاهوتيين الذين خانوا ذلك الإيمان ومزقوا آيات الإنجيل في ضوء نظرية التطور، فنقدوا قصة الخلق في «سفر التكوين»، حيث القول إن الله خلق الكون في 6 أيام واستراح في اليوم السابع.
القراءة السابقة للمفكر والباحث المصري المعاصر تدفعنا دفعًا للبحث عن منشأ تلك «الأصولية» المسيحية الغربية، التي سيقدر لها لاحقًا أن تلعب دورًا سياسيًا خطيرًا يقود بدوره بدرجة أو بأخرى، إلى صعود ما بات يسمى «الأصولية الإسلامية»، وما بينهما كانت «الأصولية اليهودية» تعمل في كمون وسكون...

أسباب الطفرة الأصولية
الشاهد في غالب الأمر أن الذي دفع «الأصوليين» إلى إصدار هذه الكتيبات مردود إلى عاملين؛ عامل موضوعي، وعامل ذاتي.
العامل الموضوعي تمثل في بزوغ «الحداثة» المتمركزة في العقلانية والتنوير والثورة الصناعية، وفي نشأة علم الاجتماع الذي كان سائدًا في اتجاه إشاعة العلمانية، وفي بزوغ الليبرالية التي دعت إلى أن سلطان الفرد فوق سلطان المجتمع، وبالتالي فوق كل ما يفرزه المجتمع من سلطات، وفي مقدمتها السلطة الدينية.
أما العامل الذاتي، فمردود إلى محاضر ألقاها تشارلز إيليوت، الذي كان رئيسًا لجامعة هارفارد في عام 1869، وكان عنوانها «مستقبل الدين». ولقد أحدثت هذه المحاضرة هلعًا في صفوف «الأصوليين». وكانت وراء هذا الهلع مسألتان: الأولى خاصة بمفهوم الدين، والثانية خاصة بمفهوم رجل الدين.
عن المسألة الأولى ارتأى إيليوت أن الدين (المسيحي) الجديد لن تكون فيه إلا وصية واحدة؛ هي «محبة الخالق من أجل المخلوق»، وعلى هذا النحو فهي وصية لا تستلزم دورًا للعبادة، ولا علم لاهوت ولا طقوسًا للعبادة، ومن ثم فليس من حق المسيحيين الادعاء بملكية الحقيقة المطلقة.
أما عن المسألة الثانية فقد ارتأى إيليوت أن ثمة فارقًا جوهريًا سيقوم بين رجل الدين بالأمس ورجل الدين في المستقبل. وكمثال ذلك، عندما كان يصاب إنسان الأمس بجرح في جسمه كان يذهب إلى الكنيسة ويصلي من أجل شفاء جسمه، أما إنسان اليوم فإنه يذهب إلى الجراح، وبالتالي ارتأى إيليوت أن هذا الجراح هو رجل دين المستقبل.
كانت الرؤية السابقة كفيلة بأن تطلق جنون من يعرفون بـ«موظفيو الله» وتؤرخ لأصولية أميركية تحديدًا، سوف يقدر لها التشابك أولاً، ثم الاشتباك لاحقًا مع العالم الإسلامي.

لاهوت الاحتواء والأصولية الإسلامية
يخيل لكثيرين أن علاقة الولايات المتحدة تحديدًا بالعالم الإسلامي، واستنهاض قواه الروحية الدينية، ودفعها في اتجاه مسلك سياسي يصب في صالح الإمبراطورية الأميركية، بدأ مع احتلال الاتحاد السوفياتي لأفغانستان في نهاية سبعينات القرن الماضي، ومن رحم ذلك المسلك ولدت «القاعدة»، بما لعبته من دور في تعاظم الدور الأصولي حول العالم. غير أن وقائع الأمور تأخذنا إلى أبعد من ذلك بنحو 4 عقود تقريبًا. وجرى ذلك عندما أسست مؤسسة دينية هي «مجلس الكنائس العالمي»، وكان الرجل الأول الذي وقف وراء تأسيسه وزير الخارجية الأميركية السابق جون فوستر دالاس (1888 - 1959) الذي كان ابن قس بروتستانتي، ولاهوتيًا قبل أن يكون سياسيًا، ويغدو وزيرًا لخارجية أميركا. ولقد شارك دالاس في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الأول لذلك المجلس، الذي عقد في أمستردام عاصمة هولندا بين 23 أغسطس (آب) و4 سبتمبر (أيلول) من عام 1948، وجاءت مشاركته بوصفه لاهوتيًا لا سياسيًا. والمثير جدًا أن دالاس قدّم رؤية سياسية مغموسة حتى النخاع، إن جاز التعبير، في الرؤى والشطحات الدينية، وذلك في الوقت الذي كانت فيه الحرب الباردة تستعر بين حلفي وارسو والأطلسي.
ذهب دالاس إلى أن الشيوعية «إرهاب بلا إله»، وأن القضاء عليها أمر مشروع دينيًا، ومن هنا ولد ما عرف لاحقًا بـ«لاهوت الاحتواء» وأطلق عليه لقب «لاهوت البيت الأبيض». أما «لاهوت الاحتواء» فقد كان يستلزم حلفاء، وقد طرح دالاس اسم باكستان حليفًا مرشحًا لأميركا، لأنها أكبر دولة إسلامية تحتل مكانة مرموقة دوليًا، ثم لكونها بحكم إيمانها ضد الشيوعية، ولأن الإسلام «خصم روحي» عنيد للشيوعية. وهذه الرؤية خدمها بعمق ستتجلى آثاره فيما بعد الآن دالاس، شقيق جون فوستر دالاس، الذي لمع بدوره سياسيًا وشغل منصب مدير الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) الأميركية بين 1954 و1959.
لاحقًا، كان عام 1979 عامًا مفصليًا في انفلات ما بات يعرف بـ«الأصولية في الشرق». ففي يناير (كانون الثاني) من ذلك العام، أصدر الرئيس الأميركي جيمي كارتر قرارًا بدعم جماعات «المجاهدين» في حربها ضد الغزو السوفياتي، والعام نفسه تحولت إيران من دولة ملكية إلى «جمهورية إسلامية». أيضًا في ذلك أبرمت «معاهدة كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل برعاية أميركية خالصة، كان طرفها الأول الرئيس المصري الراحل أنور السادات، الذي يرى البعض أنه أعاد إحياء الإسلام السياسي المتشدد في مصر من أجل مواجهة نفوذ اليساريين والناصريين من داعمي ومؤيدي جمال عبد الناصر، والطرف الثاني رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن الأصولي اليهودي المرتبط بتأييد الجماعات التوراتية المتشددة وصقور الاستيطان في إسرائيل».

الأصولية اليهودية
لم يكن العالم ليخلو من جذور الأصولية اليهودية، وهذا ما تقودنا إليه الباحثة البريطانية كارين أرمسترونغ في مؤلفها العميق «معارك في سبيل الإله.. الأصولية في اليهودية والمسيحية والإسلام». وعندها أن اليهود كانوا أول من أقبل على التطرّف الديني، «لأنهم عانوا من انعدام العدالة الاجتماعية، ووجدوا أن مدنية العصر الحديث هي السبب وراء اضطهادهم ومعاناتهم، ومن ثم، ما عادوا قادرين على التعاطي مع عقلية عصر العلم والتكنولوجيا». والثابت أن اضطهاد الأوروبيين لليهود، في العصور الوسطى تحديدًا التي أطلق عليها تسمية «أزمنة التنوير»، كان سببًا مؤكدًا لتعميق فكرة الأحادية والنزعة الرافضة للآخر، إلى حد الموت، ومنطلقًا لمولد فكرة «الغيتو» الأوروبي، الذي سيقود لاحقًا لإقامة «غيتو» أوسع، على أرض العرب في فلسطين. كانت صيغة الحداثة، بحسب أرمسترونغ، تتسم بعداء واضح لليهودية، إذ كان مفكرو التنوير، على الرغم من كل ما يقولونه عن التسامح، ما زالوا ينظرون باحتقار إلى اليهود. حتى أن فرنسوا - ماري أرويه فولتير (1694 - 1778) وصفهم في قاموسه الفلسفي (1756) بأنهم «أمة تتسم بالجهل المطبق»، وبأنهم يجمعون بين «البخل الحقير وأبشع الخرافات» و«البغض الشديد لجميع الأمم التي احتملتهم بصدر رحب». وأما البارون دولباخ (1723 - 1789) الذي يعتبر من أوائل الأوروبيين الذين أعلنوا إلحادهم صراحة، فكان يصف اليهود بأنهم «أعداء الجنس البشري». كذلك كان فلاسفة أوروبيون مثل إيمانويل كانط وغيورغ هيغل، يعتبرون اليهودية «دينًا خانعًا حقيرًا يناقض العقلانية تمامًا»، وكان كارل ماركس - المتحدّر من أصول يهودية - يقول إن اليهود هم المسؤولون عن الرأسمالية، التي كان يعتبرها مصدر شرور العالم جمعاء.
وهكذا كان على اليهود أن يتكيّفوا مع الحداثة ظاهريًا، بسبب أجواء الكراهية التي تحيط بهم، بينما كانت أصوليتهم تمضي قدمًا، ونحو الوراء البعيد لجهة العودة إلى فلسطين، والوعد التوراتي القديم بأنها لإبراهيم ونسله.

من منا المختار؟
سؤال هذا المقال «لماذا هذا الانفلات الأصولي المتعولم»، لا يمكن النظر إليه أو الجواب عليه بالتطلع والتبصر في الأديان التوحيدية فقط، فنحن كما نرى رجل دين فرنسيًا يذبح في قلب كنيسته بشمال فرنسا من قبل الدواعش، ونرى كذلك عشرات الآلاف من مسلمي بورما (ميانمار) يحرقون ويغرقون على أيدي البوذيين، والذين من حولهم يفضلون إلقاءهم في اليمّ عوضًا عن القبول بهم كلاجئين، وهذا يعني أن الأصولية موجودة بقوة في النواميس الوضعية، لا سيما البوذية التي انتشرت في الهند واليابان وسريلانكا وتايلاند وغيرها. والبوذية تحديدًا تفرعت إلى 3 فرق، كلها فرق ذات نزعات قومية مطلقة، ومغلقة، صالحة لكي تكون مستقبلاً ذات مناهج عنيفة ودموية.
كارثة الأصولية المنفلتة هي البحث عن «المختار فيما بيننا» وتغليب فكرة المطلق على النسبي، فالأصولي هو الحائز على الحقيقة المطلقة دون غيره من البشر، ومن أسف شديد، ما زال كثيرون منا نحن البشر تحت سيادة مرحلة مبكرة من نشوء الدماغ وتطوره، مما يمنعنا من إدراك قدراتنا الروحية الكافية.
إن سمات العنف والخوف التي تنتمي لمرحلة مبكرة من تطور الدماغ، تكتم قدرتنا على تطبيق ما تعلمناه من التاريخ والعمل والدين، ومن ثم من المهم أن نفحص سلوكيات التعصب من المنظور البيولوجي والنفسي والأنثروبولوجي. وعلى الرغم من وجود فوارق أساسية بين الذكور والإناث، فإن الخوف ومشاعر الدونية تؤثر في تطور التعصب والأصولية لدى الجنسين كليهما.

البشر وممارسة دور الآلهة
كارثة العالم المعاصر الواقع تحت ضربات الإرهاب والقتل والغدر والتفجير والسحل، آتية من ممارسة البشر لأدوار الآلهة، يكفرون من يشاءون، ويمنحون صكوك العتق لمن يريدون، وفي غياب تام من قيم التقارب، والرحمة، المحبة والتسامح التي هي أصل أصيل في جميع الأديان. ما يجري الآن من انتهاك من قبل الأصوليين لحرمة النفس البشرية، مرجعه الفشل الذريع في فهم الأبعاد الحقيقية للرسالات الروحانية العميقة، وقد أدى هذا الفشل تاريخيًا إلى الاستبعاد لا التقارب، والتعصب لا التسامح، والكراهية لا الحب، وكانت النتيجة العنف الذي يرتكبه المتشددون من كل الأطراف، وبذا تقوض الأصولية التعاليم المحورية الموجودة في جميع الديانات.
وفي نهاية المطاف لا يمكننا بحال من الأحوال إغفال الدور الذي قامت وتقوم به السياسات الإمبريالية شرقًا وغربًا في إذكاء نيران الأصوليات. إن هذه الأصولية الراديكالية تسهم في زيادة الفوضى السياسية والنضال الديني.



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.