من الأقوال الفرنسية المشهورة المنسوبة لتشارل ديغول قوله مازحا كيف له أن يحكم بلدا بها 370 نوعا من الجبن، ومثلها من الأذواق والآراء. ولا يقتصر تنوع الجبن على فرنسا وحدها، بل إن زيارة واحدة لسوبر ماركت إسباني أو سويسري يكشف عشرات الأنواع، ما بين جبن صلب وطري وقديم وحديث، وهي جميعا متعددة النكهات والألوان والمذاقات. ويقال إن في فرنسا نوعا مختلفا من الجبن لكل يوم من أيام العام.
وتعد أوروبا من أكبر مصدري الجبن في العالم، وتدخل السعودية في قائمة أكبر عشر دول مصدرة للجبن (في المركز الثامن) بحجم تصدير يبلغ 237.2 ألف طن متري سنويا، وهي الدولة العربية الوحيدة التي تدخل ضمن أكبر عشرة مصدرين للجبن.
ويشير مجلس الجبن البريطاني إلى وجود 700 نوع محلي منها في بريطانيا، بينما يوجد نحو 400 نوع في فرنسا وإيطاليا لكل منهما. وتتميز كل منطقة بأنواع الجبن ومذاقاته التي تنتج محليا. وعندما اشتهرت بعض الأنواع، بدأ التفكير في تسجيلها حتى تتم المحافظة على نوعيتها وحقوق منتجيها. وبدأ هذا النشاط في عام 1500 ميلادية، وهو العام الذي تم تسجيل الجبن الشيدر فيه. وبعد ذلك، بنحو قرن من الزمان، تم تسجيل نوع البارميزان الإيطالي الذي يشبه الجبن الرومي المصرية.
وفي عام 1697، تم تسجيل الجبن الهولندي «غودا»، ثم جبن كاميمبير الفرنسي في عام 1791. وبالطبع، لا توجد وسائل متاحة لمقارنة نوعية الجبن الذي كان ينتج حينذاك والجبن المنتج حديثا.
واكتشف الإنسان الجبن من قبل التاريخ المسجل، وكان الاكتشاف بالصدفة، بسبب نقل الألبان في أكياس مصنوعة من مثانة ومعدة الحيوانات، مما أدى إلى تخمر اللبن، وتحوله إلى جبن صلب، بالإضافة إلى سائل شبه شفاف. وعرف الإنسان أن إضافة إنزيمات المنفحة تحول اللبن الحليب إلى جبن يمكن تخزينه واستهلاكه كغذاء لفترة أطول من الحليب.
وهذه الاكتشافات كانت في شمال أفريقيا، قبل ستة آلاف عام، حينما كانت الصحراء الكبرى مليئة بالمراعي والمزارع والغابات المدارية. وكان الجبن هو الأسلوب الوحيد في هذه المنطقة الحارة لحفظ الألبان. وهناك أسطورة عربية بأن تاجرا عربيا اكتشف صناعة الجبن بالصدفة كوسيلة لتخزين الألبان، ولكن الشواهد التاريخية تؤكد أن الجبن كان معروفا للسومريين والمصريين القدماء. وهناك دلائل مصورة على جدران المقابر المصرية القديمة يعود تاريخها إلى ألفي عام قبل الميلاد لجبن يشبه إلى حد كبير الجبن القريش (فيتا) الذي ما زال ينتج في القرى المصرية إلى اليوم.
وانتشرت صناعة الجبن المنزلية في أوروبا من قبل الحضارة الإغريقية، وكانت سائدة ومتنوعة في العصر الروماني. ونظرا لبرودة الطقس نسبيا، لم يكن الجبن الأوروبي يحتاج إلى كثير من الملح لحفظه. وقد كان الجبن طعاما يوميا في العصر الروماني، كما تعددت أنواعه.
ولم يكن الجبن معروفا في الأميركيتين قبل كولومبوس، ولم ينتشر عن حدود أوروبا ومنطقة البحر المتوسط إلا مع توسع النشاط الاستعماري الأوروبي حول العالم. وحتى بدايات القرن التاسع عشر، كان الجبن ينتج من الأرياف، ومن مزارع صغيرة نسبيا في صناعات عائلية.
وفي عام 1815، افتتح أول مصنع للإنتاج الصناعي للجبن في سويسرا، ثم كان التوسع الأكبر في منتصف القرن التاسع عشر في أميركا، حين افتتح جيسي ويليامز مؤسسة ألبان واسعة النطاق في نيويورك، كانت تجمع الألبان على نطاق واسع، وتقوم بتصنيع الجبن بطاقة إنتاج هائلة. وشهدت مصانع ويليامز تصنيع المنفحات النقية التي أمكن بها إنتاج جبن أكثر التزاما بمعايير ثابتة.
ومنذ الحرب العالمية الثانية، سيطرت الأجبان المنتجة من المصانع، من حيث كم الإنتاج، على الإنتاج المنزلي، وأصبحت المصدر الرئيسي للجبن المستهلك منزليا في أميركا وأوروبا.
ويتكون الجبن بفعل إنزيم المنفحة الذي يستخرج من معدة العجول الرضيعة، وهي تحتوي على إنزيم الرنين الذي يعمل على تخثير الحليب. ومن كل مائة كيلوغرام من الحليب، يتم تصنيع 16 كيلوغراما من الجبن. وتختلف المناطق في طريقة صنع الجبن، وكميات الملح المضافة، كما تتميز بعض الأنواع بإضافة أعشاب لها، أو كميات من الثوم والتوابل.
ومن الأنواع العربية المشهورة من الجبن كل من القريش، وهي جبن أبيض خالي من الدسم معروفة في مصر وبلاد الشام. وهناك أيضًا جبن المجدول، في سوريا، ويصنع من الحليب الطازج، وجبن الحلوم الذي تشتهر به قبرص وبلاد الشام. ومن مصر، يشتهر أيضًا الجبن الدمياطي، وهو شديد الملوحة، وينتج من مدينة دمياط.
وفي أوروبا، يشتهر نوع الجبن الشيدر، ويصنع من حليب البقر، وهو ينتشر في بريطانيا وأستراليا وكندا وأميركا، والبارميزان الجافة، وتشتهر به إيطاليا، ونوع ركفور، المعروف بالبكتريا الخضراء داخله. وتنتج إيطاليا أيضًا أنواع الجبن الأبيض المستخدم في البيتزا، ويسمى موتزريلا، وتشتهر هولندا بأنواع غودا وماسدام، ومن فرنسا تأتي جبن كاميمبير وبري، وهي من الأنواع الطرية.
وبغض النظر عن الأنواع المختلفة، يعد الجبن مصدرا ذو قيمة غذائية عالية للبروتينات والدهون والأملاح والكالسيوم والفوسفور والحديد. ويعادل تناول 30 غراما من الجبن الشيدر تناول ما مقداره 200 ميليغرام من الحليب للحصول على القدر نفسه من البروتين والكالسيوم.
ولأن بعض الجبن عالٍ في نسبة الدهون به، ينصح الأفراد الذين يعانون من ارتفاع نسبة الكولسترول عندهم بتناول الأنواع الخالية من الدسم.
وفي كل الأحوال، لا ينصح الأطباء الأشخاص العاديين بتناول كميات من الجبن تزيد عن 57 غراما أسبوعيا من أنواع الجبن كاملة الدسم، وذلك لتأثير هذه الدهون سلبيا على الشرايين والأوعية الدموية. ومع ذلك، لم يتم إثبات الكميات المثالية من الجبن التي يتعين استهلاكها، حيث أن الفرنسيين أعلى استهلاكا لها من غيرهم، ولكنهم لا يعانون من زيادة ملحوظة في أمراض القلب.
وفيما تنتج الولايات المتحدة في الوقت الحاضر أكبر كمية من الجبن في العالم، وقدرها 4.2 مليون طن متري، فإن فرنسا هي أكبر مصدر في العالم للجبن بقيمة 2.6 مليار دولار. أما أكثر الدول استهلاكا للجبن، فهي اليونان بنسبة 27.3 كيلوغرام للفرد الواحد. وتظهر مصر في قائمة أكبر الدول المنتجة للجبن في العالم (في المركز الثامن بعد البرازيل) بإنتاج يبلغ 462 ألف طن متري سنويا، ولكن معظم هذا الإنتاج يستهلك محليا، حيث لا تظهر مصر بين أكبر الدول المصدرة للجبن.
وتختلف أنواع الجبن في طول فترة إعدادها، حيث تتطلب بعض الأنواع عدة أيام، بينما تستغرق أنواع أخرى عدة سنوات، تتحول خلالها دهون الألبان إلى أحماض أمينية تميز كل نوع من الجبن بنكهته الخاصة.
وفي بعض أنواع الجبن، يتم إدخال أنواع معينة من البكتريا إلى الجبن، لتساهم في عملية إنضاجه، وتشمل هذه الأنواع «بري» و«كاميمبير» و«روكفور» و«ستيلتون» و«ليمبرغر».
وتعترف هيئة الألبان الدولية بنحو 500 نوع من الجبن. ولكن بعض المراجع المتخصصة في الجبن تشير إلى وجود أكثر من ألف نوع من الجبن المنتج في أنحاء العالم. وتنقسم الأنواع وفق البلد المنتج، ونوع الألبان، وأسلوب التصنيع، وكمية الدهون. ولكن ليست هناك وسيلة واحدة معتمدة عالميا لتصنيف الجبن.
ويعتمد التصنيف بوجه عام على نسبة الرطوبة في الجبن، التي تنقسم بها الجبن إلى صلبة وطرية. وعلى هذا الأساس، يمكن تقسيم الجبن إلى أربعة أنواع، هي الطرية وشبه الطرية وشبه الصلبة والصلبة. ولكن بعض الأنواع تختلف في نسبة الرطوبة، وفقا لطريقة التصنيع، وطول فترة التخزين.
وبغض النظر عن نوع الجبن، بين الطراوة والصلابة، فهو يتحول إلى السيولة مع الحرارة، حيث تذوب الدهون فوق درجة 55 مئوية. وفي بعض الأنواع الصلبة، مثل بارميسان، يبدأ الذوبان عند 82 درجة مئوية. ويدخل الجبن في كثير من الوجبات التي تعد البيتزا والباستا أشهرها. كما يؤكل الجبن وحده مع الخبز، أو يخلط بمواد غذائية أخرى، مثل الطماطم أو الطحينة.
ولكن الإسراف في تناول الجبن له أيضًا مخاطره الصحية، وأهمها أمراض القلب، بسبب الدهون المشبعة في بعض الأنواع، خصوصا نوع الشيدر البريطاني.
الجبن زينة الموائد.. وفرنسا تنتج نوعًا مختلفًا يوميًا
القريش والحلوم الأشهر عربيًا
الجبن زينة الموائد.. وفرنسا تنتج نوعًا مختلفًا يوميًا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة