مصادر فرنسية لـ «الشرق الأوسط»: روسيا الجهة الضامنة لاستخدام النظام للكيماوي

باريس لا تتوقع تغيرات «جذرية» في المواقف بعد عودة التواصل بين موسكو وأنقرة

مصادر فرنسية لـ «الشرق الأوسط»: روسيا الجهة الضامنة لاستخدام النظام للكيماوي
TT

مصادر فرنسية لـ «الشرق الأوسط»: روسيا الجهة الضامنة لاستخدام النظام للكيماوي

مصادر فرنسية لـ «الشرق الأوسط»: روسيا الجهة الضامنة لاستخدام النظام للكيماوي

فيما أعربت باريس أمس عن «قلقها» حيال المعلومات التي أفادت عن احتمال حصول هجوم بالسلاح الكيماوي في مدينة حلب، أول من أمس، مرجحة أن تكون من فعل قوات النظام السوري، قالت مصادرها إن أمرا كهذا تقع مسؤوليته أيضا على الطرف الروسي الذي هو، منذ ثلاث سنوات: «الجهة الضامنة» لعدم استخدام النظام لهذا النوع من السلاح بعد الدور الذي لعبه عقب الهجوم الكبير الذي استهدف الغوطتين الشرقية والغربية في شهر أغسطس (آب) من العام 2013.
واعتبرت هذه المصادر التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، أمس، أنه «لا يمكن التساهل» بِشأن اللجوء إلى هذا السلاح بعد الالتزامات التي قطعت في الماضي، كما لم يعد بالإمكان «الاكتفاء بمحاسبة النظام لأن للأطراف الأخرى مسؤولية لا يتعين التهرب منها»، في إشارة إلى روسيا التي ما فتئت توفر الحماية للنظام السوري في مجلس الأمن والمحافل الدولية الأخرى.
وأدان بيان صدر أمس عن وزير الخارجية جان مارك أيرولت «كافة العمليات» التي تستهدف المدنيين خصوصا عندما تتم بالسلاح الكيماوي مذكرا بأن منظمة حظر الأسلحة الكيماوية أثبتت في الماضي حصول هجمات ضد المدنيين بغاز الكلور عن طريق استخدام المروحيات التي لا يمتلكها سوى النظام السوري الأمر الذي يشكل «انتهاكا صارخا» للقانون الدولي.
وقال أيرولت إنه سيكون «متيقظا بشكل خاص» لخلاصات التحقيقات التي تقوم بها المنظمة المذكورة والأمم المتحدة التي ستصدر نهاية الشهر الجاري حول الحالات المؤكدة لاستخدام السلاح الكيماوي في العامين 2014 و2015، مضيفا أن المأساة التي يعيشها الشعب السوري منذ أكثر من خمس سنوات والهجمات المشينة التي يتعرض لها، ليست سوى «نتيجة لمواقف النظام وداعميه السيئة» التي أجهضت الحلول السياسية. وشدد الوزير الفرنسي على دعوة بلاده لوقف «فوري» للعمليات العسكرية التي تتيح وحدها العودة سريعا إلى طاولة المفاوضات.
بيد أن الجانب الفرنسي يبدو، وفق مصادره، متشائما من إمكانية العودة إلى طاولة المفاوضات نهاية الشهر الجاري كما يرغب المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا. لذا ترى باريس أنه «من الضروري التحرك على مستوى مجلس الأمن الدولي» في موضوع استخدام السلاح الكيماوي. ورغم أن إدانة النظام السوري لن تكون سهلة بسبب المواقف الروسية المعروفة، فإن أمرا كهذا، بحسب الطرف الفرنسي: «يمكن أن يشكل ورقة ضاغطة» على موسكو لدفعها للالتزام بمواقف أقل تشددا وأقل انحيازا حيال الحرب الدائرة في سوريا. وبأي حال، فإن باريس لا ترى في هدنة الساعات الثلاث التي اقترحتها موسكو يوميا في حلب مخرجا من الأزمة الإنسانية التي تعاني منها مدينة يربو عدد سكانها حاليا على المليون ونصف المليون، بل تعتبر أنه يتعين على «كافة الأطراف» أن تسهل وصول المساعدات الإنسانية دون أي عوائق وهو ما يعني ضرورة أن يترافق مع وقف الأعمال الحربية لتسهيل العودة إلى طاولة المفاوضات.
بموازاة ذلك، وبانتظار أن تظهر عمليا مفاعيل الزيارة التي قام بها الرئيس التركي إردوغان الثلاثاء الماضي إلى روسيا، لا تتوقع المصادر الفرنسية الرسمية «تحولات جذرية أو ذات معنى» في مواقف موسكو وأنقرة من الحرب الدائرة في سوريا «إلا على الهوامش». وبرأي باريس، فإن مواقف الطرفين متباعدة إلى درجة أنه يصعب معها التقريب بينها. من هنا، فإن المرجح أن يعمد الطرفان إلى «تنظيم وإدارة الاختلافات» فيما بينهما والتركيز بالدرجة الأولى على العودة إلى علاقات طبيعية، علما بأن ما يهم الجانب التركي «بالدرجة الأولى» هو الحصول على ضمانات من موسكو بشأن المسألة الكردية وخوف أنقرة من كيان كردي سوري على حدودها الجنوبية الشرقية. أما التصريح الذي صدر أمس عن سفير تركيا في موسكو أوميت يارديم وفيه أن حكومة بلاده «ترغب في أن تشارك القيادة الحالية للبلاد (سوريا) في عملية التفاوض» لا يعكس أي تغير في السياسة التركية، والدليل على ذلك أن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو كرر في حديث تلفزيوني الموقف الرسمي لأنقرة وقوامه أنه لا يمكن إجراء عملية انتقال سياسي في سوريا في ظل وجود الرئيس الأسد.
أما من جهة الجانب الروسي، فإن باريس ما زالت «مقتنعة» بأن موسكو لا تريد بأي شكل من الأشكال وبعكس ما يعتقده الطرف الأميركي التخلي عن حليفها في سوريا لا بل إنها تعتبر أن الوزير لافروف «يناور» وهو يسعى لحصر البحث في الملف السوري بالمحادثات التي يجريها مع نظيره الأميركي جون كيري. وبحسب باريس، فإن لافروف «يعي» هشاشة موقف الوزير الأميركي الذي «يريد تحقيق إنجاز ما في سوريا» قبل نهاية ولاية الرئيس أوباما الثانية وخصوصا أنه يعي أن واشنطن «لن تفعل في سوريا والعراق أكثر مما تفعله الآن»، أي التركيز على محاربة «داعش» و«النصرة» وترك موضوع الأسد إلى مرحلة «لاحقة» لا يعرف أحد متى يحين وقتها.
وتتساءل الأوساط الفرنسية عن الأسباب التي ستجعل موسكو تعطي أنقرة ما لم تعطه لواشنطن خصوصا أن الدبلوماسية الروسية تنظر إلى الملف السوري من زاوية «شمولية»، بمعنى أنها قد تبدي «تساهلا» في سوريا إذا حصلت على مقابل في مكان آخر أي في الملفات التي تضغط عليها أكان ذلك العقوبات الاقتصادية أو العسكرية التي يقوم بها الحلف الأطلسي على حدودها الغربية.
كل هذه العوامل تجعل الملف السوري مرهونا بلعبة معقدة إقليميا ودوليا. لكن ما يجري ميدانيا قد يكون، وفق باريس، الباب الذي قد يأتي منه تعديل المواقف، إذ أثبتت معركة حلب أن الميزان العسكري الميداني عاد ليكون أكثر توازنا، بمعنى أن «حلم» الحسم العسكري قد تلاشى ما قد يدفع الأطراف المتقاتلة إما مباشرة أو بالواسطة، إلى الدخول حقيقة في عملية تفاوضية على الأسس المعروفة والمتعارف عليها.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».