سجلت سوق العقارات التونسية انتعاشة نسبية خلال هذه الفترة التي تشهد ذروة تدفق الآلاف من السياح الأجانب، وعودة الجالية التونسية بالخارج الذين يستثمرون نصيبا هاما من مداخيلهم في العقارات، وشراء الأراضي، وتجهيز المحلات السكنية.
ووفق كثير من مؤشرات المؤسسات الناشطة في هذا المجال، فإن حركة بيع وشراء العقارات تحسنت بالمقارنة مع الأشهر الماضية، إلا أنها بقيت «دون المأمول».
وفي هذا الشأن، قال فهمي شعبان، رئيس الغرفة التونسية للباعثين (المطورين) العقاريين، إن هذه الحركية ليست بالقدر الكافي، وإن الحل على حد تقديره يكمن في التدخل الحكومي العاجل، ودعم الإدارة ومختلف الأطراف للنظر في وضعية سوق العقارات، واتخاذ كثير من الإجراءات لدفعه، وحل مجموعة من الإشكاليات، وتحديد بعض الامتيازات، ومن بينها الإعفاء الجبائي (الضريبي) الكامل بالنسبة للراغبين في اقتناء مساكن، وتوفير الأراضي المهيأة للبناء، بعد أن ضاقت المساحات المخصصة لبناء المساكن، بالإضافة إلى تقديم أسعار مدروسة للعقارات حتى يساهم ذلك في انخفاض كلفة إنجاز المساكن، وترغيب التونسيين وغيرهم في اقتناء المساكن بمختلف أنواعها.
وأشار فهمي إلى أن عدم قدرة السواد الأعظم من التونسيين على توفير نسبة التمويل الذاتي للحصول على مسكن، والمقدرة بنحو 20 في المائة من السعر الإجمالي، تعد من بين الأسباب الرئيسية التي حالت دون التونسيين والإقبال على اقتناء المساكن الجديدة، خصوصا المساكن الفاخرة أو الاقتصادية منها، وأكد أن هذه الأنواع من المساكن لا تجد إقبالا من طرف الراغبين في اقتناء المساكن، وفي أدنى الحالات تشهد بطئا كبيرا في تسويقها، وهو بطء مرتبط بغلاء أسعارها. وفي المقابل، يتزايد الإقبال على المساكن الاجتماعية التي لا تفي أعدادها القليلة بحاجة الطالبين.
وتشير بعض الإحصائيات غير الرسمية إلى أن ثلاث شقق سكنية فاخرة من بين أربع تجد صعوبات في ترويجها، وذلك بالنظر لارتفاع أسعارها المرتبط بارتفاع كلفة البناء وغلاء المواد الأولية المستعملة، إضافة للزيادات الكبرى التي عرفتها أسعار الأراضي، واليد العاملة المختصة وغير المختصة، والمواد المستوردة.
وفي تفسيره لارتفاع كلفة العقارات، قال فهمي شعبان إن تدهور قيمة الدينار التونسي (العملة المحلية)، مقارنة ببقية العملات الأجنبية، خصوصا اليورو والدولار، من بين أهم الأسباب، وتوقع أن ترتفع أسعار العقارات أكثر فأكثر خلال الفترة المقبلة بارتفاع كلفة استيراد المواد الأولية، وهو ما ينعكس آليا على غلاء المساكن أكثر فأكثر.
ويستفيد من قطاع البعث (التطوير) العقاري الحيوي قرابة مليون تونسي، سواء مباشرة من خلال العمل في قطاع البناء، أو من خلال تنشيط بقية القطاعات المتصلة بسوق العقارات. وتفيد الإحصائيات الرسمية لوزارة التجهيز والإسكان في تونس بأن قطاع العقارات يساهم بنسبة لا تقل عن 12.6 في المائة من القيمة المضافة للاقتصاد التونسي، وهذا ما بوأه المراتب الأولى خلال السنوات الأخيرة.
وأكدت إحدى الدراسات المنجزة حول القطاع العقاري أن شقة من بين كل أربع شقق لا تجد من يشتريها، كما أن حجم ديون الشركات العقارية المدرجة بالبورصة التونسية لدى البنوك ارتفع إلى 130 في المائة، مقارنة بقيمة رأسمالها المتداول في السوق المالية.
وتقول الدراسة ذاتها إن القطاع العقاري مقدم على أزمة مستقبلية، نتيجة تراجع المبيعات، وإن ذلك قد يشكل خطرا كبيرا على المصارف الممولة لهذا الصنف من المشاريع، وعلى الاقتصاد المحلي ككل.
ومن المنتظر أن تضيق البنوك الخناق على الباعثين العقاريين في المدة المقبلة، لدفعهم نحو تسديد الأقساط المالية المستحقة، وهو إجراء قد يجبر كثيرا منهم على خفض الأسعار لتوفير السيولة الكافية لتسديد القروض البنكية.
وعلى الرغم من طفرة المساكن في تونس، فإن الإحصائيات الرسمية تشير إلى أن نحو 23 في المائة من التونسيين لا يملكون مساكن، ومن الصعب في ظل الظروف الاقتصادية الحالية حصولهم على مساكن، وذلك على الرغم من إقرار السلطات الرسمية بوجود ما لا يقل عن 426 ألف شقة شاغرة غير مستغلة.
وتشير إحصائيات وزارة التجهيز والإسكان إلى أن سعر المتر المربع من الأراضي في تونس بات يتراوح بين 1200 و3 آلاف دينار تونسي (ما بين 600 و1500 دولار) في المناطق السكنية الراقية أو المطلة على البحر، وهي تنخفض قليلا في بقية المناطق، وتتراوح بين 250 و650 دينارا تونسيا (ما بين 125 دولارا و325 دولارا). وقدرت نسبة الارتفاع على مستوى العقارات السكنية بما لا يقل عن 30 في المائة خلال السنوات الخمس الأخيرة.
وتختلف الأسعار من منطقة إلى أخرى، ففي الأحياء السكنية الراقية، بكل من المنزه والنصر وحدائق قرطاج، ارتفع سعر المتر المربع من الأراضي إلى حدود الألفي دينار تونسي (نحو ألف دولار)، ويصل في بعض النقاط الاستراتيجية إلى حدود 2500 دينار تونسي (نحو 1250 دولارا). وهذه الأسعار متداولة في بعض المدن الساحلية، على غرار بنزرت ونابل والحمامات وسوسة وجربة.
وارتفع عدد المستثمرين في سوق العقارات بشكل لافت بعد ثورة 2011، ويفسر خبراء في المجالين المالي والاقتصادي هذا الواقع الجديد بهروب أصحاب رؤوس الأموال نحو ما يسمى بـ«الاستثمار الآمن» الذي تنخفض فيه نسبة المخاطرة مقارنة بأنشطة اقتصادية أخرى.
كما لمح خبراء آخرون إلى استفادة «بارونات» (محترفي) التهريب في تونس من التجارة الموازية، وحصولهم على أموال ضخمة نتيجة فقدان الدولة لسيطرتها على جوانب اقتصادية كثيرة، واعتبروا الاستثمار في سوق العقارات بمثابة تأمين لتلك الثروات والابتعاد بها عن أعين الرقابة الجبائية.
وسمحت تونس خلال الفترة الماضية للأجانب بحق التملك في تونس، شريطة الحصول على رخصة مسبقة من الوالي (المحافظ) يفرضها القانون. ويقول الناشطون في قطاع العقارات إن هذا الإجراء قد أعاق بدرجة كبرى تسويق الفائض العقاري الموجود في تونس، على اعتبار أن الشقق التي تجد صعوبة في تسويقها تعد شققا فاخرة واقعة في الأحياء الراقية، على غرار الضاحية الشمالية للعاصمة التونسية في قمرت والمرسى وسدي بوسعيد، ويرون أن هذا الصنف من العقارات موجه إلى نوعية معينة من ذوي القدرة الشرائية المرتفعة، وليس في متناول عدد كبير من التونسيين.
إلا أن السلطات التونسية حافظت على شرط الحصول على ترخيص في محاولة للإبقاء على سلطتها ووجودها، في ظل انتقادات عدة تتهم فيها بالتفريط في مجموعة من مؤسسات الدولة إلى الأجانب.
وتسعى تونس إلى إعادة هيكلة دور المتدخلين العموميين في مجال الإسكان، على غرار الشركة العقارية للبلاد التونسية، وشركة تنمية المساكن الاجتماعية، والوكالة العقارية للسكنى، وتمكينهم من هامش تحرك أوسع لتعديل السوق، وإعادة تكوين الرصيد العقاري، لمجابهة الطلب من ناحية، وضمان التوازنات اللازمة بالسوق العقارية من ناحية ثانية.
ثلاثة أرباع الشقق الفاخرة في تونس لا تجد مشترين
انتعاشة طفيفة في سوق العقارات.. والصيف يرفع معدل الطلبات
ثلاثة أرباع الشقق الفاخرة في تونس لا تجد مشترين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة