تحاول تيريزا ماي رئيسة وزراء بريطانية الجديدة جاهدة أن تبعد نفسها عن السياسات المالية والاقتصادية لسابقها ديفيد كاميرون، الذي استقال مباشرة بعد قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. خطوتها الأولى في هذا الاتجاه جاءت في تشكيلة حكومتها، التي أبعدت عنها وزير الخزانة جورج أوزبورن، الساعد الأيمن لكاميرون. ومباشرة بعد تسلمها مهامها الجديدة أرجأت ماي قرار بناء محطة نووية بمساعدة صينية، والتي تمت سابقا بمباركة من كاميرون وأزبورن، إلى فترة الخريف. وكان رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون قد جعل من العلاقات مع الصين أحد المحاور الأساسية لسياسته الاقتصادية.
قرار إرجاء إعلان موقفها النهائي حول بناء المحطة النووية إلى الخريف قد يؤثر على العلاقات مع حكومة تيريزا ماي، التي باتت في أمس الحاجة إلى عقود تجارية تسد فيها الثغرة التي قد تنتج عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
خطوة الإرجاء أثنت عليها بعض الصحف البريطانية بسبب التكاليف الباهظة والخطورة الأمنية في مجال الطاقة، إلا أن ليو شياو مينغ السفير الصيني في لندن هدد في مقال كتبه في صحيفة «الفايننشال تايمز» بأن التراجع عن هذا الاتفاق سيضر العلاقات بين لندن وبكين. ورأت «ذي أوبزرفر» الأسبوعية أن نبأ الإرجاء يشكل «مخالفة للعلاقات الدبلوماسية» لكنه خطوة في «الاتجاه الصحيح» بسبب المخاطر المالية والأمنية.
بريطانيا قالت الأسبوع الماضي إنها تريد تعزيز العلاقات مع الصين، لكنها تقاوم ضغوط بكين للتوقيع على المشروع الذي أجلته في اللحظة الأخيرة رئيسة الوزراء تيريزا ماي.
ونقلت الفايننشال تايمز عن مسؤولين صينيين قولهم إن أي إلغاء لاتفاق «هينكلي» سيؤثر على الأرجح على الاستثمارات الصينية المزمعة في بريطانيا.
وتولي الصين مشروع بناء محطة نووية أهمية بالغة؛ إذ ينظر إليه على أنه يمهد الطريق لمشروع آخر في بريطانيا سيستخدم التكنولوجيا النووية الصينية.
وذكرت الصحيفة في عدد الاثنين أن الصين حذرت بريطانيا من أن العلاقات الثنائية تقف في «منعطف تاريخي حاسم» بشأن تأجيل لندن لمشروع للطاقة النووية بقيمة 18 مليار جنيه إسترليني (23 مليار دولار).
وكتب السفير الصين في الصحيفة قائلا إنه يأمل أن تبقي لندن بابها مفتوحا في وجه الصين، وأن تواصل الحكومة البريطانية دعم المشروع النووي، وأن تتخذ قرارا في أقرب وقت ممكن.
وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2015 استقبلت لندن بحفاوة كبيرة الرئيس الصيني شي جين بينغ في محاولة لجذب استثمارات جديدة في زمن التقشف. ومن الطاقة إلى العقارات والنقل، تبدو احتياجات بريطانيا كبيرة في البنية التحتية وخصوصا في الشمال الذي تريد السلطة المركزية تطويره. وأكد كاميرون حينذاك أن بريطانيا «ستكون أفضل شريك غربي للصين». وذكرت الحكومة البريطانية أن قيمة الاتفاقيات التي وقعت خلال زيارة الدولة هذه، بلغت 40 مليار جنيه إسترليني (47 مليار يورو). وتعهدت بكين حينذاك بأن تمول عبر شركتها الحكومية «شركة الصين العامة للطاقة النووية» ثلث مشروع عملاق لبناء مفاعلين نوويين يعملان بالمياه المضغوطة في موقع هينكلي بوينت جنوب غربي إنجلترا، بقيمة إجمالية تبلغ 18 مليار جنيه. وتنفذ هذا المشروع المجموعة الفرنسية «شركة كهرباء فرنسا».
لكن فور إعلان مجلس إدارة «كهرباء فرنسا» الأسبوع الماضي الموافقة على إطلاق عملية البناء، قالت الحكومة البريطانية إنها تحتاج مزيدا من الوقت «لدراسة أكثر دقة» للمشروع قبل أن تصدر قرارها النهائي مطلع الخريف.
لكن بينما تحتاج المملكة المتحدة التي باتت على طريق خروج من الاتحاد الأوروبي، إلى إقامة تحالفات تجارية متينة خارج الاتحاد، يمكن أن يشكل هذا التأخير ضربة لعلاقاتها مع الصين ثاني قوة اقتصادية في العالم.
وقال البروفسور كيري براون مدير معهد لاو الصيني في جامعة كينغز كوليدج في لندن، في تصريحات أوردتها الوكالة الفرنسية للأنباء أمس، إن الحكومة البريطانية «خلقت مشكلة». وأضاف: «بقدر ما نكون منفتحين على العلاقات التجارية حاليا، بقدر ما كان ذلك أفضل».
وقال كيري براون إن بكين يمكن أن تتفهم «الحذر المبدئي» للحكومة البريطانية الجديدة لكن موقفها يمكن أن يتغير إذا تم التخلي عن المشروع نهائيا. وأضاف: «سيرون في ذلك إشارة إلى أن الحذر عاد من جديد إلى العلاقات بين الصين والمملكة المتحدة، وسيقعون مجددا في فخ غياب الثقة المتبادلة».
وقالت وكالة أنباء الصين الجديدة، إن المهلة الجديدة «تزيد من الغموض» وتضر «بالعصر الذهبي للعلاقات بين الصين والمملكة المتحدة». وحذرت من أنه في هذه الشروط، يمكن أن تكون الاستثمارات الصينية في المستقبل مهددة بالتعليق إلى أن يتم إبرام الاتفاق النووي حسب الأصول.
وفي الجانب البريطاني، يثير مشروع هينكلي بوينت شكوكا كبيرة تتعلق بالتوازن بين النوعية والسعر وتأثيره على البيئة والمخاطر المرتبطة بأمن الطاقة بوجود الصينيين الذين يوظفون بذلك أول استثمار في قطاع على هذه الدرجة من الأهمية الاستراتيجية والحساسية في بلد غربي كبير. وما زالت نوايا ماي التي تولت رئاسة الحكومة في 13 يوليو (تموز) غير واضحة، لكن مدير مكتبها نيك تيموثي عبر في الماضي عن تحفظات على المشروع.
وقال إنه سيكون «من غير المفهوم» أن تقبل المملكة المتحدة بالاستثمارات الصينية نظرا إلى المخاطر في مجال الأمن الصناعي. وأضاف أن الصين ستكون قادرة على إحداث ثغرات في الأنظمة المعلوماتية البريطانية «يمكن أن تسمح لها بوقف إنتاج الطاقة» إذا رغبت في ذلك.
وكتب تيموثي في مدونة العام الماضي أن «أي اتفاق تجاري أو استثماري أيا كانت درجة أهميته، يمكن أن يبرر السماح لدولة معادية بوصول سهل إلى أكثر البنى التحتية حساسية في البلاد».
وردا عل هذه التصريحات، أكدت وكالة أنباء الصين الجديدة الرسمية أول من أمس أن بكين «لا يمكنها القبول» بالاتهامات التي تفيد أن الاستثمار الصيني في المملكة المتحدة يمكن أن يشكل تهديدا للأمن البريطاني، معربة عن استيائها من قرار لندن الذي لم يكن متوقعا حول هذا المشروع الضخم.
وقالت وكالة أنباء الصين الجديدة إن «الصين يمكن أن تنتظر من حكومة بريطانية عاقلة اتخاذ قرارات مسؤولة، لكن لا يمكنها القبول باتهامات غير مناسبة لجديتها وإرادتها بإجراء تعاون يعود بالفائدة على الطرفين».
وبينما تقوم الحكومة البريطانية الجديدة بالتراجع عن إرث كاميرون خصوصا عبر استراتيجية صناعية جديدة تريد تحديدها، يمكن أن تشهد العلاقات الاقتصادية مع الصين تراجعا.
العلاقات بين لندن وبكين تقف في «منعطف تاريخي حاسم»
توقع إلغاء مشاريع باركتها حكومة كاميرون السابقة
العلاقات بين لندن وبكين تقف في «منعطف تاريخي حاسم»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة