تحضيرات مكثفة قبل محادثات بوتين ـ إردوغان حول الملف السوري

موسكو توقفت عن انتقادات توجهها لأنقرة {التي تدعم المعارضة المسلحة}

كوة في غرفة بمستشفى بلدة مليس بريف إدلب شمال سوريا بعد غارة جوية استهدفت المبنى، أول من أمس (رويترز)
كوة في غرفة بمستشفى بلدة مليس بريف إدلب شمال سوريا بعد غارة جوية استهدفت المبنى، أول من أمس (رويترز)
TT

تحضيرات مكثفة قبل محادثات بوتين ـ إردوغان حول الملف السوري

كوة في غرفة بمستشفى بلدة مليس بريف إدلب شمال سوريا بعد غارة جوية استهدفت المبنى، أول من أمس (رويترز)
كوة في غرفة بمستشفى بلدة مليس بريف إدلب شمال سوريا بعد غارة جوية استهدفت المبنى، أول من أمس (رويترز)

تنطلق اليوم الاثنين محادثات تركية - روسية على مستوى نائبي وزراء خارجية البلدين لبحث الملف السوري الذي سيكون حاضرًا ضمن الملفات الرئيسية على جدول أعمال لقاء الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب إردوغان، يوم غد في مدينة بطرسبورغ، حيث تعول روسيا على تغيير في الموقف التركي إزاء الأزمة السورية، لا سيما بعد الوضع المتوتر جدًا حاليًا في مدينة حلب.
ويصل اليوم إلى العاصمة الروسية موسكو، أومين يالجين، نائب وزير الخارجية التركي، الذي سيعقد جولة محادثات مع نظيره الروسي ميخائيل بوغدانوف، يتناولان خلالها بصورة خاصة التعاون في الشأن السوري، والخطوات المشتركة لاستئناف المفاوضات السورية - السورية في جنيف، وفق ما ذكرت وكالات أنباء روسية.
وأشارت مصادر روسية متقاطعة مع مصادر تركية، إلى أن يالجين وبوغدانوف سيعرضان نتائج محادثاتهما على رئيسي البلدين، حيث من المتوقع أن يواصل بوتين وإردوغان بحث القضايا المتعلقة بالتسوية السورية، والسعي للتوصل إلى تفاهمات حول الخطوات التي يمكن أن يقوم بها الجانبان في هذا المجال.
وكان الكرملين حذرًا في توقعاته حيال هذه القمة، إذ اكتفى يوري أوشاكوف، معاون الرئيس الروسي، بالتعبير عن أمله في أن «يصبح تعاطي أنقرة مع مسائل تسوية الأزمة السورية، أكثر إيجابية، وأن يتم التقريب بين موقفي موسكو وأنقرة في هذا المجال». وأكد أوشاكوف أن الرئيسين «سيبحثان في بطرسبورغ الأزمة السورية بالتفصيل»، معربا عن أمله في أن «يحمل الموقف التركي طابعا أكثر إيجابية في هذا السياق». وأشار معاون الرئيس الروسي إلى أن خبراء عسكريين روسا وأتراكا «يعملون بصورة خاصة على الموضوع السوري سيشاركون في محادثات الرئيسين حول سوريا».
من جانبها، استبقت أنقرة محادثات بوتين –إردوغان ووضعت النقاط على الحروف بشأن إمكانية تغيير الموقف التركي من الملف السوري، ووضعت ذلك على لسان إبراهيم قالين المتحدث الصحافي باسم الرئيس التركي، الذي نقلت عنه وكالة رويترز تصريحات قال فيها إن «علاقات تركيا مع روسيا تدخل مرحلة التطبيع. موقفنا من الشأن الأوكراني، وسوريا والقرم لن يتغير، ونحن لسنا متفقين مع روسيا في هذه القضايا، لكننا سنواصل بحثها مع الجانب الروسي». إلا أن وضوح الموقف التركي لم يلغ حقيقة أن البعض في موسكو ما زال يعلق الآمال على تغيير أنقرة لموقفها من الأزمة السورية، ومن هؤلاء المحلل السياسي روستيسلاف إيشينكو، من وكالة «ريا نوفوستي» الحكومية، الذي قال في مقال تحليلي له إن «موسكو ستكون مهتمة بالاستفادة من النفوذ التركي على المتمردين» في إشارة منه إلى فصائل المعارضة السورية: «كي تقنعهم أنقرة بوقف الأعمال القتالية ضد الأسد والاعتراف به رئيسًا شرعيًا لسوريا، وأن يبدأوا عملية الاندماج في المجتمع السوري». كما أن موسكو مهتمة حسب إيشينكو بالمساهمة في «صياغة موقف تركي - سوري مشترك في المسألة الكردية المعقدة جدًا»، معربا عن قناعته بأن «التوصل إلى حل سوري - تركي - كردي وسط لموضوع الأكراد، بوساطة روسية، سيؤدي إلى تعزيز موقف روسيا في الشرق الأوسط ككل».
وفي قراءة مغايرة لتطورات الموقف التركي في الملف السوري بعد التقارب مع موسكو، قال خبير عسكري روسي لـ«الشرق الأوسط»، فضل عدم الكشف عن اسمه، إنه «من غير الصائب ولا المنطقي القول أو الاعتقاد بأن إردوغان سيقلب موقفه جذريًا من الأزمة السورية على ضوء التقارب مع موسكو»، موضحًا أن «العلاقات الروسية - التركية كانت أكثر من جيدة، وحملت طابع شراكة استراتيجية قبل حادثة إسقاط الطائرة الروسية، ولم يؤثر حينها تضارب وجهتي النظر التركية والروسية حول الوضع في سوريا على تلك العلاقات»، مضيفا، أن الأمر الوحيد الذي قد يستجد حسب قول الخبير العسكري الروسي هو «السعي للتعاون بين الجانبين في الشأن السوري وفق أسس مختلفة شكليًا، تتناسب مع الحالة المعنوية الإيجابية لمرحلة التطبيع، حيث ستسعى موسكو وأنقرة على حد سواء لإظهار وإثبات حسن النوايا نحو بعضهما البعض، وفتح صفحة جديدة من التعاون حتى في الملفات الشائكة جدًا، لكن دون تنازل طرف عن موقفه أو مصالحه أمام الآخر»، مرجحًا أن «القيادة الروسية قد تسعى حاليًا للاستفادة من علاقات أنقرة مع قوى المعارضة السورية لتفعيل جهود التسوية السياسية، في ظل عدم وضوح وعجز أميركيين في هذا المجال»، حسب قول الخبير العسكري الروسي الذي ختم منوهًا إلى أن «الأولوية خلال محادثات بوتين إردوغان ستكون بكل الأحوال، لاستعادة علاقات التعاون التجاري الاقتصادي بين البلدين، وسيستمر التطبيع بذات الزخم حتى لو بقيت خلافات في الشأن السوري، أو حول ملفات سياسية أخرى».
في غضون ذلك، وعلى الرغم من النتائج الكبرى التي حققتها فصائل المعارضة السورية في حلب، يبدو لافتا الغياب التام، خلال الأيام الأخيرة، للاتهامات التي جرت العادة أن توجهها موسكو لأنقرة عبر تصريحات المسؤولين الروس والإعلام الرسمي وتحميلها مسؤولية التطورات، لأنها «تسمح بوصول الدعم عبر حدودها للمجموعات المسلحة في شمال سوريا». ويرى مراقبون في هذا الأمر مؤشرا على سعي موسكو للحفاظ على الأجواء الإيجابية حاليا بين البلدين، والالتزام ببحث مسائل كهذه في إطار العلاقات الثنائية، وبهدوء، بعيدا عن الإعلام وتبادل الاتهامات، أي مثلما كان عليه الأمر قبل أشهر القطيعة بين البلدين.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».