توالت الصدمات واحدة تلو الأخرى، حيث أقدم تنظيم داعش على قتل مدنيين في بروكسل ونيس، وبعد ذلك وقعت مجموعة من الأعمال الإرهابية في ألمانيا، ووقع حادث ذبح إرهابي في مدينة فرنسية صغيرة. وهناك مخاوف كبيرة من أنه ربما لا يزال هناك المزيد من الهجمات في الطريق.
وأثارت موجة الأعمال الإرهابية التي عصفت بأوروبا التساؤلات حول ما إذا كان هذا التهديد الجديد للاستقرار قد أصبح جزءًا من الواقع الأوروبي. والواضح أن القادة السياسيين الأوروبيين يواجهون تحديات سياسية كبرى، وقد تخلف تأثيرا هائلاً على المشهد الاقتصادي.
وفي هذا الصدد، قال جورجيز بانايوتيز، رئيس «إم كيه جي غروب»، شركة الاستشارات بمجال السياحة التي مقرها باريس: «نعاين تغييرًا هيكليًا، وظاهرة جديدة تتمثل في حرب تدور على أعتاب أبوابنا لم تكن موجودة من قبل. وحال عدم تسوية الأمر، ستستمر المشكلة». وقد جاءت تأثيرات هذا التحول في مجال النشاط التجاري عميقة.
فعلى سبيل المثال، في مونت سانت ميشيل دير ضخم ينتمي للعصور الوسطى، ويعد واحدًا من أبرز المزارات السياحية بفرنسا، تراجعت نشاطات «سودوتور غروب»، المالكة لسلسلة من الفنادق والمطاعم المحلية، بنسبة وصلت إلى 70 في المائة خلال الشهور التي أعقبت هجمات 13 نوفمبر (تشرين الثاني) الإرهابية في باريس. ولم تفلح حتى الآن جهود استعادة عافيتها التجارية.
وقد ألغى زوار أميركيون ويابانيون على وجه التحديد حجوزاتهم، رغم أن هذا الموقع موجود على صخرة معزولة بالساحل الشمالي الغربي لنورماندي، بعيدًا للغاية عن باريس. واعترف غيلز غوير، الرئيس التنفيذي للمؤسسة، بأنه اضطر لتوجيه قرابة ثلث العاملين بالمؤسسة، البالغ عددهم 230 موظفًا، إلى الحصول على عطلة لمدة 4 شهور، وإغلاق نصف الفنادق الخمسة والمطاعم الأربعة المملوكة للمؤسسة بصورة مؤقتة.
كان النشاط التجاري قد بدأ ينتعش لتوه عندما وقعت مذبحة يوم الباستيل في نيس. وعليه، قفزت إلغاءات الحجوزات إلى 20 في المائة، ومن المتوقع أن يكون هناك مزيد من الارتفاع في نسبة الإلغاءات بعد قتل قس قرب روان، هذا الأسبوع.
وقد تسبب ذلك في أزمة كبيرة لواحد من أكثر قطاعات الاقتصاد الأوروبي حيوية (السياحة)، في وقت كان الاقتصاد قد بدأ لتوه يستعيد عافيته ببطء. فهذا العام، تراجع النمو في الدول الـ19 المعتمدة على اليورو إلى مستويات لم تشهدها من قبل منذ الأزمة المالية عام 2008.
ومن جانبه، أعلن الاتحاد الأوروبي، الجمعة، أن الزخم تباطأ خلال الربع الثاني من العام، حيث تقدم الاقتصاد بمعدل 0.3 في المائة فقط، خلال الفترة بين أبريل (نيسان) ويونيو (حزيران)، بتراجع عن 0.6 في المائة خلال الربع السابق. أما فرنسا، فقد سقطت مجددًا في حالة من الجمود، مع استقرار معدل النمو عند الصفر، على امتداد الشهور الثلاثة وصولاً إلى يونيو.
والملاحظ أن حالة الشك والتوتر تفاقمت خلال الشهور الأخيرة، مع ازدياد وتيرة الهجمات وانتشار نطاقها. ورغم أن المستثمرين لم ينسحبوا، فإن الزائرين يعيدون التفكير بخصوص أوروبا كمقصد سياحي مركزي، وبدأت صناعة السياحة تشعر بالأزمة. يذكر أن 10 في المائة من النشاط الاقتصادي لصناعة السياحة يجري داخل الاتحاد الأوروبي.
وفي تلك الأثناء، تنفق الحكومات الأوروبية مئات المليارات على تعزيز الأمن الداخلي والعمليات ضد تنظيم داعش، حتى في الوقت الذي تضغط فيه بروكسل على أعضاء الاتحاد الأوروبي لتقليص العجز بالميزانيات الوطنية.
جدير بالذكر أن فرنسا، ثالث أكبر اقتصادات الاتحاد الأوروبي بعد بريطانيا وألمانيا، كانت تناضل بالفعل للخروج من فترة طويلة من الجمود، وارتفاع معدلات البطالة. ومن المعروف أن فرنسا أكثر دولة تستقبل زائرين في أوروبا، حيث اجتذبت العام الماضي أكثر من 84 مليون سائح، وتوقع اقتصاديون أن تستعيد عافيتها الاقتصادية عام 2016، إلا أنه في أعقاب هجمات 13 نوفمبر الإرهابية، تراجعت وتيرة الزخم الاقتصادي، ولم تبدأ حركة السياحة الوافدة إلى البلاد في التعافي سوى أخيرا.
ومع هذا، فإنه لدى وقوع مزيد من الهجمات بإيعاز من «داعش» في أوروبا، جاء التأثير مضاعفًا.
ففي فرنسا، تراجع النمو في حجز غرف الفنادق لفترة الليل بعد هجمات باريس من 20 في المائة إلى رقم من عدد واحد. وبعد هجمات بروكسل، أصبحت الحجوزات بالسالب، وبعد هجمات نيس، تراجعت الحجوزات بنسبة ضخمة، حسبما أوضح مارك أوكرستروم، المسؤول المالي لدى «إكسبيديا»، وهو موقع عالمي معني بالسفر.
وفي باريس ونيس، ظلت الشقق المعروضة للإيجار فارغة بعد إلغاء كثيرين زياراتهم لفرنسا، حسبما قالت أدريان ليدز، رئيسة «أدريان ليدز غروب»، الوكالة العقارية الفرنسية التي تملك عقارات بالمدينتين. كما أن العملاء الذين كانوا يفكرون في الانتقال إلى فرنسا جمدوا جهود بحثهم عن عقار مناسب.
وقد علقت ليدز على الأمر بقولها: «لقد تأثرت الأوضاع بشدة، لكن الناس سيعودون عندما تستقر الأحوال».
يذكر أن وزراء المالية من أكبر 20 اقتصاد على مستوى العالم، خلال اجتماعهم في الصين، الأسبوع الماضي، قد أشاروا إلى الصراعات الجيوسياسية والإرهاب باعتبارهما من التهديدات المتنامية في مواجهة الاقتصاد العالمي.
ومن ناحيته، قال وزير المالية الفرنسي ميشيل سابان: «لقد عرف العالم بالفعل الهجمات الإرهابية، لكن وتيرة وقوع هذه الهجمات اليوم تخلق وضعًا جديدًا تغلب عليه الشكوك»، مما يخلف وراءه تداعيات اقتصادية.
ومن ناحية أخرى، اعترفت الحكومة الألمانية، الأسبوع الماضي، بأن البلاد تحولت إلى هدف لـ«داعش»، بعد سلسلة من الهجمات استهدفت مدنيين في قطار ومركز تسوق تجاري وحفل موسيقي. وتطرح شركات السفر تساؤلات حول ما إذا كان اقتصاد أوروبا الأكبر لا يزال آمنًا، ويعتقد خبراء اقتصاديون أن الإنفاق الاستهلاكي ومعدل النمو قد يتراجعان حال شروع المستهلكين في تقليل معدلات الخروج والتنزه.
ومن الممكن أن يدفع ذلك كله الزائرين بعيدًا عن اقتصادات أوروبا الكبرى باتجاه المناطق الأكثر هدوءًا، مثل إسبانيا واليونان والدول الإسكندنافية. ومع هذا، فإن ذلك ربما لا يوقف الأضرار التي تلحقها المخاوف المتعلقة بالإرهاب بالصناعات التي تجعل السفر أمرًا ممكنًا. فعلى سبيل المثال، قلصت شركة الخطوط الجوية الفرنسية «إير فرانس - كيه إل إم» و«لوفتهانزا» الألمانية توقعات أرباحهما بدرجة كبيرة لهذا العام، وبررتا ذلك بالهجمات الإرهابية المتكررة في أوروبا، مما يشكل رادعًا أمام السياح والمسؤولين التجاريين يحول دون تنقلهم.
وفي الإطار ذاته، تسببت الهجمات في أضرار لصناعة الرفاه، التي تعتمد بشدة على السائحين الأجانب، خصوصا من آسيا، فيما يتعلق بالمبيعات الأوروبية. وأعلنت أسماء تجارية كبرى بمجال الموضة، مثل «لوي فيتون» و«برادا»، عن انخفاض شديد في مبيعاتها، مع تجنب السائحين الذين ينفقون بكثرة السفر لأوروبا.
* خدمة «نيويورك تايمز»
صدمة الإرهاب تدخل سياحة أوروبا «غرفة الإنعاش»
مقتل مدنيين في بروكسل ونيس ثم عمليات إرهابية في ألمانيا.. ومخاوف من هجمات في الطريق
صدمة الإرهاب تدخل سياحة أوروبا «غرفة الإنعاش»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة