النظام يوسّط العشائر لاستدراج حلب إلى «مصالحة»

موسكو تتحدث عن انضمام 259 بلدة إلى «التهدئة» .. والمعارضة: نموذج الغوطة لن يتكرر

عنصر من الدفاع المدني قرب بلدوزر لإزالة الأنقاض التي تسببت بها غارات طيران الأسد على حي المشهد بمدينة حلب أول من أمس (أ.ف.ب)
عنصر من الدفاع المدني قرب بلدوزر لإزالة الأنقاض التي تسببت بها غارات طيران الأسد على حي المشهد بمدينة حلب أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

النظام يوسّط العشائر لاستدراج حلب إلى «مصالحة»

عنصر من الدفاع المدني قرب بلدوزر لإزالة الأنقاض التي تسببت بها غارات طيران الأسد على حي المشهد بمدينة حلب أول من أمس (أ.ف.ب)
عنصر من الدفاع المدني قرب بلدوزر لإزالة الأنقاض التي تسببت بها غارات طيران الأسد على حي المشهد بمدينة حلب أول من أمس (أ.ف.ب)

نفت مصادر المعارضة السورية أمس، ما أشيع عن مساعٍ طرحها النظام السوري لتطبيق نظام التهدئة في حلب، تمهيدًا لعقد مصالحات تشبه ما توصل إليه مع المعارضة في بلدات جنوب دمشق قبل ثلاثة أعوام، مؤكدة أن المعارك في حلب مستمرة، و«لم يصل السكان المحاصرون إلى مرحلة تبرر لهم التنازل لعقد تسويات»، مشددة على أن «الحل الوحيد الذي يعول عليه، هو الحسم العسكري».
وتلتقي تلك المعلومات مع إشاعة الروس لجو تفاؤلي، عبر الإعلان عن انضمام 41 قرية وبلدة جديدة في سوريا إلى نظام التهدئة المعمول به، وهو ما رأت فيه المعارضة «مناورة» و«إعلانا يجافي الوقائع»، بالنظر إلى أن «العمليات الحربية متواصلة في مناطق الاشتباك، بينما يسود الهدوء في المناطق التي سيطر عليها النظام أخيرًا».
وينسحب الجو التفاؤلي على مدينة حلب التي خضعت للحصار منذ أسبوعين، إثر سيطرة قوات النظام وحلفائها على طريق الكاستيلو، واستمراره في خطة توسع عسكري بشكل عرضي على أطراف مداخل أحياء حلب الشرقية الخاضعة لسيطرة المعارضة، بدءًا من معامل الشقيّف شرقا، وصولاً إلى الليرمون غربا، مرورًا بمزارع الملاح وحندرات، وتمتد إلى العمق شمالاً لفصل الريف الشمالي والغربي عن المدينة.
وقالت مصادر واسعة الاطلاع لـ«الشرق الأوسط» إن الروس «يضغطون للبدء بنظام التهدئة في حلب، بهدف التوصل إلى مصالحات على طريقة المصالحات التي عقدت في جنوب دمشق في الأعوام الماضية».
وقالت المصادر إن العملية «تجري عبر فعاليات حلبية، تتوسط بين النظام وفصائل المعارضة في حلب»، مشيرة إلى أن تلك المنطقة «تتمتع بامتداد عشائري ينقسم بولاءاته بين النظام والمعارضة»، وعليه «يحاول النظام استقطاب شيوخ العشائر، واستخدامهم للضغط على فصائل المعارضة».
وتزامنت تلك المعلومات مع ما أعلنه النظام، إذ أصدرت القيادة العامة للجيش فيه بيانًا قالت فيه: «حرصًا على حقن الدماء نمنح كل من يحمل السلاح في أحياء حلب الشرقية فرصة حقيقية لتسوية وضعه من خلال تسليم سلاحه والبقاء في حلب لمن يرغب أو تسليم سلاحه ومغادرة المدينة».
لكن المعارضة، ترفض بالمطلق تلك الخطة، إذ أكد مصدر قيادي في حلب لـ«الشرق الأوسط» أن الخطة «تهدف لشق الجبهات وصفوف المعارضة وهي مرفوضة بالمطلق». ويلتقي قوله مع تأكيد نائب رئيس محافظة حلب حرة منذر سلال، الذي رأى أن إشاعة جو مشابه «هو مناورة من النظام وبث رسائل، وهو ما ترفضه المعارضة بالمطلق».
وقال سلال لـ«الشرق الأوسط»، إن تلك التقديرات «مبالغ فيها»، لافتًا إلى أن الأمم المتحدة طالبت بالتهدئة «لأن الوضع الإنساني ينذر بسوء». لكنه أكد أن المعارضة «لا يمكن أن تقبل بما يحاول النظام فرضه، ومن المستحيل تطبيقه في الظروف الحالية بالنظر إلى أن المحاصرين في المدينة لم يصلوا إلى مرحلة اليأس والجوع، وهم من الملتزمين بالثورة، ولا تزال المعارك مستمرة كونهم يعولون على الحل العسكري فقط لفك الحصار».
وأشار سلال إلى أن فعاليات مدينة حلب «خرجت بمظاهرات تطالب بفك الحصار وتوحيد الفصائل العسكرية، وهي مطالب لا تدل على أي تنازل أو تساهل أو تهاون في قضية حلب».
ويبدو أن دعوات فعاليات حلب، لاقت آذانًا صاغية، إذ بادرت الفصائل العسكرية أمس إلى توحيد صفوفها تحت مسمى «دولة الشام المبارك»، بسبب «خطورة الوضع في حلب».
وقال القيادي في «حركة أحرار الشام» محمد الشامي لـ«الشرق الأوسط»، إن الفصائل المنضوية تحت لواء «دولة الشام المبارك» هي فصائل «جيش الفتح» و«جبهة النصرة» (التي ستطلق على نفسها اسم فتح الشام) وجيش الإسلام في حلب وإدلب، وفصائل مدينة حلب، مشيرًا إلى أن هذا التوحد «اتخذ القرار فيه أمس، ومن المتوقع أن يصدر بيان عنه قريبًا، تحضيرًا للمعركة الكبرى».
وقال الشامي: «مسلسل حمص وبلدات جنوب دمشق، لن يتكرر في حلب»، في إشارة إلى خطة المصالحات التي عقدت مع النظام»، مشددًا على أن «الحل هو بالعمل العسكري لحسم المعركة، وستكون المصالحات بعد سقوط النظام». ولفت إلى أن الفصائل العسكرية، وأبرزها «النصرة»، بدأت بدفع تعزيزات من إدلب باتجاه حلب «تمهيدًا لإطلاق ساعة الصفر».
وعلى خط الجو التفاؤلي نفسه، تحدثت موسكو أمس عن انضمام نحو 259 مدينة وبلدة وقرية لنظام التهدئة في سوريا، وهو ما أثار ردود أفعال اعتبرت أن هذه المعلومات «غير واقعية».
وقال مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط» إن المناطق التي أعلن الروس عن انضمامها لنظام التهدئة «هي مناطق شهدت مصالحات في وقت سابق، أو مناطق سيطر عليها النظام أخيرًا»، مشيرًا إلى أن القرى الـ17 في اللاذقية التي تحدث عنها المركز الروسي لتنسيق التهدئة في سوريا المعروف باسم «مركز قاعدة حميميم»: «هي مناطق خاضعة لسيطرة النظام، بينما تشهد المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة معارك مستمرة»، مضيفًا: «جميع مناطق الاشتباك في سوريا، باستثناء بعض مناطق ريف دمشق، لا تخضع للهدن». وأوضح أن المعارك «لا تزال مستمرة في ريف حمص الشمالي وريف حماه الغربي والشرقي، وريف اللاذقية، وهو ما يدحض ما قاله الروس».
وأعلن المركز الروسي لتنسيق التهدئة في سوريا عن اتساع نطاقها بشكل ملحوظ خلال الساعات الـ24 الأخيرة. وأفاد المركز الكائن في قاعدة «حميميم» الجوية قرب اللاذقية، في بيان أصدره بأن «هذا التطور الإيجابي حصل بعد أن ارتفع عدد المدن والبلدات والقرى المنضمة إلى نظام وقف الأعمال القتالية إلى 259. وذلك عقب الاتفاق مع أهالي 41 بلدة وقرية في محافظات اللاذقية (17)، والسويداء (15)، وحماه (7)، وحمص (2) بهذا الصدد».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».