أكدت دراسة حديثة لصندوق النقد العربي أن الفترة التي تلت الأزمة المالية العالمية شهدت نموًا ملحوظًا لنشاط الصيرفة الإسلامية، حيث قُدر إجمالي أصول المصارف الإسلامية على مستوى العالم بنحو 1.5 تريليون دولار، بمعدل نمو مركب يقرب من 17 في المائة خلال تلك الفترة، بما يعكس اهتمامًا عالميًا واسع النطاق بفرص التمويل المصرفي الإسلامي.
وأوضحت الدراسة التي أعدها الصندوق حول «انعكاسات تنامي صناعة الصيرفة الإسلامية على إدارة السياسة النقدية في الدول العربية»، أن نطاق انتشار نشاط هذه الصناعة لم يقتصر فقط على الدول الإسلامية، وإنما اتسع أيضًا ليشمل عددًا من الدول الأخرى، خاصة تلك التي تمثل مراكز مرموقة للأنشطة المالية العالمية، ومن بينها على سبيل المثال المملكة المتحدة.
وأشارت الدراسة إلى أن المصارف الإسلامية أصبحت تحوز على جزءٍ لا يستهان به من مستويات السيولة في عدد من دول العالم، مما يتطلب من المصارف المركزية استمرار مواكبة هذا التطور السريع والمتلاحق وتطوير أدوات السياسة النقدية بما يتلاءم مع تنامي أنشطة هذه الصناعة. موضحة أنه «في حين تتوفر الأدوات المعروفة للسياسة النقدية، مثل آليات السوق المفتوحة وآليات مقرض الملاذ الأخير والنوافذ التمويلية المختلفة للمصارف المركزية لمواجهة النقص في السيولة أو استثمار فائض السيولة، فإن الأدوات المتوافقة لعمل المصارف الإسلامية تتطلب مزيدًا من التطوير.. فغالبية الأدوات النقدية التقليدية التي تستخدمها المصارف المركزية لإدارة السياسة النقدية متوافقة مع آليات عمل المصارف التقليدية، لكونها تقوم بالأساس على استخدام سعر الفائدة لنقل توجهات السياسة النقدية للسوق المصرفية».
وأشارت الدراسة التي أعدها الصندوق في إطار جهوده التي يبذلها على صعيد الأنشطة البحثية لدعم متخذي القرار في البلدان العربية، إلى أن «هذا الأمر يثير تحديًا ذا بعدين، حيث يحد من قدرة المصارف المركزية على تمرير توجهات السياسة النقدية لكامل الجهاز المصرفي من جهة، لا سيما في الدول التي تشهد تواجدًا ملحوظًا للمصارف الإسلامية، كما أنه يحد من جهة أخرى من قدرة المصارف الإسلامية على إدارة السيولة، وهو ما يؤثر بشكل كبير على مستويات كفاءتها وربحيتها، حيث تعتبر تحديات إدارة السيولة من أهم التحديات التي تواجه هذه الصناعة نظرًا لمحدودية توفر أوراق مالية عالية الجودة والسيولة متوافقة مع الشريعة الإسلامية يمكن للمصارف الإسلامية التعامل بها»، موضحا أنه «لمواجهة هذا التحدي، اتجهت السلطات النقدية في عدد من الدول التي انتشرت بها صناعة الصيرفة الإسلامية إلى تطوير أدوات لإدارة السياسة النقدية تتلاءم مع الشريعة الإسلامية».
كما نوهت الدراسة إلى أن قطاع المصارف الإسلامية يعتبر في عدد من الدول العربية ذا أهمية نظامية سواء على المستوى المحلي أو العالمي، بما يجعل أنشطة مؤسساته تؤثر بشكل كبير على نشاط القطاع المصرفي في هذه الدول، لا سيما دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. ووفقًا لتصنيف مجلس الخدمات المالية الإسلامية، تعد المصارف الإسلامية ذات أهمية نظامية في ست دول عربية، وهي: السودان والسعودية والكويت واليمن وقطر والإمارات، حيث تشكل حصة المصارف الإسلامية في هذه الدول ما لا يقل عن 15 في المائة من مجمل الأصول المصرفية.
ويأتي السودان –الذي يتبنى نظامًا مصرفيًا إسلاميًا شاملاً - على رأس هذه الدول، بأهمية نسبية لأصول الصيرفة الإسلامية تبلغ 100 في المائة، يليه السعودية التي تشكل أصول المصارف الإسلامية بها نحو 51 في المائة من إجمالي الأصول المصرفية في المملكة، فيما تسيطر أكبر مؤسسة مصرفية إسلامية بها على نسبة 15 في المائة من مجمل حجم السوق المصرفية. ويليها الكويت بحصة 38 في المائة، واليمن 27 في المائة، وقطر 25 في المائة، والإمارات 18.6 في المائة. كذلك تقترب دولتان عربيتان من أن تصبح مصارفهما الإسلامية ذات أهمية نظامية في الأجل المتوسط، وهما البحرين والأردن.
من جانب آخر، تعد صناعة الصيرفة الإسلامية في كل من السعودية والإمارات ذات أهمية نظامية عالمية، حيث تمثل أصول المصارف الإسلامية بهما نحو 19 و7 في المائة، على التوالي، من أصول الصناعة على مستوى العالم.
وأوضحت الدراسة أنه في ظل التطور الكبير في أنشطة الصيرفة الإسلامية، لجأت المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية إلى تطوير بعض أدوات السياسة النقدية لضمان التحكم في سيولة الجهاز المصرفي ككل ونفاذ كامل وحداته إلى تسهيلات المصارف المركزية، لا سيما آليات مقرض الملاذ الأخير للحفاظ على الاستقرار المالي.
وفي هذا الإطار، قام بعضها بتطوير آليات مثيلة لشهادات الإيداع التقليدية استنادًا إلى عقود المرابحة، وتسهيلات أخرى للإقراض بضمان صكوك الإجارة. كما سعى بعضها إلى تطوير عمليات السوق المفتوحة من خلال تداول أوراق مالية متوافقة مع الشريعة الإسلامية.. إلا أن الأمر لا يزال يستوجب المزيد من الدراسة والتعمق والفهم من قبل المصارف المركزية لطبيعة النشاط في المصارف الإسلامية، بما يضمن بشكل دائم تطوير أدوات نقدية متسقة مع الشريعة الإسلامية ومتوافقة مع نشاط المصارف الإسلامية في كل دولة.
وخلصت الدراسة إلى بعض التوصيات التي من شأنها دعم صناعة الصيرفة الإسلامية في الدول العربية وتعزيز قدرة المصارف المركزية على إدارة السياسة النقدية، لا سيما في البلدان العربية التي تشهد تناميًا ملحوظًا لنشاط الصيرفة الإسلامية، ومن بين هذه التوصيات:
- تقوية الأطر الرقابية الحاكمة لإصدار الأدوات المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، من خلال تأسيس مجالس موحدة للرقابة الشرعية معنية بتنظيم تعاملات المصارف الإسلامية وإقرار أدوات السياسة النقدية الملائمة.
- المساهمة في - والاستفادة من - الجهود الدولية التي تستهدف تحقيق قدر أكبر من التقارب والتنسيق ما بين كافة الجهات الرقابية المهتمة بوضع المعايير التي تنظم العمل المصرفي الإسلامي.
- الاهتمام ببناء الكوادر البشرية العاملة في مجال الصيرفة الإسلامية في الدول العربية، ودعم الكوادر البشرية العاملة في المصارف المركزية بما يساعد على التطوير المستمر لأدوات السياسة النقدية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية.
- العمل على تطوير محفظة ملائمة من الأوراق المالية الحكومية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية عالية السيولة، بآجال مختلفة وجداول إصدار منتظمة، بما يساعد المصارف المركزية العربية على تطوير أدوات السياسة النقدية، ويُمكن المصارف الإسلامية من إدارة حساباتها المصرفية بكفاءة ومن الوفاء بمعايير السيولة في إطار متطلبات «بازل 3».
- تشجيع إنشاء أسواق لتعاملات ما بين المصارف الإسلامية (إنتربنك إسلامي)، خاصة في الدول العربية التي يتواجد فيها عدد لا بأس به من المصارف الإسلامية التي تستأثر بحجم مهم من السيولة المصرفية، وتنشيط أسواق التداول الثانوية للأوراق المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية.
- ربط برامج إصدار الأوراق المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية في الدول العربية بالخطط الحكومية لتمويل المشروعات، لا سيما في البلدان التي تعاني من وجود فجوات تمويلية ضخمة.
- تطوير التشريعات المصرفية بما يراعي متطلبات المصارف الإسلامية، وفي بعض الأحيان - وإن لزم الأمر - دراسة وجود أطر تشريعية ورقابية منفصلة تنظم عمل المصارف الإسلامية بما يوفر فرصا لدعم نمو وتطور أنشطة هذه الصناعة بالشكل المأمول.
صندوق النقد العربي: الصيرفة الإسلامية نشطت بشدة عقب الأزمة المالية العالمية
إجمالي أصول المصارف الإسلامية على مستوى العالم قدر بنحو 1.5 تريليون دولار
صندوق النقد العربي: الصيرفة الإسلامية نشطت بشدة عقب الأزمة المالية العالمية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة