بوادر صراع شيعي ـ شيعي في البرلمان العراقي بعد قبول استقالات 5 وزراء

الأكراد متمسكون بالبقاء والسنة يرفضون الاستقالة.. وقيادي في التيار الصدري يهدد بإسقاطهم

عناصر من ميليشيات الحشد الشعبي يستعرضون قوتهم في بغداد الأسبوع الماضي (أ.ب).. وفي الإطار رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في مؤتمر صحافي سابق له في أربيل (رويترز)
عناصر من ميليشيات الحشد الشعبي يستعرضون قوتهم في بغداد الأسبوع الماضي (أ.ب).. وفي الإطار رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في مؤتمر صحافي سابق له في أربيل (رويترز)
TT

بوادر صراع شيعي ـ شيعي في البرلمان العراقي بعد قبول استقالات 5 وزراء

عناصر من ميليشيات الحشد الشعبي يستعرضون قوتهم في بغداد الأسبوع الماضي (أ.ب).. وفي الإطار رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في مؤتمر صحافي سابق له في أربيل (رويترز)
عناصر من ميليشيات الحشد الشعبي يستعرضون قوتهم في بغداد الأسبوع الماضي (أ.ب).. وفي الإطار رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في مؤتمر صحافي سابق له في أربيل (رويترز)

فتحت استقالة وزير الداخلية محمد سالم الغبان المفاجئة وقبولها في اليوم نفسه من قبل رئيس الوزراء حيدر العبادي باب المجهول أمام العملية السياسية في العراق. ففي الوقت الذي بقي فيه العبادي يرفض على مدى شهور قبول استقالة وزراء التحالف الوطني (الكتلة الشيعية الأكبر في البرلمان) وفي مقدمتهم وزير النفط عادل عبد المهدي بالإضافة إلى وزير آخر من المجلس الأعلى وهو باقر الزبيدي وزير النقل، ووزراء التيار الصدري الثلاثة، الصناعة والإعمار والإسكان والموارد المائية، الذين أجبرهم زعيم التيار الصدري على الاستقالة فإن قبوله استقالة الغبان بدا وكأنه سيفجر صراعا شيعيا - شيعيا لكن هذه المرة ليس على مستوى الشارع بل على مستوى البرلمان والحكومة وتحديدا بين حزبي بدر والدعوة وبالتحديد بين هادي العامري زعيم بدر وحيدر العبادي رئيس الوزراء.
العبادي حاول تلافي تسرعه في قبول استقالة الغبان الذي ينتمي إلى كتلة بدر بعد مجزرة الكرادة التي راح ضحيتها المئات بإقدامه على إعفاء قائد عمليات بغداد الفريق الركن عبد الأمير الشمري (طبقا لمصادر خاصة سيتم تكليفه بمنصب المفتش العسكري العام) بالإضافة إلى مسؤولين كبار في الاستخبارات في مسعى لترضية بدر الساخطة على ما حصل جراء إعفاء وزيرها فإن ما حصل لم يكن كافيا الأمر الذي حدا بالعبادي إلى قبول استقالة الوزراء الشيعة الخمسة دفعة واحدة باستثناء وزير التعليم العالي حسين الشهرستاني الذي يتزعم كتلة «مستقلون» داخل ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وينتمي إليه العبادي.
وبينما بدا عدم قبول رئيس الوزراء استقالة الشهرستاني «محاولة لإرضائه لحاجة العبادي إليه في إطار منطق التوازنات داخل دولة القانون نظرا لما يعانيه من تفكك داخلي وتماسك ظاهري»، طبقا لما أعلنه لـ«الشرق الأوسط» قيادي بارز في أحد مكونات التحالف الوطني الذي أضاف أن «العبادي يريد أن يكون له سند داخل ائتلافه الذي لا يزال يهيمن عليه المالكي بينما يملك الشهرستاني كتلة كبيرة داخل دولة القانون وبالتالي هو يسعى للاحتفاظ بالشهرستاني لأغراض هذا التوازن، كما أنه يحاول استمالة الجعفري لصالحه برغم عدم التوافق بينهما داخل الكابينة الحكومية لأن الجعفري لا يزال ينظر إلى نفسه على أنه أكبر من العبادي من خلال رئاسته للتحالف الوطني وحرصه على حضور العبادي بوصفه مرؤوسا خلال الاجتماعات رغم التصدع الذي أصاب هذا التحالف الذي لم يجتمع منذ شهور».
من جانبه فإن الشهرستاني تقدم ثانية بكتاب استقالته إلى العبادي بعد يومين من قبول العبادي استقالة زملائه وزراء التحالف الوطني في محاولة منه لجس نبض العبادي هذه المرة. غير أن العبادي سرعان ما وافق هذه المرة على هذه الاستقالة.
زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي يطلق على نفسه راعي الإصلاح والذي دافع بوضوح عن اقتحام الجماهير الغاضبة مرتين المنطقة الخضراء واحتلال البرلمان في المرة الأولى (في الثلاثين من أبريل/نيسان 2016) والأمانة العامة لمجلس الوزراء في المرة الثانية (في العشرين من مايو (أيار) 2016) عبر عن رضاه لهذه العملية، عادا «إياها بأنها أولى ثمار الإصلاح». وطالب الصدر في بيان له الكتل السياسية بعدم «الضغط على العبادي بالمجيء ببديل أسوأ بل السعي الحثيث لاختيار وزراء تكنوقراط مستقلين يعملون لصالح العراق وليس لصالح الحزب». كما دعا الصدر إلى «محاسبة الفاسدين من الوزراء المستقلين وعدم نجاتهم من العقاب». ودعا الصدر باقي الوزراء سواء من بقي منهم من كتلة التحالف الوطني أو الكتلتين الكردية والسنية على أن يشمل ذلك المناصب الأخرى حيث تعاني الدولة من ترهل على هذا الصعيد عبر التعيينات بالوكالة التي لا تزال تشمل الهيئات المستقلة (22 هيئة) ووكالات الوزارات ورؤساء الجامعات وقادة الفرق والعمليات في الجيش.
وبالعودة إلى القيادي البارز في أحد مكونات التحالف الوطني وفي سياق تعليقه على هذه الاستقالات وقبول العبادي لها وما إذا كان ذلك يعني أن العبادي بدأ يتصرف من موقع قوة لا سيما بعد النجاحات التي تحققت في المعارك ضد تنظيم داعش فضلا عما يحظى به من دعم دولي لا سيما الدعم الأميركي، قال هذا القيادي إن «العبادي لن يكون في منأى من عملية التغيير وهو ما ينطبق على رئيس البرلمان سليم الجبوري رغم أنهما ينتميان إلى كتلتين مختلفتين، لكن هناك حراك داخل الكتل السياسية باتجاه استبدالهما بالطرق الدستورية وهو جمع تواقيع كافية لإقالة الجبوري داخل قبة البرلمان واستجواب العبادي». وكشف القيادي البارز أن «هناك أسماء يجري تداولها داخل الوسط السني لخلافة الجبوري وتنحصر في ثلاثة أسماء وهم صلاح الجبوري ومحمد تميم وسالم العيساوي، وكلهم نواب ينتمون إلى كتلة تحالف القوى العراقية التي ينتمي إليها الجبوري، بينما الحراك داخل الوسط الشيعي بإيجاد بديل للعبادي يبدو أنه في مراحله الأولى ويواجه صعوبات كثيرة»، مبينا أن «من بين الأسماء التي يجري تداولها كبديل للعبادي صالح الحسناوي وزير الصحة السابق وينتمي إلى دولة القانون، وإبراهيم بحر العلوم وزير النفط الأسبق وينتمي إلى المجلس الأعلى، بالإضافة إلى أسماء أخرى، مما يعني أن كلا من العبادي والجبوري قد لا يكملان دورتهما الحالية».
على صعيد الأكراد فإن الموقف الكردي واضح ومحدد من قضية التغيير الوزاري وعدم استقالة وزرائهم. وطبقا لما أعلنه عضو البرلمان العراقي عن التحالف الكردستاني عرفات أكرم لـ«الشرق الأوسط» فإن «القضية بالنسبة للأكراد لا تتعلق بقضية إصلاح أو غيره، مع أننا مع أي عملية إصلاح جاد وحقيقي ولكن وجودنا بالحكومة هو استحقاق قومي قبل أن يكون أي شيء آخر». ويضيف أكرم أن «الكرد هم القومية الثانية في العراق ووجودهم في الحكومة أمر ضروري لهذا السبب، بصرف النظر عن أي مبررات أخرى، وخروجهم منها بذريعة الإصلاح والتغيير يعني إحداث خلل في التوازن القومي، وهو ما أكد عليه الدستور العراقي».
سنيا فإن القيادي السني محمد الكربولي عضو البرلمان العراقي عن تحالف القوى العراقية يوجه في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط» نقدا للوزراء السنة في الحكومة قائلا إن «وزراء كتلتنا يبدو إنهم متفاهمون مع العبادي لذلك هو لم يشملهم بالتغييرات ولا هم قدموا استقالاتهم»، مبينا أن «هذه قضية هم يتحملون مسؤوليتها خلال الفترة القادمة».
لكن القيادي البارز في التيار الصدري حاكم الزاملي أبلغ «الشرق الأوسط» بأن «وزراء الكتلتين السنية والكردية الذين يرفضون تقديم استقالاتهم تحت هذه الذريعة أو تلك ولم يفتحوا الباب أمام رئيس الوزراء لإحداث التغيير المطلوب سوف نتولى عملية إسقاطهم داخل البرلمان». وأضاف الزاملي أن «هناك ملفات استجواب لبعض الوزراء وسوف يتم سحب الثقة منهم من خلال الاستجواب ومن بينهم وزير الدفاع خالد العبيدي لوجود ملفات كثيرة تخصه فضلا عن وزراء آخرين»، مبينا إنه «لم يعد أحد منهم بمنأى عن التغيير».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.