وقع اختيار دونالد ترامب مرشح الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية هذا الأسبوع على حاكم ولاية إنديانا مايك بنس، الذي يعد من أقرب الأسماء التي جرى تداولها قبل المؤتمر الوطني الترشيحي للجمهوريين في مدينة كليفلاند بولاية أوهايو، المتاخمة لولاية إنديانا بشمال الولايات المتحدة. وجدير بالذكر أن المؤتمر الجمهوري اتسم بحالة غير مألوفة من التحفظ من قطاعات واسعة تجاوزت التيار المعتدل والليبرالي لتشمل حتى بعض الشخصيات المحافظة. ولأول مرة منذ 40 سنة تغيبت عن مؤتمر حزبي بهذه الأهمية شخصية من عائلة بوش التي أعطت البلاد رئيسي جمهورية خلال العقود الأخيرة.
يوم الخميس الماضي، كانت عناوين صحف أميركية رئيسية تابعت فعاليات مؤتمر الحزب الجمهوري في مدينة كليفلاند بولاية أوهايو، بعدما تكلّم مايك بينس، حاكم ولاية إنديانا، الذي اختاره دونالد ترامب نائبا له كالآتي:
«واشنطن بوست»: «بينس يفشل في تقديم نفسه»، و«نيويورك تايمز»: «مغزى تحوّل بينس من الكاثوليكية إلى الأصولية»، و«لوس أنجليس تايمز»: «بينس في مواجهة أولاد ترامب»، و«أتلانتا كونستيتيوشن»: «مزاج ترامب يواجه تشدد بينس».
الحقيقة أنه منذ الأسبوع الماضي، عندما أعلن الملياردير ترامب الذي نجح بالفوز بترشيح الحزب الجمهوري أن بينس سيكون نائبه في القائمة الحزبية التي ستخوض الانتخابات الرئاسية في مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل توالت الأخبار والتعليقات السلبية عن حاكم ولاية إنديانا. بل تسابق كثيرون من المراقبين على طرح تساؤلات مثل من هو مايك بينس؟ وكيف سيتعايش تشدده مع مزاج ترامب المتقلب؟
سيرة شخصية
ولد مايكل (مايك) ريتشارد بينس، قبل 57 سنة، وتحديدًا يوم 7 يونيو (حزيران) 1959، في مدينة كولومبوس الصغيرة بالجزء الجنوبي الأوسط من ولاية إنديانا، إحدى ولايات منطقة البحيرات الكبرى بشمال الولايات المتحدة، وذلك لعائلة محافظة كاثوليكية آيرلندية الأصل تضم ستة أولاد كانت ميولها في الأصل ديمقراطية، أي أنها كانت تناصر الحزب الديمقراطي. غير أن بينس تحوّل في وقت لاحق ليس فقط إلى الحزب الجمهوري - بعدما صار الحزب ركيزة اليمين المحافظ في أميركا - بل أيضًا إلى المسيحية الإنجيلية الأصولية.
كان والد بينس يدير عددًا من محطات وقود السيارات، وكان جده سائق حافلات هاجر إلى أميركا من محافظة سلايغو بشمال غرب آيرلندا. أما التحوّل الفكري والديني الذي مر به بينس – ولعله أسهم في دعم مسيرته السياسية – فبدأ أيام دراسته الجامعية، إذ إنه قبل ذلك ظل ملتزمًا بأجواء أسرته الكاثوليكية.
وحسب سيرته الذاتية فإنه بدأ إعادة اكتشاف مسيحيته في المرحلة الجامعية من دراسته، وبحلول عام 1995 التحق بكنيسة غرايس الإنجيلية. ومن ثم أخذ يصف نفسه بأنه «بالترتيب: مسيحي، ومحافظ، وجمهوري»، أما عن مسيحيته فهي «مسيحية تجددية كاثوليكية إنجيلية».
بينس أكمل تعليمه المتوسط والثانوية في مدرسة حكومية بمدينته كولومبوس. ومن ثم التحق بكلية هانوفر وهي جامعة خاصة صغيرة راقية وعريقة في إنديانا تخرج فيها حاملاً شهادة بكالوريوس آداب في التاريخ. ومن ثم انتقل إلى جامعة إنديانا – حرمها بمدينة إنديانابوليس – حيث درس الحقوق وتخرج فيها مجازًا بالحقوق عام 1986.
تلميذ بمدرسة ريغان
كانت تلك سنوات «مورننغ إن أميركا» (الصباح في أميركا)، شعار الرئيس رونالد ريغان، أحد أكثر الرؤساء الأميركيين يمينية - وهو مثل بينس يتحدر من أصل آيرلندي وبدأ مسيرته السياسية مناصرًا للحزب الديمقراطي – ومن ثم انخرط بينس في تنظيم «شباب الحزب الجمهوري المحافظ» الذي أسسه ريغان. وحتى اليوم، يعقد التنظيم مؤتمرًا سنويًا في مزرعة ريغان بمحيط مدينة سانتا باربرا بولاية كاليفورنيا، التي سبق للرئيس الأسبق الراحل أن تولى منصب حاكمها قبل أن يدخل البيت الأبيض.
وافتتح بينس مكتب محاماة في إنديانابوليس، وانضم، ثم ترشح، لعضوية تنظيمات يمينية محافظة، وحالفه الفوز. كذلك، بعد تحوّله الفكري والديني نحو الإنجيلية المسيحية صار من قيادات جماعة «مورال ماجوريتي» (الغالبية الأخلاقية)، وهي حركة وكتلة ضغط دينية - سياسية محافظة أسسها جمهوريون محافظون متشددون مسيحيًا بقيادة القس جيري فولويل. وبالمناسبة، في الوقت الحاضر، يقود التنظيم ابن فولويل، الذي يترأس جامعة «ليبرتي» (الحرية) المحافظة في مدينة لينشفيل الصغيرة بولاية فيرجينيا. وكان دونالد ترامب قد تحدث فيها خلال الانتخابات التمهيدية. وحضر بينس هناك، كحاكم محافظ لولاية محافظة.
من جهة أخرى، طموح بينس السياسي المترافق مع تشدده المسيحي دفعه للعمل السياسي، وحقًا قبل أن يصل إلى منصب حاكم إنديانا، فإنه خاض الكثير من المعارك الانتخابية السياسية، فخسر عدة مرات وربح في مرات أخرى متسلحًا بقاعدة تأييد اليمين المتشدد، ولا سيما في الأرياف والأوساط المحافظة.
نكسات سياسية
في عام 1988، ترشح بينس لدخول مجلس النواب الأميركي (أحد مجلسي الكونغرس) غير أنه خسر المعركة أمام النائب الديمقراطي فيل شارب، فعاد إلى العمل محاميًا. ثم بعد سنتين، عام 1990 جرب حظه من جديد، أيضًا لدخول مجلس النواب.. ولكنه فشل للمرة الثانية أمام شارب، ومجددًا عاد لممارسة المحاماة.
بعد ذلك، في عام 1994، بعدما سئم من دخول الكونغرس مكافحًا لنشر الفكر المحافظ، جرب حظه في البث الإذاعي مقدمًا برنامجًا سياسيًا يحمل اسمه في إذاعة ببلدة راشفيل في إنديانا. وفي الحقيقة، كان بينس في ذلك يحذو حذو الإعلامي الأميركي اليميني المتطرف رش ليمبو، إلا أنه كان يصف نفسه بـ«نسخة مخففة» (حرفيًا «لايت كوفي رش»، أي قهوة رش الخفيفة) عن ليمبو.. فهو مثله يميني محافظ لكنه أقل شراسة وعدوانية.
مع هذا، يشير متابعو مسيرة بينس ومنتقدوه إلى انه لم يقصّر أبدًا في العدوانية والشراسة، وخصوصا أنه اضطر للاعتذار عن حملاته الدعائية الانتخابية ضد منافسه الانتخابي فيل شارب، ومنها قوله عنه: «شارب فاسد، استعمل التبرعات لحملته الانتخابية للصرف على زوجته، ولدفع أقساط سيارتها».. ومرة أخرى ظهر بينس في إعلان تلفزيوني وهو يرتدي ملابس عربية، وقال إن شارب «حليف عرب النفط». وفي مرة ثالث اتهم شارب بأنه «حليف للنساء الأنثويات الليبراليات، حبًا فيهن، لا في مبادئهن».
دخوله الكونغرس
أخيرًا، في عام 2000، ابتسم الحظ لمايك بينس، ونجح في دخول الكونغرس، عندما فاز عن معقد دائرة انتخابية أخرى (الدائرة الثانية في إنديانا). وفي ذلك الوقت، ظهرت جماعة «حفلة الشاي» لتهيمن ضمن الجناح المحافظ في الحزب الجمهوري الذي صار بينس من نجومه في مجلس النواب. وبدعم من هذا الجناح نجح في تحقيق أربع مرات، اختتمها في العام 2010 عندما أعلن أنه سيترشح لمنصب حاكم إنديانا.
في تلك الحقبة، اعتبرت مجلة «إسكواير» بينس «واحدًا من أفضل عشرة أعضاء في الكونغرس»، كما أضافت أنه «هز عرش قادة الحزب الجمهوري التقليديين». أما على صعيد أهم منجزاته «المحافظة» في الكونغرس، فإنها تشمل ما يلي:
أولاً: قدم 90 مشروع قانون محافظًا، مع أنها فشلت كلها.
ثانيا: عارض الإجهاض، ومنظمة تنظيم الأسرة («بلاند بيرنتهود»).
ثالثا: اقترح منع الجنسية الأميركية لمن يولد في الولايات المتحدة من أبوين غير أميركيين.
رابعا: كان من قادة «بيرث» (تنظيم جمهوري متطرّف ادعى، عندما ترشح باراك أوباما لرئاسة الجمهورية عام 2008، أن أوباما ليس مواطنًا أميركيًا).
خامسا: دعا إلى تعديل الدستور لمنع الجنسية الأميركية عمن ولد في الولايات المتحدة.
سادسا: دعا إلى تعديل الدستور لمنع وزارة الخزانة من الاستدانة من البنوك، بهدف تقليص ميزانية الحكومة.
سابعا: عارض قانون «إنقاذ الممتلكات المهتزة» (قانون مساعدة الحكومة الأميركية للبنوك التي واجهت الإفلاس عام 2008). وقال إن الحكومة يجب ألا تساعد المؤسسات الفاشلة.
ثامنا: عارض، للسبب نفسه، مساعدة الحكومة لشركتي «جنرال موتورز» و«كرايسلر» لصناعة السيارات، بعد أن واجهتا الإفلاس في عز الأزمة المالية والاقتصادية التي هزت الاقتصاد الأميركي.
هذا على صعيد مواقفه الداخلية، أما بما يخص سجلّه بالنسبة للسياسة الخارجية، فهو كما يلي:
أولا: أيد بقوة غزو الولايات المتحدة العراق إبان رئاسة الرئيس جورج بوش الابن وفترة نفوذ تيار «المحافظين الجدد» ولا سيما في وزارة الدفاع (البنتاغون).
ثانيا: دعا الرئيس جورج بوش الابن لزيادة القوات الأميركية في العراق.
ثالثا: عارض (ولا يزال يعارض) إغلاق سجن غوانتانامو العسكري في كوبا.
رابعا: عارض منع تعذيب «ووتربوردنغ» (إيهام الغرق بخشبة).
خامسا: أيد إسرائيل بقوة، وما زال من كبار مؤيديها.
حياته الأسرية
أخيرًا، ينعكس تدين بينس المسيحي الإنجيلي في حياته الأسرية المحافظة، بخلاف الصخب والبريق اللذين يجللان حياة حليفه و«رئيسه» دونالد ترامب. فهو متزوج منذ عام 1985 من كارين باتن، وهي مدرّسة. مايكل وكارين أبوان لثلاثة أولاد هم: مايكل وتشارلوت وأودري.