من الأسباب الكثيرة لشعبية كلاوديو رانييري شغفه بالتعبيرات المجازية، والتشبيهات البسيطة التي تتحول تلقائيًا إلى عناوين صحافية. في الموسم الماضي كان حديثه عن الحوافز القائمة على البيتزا، ثم صوت الجرس الذي كان يحاكيه بكلماته «ديلي دونغ.. ديلي دونغ»، فيدفع اللاعبين إلى بذل مجهود شاق في التدريب. والآن يستعيد الإيطالي هوايته بتشبيه أسلوب ليستر الضارب السريع بسلاح الجو الملكي البريطاني، كما في قوله: «موسى (يقصد أحمد موسى لاعب النادي الجديد الذي تعاقد معه مقابل 16 مليون جنيه) لديه سرعات كبيرة. لا أعرف ما إذا كان سريعًا مثل جيمي فاردي، لكن من الأهمية بمكان أن يكون في فريقنا طائرة أخرى».
انضم المهاجم النيجيري صاحب الـ23 عاما إلى ليستر قادما من سيسكا موسكو، فلطالما كان اللعب في إنجلترا يداعب خياله، واختار موسى «الثعالب» رغم اهتمام ساوثهامبتون وإيفرتون ووستهام بالحصول على خدماته. لكنه اختيار صحيح أليس كذلك؟ ليستر هو الفريق البطل، وسيلعب في دوري الأبطال هذا الموسم. بل إن مبارياته الودية استعدادا للموسم الجديد اتسمت بلمسة عالمية. في أعقاب مباراة مع أكسفورد يونايتد، سيخوض ليستر سيتي مباريات مع فرق سيلتيك وباريس سان جيرمان وبرشلونة، قبل انطلاقة الدوري الإنجليزي (البريميرليغ) في 13 أغسطس (آب)، التي ستكون في مواجهة هال سيتي.
وما يمكن أن يعاني موسى ليستوعبه هو كيف لا يزال كل هذا يبدو غريبا. في مثل هذا الوقت من العام الماضي كان ليستر سيتي أعلن للتو تعيين رانييري خليفة لنيجيل بيرسون، ولم يكن قد أشرف بعد على حصة تدريبية كاملة. وإذا كان لاعبو ليستر وبعض الجماهير شعروا بخيبة الأمل إزاء تعيين رانييري، فقد عمل الرجل جيدا على كسب اللاعبين، بأي طريقة، ثم تأخير شهر العسل إلى نهاية الموسم.
وما زال المرء يشعر بالارتباك عند التفكير فيما صنعه رانييري وفريقه الذي تأسس من لا شيء، في عام واحد. قبل أن يقول أحد أي شيء، صحيح أن بيرسون كان قد جمع نواة صلبة من اللاعبين، وكانت الروح داخل الفريق واضحة من خلال هروبهم من الهبوط الذي بدا حتميا في الموسم السابق. لكن لا أحد كان يتحدث عن سلاح الجو الملكي قبل 12 شهرا، وكذلك دوري الأبطال، أو اللقب، أو إحراج 5 من بين أغنى 9 أندية في العالم. إن ليستر واحد من الأسباب التي أدت إلى تعطيل خطط لويس فان غال بالحصول على موسم ثالث في مانشستر يونايتد بعد موسمين غير حاسمين. كان ليستر آخر منافس كان يتوقعه جوزيه مورينهو كمدرب لتشيلسي، وكان هو الفريق الذي عرّى تماما عيوب مانشستر سيتي في عقر داره بملعب الاتحاد، وكان هدافوه الشجعان هم من وضعوا حدا لصحوة ليفربول بقيادة يورغن كلوب. ما يمكن أن يحتاج إليه موسى ليتأقلم مع الفريق هو مثل ذلك الموسم المثالي، عندما يحافظ الجميع على حالتهم الفنية، وتستمر التسديدات من كل الزوايا، سيكون من المستحيل تكراره. لقد كان من الأشياء التي تحدث مرة واحدة فقط، كان حلما. أم ماذا كان؟
يوحي التفكير العقلاني بأنه إذا كان بمقدور ليستر أن يصعد من لا شيء إلى القمة، مع مدرب جديد ولاعبين نجوا لتوهم من هاوية الهبوط، فلا بد أن يكونوا قادرين على أن يكرروا ما حققوه على الأقل الآن بالنظر إلى أنهم يمتلكون الخبرة والاحترام وما يكفي من الأموال في حساباتهم البنكية لتمويل صفقات بأرقام قياسية.
وفي الذكرى الأولى لتولي رانييري منصبه، يملك الفريق اللاعبين أنفسهم، ورغم أنهم خسروا لاعبا مهما، بانضمام نغولو كانتي إلى تشيلسي، فقد حققوا عائدا كبيرا من لاعب لم يكلفهم إلا 5.6 ملايين جنيه قبل عام فقط.
كما يبدو أن النادي تعاقد مع بديل بالفعل هو نامباليس ميندي. ربما لا يكون لاعب وسط نيس وموناكو السابق على مستوى كانتي الموسم الماضي، الذي أهله لترشيحات مبكرة للفوز بجائزة أفضل لاعب في الموسم، واستدعاء لمنتخب فرنسا، وحتى في حال بقاء رياض محرز، وهو أمر غير مرجح، لن تكون هناك مساحات كثيرة خلف الدفاعات لاستغلالها في الهجمات المرتدة المنسقة هذه المرة. ومع هذا، فحتى من دون عنصر المفاجأة، سيظل ليستر فريقا من الصعب هزيمته. ومن غير المرجح أن يعود الفريق من حيث بدأ بالسرعة التي صعد بها إلى منصة التتويج.
وفي مقابل هذا، هناك تحديان كبيران على الفريق التغلب عليهما. الأول هو أوروبا. فاز ليستر باللقب من دون تشتيت في وقت كان فيه منافسوه الرئيسيون يعانون وهم يخوضون مواجهات أوروبية في منتصف الأسبوع. تنطوي المشاركة في دوري الأبطال بالضرورة على مزيد من المباريات، وتكون مواجهات صعبة في كثير من الأحيان، وتستلزم فريقا أكثر قوة ومرونة. كان رانييري محدودا في تغييراته قدر المستطاع في الموسم الماضي، لأنه لم يكن مضطرا لعمل الكثير من التغييرات. أما هذه المرة، فلعله يعود إلى ولعه القديم بإجراء التغييرات والتعديلات اعتمادًا على كيف سيؤدي ليستر في أول مواسمه في أوروبا، حيث تكون هناك مناسبات تستلزم إعطاء إحدى البطولات الأولية على الأخرى. جربت الأندية الكبرى في أنحاء أوروبا القيام بهذا التوازن لسنوات، ولديهم فرق قوية بما يكفي للتأقلم مع هذه الظروف. سيكون ليستر حديث العهد تماما بهذا، وفريقه لا يحمل أي قدر من الخبرة الأوروبية.
أما الاختلاف الآخر الكبير فعبر عنه أياوات سريفادانبرابا، نائب رئيس ليستر، بأفضل ما يكون. قال: «الأندية الكبرى ستعود أكبر. لن يسمحوا لأي شيء كالذي حدث الموسم الماضي بأن يتكرر». يبدو هذا صحيحا إلى حد بعيد، مع الاستعدادات القوية لفريقي مانشستر تحديدا، اللذين تعاقدا مع مدربين جديدين، وفي ظل ميزانيات غير محدودة للصفقات، فيما أسندت إلى أنطونيو كونتي مهمة إعادة بناء تشيلسي في محاولة لعدم التخلف عن الركب.
يمكن القول إن كل ما فعله ليستر هو أنه استغل الفرص المتاحة له الموسم الماضي، لأن المنافسين المعتادين على اللقب كانوا في حالة فوضى من صنع أيديهم. كان مانشستر سيتي ينتظر جوسيب غوارديولا، وكان يونايتد يبحث من دون جدوى عن بصيص تحسن. أما تشيلسي، شأنه شأن ليفربول، فلم يكن يتوقع أن يضطر لتغيير المدرب، وفي حين كان آرسنال وتوتنهام في وضعية جيدة تعطيهما ميزة عن الآخرين، وفي الوقت الذي بدءا فيه إدراك ذلك، كان ليستر قد ابتعد بالقمة.
الأمر المشهود فيما يتعلق بالموسم الماضي هو أن ليستر كان يغرد منفردا بالصدارة بفارق كبير طوال الوقت تقريبا. كان سندرلاند من الأندية الأخرى التي لم تكن تتوقع تغيير مدربها، ومع هذا، فلم تكد تمر نصف ساعة على أول مباراة للفريق في الموسم، حتى استقبلت شباكه 3 أهداف من ليستر، وصار ديك أدفوكات شيئا من الماضي.
ومنذ البداية مباشرة كان واضحا أن أيا ما كان سيحققه ليستر بقيادة رانييري، فلم يكن لديه ما يخشى عليه. لكن ستكون مفاجأة هذه المرة إذا حقق أي شيء غير اللقب، وإن كان بمقدورنا أن يسعى ناديا مانشستر وعدة أندية أخرى غيرهما إلى اللقب من دون تردد. سيكون هذا هو الموسم الذي تعود فيه الأمور إلى طبيعتها، حيث يؤكد الدوري الإنجليزي الممتاز نفسه كنزال صعب لا يمكن أن يفوز به إلا الأندية الشهيرة ذات الجيوب العميقة على نحو مرعب، أو هذا ما يفترضه الجميع. ومع هذا، فلقد حقق ليستر ما يكفيه، أيا ما سيفعله هذا الموسم. والحياة لا تظل بالوتيرة ذاتها أبدا. وكما سيثبت غاري لينيكر عندما يفي بوعده بتقديم جائزة أفضل مباراة في الموسم في حال فاز ليستر باللقب، بملابسه الداخلية، أنه من الخطورة أن يقطع المرء بأي افتراض، وأن الرهان على انحصار اللقب بين المنافسين التقليديين يمكن أن يكون أمرًا مبالغًا فيه بشدة.
إنجاز ليستر.. حلم يصعب تكراره أم صحوة يمكن أن تتواصل؟
رانييري مدرب الفريق: الوصول مرة أخرى لمنصة التتويج ليس سهلاً مع انتفاضة الكبار
إنجاز ليستر.. حلم يصعب تكراره أم صحوة يمكن أن تتواصل؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة