مدن أوروبية تمني نفسها بـ«وراثة» لندن عقاريًا

مبيعات المنازل الفاخرة تتراجع 43 %.. والطلب بأدنى مستوى منذ «الأزمة العالمية»

مشهد من وسط العاصمة البريطانية لندن (رويترز)
مشهد من وسط العاصمة البريطانية لندن (رويترز)
TT

مدن أوروبية تمني نفسها بـ«وراثة» لندن عقاريًا

مشهد من وسط العاصمة البريطانية لندن (رويترز)
مشهد من وسط العاصمة البريطانية لندن (رويترز)

في حين أشارت تقارير عقارية متخصصة خلال الأيام الماضية إلى تراجع الطلب على العقارات في بريطانيا إلى أدنى مستوى له منذ الأزمة المالية العالمية التي ضربت الأسواق في عام 2008، مع انحدار مبيعات المنازل الفاخرة على مستوى العاصمة لندن بنسبة 43 في المائة خلال الأيام التي تلت الاستفتاء على الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، مع تراجع حاد لإنتاج قطاع البناء البريطاني خلال شهر مايو (أيار) الماضي، أوضحت تحليلات واستطلاعات أن عدة مدن أوروبية تستعد لقنص «الإرث العقاري البريطاني»، خصوصا فيما يتعلق بقطاعات الأعمال والسياحة والترفيه.
وأوضح تقرير عقاري متخصص أصدرته مؤسسة «لورينز» البحثية المتخصصة في جمع البيانات مطلع الأسبوع الحالي، أن مبيعات المنازل الفاخرة في لندن تراجعت بنسبة 43 في المائة خلال الـ12 يومًا التي تلت الاستفتاء، مقارنة بالفترة الموازية من العام الماضي، فيما تراجع المعروض من هذه الفئة بنسبة 25 في المائة.
وأشارت تقارير أخرى صدرت خلال الأيام الماضية إلى أن أسعار المنازل في عموم لندن تراجعت بمتوسط 1.4 في المائة في شهر مايو، وهو المعدل الأكبر منذ يونيو (حزيران) 2011، فيما أكدت «لورينز» في تقريرها أن معدل التراجع في مبيعات المنازل الفاخرة تراجع بنسبة 18 في المائة في الأسبوعين اللذين أعقبا الاستفتاء.
وفي نهاية الأسبوع الماضي، أظهر مسح أجرته مؤسسة «ريكس»، تراجع الطلب على العقارات في بريطانيا إلى أدنى مستوى له في 8 سنوات أي منذ الأزمة المالية العالمية في 2008.
وأوضحت المؤشرات كذلك، في أول مسح يصدر بعد التصويت البريطاني، إلى أن المعروض من المساكن والعقارات عن الفترة ذاتها قد تراجعت في المملكة المتحدة بأسرع وتيرة على الإطلاق منذ عام 1998.
كما لوحظ بحسب المسح، ارتفاع نسبة الخبراء الذين يتوقعون تراجع أسعار العقارات على مدار 3 أشهر المقبلة، إلى أعلى مستوى لها في 5 سنوات، في إشارة إلى بدء ظهور الدلائل الفعلية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على القطاع العقاري.
وبينما يرجح الخبراء أن تتصاعد موجة تعليق الصناديق العقارية لأعمالها وتداولها في بريطانيا خشية تدفق طلبات التخارج من قبل المتعاملين معها من المستثمرين في هذا الوقت شديد الحساسية، ما يهدد بانهيار أعمالها، تتسارع حركات ساعية لجذب المتخارجين من السوق البريطانية في عدد من المدن الأوروبية عبر تقديم مزيد من الإغراءات إلى الشركات الكبرى والمستثمرين. وحتى الآن أعلنت نحو 7 صناديق كبرى بالفعل تعليق أعمالها.
وبحسب محللين واستطلاعات رأي في الأوساط العقارية، فإن انفصال بريطانيا سيدعم أسعار العقارات في العاصمة المالية الألمانية فرانكفورت، وذلك على الرغم من أنها حاليًا تقف عند مستويات قياسية، وهو ما يتماشى مع العديد من توقعات الخبراء التي ترجح أن البنوك الدولية التي لديها مكاتب في لندن ستنقل جزءًا من موظفيها إلى مدن أوروبية مثل فرانكفورت وباريس وأمستردام.
ويتفق ذلك مع نتائج استطلاع حديث أجرته شركة «إيرنست آند يونغ»، بين 555 من الشركات والعاملين في القطاع العقاري، التي أظهرت أن 70 في المائة منهم قالوا إن فرانكفورت ستكون المستفيدة الأكبر من خروج بريطانيا، حيث سيقفز حجم الاستثمارات العقارية فيها ما سيدعم أسعار العقار والإيجارات. بينما فضل 13 في المائة من المستطلعة آراؤهم، مدينة دبلن عاصمة آيرلندا، في حين أن 6 في المائة فقط قد توقعوا أن تكون المستفيدة العاصمة الفرنسية باريس.
ويقدر الخبراء حجم الخسائر في قطاع الخدمات المالية خلال الأعوام القليلة المقبلة نتيجة الانفصال البريطاني عن الاتحاد الأوروبي بنحو 100 ألف وظيفة، وهو ما يصب في صالح التوقعات بتحول هذه الأعمال إلى فرانكفورت أو باريس أو دبلن، كأكثر الوجهات جذبا للأعمال المالية.
ونشرت تحليلات اقتصادية لعدد من الخبراء البريطانيين خلال الأيام الماضية، توقع فيه المختصون انخفاض أسعار المكاتب خلال السنوات الثلاث المقبلة بنحو 20 في المائة من قيمتها قبل الاستفتاء البريطاني، وهو ما يذكر بقوة بما حدث إبان الأزمة المالية العالمية، حين انخفضت أسعار العقارات البريطانية بما يوازي نحو 40 في المائة من قيمتها عقب سحب الكثير من المستثمرين لأموالهم من الأسواق والشركات العقارية، وعرقلة العديد من المشروعات العقارية.
من جهة أخرى، كانت التوقعات تشير خلال الأسبوع الماضي إلى أهلية مدينة إسطنبول التركية، نصف الأوروبية، لجذب شريحة كبيرة من الاستثمارات العقارية، خصوصًا العربية، من بين تلك المتخارجة من لندن، وأشار المحللون إلى أن القطاعات الأكثر حظًا تلك التي تتعلق بالسياحة والترفيه والاستثمار في الأصول، لكن الاضطرابات التي شهدتها تركيا مطلع الأسبوع خفضت كثيرًا من أسهم إسطنبول، على الأقل خلال الأشهر المتبقية في هذا العام.
وبحسب تقرير لصحيفة «صباح» التركية، قبل نهاية الأسبوع الماضي، فإن عددًا من خبراء العقارات الأتراك قالوا إن تركيا تعد في الوقت الحالي «الميناء الآمن» للمستثمرين العقاريين عقب الانفصال البريطاني، موضحين أن البديل الأفضل عن بريطانيا بالنسبة لكثير من المستثمرين العرب والأجانب، نظرًا لما تتمتع به المدينة التركية من كثافة استثمارية وعوامل جذب في المجال العقاري.
من بين المستفيدين أيضًا من توتر السوق البريطانية، فإن التوقعات تصب في خانة ارتفاع متوسط أسعار المنازل الكندية بنسبة نحو 12.4 في المائة خلال الفترة المتبقية من العام الحالي، مدفوعًا بتدفق الاستثمارات خارج المملكة المتحدة، خصوصًا مع ثبات أسعار الفائدة في ظل التقلبات الاقتصادية العالمية. ووفقًا لتقرير متخصص من شركة «رويال لو باج»، فإن متوسط سعر المنزل سيزيد ليصبح في حدود 563 ألف دولار كندي، بدلاً من المتوسط الحالي البالغ 434 ألف دولار كندي، خصوصًا في تورنتو وفانكوفر، وهو المعدل الأعلى للزيادة منذ عام 2000.
وعلى الصعيد الداخلي في المملكة المتحدة، سجل إنتاج قطاع البناء البريطاني هبوطا حادا في مايو الذي سبق إجراء الاستفتاء، بما يشير إلى أن القطاع قد يؤثر سلبًا على النمو الاقتصادي في الربع الثاني.
وقال معهد الإحصاءات الوطنية البريطاني في تقرير له مطلع الأسبوع الحالي إن إنتاج قطاع البناء، الذي يشكل ستة في المائة من الاقتصاد البريطاني، انخفض بنسبة 2.1 في المائة في مايو الماضي، مقارنة مع أبريل (نيسان) حين زاد الإنتاج بنسبة 2.8 في المائة. وتفوق تلك النسبة توقعات خبراء اقتصاديون استطلعت «رويترز» آراءهم قبل أسبوع، وأشاروا إلى توقعات تصب في انخفاض المستوى بنسبة واحد في المائة فقط في مايو.
ويشير ذلك الانخفاض الحاد إلى الصعوبات التي واجهها قطاع البناء مع اقتراب الاستفتاء، الذي يتوقع زيادته مع تراجع الطلب وضعف حركة السوق، التي تتحرك بحذر شديد خلال الفترة الحالية.
وأثار التصويت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي مخاوف من الركود وحالة من الضبابية الشديدة التي تكتنف مستقبل العلاقات التجارية البريطانية، وهو ما دفع الجنيه الإسترليني إلى الهبوط إلى أدنى مستوياته أمام الدولار منذ منتصف الثمانينات، قبل أن يعاود استعادة جزء من خسائره خلال الأسبوع الماضي.
وذكر معهد الإحصاءات الوطنية أن نتائج إنتاج قطاع البناء ينبغي أن تنمو بنسبة 1.9 في المائة في يونيو، كي لا يضغط على النمو الاقتصادي في الربع الثاني، وهو أمر يبدو مستبعدا وفقا لما أظهرته مسوح القطاع الخاص.
وانخفض إنتاج قطاع البناء بنسبة 1.9 في المائة مقارنة مع مايو عام 2015. وكان خبراء اقتصاديون استطلعت «رويترز» آراءهم توقعوا انخفاضًا سنويًا للإنتاج بنسبة 3.5 في المائة.
وتباطأ نمو الاقتصاد البريطاني إلى 0.4 في المائة في الربع الأول من العام الحالي، مقارنة مع الأشهر الثلاثة السابقة بحسب التقديرات التي نشرت في الآونة الأخيرة، وأظهرت أن قطاع الخدمات الأكبر بكثير وإنفاق المستهلكين كانا المحركين الرئيسيين للنمو.
وقالت مؤسسة «ماركت» المالية إن قطاع البناء سجل أسوأ انكماش له في سبع سنوات في يونيو الماضي، مع تنامي المخاوف المرتبطة بالاستفتاء البريطاني.
وانخفض إنتاج قطاع بناء المنازل بنسبة 3.2 في المائة في مايو، بعد تراجعه بنسبة 0.1 في المائة في أبريل، مسجلاً أكبر هبوط شهري له منذ فبراير (شباط) 2014.



تأثيرات «كورونا» تظهر على العقارات المصرية

سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
TT

تأثيرات «كورونا» تظهر على العقارات المصرية

سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس

بعد الانتشار المتزايد لفيروس «كورونا المستجد» في معظم أنحاء العالم، يحذّر خبراء الاقتصاد من التداعيات السلبية التي يشهدها الاقتصاد العالمي خصوصاً بعد الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدول ومن بينها إغلاق الحدود وتعليق الرحلات الجوية والبحرية، وهو ما امتد بدوره إلى قطاع العقارات في مصر، حيث تشهد السوق العقارية في البلاد حالياً تراجعاً في نسب المبيعات، بالإضافة إلى إلغاء فعاليات ومؤتمرات تسويقية عقارية.
ويؤكد مستثمرون عقاريون مصريون من بينهم المهندس ممدوح بدر الدين، رئيس مجلس إدارة شعبة الاستثمار العقاري بالاتحاد العام للغرف التجارية، أن «القطاعات الاقتصادية تشهد تباطؤاً وجموداً حاداً في الآونة الأخيرة، وهذا سيكون له تبعاته على سوق العقار»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «أتوقع أن تخرج مصر من الأزمة سريعاً، وبأقل الخسائر نتيجة للإجراءات الاحترازية التي اتخذتها أخيراً للحد من انتشار المرض».
وشهدت سوق مبيعات العقارات في مصر «تراجعاً نسبياً منذ بداية أزمة كورونا»، وفق الخبير والمسوق العقاري محمود سامي، الذي قدّر «نسبة التراجع في مستويات البيع والشراء، بنسبة تتراوح من 20 إلى 30%، في بداية الأزمة، لتصل إلى 50% مع نهاية الأسبوع الماضي، مع اتخاذ مصر وعدد من الدول العربية إجراءات احترازية جريئة للحد من انتشار المرض».
ورغم أن مؤشرات الطلب على شراء العقارات التي تقاس وفق حجم الطلب على المواقع الإلكترونية المخصصة لبيع وشراء العقارات، لم تعكس هذا التراجع في شهر فبراير (شباط) الماضي، وفقاً لمؤشر موقع «عقار ماب» المتخصص في السوق العقارية، بعدما سجل ثبات مستوى الطلب على العقارات في شهري يناير (كانون الثاني) وفبراير الماضيين، لكن المؤشر أوضح أنه «كان هناك تزايد في الطلب في النصف الأول من شهر فبراير، إلا أن هذا التزايد تراجع في الأسبوعين الأخيرين ليستقر المؤشر عند نفس معدل الشهر السابق»، ولا توجد إحصائيات واضحة عن شهر مارس (آذار) الجاري، والذي تفاقمت فيه أزمة «كورونا».
وعكس ما يؤكده المسوق العقاري محمود سامي، من وجود تراجع في نسب مبيعات العقارات في مصر، يقول الدكتور ماجد عبد العظيم، أستاذ الاقتصاد والخبير العقاري، أن «السوق العقارية في مصر لم تتأثر حتى الآن بأزمة (كورونا)»، وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «لا يوجد ارتباط بين فيروس (كورونا) والعقارات، فمن يريد شراء شقة سيفعل ذلك»، مشيراً إلى أن «السوق العقارية المصرية تعاني من حالة ركود بدأت منذ نحو أربعة أشهر، وتظهر ملامحها في العروض التسويقية التي تقدمها شركات العقارات، ومن بينها زيادة عمولة المسوقين العقاريين، والإعلان عن تسهيلات في السداد تصل إلى عشر سنوات من دون مقدم، والدفعة الأولى بعد التسلم»، لافتاً إلى أن «حالة الركود هذه سببها الرئيسي زيادة المعروض، وارتفاع الأسعار بشكل مبالغ فيه».
ورغم أن العاملين في التسويق العقاري لا ينكرون وجود حالة ركود في السوق، فإنهم يرون أن المسألة تزايدت مع الخوف من انتشار «كورونا»، حتى حدث «انكماش في السوق العقارية»، على حد تعبير سامي الذي أوضح أن «شركات التسويق العقاري تأقلمت مع حالة الركود، ونفّذت عمليات إعادة هيكلة وتقليص لعدد الموظفين والمقرات»، مضيفاً: «ما نشهده الآن مختلف، فهناك حالة شلل لم نشهدها من قبل إلا مع ثورتي 30 يونيو (حزيران) 2013، و25 يناير 2011. وإن كان ما نشهده حالياً أكثر حدة، فهناك إلغاء لحجوزات ومواعيد معاينات للوحدات العقارية، وتأجيل لقرارات الشراء بشكل عام حتى انتهاء الأزمة واتضاح الرؤية».
ولا يقتصر تأثير انتشار «كورونا» على حركة البيع والشراء في قطاع العقارات، بل من المتوقع أن «ينعكس التأثير على اقتصاد الشركات العقارية واستثماراتها» حسب بدر الدين، الذي أشار إلى أن «قطاع النفط تأثر بصورة كبيرة خصوصاً بعد إصرار منظمة (أوبك) على عدم تقليل إنتاجها، ليهبط سعر البرميل إلى أقل من 30 دولاراً، ما سبب خسائر للمستثمرين والصناديق العالمية، وترتبت على ذلك انخفاضات في أسعار مواد البناء وبالتالي فإن أي مستثمر لديه مخزون من هذه السلع، سيحقق خسائر بلا شك».
وتماشياً مع قرارات الحكومة المصرية إلغاء التجمعات، تم تأجيل مؤتمر ومعرض «سيتي سكيب مصر للتسويق العقاري»، الذي يعده الخبراء أحد أكبر معارض التسويق العقاري في مصر، والذي كان من المقرر عقده في منتصف الشهر الجاري، لتكتفي الشركات العقارية بالعروض التسويقية التي تقدمها وتعلن عنها إلكترونياً أو تلفزيونياً.
والتأجيل يحمي شركات العقارات من خسائر متوقعة، نظراً لصعوبة حضور العملاء، مما سيؤثر بشكل سلبي على صورة القطاع العقاري، حسب بدر الدين.
ويخشى العاملون في السوق العقارية من استمرار الأزمة فترة طويلة، وهو ما سيؤدي إلى خسائر كبيرة في القطاع، قد تضطر الشركات إلى عمليات إعادة هيكلة وتخفيض عمالة -على حد تعبير سامي- الذي قال إن «الشركات تأقلمت مع انخفاض المبيعات خلال الشهور الماضية، لكن لو استمر الوضع الحالي لمدة شهر، فالمسألة ستكون صعبة وقد تؤدي إلى إغلاق شركات وتسريح موظفين، حيث ستحتاج كل شركة إلى تخفيض نفقاتها بنسبة 40% على الأقل».
ورغم تأكيدات عبد العظيم أنه لا يوجد تأثير لأزمة «كورونا» على السوق العقارية حتى الآن، فإنه يقول: «إذا تفاقمت أزمة (كورونا) فستكون لها تأثيرات على جوانب الحياة كافة، ومنها العقارات»، وهو ما يؤكده بدر الدين بقوله إن «العالم كله سيشهد تراجعاً في معدلات النمو الاقتصادي».