عبد الجليل: ثورات «الربيع العربي» لم تكن إسلامية.. وتيار «الإخوان» استغلها

رئيس المجلس الوطني الليبي السابق يصرح لـ«الشرق الأوسط» أن قانون العزل السياسي استهدف محمود جبريل بالدرجة الأولى

سيف الإسلام القذافي يحيي انصار والده قرب ثكنة باب العزيزية ليلة سقوط النظام ({الشرق الأوسط})
سيف الإسلام القذافي يحيي انصار والده قرب ثكنة باب العزيزية ليلة سقوط النظام ({الشرق الأوسط})
TT

عبد الجليل: ثورات «الربيع العربي» لم تكن إسلامية.. وتيار «الإخوان» استغلها

سيف الإسلام القذافي يحيي انصار والده قرب ثكنة باب العزيزية ليلة سقوط النظام ({الشرق الأوسط})
سيف الإسلام القذافي يحيي انصار والده قرب ثكنة باب العزيزية ليلة سقوط النظام ({الشرق الأوسط})

في الحلقة الثانية من المقابلة التي أجرتها «الشرق الأوسط» مع المستشار مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الوطني الانتقالي السابق في ليبيا، بالعاصمة المغربية الرباط، قال عبد الجليل إن ثورات «الربيع العربي» لم تكن ثورات إسلامية بالدرجة الأولى، ولكنها استغلت من تيار الإخوان المسلمين المنظم، وأشار إلى أنه تبين من خلال السياسة التي انتهجها الإخوان سواء في تونس أو مصر أو ليبيا أنه لم يعد لديهم قبول في الشارع الليبي أو المصري أو التونسي. واعتبر أن الرئيس المصري المعزول محمد مرسي أخطأ في تعجل تطبيق سياسة الإخوان بالتمكين قبل الإنجاز مع أنه يفترض أن يتحقق الإنجاز قبل التمكين، كما تدخل في مؤسستين خطيرتين في التاريخ المصري هما المؤسسة القضائية والمؤسسة العسكرية.
وتناول المسؤول الليبي السابق الأيام الأخيرة للزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، ومصير ابنه سيف الإسلام وما يتعلق بمحاكمته. كما تطرق إلى مستقبل ليبيا والتحديات التي تواجهها، وموضوع العزل السياسي الذي استهدف شخصيات في العهد السابق، وقال إنه لم يكن مستهدفا به، منتقدا استهداف رموز مثل محمود جبريل ومحمد المقريف.
وحول احتمال العودة إلى المشهد السياسي قال عبد الجليل إن عودته «مستحيلة»، شارحا أنه يمارس الرياضة في مدينة البيضاء (شرق ليبيا) يستمتع بالطبيعة الخلابة في الجبل الاخضر.. وينشغل بالأعمال الخيرية.

* لننتقل إلى الطرف الثاني من المعادلة، هل كنتم تتوقعون ليلة سقوط طرابلس حدوث ما حدث؟ هل كان لديكم تواصل وتأكيدات من الداخل؟
- نعم كان لدينا تواصل مع أن القبضة على طرابلس كانت محكمة، إذ حضر إلينا في المنطقة الشرقية كثرة من أهل طرابلس. ومحمود جبريل أنشأ في ذلك الوقت لجنة سماها «لجنة تحرير العاصمة»، وكانت تعمل انطلاقا من تونس. وكنا على تواصل، بيد أننا لم نكن نتوقع أن تتحرر طرابلس بهذه الفاتورة البسيطة من الدماء. وأود هنا أن أسجل أن هناك شخصا اتصل بي عن طريق هاتف الثريا في شهر مايو (أيار) اسمه البراني إشكال، الذي كان آمر حرس القذافي «كتيبة محمد»، وهي كتيبة مهمة جدا في طرابلس، وكنت أعرفه معرفة سطحية، لكن كان لدي انطباع عنه بأنه رجل متزن وذو عقل راجح.
* وماذا قال لك البراني في ذلك الاتصال؟
- قال لي إنه في اليوم الذي سيقع فيه ما سيقع، سنكون معكم أو سنكون محايدين. كان اتصالا سريعا لا يتعدى بضع ثوان. بعد ذلك تواصل مع محمود جبريل باعتباره موجودا في الخارج.. وكان جبريل يقول لي إن البراني معنا. وفي الوقت الذي كنا نتخوف من أن تكون هنالك خمسمائة سيارة ملغمة، وأنهم سيلغمون طرابلس عن طريق الصرف الصحي، قدر الله أن تحدث الأمور بهذه الطريقة. مع هذا لم نكن نتوقع أن تتحرر طرابلس بهذه السرعة.
* بعد تحرير طرابلس انتقل النظام بسياراته إلى مناطق في الغرب.
- نعم، انتقل إلى مدينتي بني وليد وسرت.
* هل كنتم تتوقعون أن رأس النظام سينتقل إلى مسقط رأسه للدفاع عن نفسه؟
- لم أكن أتوقع ذلك. كنا نتوقع أنه سيهرب إلى الجنوب أو إلى خارج ليبيا، وكنا نتمنى ذلك. ولكن قبض عليه يوم 20 أكتوبر (تشرين الأول) 2011، بينما كنت ذاهبا حينها لتفقد الجبهة.. الاندفاع المستميت في سرت جعلني أقرر الذهاب إليها، فاستقللنا طائرة ركاب عادية من طرابلس وهبطنا في مطار مصراتة. ومن مصراتة ركبنا طائرة عمودية، ونزلنا على مشارف خمسين كيلومترا من سرت، حيث ركبنا سيارات وزرنا الجبهة الغربية وثوارها، ثم الجبهة الشرقية وثوارها. كانت مدينة سرت محاصرة حصارا شديدا من طرف الجبهتين، وهي مدينة حديثة وراقية وفيها مبان من طراز عال. كنا نستغرب الدفاع المستميت في المدينة، ولكن عندما ظهر هناك القذافي لم نستغرب ذلك من أولئك الأشخاص الذين دافعوا عن معمر دفاعا مستميتا.
* هل تعتقد أن ذلك الدفاع كان عن شخص معمر القذافي أم عن المنطقة؟
- لا كان دفاعا عن شخصه.
* هل كان يمثل رمزا مناطقيا؟
- طبعا. فهذه القبيلة والمنطقة كانتا لا شيء قبل عام 1969، ومدينة سرت كانت مدينة لا تذكر، بيوتها بيوت بسيطة، إلا أن القذافي أراد لها أن تكون عاصمة فأحدث فيها نقلة كبيرة جدا. ومن ثم جاءها كثيرون من الوافدين من خارج المنطقة واستقروا فيها. وهي الآن من المدن الجميلة. وحتى في ظل الأوضاع الحالية تعد سرت من المدن المستقرة، إذ بدأ الناس يعملون على تنميتها وصيانتها، وفيها شغل لا بأس به وهو ما وفر متطلبات الحياة الأساسية.
* كيف جرى اعتقال سيف الإسلام؟.. هل كنتم على علم بتحركاته؟ وهل عرضتم عليه تسليم نفسه؟
- كنا على علم بأنه في المناطق الحدودية الجنوبية، وأنه خرج من طرابلس إلى بني وليد، ثم حاول التوجه إلى الجنوب. وجاءتنا معلومات بأنه أصيب، وطلب تزويده بطبيب.. وذلك عن طريق شخصيات كانت مقربة منه، لكنها تخلت عنه منذ اليوم الذي توعد فيه الشعب الليبي، وأظن أن من بينهم فيصل الزواوي، الذي اتصل بي من الإمارات، وأخبرني أن سيف الإسلام موجود في المناطق المتاخمة للنيجر، وأنه يطلب طبيبا جراء إصابته في يده. وراودتنا فكرة تدبير طبيب له يكون مزودا بجهاز تعقب يكشف لنا مكان وجوده، بيد أننا صرفنا النظر عن حكاية إرسال طبيب قد يتعرض للخطر، إضافة إلى ان تنفيذ الفكرة كان غير متيسر، فمن هو الطبيب الذي سيرضى بالذهاب إلى الصحراء لمعالجة سيف الإسلام وهو يحمل جهاز تعقب. هذا أمر صعب. ومرت أيام إلى أن فوجئنا بالقبض عليه من خلال مجموعة، حسب ما علمت، دفعت أموالا للعناصر التي كانت تحرسه قبل أن تتخلى عنه.
* اعتقل من قبل من؟
- من قبل بعض ثوار الزنتان.
* وقتها، هل كانت رواية إصابة يده صحيحة؟
- باعترافه هو قال إنه أصيب قبل القبض عليه، وحسب معلوماتي الشخصية التي استقيتها من السيد فيصل الزواوي، عن طريق زميله فوزي عريب الزماط الزواوي، أن سيف أصيب في يده. وعندما اعتقل كان واضحا أنه تعرض لإطلاق نار، والأصابع التي توعد بها الليبيين كانت مقطوعة. البعض قال إنها ربما قطعت عمدا.. لكن سيف لم يذكر ذلك، وإنما قال في اعترافاته إنه أصيب قبل القبض عليه.
* كرجل قانون ما رؤيتك للطريقة التي يجب أن يجري التعامل بها مع هذا الملف، خصوصا أن هناك مطالبة دولية لمحاكمة سيف الإسلام؟
- انطلاقا من نظرة قانونية بحتة فإن المحكمة الجنائية الدولية هي محكمة قضاء تكميلي، والأساس هو أن يحاكم سيف الإسلام في بلده عن الجرائم التي ارتكبها فيه. وإذا أدين بعقوبة أقل من الإعدام أو لم يدن، فمن حق المحكمة الجنائية الدولية أن تتولى محاكمته عن الجرائم التكميلية الأخرى، لأننا نعرف جيدا أن أقصى عقوبة تصدرها المحكمة الجنائية الدولية هي السجن مدى الحياة. إن بقاء سيف الإسلام في ليبيا بقاء قانوني، بيد أنني أؤاخذ ثوار الزنتان على احتفاظهم به ورفضهم تسليمه للسلطات الليبية. وهذا طبعا موقف سجلوه لأنفسهم، وربما عده البعض موقفا سلبيا في هذه الثورة. كذلك أسجل على القضاء الليبي تأخره في محاكمة عبد الله السنوسي (صهر القذافي ورئيس استخباراته) عن الملف الجاهز المتعلق بمذبحة أبو سليم. وسواء تعلق الأمر بملف أبو سليم أو ملف تحريض وتوعد سيف الإسلام الليبيين بالقتل والتهجير، فإنها تهم جاهزة للحكم بالإعدام. وأنا هنا أسجل تراخي وتباطؤ القضاء الليبي في الفصل في هذين الملفين بالسرعة الممكنة تحقيقا للعدالة, وإرضاء للشارع الليبي، وأيضا حسما لخلافات قانونية قد تحدث في المستقبل.
* هناك اليوم جدل بين المراقبين للشأن الليبي مفاده أن ليبيا أمام خيارين: إما إنشاء مجالس المصالحة والمصارحة والتسامح الاجتماعي كما حدث في بلدان مثل جنوب أفريقيا ودول البلقان، والاكتفاء بمحاكمة رجال نظام القذافي الذين يمكن إثبات تهمهم فقط. وإما ملاحقة هؤلاء جميعا, وذلك حتى تسن قوانين العزل السياسي وغيرها. ما رؤيتك في هذا الجدل؟
- الوضع في ليبيا يختلف عما هو عليه في مصر وتونس. الوضع الاقتصادي في ليبيا مريح بعكس الوضع في مصر وتونس.. الذي كان يعتمد بشكل كبير على السياحة التي ضربت بسبب غياب الأمن. في تونس تكمن المشكلة الحقيقية في الاغتيالات السياسية، وخصوصا اغتيالات الرموز السياسية مثل شكري بلعيد. وفي مصر نجد أن الرئيس المصري المعزول محمد مرسي تعامل خلال فترته الرئاسية التي استمرت نحو سنة بشيء من التخبط. فعلى الرغم من أن نجاحه في الانتخابات جرى بنحو 52% مقابل 48%، فإنه بدأ في تطبيق سياسة الإخوان بالتمكين قبل الإنجاز، مع أنه يفترض أن يجري الإنجاز قبل التمكين. الرئيس مرسي تعجل التمكين، وتدخل في مؤسستين خطيرتين في التاريخ المصري، هما: المؤسسة القضائية عندما أراد الإطاحة بالنائب العام وبعض رموز القضاء في البلاد لإتاحة الفرصة أمام الموالين لحزب الحرية والعدالة، والمؤسسة العسكرية من خلال إطاحته بالقادة العسكريين مثل المشير محمد حسين طنطاوي وإحالة مجموعات كبيرة من قيادات الجيش الى التقاعد. إن المساس بالمؤسستين العسكرية والقضائية، وأيضا تعيينه محافظين من تيار الإخوان المسلمين في مناطق ربما غير محسوبة على التيار الإسلامي، كما حدث في محافظة الأقصر، وهي محافظة معروفة بالسياحة، كلها أمور استعجل بها السيد مرسي ونظام الإخوان، لتمكينهم من مفاصل الدولة في مصر قبل أن ينجزوا أي شيء، وبالتالي حصل ما حصل، ونتمنى للشعب المصري والشعب التونسي السلامة.
أما بالنسبة لليبيا فالوضع مختلف، وسمته الاستعجال وقلة الصبر، وهذا طبعا أربك المجلس الوطني الانتقالي، وأربك الحكومة الانتقالية وأربك أيضا الجسم المنتخب ــــ المؤتمر الوطني العام (البرلمان), إذ لم تمنح الفرصة الكافية للعمل في ظروف مناسبة. هذا الاستعجال وقلة الصبر أعطى فرصة لأتباع القذافي وبعض القيادات الإسلامية المتطرفة لإرباك الأمن الليبي في كثير من القضايا. أيضا على المواطن الليبي حقوق قبل أن يطلب واجبات. الليبيون لا يذهبون إلى العمل بشكل مثالي، ومن يذهبون إليه لا ينجزونه بشكل مثالي. الليبيون اتكاليون ومتعجلون.
مع هذا، عموما، نحن متفائلون بأن ليبيا ستشهد استقرارا ونموا لأن لديها القوة الاقتصادية التي نستطيع من خلالها الوصول إلى ما يطمح إليه أولئك الذين ضحوا في وقت سابق بأموالهم ودمائهم وأرواحهم.
* ألا يساورك قلق من أن يعيد التاريخ نفسه؟ وهل تؤمن بما يقوله البعض بأن ثمة بلدانا لا تصح فيها إلا قيادة شخص قوي؟
- هناك طبعا بعض المفكرين والساسة الدوليين يقولون إن منطقة الشرق الأوسط ومنطقة العالم الثالث بشكل عام، ليست من المناطق المهيأة للديموقراطية، ولا تشكل بيئة صالحة لها، لأن هذه الشعوب جبلت منذ زمن بعيد وماض طويل على حكم الشخص الواحد. وبالتالي فهذه الدول بحاجة إلى ديكتاتور ولكن هؤلاء يتمنون أن يحكمها ديكتاتور عادل. هذه النظرة جاءت من خلال تعاطي الشباب مع ديمقراطية مفتوحة ومنفجرة ولا حدود لها. في مصر، مثلا، قبل فك الاعتصامات في الميادين عطل مؤيدو مرسي العمل فيها، وأقلقوا سكان تلك الميادين، وامتد هذا الوجود والحضور إلى بعض المناطق التي تشكل شريان الحياة في القاهرة. وبالتالي لم يكن أمام السلطات سوى أن تفرض سيطرتها على هذه الأماكن لكي تنساب الحياة. إن تعرض السلطات لأولئك الأشخاص يستلزم نوعا من القوة التي قد تتنافى مع الديمقراطية، ولكن الديمقراطية تتلاشى عندما تمس حرية الآخرين، فالمطلوب التظاهر بشكل سلمي في أماكن معينة من دون عرقلة المصلحة العامة.
* هل تؤمن بأن الديمقراطية يجب أن تكون لها ثقافتها أولا ثم مؤسساتها، أم أن المؤسسات تأتي هي الأولى، كصناديق الاقتراع؟
- الديمقراطية هي ثقافة أولا. لا بد من ثقافة لدى الناس، ولا بد من أن يكون لمؤسسات المجتمع المدني دور فاعل، وبعد ذلك تأتي صناديق الاقتراع. لكننا استعجلنا وأردنا صناديق الاقتراع أولا. وأعود هنا للحديث عن مصر، وأقول إننا عندما ننظر إلى الواقع الديمقراطي نجد رئيسا منتخبا من قبل الأغلبية، وبناء عليه يجب أن تعطى له فرصة حتى وإن كانت هناك مآخذ أو مثالب على عمله. هذه المآخذ يجب أن تكون من خلال المعارضة الموجودة في البرلمان، أي من خلال المعارضة المؤسساتية، وليس المعارضة عن طريق الشارع، لأنه حتى ولو لم يطح بالرئيس المصري كان يمكن للفريق المضاد أن يعطل الحياة في مصر.
* ما رأيك في من يقول إن ثورات «الربيع العربي» كانت ثورات إسلامية، وهناك من يقول إنها ثورات كانت الأحزاب الإسلامية أكبر المستفيدين منها؟
- لم تكن ثورات إسلامية بالدرجة الأولى، ولكنها استغلت من جانب ذلك التيار المنظم، تيار الإخوان، نظرا لأن التيار الإسلامي المنظم في دول «الربيع العربي» هو تيار الإخوان. لكن تبين من خلال السياسة التي انتهجها الإخوان سواء في تونس أو مصر أو ليبيا أنه لم يعد لديهم قبول يذكر في الشارع الليبي أو المصري أو التونسي.
* هل تعتقد أن هناك خطوات يجب أن تتخذ في ليبيا غير التي تجري الآن على الصعيد السياسي لتصحيح الوضع؟
- طبعا، أنا شملني قانون العزل السياسي باعتباري كنت وزيرا في عهد القذافي، وكنت قاضيا في محكمة الشعب. كنا نتمنى ألا يربط العزل بالوظيفة، وهذا لا يتعلق بي شخصيا، فأنا ليست لدي طموحات للعمل السياسي على الإطلاق، ولكن هناك أناسا آخرين ظلموا منهم مثلا السيد محمد المقريف، وهو رجل مناضل في المعارضة الليبية، التي لم يصبح لها شأن إلا عندما تولاها المقريف. ليس عدلا عزل المقريف. كنت أتمنى أن يكون العزل بسبب السلوك وليس بتولي الوظيفة. هناك موظفون صغار لم يشملهم العزل السياسي نظرا لأن وظائفهم كانت صغيرة، غير أنهم كانوا مثالا للفساد الأخلاقي والفساد المالي في الدولة الليبية.. وفي المقابل هناك أناس - وهنا لا أتكلم عن نفسي بل عن أناس آخرين - مثل عبد الرحمن شلقم ومحمود جبريل والمقريف تولوا مناصب قيادية كبيرة في نظام القذافي لكن سلوكهم كان سلوكا مميزا.
وأذكر أنه لما جئنا إلى المجلس الوطني الانتقالي وبدأنا في المصالحة الوطنية، وضعنا ثلاثة معايير؛ المعيار الأول يقول إن كل من كان سببا في قتل الليبيين في الداخل أو في الخارج بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، يجب أن يقدم للمحاكمة ويواجه الشكاوى من طرف أناس يعتقدون أنه أضر بهم. والمعيار الثاني يتحدث عن كل من استغل سلطته الوظيفية للحصول على المال بشكل غير مشروع، وهذا أيضا أمر يستلزم الرجوع إلى ما تصدره المحاكم الليبية في هذا الشأن, بينما يتحدث المعيار الثالث عن كل من وقف ضد ثورة 17 فبراير (شباط) بالفعل. وثار جدل داخل المجلس عندما قلت «بالفعل»، وكنت أنا من قدم نص المعايير الثلاثة. وتساءل البعض: كيف ذلك؟ فقلت لهم إن التهمة لا تتمثل في الأقوال. فقالوا إن ثمة أشخاصا وقفوا ضد الثورة بالقول، ومنهم إعلاميون من ضمنهم على سبيل المثال مذيعة اسمها هالة المصراتي. هؤلاء وقفوا في الإذاعة المملوكة للدولة السابقة ضد الثورة بالقول، لكنهم لا يشكلون خطرا لأنهم لم يحملوا السلاح ضد الثوار. وقلنا إن كل من وقف ضد هذه الثورة بالفعل، هو من زود أعداء الثورة بالسلاح وساهم في قتل الثوار.
* ألا ترون أن هناك مفارقة تكمن في أنكم بدأتم قانون العزل السياسي، ثم أصبحتم مستهدفين به؟
- قانون العزل لم يكن يستهدفني، بل كان يستهدف بالدرجة الأولى محمود جبريل لأنه صاحب طموح سياسي.
* هل تعتقد أن هذا عدل في حق شخص مثل محمود جبريل؟
- لا. هذا ليس من العدل لا في حق محمود جبريل ولا عبد الرحمن شلقم، ولا كل أولئك الذين كان لهم دور بارز في هذه الثورة، كان يجب أن يحظوا بالاحترام.
* ما رأيك في القول إنه يجب على الجيل الذي عاصر ذلك العهد أن يفسح المجال لآخرين من الجيل الجديد ليقودوا المسيرة؟ وهل تعتقد أن تلك الخبرات يجب تفادي التضحية بها؟
- أنا مع تجنب التضحية بالخبرات. إذا كانت هناك خبرة لا توجد مآخذ عليها فليفسح لها المجال، لأن ليبيا في حاجة إلى الخبرات. مثلا اللغة الإنجليزية ألغيت في ليبيا منذ عام 1979، والجيل الحالي لا يتكلم اللغة الإنجليزية على الإطلاق. كيف يمكن أن تعتمد على هذا الجيل في بناء الدولة؟.
* لفت انتباهي في أول لقاء بك قولك إنك لست رجل سياسية.. كيف ترى نفسك الآن بعد كل ما حدث؟
- لقد تقاعدت بشكل مبكر حتى من القضاء، وتقدمت بتقاعدي يوم سقوط السلطة في 22 أغسطس (آب) 2011، وقدمت الطلب لرئيس المجلس القضائي الأعلى، لأنه من غير اللائق أن أقود ثورة وأبقى في الهيئات القضائية. فمن خلال خبرتي ووظيفتي وأقدميتي قد تتاح لي أمور تضطرني أن أتولى محاكمة من كنت يوما مديرا عليهم.. هذا أمر غير مقبول.
* هل ستعود إلى المشهد السياسي لو طلب منك ذلك مستقبلا؟
- لا.. هذا مستحيل.
* ما هي أهدافك الآن.. كيف تقضي أيامك؟
- أنا الآن أمارس الرياضة في مدينتي البيضاء وأستمتع بالطبيعة الخلابة في الجبل الأخضر، وأتواصل مع زملائي في أعمال خيرية داخل المدينة. وأنا مستعد أيضا للمساهمة في تحقيق المصالحة تحت أي غطاء تتبناه الدولة سواء كان المؤتمر الوطني أو الحكومة الانتقالية.
* هل هناك حاجة لمانديلا ليبي؟
- والله مانديلا واحد لا يكفي ليبيا.. ولا حتى عشرة من أمثال مانديلا.

الجزء الأول على هذا الرابط
http://beta.aawsat.com/home/article/6795



الحوثيون يجهّزون لمحاكمة دفعة جديدة من موظفي الأمم المتحدة

محكمة يديرها الحوثيون أصدرت أحكاماً بإعدام 17 معتقلاً (إ.ب.أ)
محكمة يديرها الحوثيون أصدرت أحكاماً بإعدام 17 معتقلاً (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يجهّزون لمحاكمة دفعة جديدة من موظفي الأمم المتحدة

محكمة يديرها الحوثيون أصدرت أحكاماً بإعدام 17 معتقلاً (إ.ب.أ)
محكمة يديرها الحوثيون أصدرت أحكاماً بإعدام 17 معتقلاً (إ.ب.أ)

فيما تواصل الجماعة الحوثية تجاهل الدعوات الدولية المطالِبة بوقف ملاحقة موظفي المنظمات الدولية والإغاثية، كشفت مصادر قضائية عن استعداد الجماعة لإحالة دفعة جديدة من موظفي الأمم المتحدة والعاملين لدى منظمات إغاثية دولية ومحلية، إضافة إلى أفراد من بعثات دبلوماسية، إلى المحاكمة أمام محكمة متخصصة بقضايا «الإرهاب».

يأتي ذلك بالتزامن مع إعلان محامٍ يمني بارز، تولّى منذ سنوات الدفاع عن عشرات المعتقلين لدى الحوثيين، دخوله في إضراب مفتوح عن الطعام احتجاجاً على استمرار اعتقاله ووضعه في زنزانة انفرادية منذ 3 أشهر، وفق ما أفاد به أفراد من أسرته.

وقالت المصادر القضائية لـ«الشرق الأوسط»، إن الجماعة بدأت فعلياً بمحاكمة 3 دفعات من المعتقلين، أُصدرت بحقهم حتى الآن أحكام إعدام بحق 17 شخصاً، في قضايا تتعلق باتهامات «التجسس» والتعاون مع أطراف خارجية. وأوضحت أن التحضيرات جارية لإحالة دفعة رابعة، تضم موظفين أمميين وعاملين في المجال الإنساني، إلى المحاكمة خلال الفترة المقبلة.

العشرات من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية مهددون بأوامر الإعدام الحوثية (إعلام محلي)

وبحسب المصادر نفسها، فإن الحوثيين نقلوا العشرات من المعلمين والنشطاء في محافظة إب إلى العاصمة صنعاء، في خطوة وُصفت بأنها تمهيد لمحاكمتهم، بعد أشهر من اعتقالهم. وأكدت أن جهاز مخابرات الشرطة، الذي يقوده علي الحوثي نجل مؤسس الجماعة، بدأ بنقل أكثر من 100 معتقل من إب إلى صنعاء، عقب فترات تحقيق مطوّلة داخل سجن المخابرات في المحافظة.

وأشارت إلى أن المعتقلين حُرموا من توكيل محامين للدفاع عنهم، كما مُنعت أسرهم من زيارتهم أو التواصل معهم، رغم مرور أكثر من 6 أشهر على اعتقال بعضهم، في مخالفة صريحة لأبسط ضمانات العدالة والإجراءات القانونية.

دور أمني إيراني

وفق ما أفادت به المصادر في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، فإن خبراء أمن إيرانيين تولّوا الإشراف على حملات الاعتقال الواسعة، التي انطلقت بذريعة منع الاحتفال بالذكرى السنوية لثورة 26 سبتمبر (أيلول) 1962، التي أطاحت بحكم أسلاف الحوثيين في شمال اليمن. وانتهت تلك الحملات باعتقال العشرات بتهم «التجسس» لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل.

وأضافت أن إحكام القبضة الإيرانية على ملف المخابرات لدى الحوثيين، جاء في إطار احتواء الصراعات بين الأجهزة الأمنية المتعددة التابعة للجماعة، إلى جانب الإشراف على خطط تأمين قياداتها السياسية والعسكرية.

غير أن هذا الترتيب، بحسب المصادر، أدى إلى إغلاق معظم قنوات الوساطة القبلية التي كانت تُستخدم سابقاً للإفراج عن بعض المعتقلين، مقابل دفع فِدى مالية كبيرة وتقديم ضمانات اجتماعية بحسن السيرة.

إضراب محامي المعتقلين

في سياق هذه التطورات القمعية الحوثية، أعلن المحامي اليمني المعروف عبد المجيد صبرة، الذي تولّى الدفاع عن عشرات المعتقلين لدى الحوثيين، إضراباً عاماً عن الطعام، احتجاجاً على استمرار احتجازه منذ نهاية سبتمبر الماضي. ونقل شقيقه وليد صبرة، في نداء استغاثة، أنه تلقى اتصالاً مقتضباً من شقيقه أبلغه فيه ببدء الإضراب، وبأن إدارة سجن المخابرات أعادته إلى الزنزانة الانفرادية.

دفاع صبرة عن المعتقلين أغضب الحوثيين فاعتقلوه (إعلام محلي)

وأوضح وليد صبرة أن سبب اعتقال شقيقه يعود إلى منشور على مواقع التواصل الاجتماعي احتفى فيه بالذكرى السنوية لثورة 26 سبتمبر، مؤكداً أن الأسرة لا تعلم شيئاً عن وضعه الصحي، وأن طلباتهم المتكررة لزيارته قوبلت بالرفض. وتساءل عن مصير الفريق القانوني الذي كلفته نقابة المحامين بمتابعة القضية، وما إذا كان قد تمكّن من معرفة مكان احتجازه أو الجهة المسؤولة عنه.

وأثار إعلان الإضراب موجة تضامن واسعة، حيث عبّر عشرات الكتّاب والنشطاء عن دعمهم للمحامي صبرة، مطالبين بالإفراج الفوري عنه، وضمان حقه في الزيارة والرعاية الطبية.

كما ناشدوا نقابة المحامين، واتحاد المحامين اليمنيين والعرب، ومنظمات حقوق الإنسان، التدخل العاجل لحماية حياته، باعتباره أحد أبرز المدافعين عن الحريات والحقوق، وعن الصحافة والصحافيين، وعن المعتقلين والمختفين قسرياً، والمحكوم عليهم بالإعدام في مناطق سيطرة الحوثيين.


العليمي يشيد بجهود تحالف دعم الشرعية لخفض التصعيد شرق اليمن

جانب من لقاء العليمي في الرياض مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية باليمن (سبأ)
جانب من لقاء العليمي في الرياض مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية باليمن (سبأ)
TT

العليمي يشيد بجهود تحالف دعم الشرعية لخفض التصعيد شرق اليمن

جانب من لقاء العليمي في الرياض مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية باليمن (سبأ)
جانب من لقاء العليمي في الرياض مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية باليمن (سبأ)

شدّد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي على أن الاستقرار السياسي يُعد شرطاً أساسياً لنجاح أي إصلاحات اقتصادية، في ظل تداعيات قرار صندوق النقد الدولي تعليق أنشطته في اليمن، مشيداً في الوقت ذاته بجهود تحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية والإمارات لخفض التصعيد، وإعادة تطبيع الأوضاع في محافظات شرق البلاد.

جاءت تصريحات العليمي، الأحد، خلال اتصال أجراه بمحافظ البنك المركزي اليمني أحمد غالب، للاطلاع على المستجدات الاقتصادية والنقدية، والتداعيات المحتملة لقرار صندوق النقد الدولي تعليق أنشطته في اليمن، على خلفية الإجراءات الأحادية التي شهدتها المحافظات الشرقية في الأيام الماضية.

ونقل الإعلام الرسمي اليمني عن مصدر رئاسي أن العليمي استمع إلى إحاطة من محافظ البنك المركزي حول مستوى تنفيذ قرارات مجلس القيادة، وتوصياته الهادفة لمعالجة الاختلالات القائمة في عملية تحصيل الإيرادات العامة إلى حساب الحكومة في البنك المركزي، إضافة إلى عرض للمؤشرات المالية والنقدية، والجهود المطلوبة لاحتواء تداعيات القرار الدولي على استقرار سعر الصرف، وتدفق الوقود والسلع، وتحسين مستوى الخدمات الأساسية.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

وأضاف المصدر أن الاتصال تطرق إلى تقييم شامل للأوضاع الاقتصادية الراهنة، وما يفرضه تعليق أنشطة صندوق النقد من تحديات تتطلب تنسيقاً حكومياً عاجلاً للحفاظ على الاستقرار سواء المالي أو النقدي، وضمان استمرار التزامات الدولة تجاه المواطنين.

وكانت مصادر يمنية رسمية ذكرت أن صندوق النقد الدولي قد أعلن تعليق أنشطته في اليمن، عقب التوتر الأمني في حضرموت والمهرة خلال الأيام الماضية، الأمر الذي أثار مخاوف من انعكاسات اقتصادية محتملة، في وقت تعتمد فيه الحكومة اليمنية على الدعم الخارجي والمؤسسات الدولية في تنفيذ برامج الاستقرار المالي والإصلاحات الاقتصادية.

إشادة بمساعي التهدئة

أفاد المصدر الرئاسي اليمني - حسب ما نقلته وكالة «سبأ» بأن العليمي أشاد بالمساعي التي يبذلها تحالف دعم الشرعية، بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات، لخفض التصعيد وإعادة تطبيع الأوضاع في محافظتي حضرموت والمهرة، مثمناً دعم الرياض للموازنة العامة، وتعزيز صمود مؤسسات الدولة، واستمرار الوفاء بالالتزامات الحتمية تجاه المواطنين.

جنود تابعون للمجلس الانتقالي الجنوبي في عدن يحرسون مدخل القصر الرئاسي (رويترز)

وأشار المصدر إلى أن العليمي عدّ إعلان صندوق النقد الدولي تعليق أنشطته في اليمن بمثابة «جرس إنذار»، يؤكد ارتباط الاستقرار الاقتصادي بالاستقرار السياسي، ويبرز أهمية توحيد الجهود لتفادي انعكاسات سلبية على الوضعين المالي والمعيشي.

كما جدّد رئيس مجلس القيادة التأكيد على أن الانسحاب الفوري للقوات الوافدة كافة من خارج محافظتي حضرموت والمهرة يُمثل الخيار الوحيد لإعادة تطبيع الأوضاع في المحافظات الشرقية، واستعادة مسار النمو والتعافي، وتعزيز الثقة مع مجتمع المانحين والمؤسسات الدولية.

توحيد الجهود

يأتي اتصال العليمي بمحافظ البنك المركزي عقب لقاء عضو مجلس القيادة الرئاسي عيدروس الزُّبيدي (رئيس مجلس الانتقالي الجنوبي) في العاصمة المؤقتة عدن بقيادة القوات المشتركة لتحالف دعم الشرعية، برئاسة اللواء الركن سلطان العنزي، واللواء الركن عوض الأحبابي.

وكان اللقاء ناقش - حسب الإعلام الرسمي اليمني - سُبل توحيد الجهود في مواجهة المخاطر التي تهدد أمن المنطقة والإقليم، وتمس المصالح الدولية، وتهدد حرية الملاحة، إلى جانب آليات تعزيز جهود مكافحة الإرهاب، وتجفيف منابع تمويله، والتنسيق مع الشركاء الدوليين لوقف تهريب الأسلحة إلى الجماعات الإرهابية.

اجتماع وفد عسكري سعودي إماراتي في عدن مع رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي (سبأ)

وأكد الزُّبيدي خلال اللقاء عمق ومتانة العلاقات الأخوية مع دول التحالف، مثمناً الدور الذي تقوم به في دعم القوات المسلحة، ومواجهة الميليشيات الحوثية، ومكافحة الإرهاب. وفق ما أورده الإعلام الرسمي.

وعقب هذا اللقاء كانت القيادة التنفيذية العليا للمجلس الانتقالي الجنوبي عقدت اجتماعها الدوري برئاسة الزبيدي، واستعرضت نتائج اللقاء مع قيادة القوات المشتركة للتحالف، وما خرج به من تفاهمات لتعزيز الأمن والاستقرار، ومكافحة الإرهاب، وتأمين خطوط الملاحة وحماية الأمن البحري، إضافة إلى الأوضاع في وادي حضرموت والمهرة، والجهود المبذولة لتطبيع الأوضاع، وحفظ السكينة العامة.


«ادفع أو أُغلق»... الحوثيون يشنّون حرب جبايات تخنق صنعاء

مبنى وزارة الصناعة والتجارة الخاضع للحوثيين في صنعاء (فيسبوك)
مبنى وزارة الصناعة والتجارة الخاضع للحوثيين في صنعاء (فيسبوك)
TT

«ادفع أو أُغلق»... الحوثيون يشنّون حرب جبايات تخنق صنعاء

مبنى وزارة الصناعة والتجارة الخاضع للحوثيين في صنعاء (فيسبوك)
مبنى وزارة الصناعة والتجارة الخاضع للحوثيين في صنعاء (فيسبوك)

أغلقت الجماعة الحوثية خلال الشهر الماضي 98 منشأة ومتجراً متنوعاً في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في سياق تصعيدها لحملات الدهم والإغلاق وفرض الإتاوات التي تستهدف كبار التجار وأصحاب المتاجر الصغيرة على حد سواء، لإرغامهم على دفع جبايات مالية وعينية تحت مسميات متعددة، تُفاقم من هشاشة الاقتصاد المحلي، وتزيد من معاناة السكان.

وكشفت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» عن تنفيذ نحو 40 لجنة ميدانية تتبع ما يُسمى مكتب الصناعة والتجارة الخاضع للجماعة الحوثية في صنعاء، عدة نزولات خلال 4 أسابيع، استهدفت بالدهم والإغلاق وفرض الإتاوات ما يقارب 683 منشأة تجارية في أحياء متفرقة من صنعاء، شملت أسواقاً مركزية، ومحال بيع بالتجزئة، ومطاعم ومخازن.

وأقرّ تقرير أولي صادر عن مكتب الصناعة والتجارة الخاضع للحوثيين بأن القائمين على الحملة أغلقوا خلال 30 يوماً نحو 98 منشأة ومتجراً، وأصدروا 227 تعميماً، ونحو 110 إشعارات حضور، وأحالوا 55 مخالفة إلى النيابة التابعة للجماعة، فضلاً عن اتخاذ سلسلة إجراءات إدارية وغرامات مالية بحق 190 منشأة بزعم ارتكاب مخالفات.

عناصر حوثيون خلال دهم أحد المتاجر في صنعاء (فيسبوك)

ويزعم الحوثيون أن حملاتهم تهدف إلى ضبط الأسعار، ومكافحة الغش التجاري والاحتكار، والتصدي لمواد مخالفة للمواصفات أو منتهية الصلاحية، ونقص الأوزان، ورفض التفتيش، وغيرها من المبررات التي يرى التجار أنها تُستخدم غطاءً لابتزازهم وجباية الأموال بالقوة.

مضايقات متكررة

واشتكى تجار في صنعاء، تحدّثوا إلى «الشرق الأوسط»، من تكرار المضايقات الحوثية بحقهم، مؤكدين أن الجماعة تواصل شن حملات واسعة لجمع إتاوات نقدية وعينية تحت تسميات عدة، أبرزها تمويل ما تُسمى الوقفات المسلحة، وحملات التعبئة والتجنيد الإجباري، ودورات «طوفان الأقصى» العسكرية، تحت مزاعم الاستعداد لما تصفه بمعارك مرتقبة مع إسرائيل وأميركا.

وأكد تجار أن فرض مزيد من الجبايات يتزامن مع تراجع حاد في النشاط التجاري وكساد البضائع وارتفاع النفقات التشغيلية، ما يجعل كثيراً من المنشآت الصغيرة والمتوسطة مهددة بالإفلاس أو الإغلاق القسري، في ظل غياب أي حماية قانونية أو بيئة أعمال مستقرة.

جرافة حوثية تعتدي على باعة أرصفة بالقرب من متاجر في صنعاء (إعلام حوثي)

ويقول «خالد» (اسم مستعار)، وهو تاجر مواد غذائية في حي السنينة بمديرية معين، إن عناصر حوثية مسنودة بعربات أمنية اقتحمت متجره، وأرغمته على دفع 10 آلاف ريال يمني (الدولار نحو 535 ريالاً) بحجة الإسهام في تمويل أنشطة الجماعة الحالية لاستقطاب وتجنيد مقاتلين جدد. ويوضح أن المبالغ المفروضة تُحدد تقديرياً بناءً على حجم البضائع، دون أي معايير قانونية واضحة.

من جهته، يؤكد صاحب متجر صغير في حي شميلة بمديرية السبعين، لـ«الشرق الأوسط»، تكثيف مسلحي الجماعة خلال الأسابيع الأخيرة من استهداف التجار وصغار الباعة في سوق شميلة المركزية، لإجبارهم على دفع إتاوات غير قانونية.

ويشير إلى أن متجره تعرّض للدهم منتصف الشهر الماضي، وأُجبر بالقوة على دفع مبلغ مالي بزعم وجود مخالفات سابقة، قبل أن يصادر المسلحون أصنافاً غذائية من متجره نتيجة عجزه عن السداد، بذريعة دعم المقاتلين في الجبهات.

تدهور اقتصادي

تأتي هذه التطورات في وقت كشف فيه تقرير دولي حديث عن استمرار تدهور الوضع الاقتصادي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، في ظل تصاعد حملات الجباية التي تستهدف الأنشطة التجارية، ما يُعمِّق أزمة انعدام الأمن الغذائي ويقلّص قدرة الأسر على تلبية احتياجاتها الأساسية.

حوثيون يغلقون متجراً في صنعاء لعدم استجابة مالكه لدفع جبايات (إكس)

ووفقاً لتقرير صادر عن «شبكة الإنذار المبكر للاستجابة للمجاعة»، فإن الاقتصاد في مناطق سيطرة الجماعة يواصل التراجع بوتيرة عالية، بفعل الحملات المتكررة التي تطول المطاعم والمتاجر والفنادق وبقية القطاعات، ولا تقتصر على فرض رسوم إضافية فحسب، بل تشمل تشديد القيود التنظيمية، الأمر الذي أدى إلى إغلاق عدد من المنشآت الصغيرة.

وحذّر التقرير من أن استمرار هذا النهج سيُضعف قدرة الأسر على الحصول على الغذاء حتى بالتقسيط، الذي شكّل خلال السنوات الماضية ملاذاً أخيراً لمواجهة الضائقة المعيشية، متوقعاً زيادة حدة انعدام الأمن الغذائي في ظل استمرار الجبايات وتراجع المساعدات الإنسانية أو توقفها.