تنهال الإشادات حاليًا على إديرزيتو أنتونيو ماسيدو لوبيز، الملك غير المحتمل لأوروبا. في الواقع، جاءت نهاية البطولة متوائمة للغاية مع مجرياتها - ذلك أنه بالنسبة لمسابقة شهدت صعود نجم فرق طالما بقيت في الظل، من الملائم أن تأتي الخاتمة حاملة معها أبطالاً جددًا لم يتوقعهم أحد لأوروبا. اللافت في إيدر أنه قضى سنواته الأولى في دار رعاية وتعرض لكثير من الهجوم كلاعب كرة قدم حتى نجح في إحراز هدف الفوز لبلاده ببطولة «يورو 2016» لتتبخر من الذاكرة الجمعية كل الانتقادات التي طالته من قبل وكأنها لم تكن!
كان المهاجم الوحيد للبرتغال قد شارك في المباراة قادمًا من على مقعد البدلاء ليحل محل ريناتو سانشيز في وقت متأخر من الوقت الأصلي للمباراة. وجاءت مشاركته حاملة معها أعظم اللحظات الرياضية في تاريخ بلاده، وذلك بعدما نجح في الإفلات من المدافع الفرنسي لوران كوشيلني وتسديد الكرة لتتجاوز الحارس الفرنسي هوغو لوريس. وفي تلك اللحظة، أثبت إيدر خطأ الجحافل التي شككت من قبل في قدراته.
ولا شك أن ما حدث يشكل تحولاً هائلاً في مسيرة لاعب بدأ عام 2016 على مقعد البدلاء داخل استاد كاسام بمدينة أكسفورد، في وقت كان ناديه سوانزي سيتي يتعرض لهزيمة موجعة على يد نادي أكسفورد يونايتد المشارك في دوري الدرجة الثانية في إطار بطولة كأس الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم. وسرعان ما رحل عن سوانزي في جنوب ويلز وانضم إلى ليل الفرنسي على سبيل الإعارة لباقي الموسم الذي شارك فيه في الدوري الإنجليزي بالتشكيل الأساسي خلال مباراتين فقط، ومشاركته في إجمالي مباريات بلغ 11 ولم يسدد الكرة تجاه المرمى قط.
وخلال مشاركته الأولى في دوري الدرجة الأولى الفرنسي، نجح إيدر في تسجيل هدف قبل أن يتعرض لإصابة بالركبة. ومع ذلك، فإن مستوى اللياقة البدنية التي ظهر بها لاحقًا جاء على مستوى ضمن له الانتقال بصورة دائمة إلى فريق ليل بحلول نهاية الموسم.
حتى مساء الأحد الماضي، عندما تحول فجأة كل شيء إلى الأجمل، كان المنتخب البرتغالي بشهادة مدربه فيرناندو سانتوس لا يعدو كونه «مجموعة من البط القبيح»، والمذهل أن واحدة من هذا البط - بل وربما أكثرها قبحًا - تحولت إلى ما وصفه سانتوس بأنه «بجعة رائعة الجمال» تمتعت بلحظة تألق استثنائية. ومن بين إجمالي الـ552 لاعب الذين شاركوا في «يورو 2016» بفرنسا، ربما قليلون للغاية من مروا بنشأة أقسى من تلك التي عايشها إدير. ولد إيدر في غينيا بيساو، ثم انتقلت أسرته إلى لشبونة بحثًا عن حياة أفضل عندما كان في الثانية من عمره، لكن الأسرة عجزت عن توفير الرعاية المناسبة له. وعليه، أرسلته أسرته إلى دار رعاية حكومية، بضواحي مدينة قلمرية، وظل هناك حتى بدأ المشاركة في كرة القدم للمحترفين لحساب فريق أكاديميكا عام 2008. قبل ذلك، قضى وقته بنادي توريزنز شبه المحترف الذي يشارك بدوري الدرجة الثالثة البرتغالي، ويقع على بعد قرابة 40 ميلاً إلى الشمال الشرقي من قلمرية.
وعاش إيدر حياة متقشفة، اضطر خلالها للالتزام بالجدول الزمني الصارم الذي يفرضه الرهبان الكاثوليك المسؤولون عن الدار. ومع هذا، ظل قريبًا من أسرته على مدار حياته. كما حرص إدير على تقديم أول مبلغ كسبه (400 يورو) إلى والدته، أما والده فيعيش حاليًا في لندن، بينما تدرس شقيقته بجامعة وولفرهامبتون خارج لندن. وبدت كرة القدم بالنسبة لإدير بمثابة ملاذ يهرب إليه من بؤس واقعه حيث كان يلعب في الشوارع خارج دار الرعاية في أي لحظة تسنح خلالها الفرصة لذلك، محاولاً محاكاة معشوقه البرازيلي رونالدو.
وعن الوقت الذي قضاه داخل «لار أو غيراسول»، قال إدير العام الماضي: «ساعدني على أن أصبح الرجل الذي أصبحت عليه الآن، بجانب أنه ساعدني في مسيرتي الكروية. بالطبع مرت لحظات كان الوضع يصبح قاسيًا بعض الشيء خلالها، لكن هذا أمر طبيعي، ولا ينفي أنني استمتعت كثيرًا. لقد التقيت الكثير من أصدقائي هناك، وكان من الجيد بالنسبة لي المرور بهذه التجربة في حياتي».
في الحقيقة، تبدو حياة إدير أشبه بقصة فيلم هوليوودي. وعلى صعيد كرة القدم، ربما أسهمت هذه التجربة في جعله معتادًا على الشعور بأنه غير مرغوب فيه. ويشير سجله الدولي قبل لقاء الأحد في نهائي «يورو 2016» إلى أنه شارك في 28 مباراة دولية وسجل ثلاثة أهداف، جميعها بمباريات ودية. وقد تطلب الأمر منه المشاركة مع المنتخب البرتغالي على مدار 18 مباراة قبل أن يتمكن من تسجيل أول أهدافه الدولية خلال مباراة ودية أمام إيطاليا منذ 13 شهرًا ماضية. وظلت مشاركته بالفريق الوطني محط تساؤلات قبل وأثناء البطولة.
ويعتبر إدير المهاجم الوحيد الصريح داخل منظومة تفضل لاعبي الجناح المتقدمين. وقبل مباراة النهائي، اقتصرت مشاركته على ترك مقعد البدلاء لمدة 6 دقائق أمام آيسلندا و7 دقائق أخرى أمام النمسا خلال دور المجموعات، حيث استفادت البرتغال من توسيع قاعدة المشاركة بالمسابقة، مما سمح لها بالمشاركة مع احتلالها المركز الثالث.
المعروف أن المنتخب البرتغالي لطالما اشتهر بافتقاره إلى نقطة محورية في الهجوم على امتداد ما يزيد على العقد، وقدم الفريق خلال تلك الفترة مجموعة من المهاجمين متوسطي المستوى. واللافت أن اللاعب الذي جاء حاملاً البطولة لبلد بدا محتومًا عليه لعب دور الوصيف، سبق أن بدا من بين أكثر اللاعبين المفتقرين إلى الفاعلية داخل الملعب.
ورغم نقاط القصور الواضحة بأدائه وفترات القحط المتكررة في مشواره داخل الملاعب، لم تتزعزع عزيمة إدير قط ولا حماسه. ويشرح ذلك سر القفاز الأبيض الذي كان يخبئه في جوربه الأيسر وارتداه بعد إحراز الهدف. وعن ذلك، قال إدير: «هذا القفاز يبث داخلي شعورًا طيبًا. إنه عامل تحفيز بالنسبة لي».
لم يكن إيدر يحلم حتى بأن يكون الرجل الذي سيقود البرتغال إلى مجد طال انتظاره، خصوصًا أنه كان من لاعبي «الصف الثاني» في منتخب بلاده بل حتى إنه كان قاب قوسين أو أدنى من الاستبعاد عن التشكيلة في نهائيات كأس أوروبا 2016. لكن القدر لعب دوره وتمكن اللاعب من أن يصبح بطلا قوميا بعد أن سجل هدف الفوز في مرمى فرنسا المضيفة في الشوط الإضافي الثاني من المباراة النهائية. ولم يكن أحد يتوقع أن يسجل إيدر هدف الانتصار والتتويج أكثر من كريستيانو رونالدو بالذات، حسب ما أكد لاعب ليل الفرنسي نفسه قائلا بعد اللقاء: «لقد قال إني سأسجل هدف الفوز. لقد منحني القوة والطاقة، كما حال الفريق بأكمله، وهذا الأمر لعب دورًا مهمًا. هذا الهدف كان ثمرة لعمل المنتخب بأكمله».
ويأتي نجاح إدير عبرة تعلمنا جميعًا ضرورة التشبث بالأمل والثقة بأنفسنا في وجه التحديات. وقريبًا، ستصبح قصة إدير مصدر إلهام لأجيال المستقبل، وسيجري قص حياته الأسطورية من براغا إلى فارو لعقود مقبلة، بينما سينضم هو الآن إلى الأسماء الكبرى اللامعة مثل فيغو ورونالدو من نجوم كرة القدم البرتغالية. ورغم أن إدير ربما لا يملك المهارات والنجاحات السابقة العظيمة التي تتميز بها هذه الأسماء، فإنه يبقى الوحيد بينهم الذي نجح في الفوز ببطولة دولية لبلد اعتاد السقوط عند الدرج الأخير من سلم البطولة.
إدير.. من يضحك أخيرًا يضحك كثيرًا
البرتغالي الذي تحول فجأة من «بطة قبيحة» إلى «بجعة رائعة الجمال»
إدير.. من يضحك أخيرًا يضحك كثيرًا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة