يصب ما حدث في الأسبوع الماضي عندما قتل شرطيان، في حادثتين منفصلتين، رجلين أفرو – أميركيين، وما تبع ذلك من انتفاضة رجل واحد قتل في المقابل خمسة رجال شرطة، في موضوع العلاقة غير المتساوية بين أكبر مساحتين بشريّتين في الولايات المتحدة: البيض والسود.
من دون ترتيب مسبق، وقع الحادث بعد نحو أسبوع من إعلان أكاديمية العلوم والفنون السينمائية عن استقبال أعضاء جدد جلهم من غير الأنغلو - ساكسونيين لعلهم بذلك يضيفون على ترشيحات ونتائج الأوسكار المقبل التنويع العنصري المفقود، وذلك من بعد أن ذهبت معظم جوائز الأوسكار التي منحت في العام الماضي والأعوام السابقة إلى ذوي البشرة البيضاء.
في دراسة قامت بها جامعة UCLA الأميركية قبل بضع سنوات وجد القائمون بها أن حفنة من الأدوار السينمائية متوفرة للعناصر اللاتينية والأفريقية والآسيوية وأقل منها للمواطنين الأصليين (الهنود الحمر). 69 في المائة من الأدوار مخصصة أساسًا للممثلين البيض و8 ونصف في المائة مفتوحة على البيض أو سواهم.
* البحث عن شرير بديل
كل ما سبق (والدراسة طويلة ومتعددة الجوانب) شيء وكيف تم التعامل مع العناصر البشرية غير البيضاء شيء آخر.
محطة TCM في نسختها الأميركية حرصت منذ أعوام على بث مجموعات من الأفلام كل منها تبحث في التنميط الهوليوودي حيال الأقليات: هناك حلقات تناولت السود وأخرى تناولت الآسيويين الجنوبيين (صينيين ويابانيين) وأخرى تناولت العرب. والناتج كم هائل من الأعمال التي مارست فيها هوليوود طريقتها العنصرية المبطّنة حينا أو الواضحة حينًا آخر.
«نهابون» (2016) هو آخر النماذج: هناك بضعة أدوار لممثلين أفرو - أميركيين لكن ليس منهم شخصية إيجابية واحدة، وكلهم في أدوار صغيرة.
لجانب هذا الفيلم هناك، في عرض خاص لإحدى القنوات الأميركية، وردت بضعة أفلام وسترن تحمل على مواطني البلاد الأصليين علما بأن هناك أفلام كثيرة أخرى (ليست بالعدد نفسه) أنصفتهم.
أحد هذه الأفلام تم تقديمه كمنصف للسود. الفيلم هو «مقتفو الأثر» (1971) لمخرج غير معروف (وفنيا غير مهم) اسمه إيرل بيلامي وبطولة سامي ديفيز جونيور وأرنست بورغنين. الفيلم يدور حول بورغنين العنصري الأبيض الذي عليه أن يتّكل على خبير اقتفاء أثار (ديفيز جونيور) لتعقب المجموعة الهندية التي خطفت ابنة الأول لتبيعها إلى عصابة رقيق.
صحيح أن الفيلم يحاول توفير لبنة صلح بين الأب الأبيض ورجل القانون الأسود، لكن سهام العنصرية تتوجه إلى الهنود الحمر التي يستلذ الاثنان بقلتهم كما لو أن على الفيلم أن يبحث عن بديل ليعالجه بالطريقة ذاتها. بذلك يصلح العلاقة بين الأبيض والأسود ويوتّرها بينهما وبين «الأحمر».
الأفلام المعادية للعنصر الأسود تعود إلى مطلع العشرية الأولى من القرن الماضي عبر أفلام بأسماء من نوع «زنجي في المحطبة» (A Nigger in the Woodpile) و«عرس زنجي » (Wedding of a Coon) الأول سنة 1904 والثاني عام 1907 بالإضافة إلى سلسلة كوميدية باسم «سامبو» (دامت من 1909 إلى 1911) من بين أخرى. في هذه الأفلام، الأسود غبي وكسول بالنشأة. ليس أهلاً للأخذ جديًا بل مدعاة للضحك عليه من البيض في الفيلم وخارجه.
* السويدي في دور الصيني
هذا قبل أن يحقق غريفيث «مولد أمّة» سنة 1915 فيزيد النعوت متهما السود في الفيلم بأنهم مصدر خطر اغتصاب النساء البيضاوات الناتج عن جوع جنسي وشعور بالانتقام. هذا لا يعني أن صورة الأسود النمطية الأولى (كسول وغبي) تم إيقافها عن التداول لاعتماد الصورة النمطية الثانية، لأن الأدوار التي تمنح الشخصية السوداء حضورًا يُقصد به إثارة الضحك عليه وتحويله إلى نكتة بشرية استمرت لسنوات طويلة فيما بعد ظهورها الأول في العقد الأول من القرن العشرين.
في عام 1926 تم الاحتفاء بشخصية التحري الصيني الأصل تشارلي تشان عبر فيلم من بطولته عنوانه «المنزل الذي بلا مفتاح» أخرجه خبير الأكشن والتشويق سبنسر بَنت. شخصية تشان هي من كتابة الروائي الأميركي إيرل در بيغرز الذي سعى لتقديم شخصية تحر ذكي يمكن مقارنته بشيرلوك هولمز، وذلك كرد غير مباشر على شخصية نمطية ابتدعتها السينما البريطانية والأميركية قبل ذلك بثلاثة أعوام هي شخصية الشرير المخيف فو مانشو.
حسب كتاب «دليل لأفلام تشارلي شان» هناك ما لا يقل عن خمسين فيلم من هذه السلسلة البوليسية انطلقت من سنة 1926 حتى عام 1948 بالإضافة إلى تجديد اهتمام نتج عنه فيلم لاحق بعنوان «تشارلي تشان ولعنة ملكة التنين» الذي قام بيتر استينوف ببطولته سنة 1981.
واحد من هذه الأفلام يمكن اعتباره نموذجًا لما سبق قوله حول تناقض الغايات حين يأتي الأمر إلى الشخصيات المعبّر عنها عنصريًا. هذا الفيلم هو «تشارلي شان في مصر» (1935).
في الأساس، فإن الممثل الأكثر نجاحًا من بين من لعب دور التحري الصيني الذي لا يُبز هو الممثل السويدي الأصل وورنر أولاند. في ذلك وحده بداية تعتبر عنصرية تشبه قيام آل جولسون بدهن وجهه ويديه باللون الأسود لتأدية دور اليهودي الذي يجد أن عليه الادعاء بأنه أسود البشرة لكي ينجح في عالم الغناء والموسيقى، وذلك في فيلم «مغني الجاز» (1926). وهو الحال ذاته عندما كان جف تشاندلر من بين الممثلين البيض الذين يؤدون أدوار الهندي الأحمر بعيون زرقاء ولكنة إنجليزية سليمة.
على أن «تشارلي شان في مصر» يذهب لما بعد ذلك: المصريون إما مثقفون أشرار، أو غير مثقفين جهّال. أكثر من ذلك الشخصية التي أداها ممثل أسود اسمه ستابِن فتشت. ففي عرف صانعي الفيلم (وفي مقدمتهم مخرج اسمه لويس كينغ) أنه لتقديم شخصية أفرو - أميركية طيّبة عليهم أن يمنحوها ملامح مطمئنة وودية وهذه لا تتجاوز الحركات النمطية الكسولة والغبية ذاتها التي كانت تسود العقود السابقة من الأفلام المشابهة. بالتالي، في الوقت الذي يريد رفع قيمة الصيني لا بد له من أن يحط من قيمة عناصر وقوميات بشرية أخرى.
هناك الكثير من الأفلام اللاحقة التي أرادت تصحيح الصورة فيما يتعلق بالأفرو أميركيين والهنود الحمر، بعضها ولو في حدود تقديم تناقض بين شخصيتين يجدان طريقة ما للتصالح (كما في «المتحديان»، 1958 و«في حرارة الليل»، 1985). لكن السائد ما زال تنميط الأقليات: الألمان واليابانيين والصينيين والروس والسود والهنود و... هناك دومًا العرب في أبعد الحدود.
إذا ما كانت السينما انعكاسًا للواقع، والخيال ما هو إلا ترجمة لما يحدث معنا ولدينا، فإن ما هو سائد في السينما الأميركية (وبوضوح أقل في سواها) هو هذا القدر من التنميط الذي يباعد بين الناس حتى وإن بدا مسليًا.
في السينما.. النية الطيبة لا تكفي لتحسين صورة نمطية
على خلفية ما حدث في دالاس
في السينما.. النية الطيبة لا تكفي لتحسين صورة نمطية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة