ينتمي سام ألاردايس إلى نمط الشخصيات القادرة على الدخول إلى غرفة مليئة بالأشخاص، والهيمنة بحضوره الطاغي عليها على الفور. وإن كنت ترى أن هذه السمة شائعة في أوساط مدربي كرة القدم، فإن تميز ألاردايس يكمن في أنه ينصت حقا لما يقوله الآخرون، وبعقلية متفتحة على نحو مذهل. وقد ساعده هذا الأسلوب على أن يصبح واحدا من أكثر مفكري كرة القدم الإنجليزية إبداعا، يحمل بداخله ولعا بكرة القدم بصفته علما وبالإحصاءات والأرقام.
في سن الـ61، يبدو مدرب سندرلاند بالتأكيد الرجل المناسب في المكان المناسب في الوقت المناسب، ليس فقط ليبث روحا جديدة في الفريق الوطني الإنجليزي، وإنما كذلك لتحدي جميع الأفكار المغلوطة المهيمنة على فلسفة اتحاد كرة القدم الحالي. ولو أن الانتقادات الشائعة ضد ألاردايس كانت صحيحة، ما كان ليتمكن من إنقاذ فريق سندرلاند بما يعانيه من عيوب خطيرة من الهبوط لدرجة أدنى من الدوري، رغم أن هذا بات محتوما لفترة ليست بالقصيرة.
ولا ينبغي قط التقليل من صعوبة مهمته الجديدة بصفته مدربا للفريق الوطني الإنجليزي، المهمة التي وصفها سلفه الهولندي في سندرلاند ديك أدفوكات الذي استقال في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي لشعوره باليأس، بأنها «مستحيلة». من ناحيته، قال يونس قابول، مدافع توتنهام هوتسبر السابق: «لا أعتقد أن سام احتاج إلى وقت طويل لتحليلنا بصفتنا لاعبي كرة قدم أو بصفتنا أفرادا». جدير بالذكر، أن قابول نجح في أن يحول نفسه من نقطة ضعف بالفريق إلى واحد من أهم الأسباب وراء خسارة سندرلاند مباراة واحدة فقط خلال آخر 11 مباراة له الربيع الماضي». أضاف قابول، لاعب فرنسي ذو أصول مغربية: «إنه يتمتع بخبرة كبيرة جعلت أسبوعا واحدا فقط كافيا بالنسبة له كي يعرفنا حق المعرفة ويعي الأسلوب الذي ينبغي أن نلعب به وما نحتاج إليه لتحسين أدائنا. في الواقع، إن معرفة سام بكرة القدم تفوق معرفته لأسرته ذاتها؛ فهو يعلم تماما كيف يمكن الضغط على الفريق المنافس. لقد جعل منا فريقا قويا ومتينا. وشرح لنا كيف نحافظ على قوتنا داخل الملعب، وكيف نحرز الفوز. كما أنه يتميز بالصراحة الشديدة، فحين تتعامل معه تعلم ما يفكر به، وحتى إذا كنت لا تعلم سيبادر هو إلى إخبارك».
وبالمثل، أعرب فابيو بوريني، لاعب خط الهجوم السابق مع ليفربول وتشيلسي، عن رأي إيجابي بخصوص ألاردايس. وقال: «بعض المدربين يدفعونك إلى التوقف عن الاستماع لما يقولونه، أما مع سام فتجد نفسك حريصا دوما على الإنصات له».
ويدعم شخصية ألاردايس الطاغية عددا من السمات النفسية والتكتيكية التي أبهرت يان كيرشهوف بعدما فضل لاعب خط الوسط الذي تولى بيب غوارديولا تدريبه الانضمام إلى سندرلاند بدلا من بايرن ميونيخ في يناير (كانون الثاني). وعن ألاردايس، قال كيرشهوف: «أعتقد أن بيب المدرب الأفضل بالعالم، لكن هذا لا ينفي أن سام مدرب جيد. كما أن أسلوب تعامله مع اللاعبين وحديثه إلينا جيد للغاية، وكذلك تحليله للفيديوهات. لقد عايشت مدربين سيئين للغاية، لكن سام من المدربين الجيدين بحق».
والملاحظ أن ألاردايس يتميز بالفعل بعقلية تحليلية دفعته إلى حالة من التأمل شبه يوميا، بجانب أن خبرته الطويلة والمبهرة التي تشمل محطات فرق ليميريك الآيرلندي وبريستون وبلاكبول ونوتس كاونتي وبولتون ونيوكاسل وبلاكبرن ووست هام والآن سندرلاند، تشير إلى أنه يعي بالفعل كيف يمكن بناء فريق. ومن بين الإنجازات التي تشهد على كفاءته أنه لم يتعرض للهبوط قط من الدوري الممتاز. إلا أنه رغم قيادته بولتون إلى داخل البطولات الأوروبية ودور النهائي ببطولة كأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة، يفتقر إلى البطولات التي تتناسب مع مستوى إنجازات مسيرته.
إلا أن هذا الغياب للبطولات يعد نتيجة مباشرة لغياب الفرص. في الواقع، يعتبر ألاردايس واحدا من أوائل مدربي الدوري الممتاز الذين لجأوا لاستخدام كلا من التحليل النفسي وما يعرف باسم «تحليل بروزون»، ليثبت ذلك أنه سابق لعصره. ومع ذلك، لم يكن ذلك كافيا لترشيحه لمناصب كبرى.
الواضح أن شعورا بالظلم بدأ في التنامي داخل ألاردايس، وقد تحسر مرارا كيف أن الأمور كانت ستختلف معه لو أن اسمه ألارديتشي. ورغم أن هذه الشكوى حملت بعض الحقيقة بالفعل بخصوص ولع الكرة الإنجليزية المتنامي بالصور والأسماء البراقة، فإن إقصاءهم عن مهمة تدريب الفريق الوطني الإنجليزي وقف وراءه ما هو أكثر من هذه الشكوى.
رغم نجاحه في اجتذاب عدد من المواهب الكروية التي لا يمكن إغفالها، أبرزها الفرنسي يوري دجوكاييف والنيجيري جي جي أوكوتشا في بولتون، فإن ألاردايس أبدى طيلة الوقت ميلاً لتحجيم إمكانات اللاعبين الأفراد عبر تقييدهم بأدوار محددة للغاية، غالبا ما تتسبب في قتل الإبداع بداخلهم. والملاحظ أن عددا من المدربين المنافسين، على رأسهم رافاييل بينيتيز وأرسين فينغر، لم يشعروا بالإعجاب حيال الأساليب التي ينتهجها ألاردايس داخل الملعب، خصوصا قدرة الفرق التي يتولى تدريبها على اللجوء مرارا للتدخل الصريح لإعاقة حارس مرمى الخصم دونما التعرض لعقاب.
وعلى ما يبدو، فإن أسلوبه في اللعب الذي يعطي الأولوية للأمان، ويهتم بالتدمير أكثر من اهتمامه بالبناء أسهم في سقوطه داخل نيوكاسل وتسبب في خلق علاقة متوترة بينه وبين مشجعي وستهام. والواضح أن الكثيرين داخل وستهام شعروا بالسعادة بداخلهم عندما وصف جوزيه مورينهو الكرة التي يقدمها ألاردايس بأنها «تنتمي للقرن الـ19»، إلا أن الجميع قادرون على التغير، وبالفعل يبدو أن ألاردايس مر بتحول داخل وستهام، حيث نجح في النهاية في تقديم فريق مبهر في أدائه.
وبالمثل، فإن سندرلاند حقق رقما منخفضا على نحو غير متوقع في الكرات التي خرجت إلى ضربات ركنية الموسم الماضي. وبعد إقدامه على الخطوة المثيرة للجدل باختيار جيرمين ديفو، صاحب الجسد الضئيل، بصفته مهاجما وحيدا، عمد ألاردايس إلى إحداث تحول تكتيكي وضمان إمداد باقي أفراد الفريق ديفو، الذي شارك في 55 مباراة دولية مع إنجلترا، بالتمريرات الذكية المائلة التي يتوق إليها. من جانبه، قال ديفو: «سام جيد بنسبة 100 في المائة للفريق الوطني الإنجليزي. إن كرة القدم تتعلق في جوهرها بالنتائج، وهو مدرب قادر على تحقيق الفوز. والآن، قلت شكوى ألاردايس، بل وأصبح يتحدث بصورة أفضل عن بينيتيز وفينغر هذه الأيام، وعلى ما يبدو فإنه أخيرًا عثر على هويته الكروية الحقيقية واطمأن إليها».
أمس، أعلن سندرلاند، أنه أعطى الإذن لاتحاد كرة القدم من أجل التحدث مع مدربه سام ألاردايس حول وظيفة مدرب منتخب إنجلترا الشاغرة. وألاردايس من المرشحين بقوة لخلافة روي هودجسون الذي استقال الشهر الماضي عقب الخروج المذل للمنتخب الانجليزي من بطولة أوروبا على يد أيسلندا. وقال سندرلاند: «التكهنات الحالية بشأن مستقبل ألاردايس، الذي أجرت معه لجنة ثلاثية من الاتحاد الانجليزي لكرة القدم مقابلة بالفعل طبقا لوسائل إعلام بريطانية، تضر النادي بشدة».
وأضاف النادي، الذي نجا بصعوبة من الهبوط الموسم الماضي، في بيان «سام مهم جدا لخططنا. نحن حريصون على الحصول على بعض الاستقرار داخل الملعب وخارجه بعد موسم في غاية الصعوبة.. ونرغب في استمراره مدربا لنادينا». وقال سندرلاند إنه «سمح للاتحاد الانجليزي بالاتصال بألاردايس بناء على طلب المدرب، لكنه يرغب في وضع نهاية سريعة للأمر». وتابع النادي «نحث الاتحاد الانجليزي لكرة القدم على احترام الارتباك الذي يسببه هذا الأمر، وأن يصل لحل سريع لهذه المسألة». وأشارت وسائل إعلام محلية إلى أن أيدي هاو مدرب بورنموث وجلين هودل مدرب إنجلترا السابق وارسين فينغر مدرب آرسنال ويورغن كلينسمان مدرب الولايات المتحدة ضمن المرشحين أيضا لقيادة المنتخب الانجليزي.
سام ألاردايس.. مدرب قادر على إعادة بناء المنتخب الإنجليزي
رغم افتقار تاريخه إلى البطولات.. فإن إنجازاته وخبرته تشهد على كفاءته
سام ألاردايس.. مدرب قادر على إعادة بناء المنتخب الإنجليزي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة