باريس: انتقاد لافروف لدي ميستورا يعكس «غيظ موسكو» من تحميلها تصعيد المعارك

مصادر: على واشنطن عدم تناسي الانتقال السياسي أثناء تركيزها على محاربة الإرهاب

باريس: انتقاد لافروف لدي ميستورا يعكس «غيظ موسكو» من تحميلها تصعيد المعارك
TT

باريس: انتقاد لافروف لدي ميستورا يعكس «غيظ موسكو» من تحميلها تصعيد المعارك

باريس: انتقاد لافروف لدي ميستورا يعكس «غيظ موسكو» من تحميلها تصعيد المعارك

اعتبرت مصادر رسمية فرنسية معنية بالملف السوري أن الانتقادات العنيفة التي وجهها وزير الخارجية الروسي للمبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، متهما إياه بـ«التخلي عن مسؤولياته» وبـ«العجز» عن الدعوة إلى جولة جديدة من المحادثات السورية - السورية في جنيف، بأنها تعكس «غيظ موسكو» من انتقادات دي ميستورا المبطنة لها وجعلها مسؤولة عن تعطيل العملية التفاوضية. وقالت هذه المصادر التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، أمس، إن ما قاله المبعوث الدولي في روما، أول من أمس (الاثنين)، عندما ربط بين ضرورة وقف المعارك ودعوته إلى جولة محادثات جديدة، يعني أنه يحمل موسكو مسؤولية التصعيد العسكري من زاويتين متصلتين: الأولى لجهة الضربات الجوية التي يقوم بها الطيران الروسي ضد مواقع فصائل المعارضة بحجة مهاجمة النصرة، والثانية لدعمه المتواصل للنظام السوري وعدم تنفيذ ما التزم به بالضغط عليه لاحترام وقف الأعمال العدائية. وبرأي المصادر الفرنسية، فإن الجانب الروسي هو من «أخل بالتزاماته».
بيد أن انتقادات موسكو لها جانب آخر، إذ ليس سرا أن سيرغي لافروف ومعاونيه لا يوفرون فرصة إلا ويستخدمونها من أجل الضغط على دي ميستورا ودفعه للدعوة إلى محادثات جديدة «بمن حضر»، أي حتى من غير وفد الهيئة العليا للمفاوضات الذي يربط عودته إلى جنيف بتحقيق عدد من المطالب المنصوص عليها في البنود 12 و13 و14 من القرار الدولي رقم 2254. وتتناول هذه البنود التي أعاد منسق الهيئة رياض حجاب التذكير بها في روما، وقف استهداف المدنيين وإيصال المساعدات إلى جميع المناطق المحاصرة والبدء بمعالجة ملف المفقودين. والحال أن دي ميستورا يعي أن «لا معنى» للمفاوضات من غير وفد الهيئة، وأن لا حل سياسيا مجزوءا يمكن أن يكون قابلا للحياة.
بموازاة ذلك وفيما استبقت مصادر المعارضة السورية اللقاء المنتظر في موسكو بين لافروف ونظيره الأميركي جون كيري، بالقول إنها «تتخوف» من اتفاق أميركي - روسي حول سوريا «يكون على حسابها»، دعت المصادر الفرنسية الجانب الأميركي إلى «عدم الأخذ بحجج موسكو التي تدعي أنها تقصف (النصرة)، بينما تستهدف وبحجة ضرب التنظيم المذكور الفصائل المعتدلة الداخلة في العملية التفاوضية». وبحسب مصادر المعارضة التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، فإن المطلب الروسي بابتعاد هذه الفصائل عن مواقع «النصرة» في المناطق التي يتداخل فيها عناصر الطرفين «لا يمكن أن يحصل حقيقة إلا في ظل وقف جدي لإطلاق النار، وإلا فإن هذه الفصائل ستكون معرضة للقصف من قوى النظام وروسيا على السواء». وفي أي حال، فإن مكونات المعارضة المعتدلة «لن تقبل بإعطاء إحداثيات مواقعها للطرف الروسي، لأنه سينقلها فورا للنظام»، وفق ما أكدته المصادر المشار إليها.
من جانب آخر، دعت المصادر الفرنسية الوزير كيري إلى «عدم تناسي عملية الانتقال السياسي» التي تبقى بالنسبة لباريس لب النزاع السوري، وإلى تجنب اختصاره بالحرب على «داعش» و«النصرة»، بسبب رغبة الرئيس أوباما، في الأشهر المتبقية من ولايته الثانية، إلى تحقيق «انتصار ما» في محاربة الإرهاب ممثلا بالتنظيمين المشار إليهما.
ولكن ما العوامل التي تفسر الاشتعال واسع النطاق للعمليات الحربية بينما النظام يعلن الهدنات متلاحقة منذ عيد الفطر؟
ثمة قراءتان فرنسيتان لهذه التطورات التي تنظر إليها باريس على أنها «بالغة الخطورة»: الأولى، أن النظام وحلفاءه من الروس والإيرانيين والأطراف الأخرى الداعمة لهم، يعتبرون أن المرحلة الحالية «فرصة مناسبة لإحداث تغييرات على أرض المعركة»، خصوصا في منطقة حلب الحيوية والاستراتيجية وذات المغزى المعنوي والسياسي الكبير، رغبة في استخدامها لاحقا على طاولة التفاوض لفرض شروط ورؤية النظام. وقالت بسمة قضماني، عضو وفد المفاوضات التابع للهيئة العليا لـ«الشرق الأوسط»، إن النظام وحلفاءه استبقوا أو استخدموا جولات المحادثات الثلاث في جنيف لتكثيف عملياتهم العسكرية للتأثير على مسار المحادثات، وما يحصل في حلب «يندرج في السياق نفسه ولكن على نطاق أوسع»، لأنه يتناول مدينة العاصمة الاقتصادية لسوريا ولما تمثله من ثقل سياسي وديموغرافي. أما القراءة الفرنسية الثانية فتقول إن الروس «والنظام» «تخلوا عن الحل السياسي الذي يعني في النهاية رحيل الأسد» عن السلطة، وهو ما لا تريده موسكو التي أمسكت بالمبادرة السياسية والعسكرية في سوريا.
وأفادت مصادر فرنسية واكبت الزيارة التي قام بها لافروف إلى باريس في 29 الشهر الماضي، بأن الأخير لم تبدر عنه أي علامة تدل على «انفتاح» روسي في الملف السوري، بل عاد وشدد على أن تنفذ واشنطن التزامها الفصل بين قوى المعارضة المعتدلة وبين «النصرة» وعلى أولوية محاربة الإرهاب، ورفض الخوض في موضوع مصير الرئيس السوري «في المرحلة الراهنة».
بناء عليه، تبدو المناقشات التي سيجريها كيري في موسكو، غدا، في غاية الأهمية. وقلق المعارضة وعدد من الدول الغربية والخليجية وتركيا، أن يختار كيري السير مرة أخرى في الركب الروسي وألا يستطيع الوقوف في وجه موسكو، بسبب رغبة أميركية في تجنب لعب أي دور إضافي يمكن أن يحرف واشنطن عن همها الأول وهو محاربة «داعش» والنصرة تحت عنوان «محاربة الإرهاب»، وبالتالي حرف النظر عن عملية الانتقال السياسي التي يحتاج تصويبها إلى إحداث تحولات في الميزان العسكري. وبأي حال، ستكون لكيري فرصة لشرح موقف بلاده الراهن في اللقاءات التي سيعقدها بمناسبة جولته الأوروبية التي ستشمل، إلى موسكو، باريس ولندن. ولا يبدو حتى الآن أن واشنطن وموسكو توصلتا إلى تفاهم على العمل العسكري المشترك ضد «النصرة»، وهو ما كان اقترحته الإدارة الأميركية على روسيا في 22 الشهر الماضي، وفق ما كشفته صحيفة «واشنطن بوست». لكن يبدو أن الأمور «مفتوحة»، وهو ما أعلنه جون كيربي، الناطق باسم الخارجية الأميركية، أول من أمس.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».