قبل نحو 40 عامًا، كانت المحكمة العليا للولايات المتحدة تبحث عن طريقة مقبولة ومشروعة لأخذ العرق والإثنية في الحسبان أثناء قبول الطلبة في الجامعات. ورأت غالبية هيئة المحكمة أنه من غير القانوني اعتماد نظام يخصص عددا معينا من المقاعد لجماعة عرقية بعينها أو لأخرى. غير أنه في الوقت نفسه، أراد القضاة تمكين الجامعات من اتخاذ خطوات قد يرونها ضرورية من أجل توفير هيئة طلابية تتمتع بالتنوع العرقي. ومن أجل تحقيق ذلك، اتجهت أنظار القاضي لويس ف. باول الابن، إلى أقدم جامعة في البلاد ليجد الإجابة الشافية عندها.
وأثناء كتابته لمذكرة الرأي الرئيسية في قضية أعضاء مجلس جامعة كاليفورنيا ضد جامعة بيكي الشهيرة عام 1978، استشهد باول بـ«برنامج القبول بجامعة هارفارد»، كمثال على اعتماد التمييز الإيجابي في القبول بالجامعة، وذلك لأنها لم تخصص حصصا بأعداد معينة من أجل تحقيق التنوع العرقي.
وذكر باول في مذكرته أن «هذا النوع من البرامج يتعامل مع كل متقدم كحالة فردية أثناء عملية القبول»، وأضاف أن: «المتقدم الذي يفقد المقعد الأخير المتاح لصالح متقدم آخر تلقى (أولوية) على أساس الخلفية العرقية، لن يتم إقصاؤه بكل بساطة لأنه لا يمتلك اللون المناسب أو يحمل اللقب الخطأ».
وألحق باول بمذكرته ملخصًا لسياسة جامعة هارفارد، التي في رأيه توفر قالبًا من العمل الإيجابي في مجال التعليم العالي. وتقوم المحكمة، حاليًا، بالنظر في القضية من جديد في ضوء القضية الناشئة عن ولاية تكساس. ومن المتوقع صدور الحكم قريبًا مع دنو نهاية فترة ولاية المحكمة.
وعلى الرغم من أن احتلال القضية التي رفعتها أبيجيل فيشر ضد جامعة تكساس، مدعية أن الجامعة رفضتها لأنها بيضاء، صدارة الرأي العام في العاصمة أوستن، فإن سياسات جامعة هارفارد المتعلقة بالعرق والقبول لا تزال جزءا لا يتجزأ من معركة قانونية أكبر. ومع تكرار الاستشهاد بها في الدعاوى المرفوعة أمام المحاكم، أعدت جامعة هارفارد عرضًا مختصرًا خاصا بها، وإن لم تكن طرفا في قضية فيشر، لدعم الوضع الراهن. وعلى الجانب الآخر، فثمة قضية أخرى معلقة تنظر فيها المحكمة الاتحادية بولاية ماساتشوستس، ضد جامعة هارفارد. وتزعم الدعوى المرفوعة ضد الجامعة أنها تنتهج نظاما غير قانوني في لائحة قبول الطلاب الجدد يميز ضد المتقدمين الأميركيين من أصول آسيوية. وقد نفت الجامعة تلك الادعاءات.
إذن ما هو برنامج هارفارد؟ إليك مقتطفات أساسية من ملحق مذكرة الرأي التي قدمها «باول»:
- لا يقتصر مفهوم التنوع على العرق فحسب بل يتخطاه بكثير، فهو يتعلق بالجغرافيا والطبقة الاجتماعية وغيرهما من السمات المتعلقة بالخلفية والخبرة بالحياة.
- ولكن علينا أخذ العرق في عين الاعتبار، إذ تقول الوثيقة إن «صبيا من مزرعة في إيداهو، يمكن أن يحقق ما لا يستطيع أن يحققه صبي من بوسطن لجامعة هارفارد». وتضيف: «وبالمثل، صبي أسود قد يجلب شيئا لا يستطيع الأبيض جلبه للجامعة».
- لا يوجد أي عدد معين (أو ما يعرف بالكوتة) لتسجيل جماعات محددة، وإن كان العدد مهما. إذ تشير الوثيقة إلى أن «10 أو 20 طالبا أسود قد لا يتمكنون من التقديم لزملائهم ولبعضهم البعض التنوع في وجهات النظر والخلفيات والخبرات التي يمثلها السود في الولايات المتحدة».
- أحيانًا ما يُعد العرق ميزة إضافية، وأحيانًا أخرى لا يكون الأمر كذلك، إذ تؤكد الوثيقة على أن: «المعايير الحاسمة غالبًا ما تعتمد على السمات الشخصية أو الخبرة ولا تعتمد على العرق، وإن ارتبطت به في بعض الأحيان».
والآن يجدر الأخذ في الاعتبار بعض النقاط التي لا تشتمل عليها الوثيقة:
- تختلف جامعة هارفارد اختلافًا شديدًا عن معظم الجامعات، وحتى عن معظم الجامعات شديدة الانتقائية. إذ يعطيها تراثها الغني ومكانتها العالمية المميزة سلطة توظيفية هائلة.
- ومن ثم، فهذا يمكّن جامعة هارفارد من اختيار الطلبة بعناية فائقة من جميع المجموعات العرقية والإثنية لتحقيق التنوع المرغوب.
- يتميز سجل جامعة هارفارد في التنوع بالأصالة والعراقة، حيث يرجع تاريخ الجامعة إلى عام 1636. ويعكس الكثير من المعايير والانحيازات في المجتمع ككل. وفي بدايات القرن العشرين، صار رئيس الجامعة لورانس لويل معروفًا بجهوده الرامية إلى تقييد قبول الطلاب اليهود. رُفعت الدعوى القضائية، التي لا تزال معلقة، ضد الجامعة التي تنظر فيها المحكمة الجزئية الأميركية بولاية ماساتشوستس، عام 2014. وتزعم أن جامعة هارفارد قد انخرطت في نمط طويل من التمييز. ويوضح إدوارد بلوم رئيس اتحاد «الطلاب من أجل المساواة في فرص القبول» أن «برنامج هارفارد تم إعداده خصيصًا من أجل اعتماد نظام قبول قائم على التمييز بشكل منهجي ضد المتقدمين من الطلاب اليهود المتفوقين دراسيا في عشرينات القرن الماضي، ويجري اليوم استخدامه بنفس الطريقة من أجل إقصاء المتقدمين من الطلاب الآسيويين المتفوقين».
ويرد المسؤولون في جامعة هارفارد بأن نهجهم سليم من الناحية القانونية، وجرى التصديق عليه في الأحكام القضائية المتكررة، بما في ذلك قضية جامعة بيكي، قرار المحكمة العليا الصادر عام 2003 في قضية Grutter v. Bollinger والتي أيدت فيها المحكمة إجراءات التمييز الإيجابي بكلية الحقوق بجامعة ميتشغان. واستندت المحكمة في قرارها على أن مسألة العرق قد تكون واحدة من بين عوامل كثيرة يتم أخذها في الاعتبار عند النظر «شموليًا» في طلبات التقديم الفردية. وكما يعرف الكثير من الطلبة الجامعيين، فإن لفظة «شمولي» هي الكلمة التي تستخدمها الكثير من الجامعات التي تعتمد نهجًا انتقائيًا في عملية قبول طلبات التقديم.
وقد دفعت جامعة هارفارد والكثير من الكليات المرموقة الأخرى المحكمة من أجل ترك العملية كما هي. وبالفعل وافقت المحكمة بشكل أساسي على رغباتهم في القضية الأولى التي رفعتها عام 2013. وأحالت القضية إلى المحاكم في تكساس لمزيد من المراجعة. والآن يتم النظر في القضية من أجل إصدار حكم ثان. وحث مسؤولو التعليم العالي القضاء على عدم التدخل في نظام يقولون إنه ضروري من أجل بناء مجتمعات جامعية تتمتع بالتنوع القوي في وجهات النظر. كما يقولون إنه ستكون من الحماقة أن يتم السماح للجامعات بالنظر في كل عنصر من عناصر خلفية الطالب المتقدم باستثناء العرق والإثنية، في الوقت الذي تنغم فيه الأمة في مناقشات مطولة تتطرق إلى الكثير من القضايا العرقية.
وورد في المذكرة المقتضبة التي قدمتها جامعة هارفارد إلى المحكمة في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) أنه «إذا اعتقد المتقدم أن عرقه أو انتماءه الإثني يمت بصلة لتقييمه الشامل، كما يعتقد الكثير من المتقدمين، فمن الصعب أن نرى سببا يرغم الجامعة على تجاهل تلك الحقيقة».
وأضافت الجامعة: «إن أهمية الحفاظ على جسد طلابي يتسم بالتنوع، لهو أمر بالغ الوضوح الآن أكثر من أي وقت مضى، وضروري من أجل تحقيق أهداف جامعة هارفارد لتزويد الطلبة بأقوى تجربة تعليمية ممكنة في الحرم الجامعي، ومن أجل إعداد خريجيها ليزدهروا في العالم وفي ظل أمة تتسم بالتعقد والتنوع المذهل». وفيما يلي عرض بالتصنيفات العرقية والإثنية لطلاب سنة التخرج في جامعة هارفارد اعتبارًا من خريف عام 2013، وفقًا لمسح مجموعة البيانات المشتركة: 44 في المائة من الطلاب البيض، و19 في المائة من الأميركيين ذوي الأصول الآسيوية، و11 في المائة من الأجانب غير المقيمين، و10 في المائة من اللاتينيين، و7 في المائة من الأميركيين ذوي الأصول الأفريقية، و7 في المائة من متعددي الأعراق، و2 في المائة غير معروفة انتماءاتهم العرقية.
* خدمة «واشنطن بوست»
ــ خاص بـ {الشرق الأوسط}
جامعة هارفارد الأميركية (أ.ب)