المعارضة تضع خطة لفرض توازن بحصار أحياء النظام مقابل أحيائها بحلب

65 ألف عائلة معرضة لوضع «كارثي» في حال فشلت جهود فتح طريق الكاستيلو

مواطن سوري يحمل أمتعته بعد أن اضطر إلى مغادرة حلب بسبب القصف الجوي المستمر على المدينة (أ.ف.ب)
مواطن سوري يحمل أمتعته بعد أن اضطر إلى مغادرة حلب بسبب القصف الجوي المستمر على المدينة (أ.ف.ب)
TT

المعارضة تضع خطة لفرض توازن بحصار أحياء النظام مقابل أحيائها بحلب

مواطن سوري يحمل أمتعته بعد أن اضطر إلى مغادرة حلب بسبب القصف الجوي المستمر على المدينة (أ.ف.ب)
مواطن سوري يحمل أمتعته بعد أن اضطر إلى مغادرة حلب بسبب القصف الجوي المستمر على المدينة (أ.ف.ب)

بدأت قوات المعارضة السورية وحلفاؤها في حلب بالالتفاف على محاولة قوات النظام السوري قطع شريان الإمداد الوحيد إلى أحياء حلب الشرقية الخاضعة لسيطرة المعارضة، عبر خطة عسكرية تستهدف إعادة فتح المنفذ الشمالي، وقطع خطوط الإمداد على النظام في جنوبها، وسط مخاوف من تدهور الوضع الإنساني في المدينة.
وقالت مصادر المعارضة في حلب لـ«الشرق الأوسط» بأن التحضيرات العسكرية لإعادة فتح المنفذ: «نجحت في الشمال برفع السواتر الترابية قبالة مرتفعات ثبت عليها النظام صواريخ حرارية من شأنها قطع طريق الكاستيلو في حلب»، مشيرة إلى أن هذه العملية «أولية وسريعة، تمت بالتعاون بين الدفاع المدني وفصائل عسكرية موجودة في المدينة، بانتظار وصول الدعم العسكري من خارج المدينة بغرض شن عمليات عسكرية مشتركة تنطلق بالتزامن من داخل المدينة وخارجها».
وثبتت قوات النظام السوري منصات لصواريخ حرارية وقناصات على بُعد نحو كيلومتر من طريق الكاستيلو، وهو الطريق الحيوي الوحيد المتاح للمعارضة وللمدنيين للتنقل بين أحياء المعارضة وريفها الشمالي، وذلك بعد سيطرتها على مزارع الملاح، مما مكّنها من قطع الطريق.
غير أن هذا الحدث المستجدّ «يستحيل إبقاؤه على ما هو عليه»، كما قال القيادي في حركة «أحرار الشام الإسلامية» محمد الشامي لـ«الشرق الأوسط»، موضحًا أن قوات المعارضة «نفذت عدة عمليات منذ الخميس لاستعادة النقطة وباءت بالفشل، مما دفعها للبحث عن خيارات أخرى، أهمها قطع طريق إمداد النظام بهدف خلق توازن». وعليه: «شنت قوات المعارضة هجمات على محور الراموسة في جنوب المدينة بهدف السيطرة ناريًا على خط إمداد النظام، وتمكن الثوار من تحقيق تقدم على هذا المحور»، بموازاة «التحضير لعمليات نوعية في الشمال لاستعادة مزارع الملاح».
وأضاف: «بدأ الحشد بقوات ضخمة إذ وصلت تعزيزات من جبهة النصرة وجند الأقصى وأحرار الشام وجيش الفتح إلى نقاط قريبة من شمال المدينة، يتقدمهم الانتحاريون، بهدف السيطرة على المرتفع الذي تسيطر عليه قوات النظام»، في مقابل «حشود في الداخل دفعت بها سرايا حلب وحركة نور الدين الزنكي وفصائل أخرى، لشن عمليات متزامنة من خارج المدينة وداخلها». وأوضح: «ستنطلق القوات الآتية من خارج المدينة على محور باشكوي بريف حلب الشمالي، بالتزامن مع انطلاق العمليات من الداخل، ويلتقي المقاتلون في الكاستيلو حيث تتحد القوات». وتتوقف هذه العملية على القدرات العسكرية لقوات المعارضة في داخل أحياء مدينة حلب، حيث أكد مصدر عسكري في قلب المدينة لـ«الشرق الأوسط» أن الإمكانيات العسكرية «موجودة، وتكفي للصمود أكثر من ستة أشهر، لكن الذخيرة غير متوفرة بكميات تسمح لإطلاق هجمات كبيرة وطويلة»، موضحًا أنهم يفتقدون «للسلاح الثقيل بكميات كبيرة، مما يجعل السلاح مخصصًا للدفاع وليس للهجوم». وأشار المصدر إلى أن الواقع العسكري في الداخل «لا يسمح لعمليات ضخمة، بسبب تقارب نقاط الاشتباك بين قوات النظام وقواتنا على محاور حلب التي تعزز إمكانيات صمودنا، كونها تمنع نجاح أي عمليات لا تتواءم مع منطق حرب العصابات»، وهي الحرب «التي يتميز بها مقاتلو ما يسمى (حزب الله) اللبناني الذين ينتشرون على نقاط تماس واشتباك مباشرة في الحمدانية وحلب الجديدة وغيرها في غرب حلب مثل خط دفاع عن أكاديمية الأسد العسكرية والفروع الأمنية، إضافة إلى مقاتلة الجيش السوري الحر المدربين حديثًا على فنون حرب العصابات». لذلك، أضاف المصدر: «نعول على المؤازرات الآتية من الخارج التي تمتلك إمكانيات وأسلحة وتقاتل على جبهات مفتوحة». وفي مقابل التحضيرات العسكرية، يتصدر الهاجس الإنساني حركة مقاتلي المعارضة وقيادييها في أحيائهم في حلب، رغم أن الاستعدادات لمكافحة أي محاولة حصار، بدأت قبل ستة أشهر حين «بدأ شبح الحصار يتواجد عبر تقدم النظام إلى ريف حلب الشمالي». واتخذت الاستعدادات أشكالاً كثيرة بينها تخزين المحروقات والمواد الغذائية والمواد الطبية والإسعافية.
غير أن المخزون في الداخل: «لا يكفي حاجة 350 ألف نسمة يتواجدون في أحياء حلب الشرقية»، بحسب ما قال نائب رئيس مجلس محافظة حلب الحرة منذر سلال لـ«الشرق الأوسط»، مشيرًا إلى «صعوبة اعترت جهود إدخال المواد الطبية والغذائية إلى حلب عبر طريق الكاستيلو صعب وصول المحروقات بسبب القصف الشديد الذي استهدف خط الإمداد الوحيد إلى المدينة».
وقال سلال: «طريق الكاستيلو بات طريق موت، ولم يعد هناك إمكانية لعبوره بسبب الخطر الذي يترتب على استهدافه»، في وقت «استهلك السكان في الداخل قسمًا من المواد الغذائية والإسعافية والطبية والمحروقات خلال فترة قصفه، حيث كانت هناك صعوبة في إدخال تلك المواد، حيث كان القصف مفاجئًا».
وحذر سلال من أن المخزون من المواد الإنسانية والإغاثية المتبقي «سينتهي خلال فترة قصيرة بسبب كثافة السكان حيث يتواجد نحو 65 ألف عائلة في المنطقة، وبسبب افتقاد حلب لأراض زراعية، بالتزامن مع حصار المدينة وقطع شريانها الحيوي». وقال: «وضع حلب سيكون كارثيًا إذا لم تتحرك المنظمات الإغاثية والمجتمع الدولي». وانقسمت حلب منذ سنوات إلى قطاعات تسيطر عليها الحكومة والمعارضة. وتحولت منطقة حلب إلى مسرح كبير للصراع. وتسبب القصف الجوي والمدفعي المكثف في استحالة العبور من طريق الكاستيلو في بعض الأحيان خلال الأسابيع الأخيرة لكن تقدم النظام الخميس، يزيد سهولة استهدافه من قوات النظام ويعزل القطاع الذي تسيطر عليه المعارضة من المدينة المقسمة قرب الحدود مع تركيا.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.