ضعفاء، مثيرون للخزي، جبناء، غير ناضجين، كسالى، مثيرون للشماتة. دعونا نواجه الأمر، لقد كانت ردود وسائل الإعلام الرئيسية الأوسع نطاقًا على خروج إنجلترا من بطولة «يورو 2016»، مخزية فعلا لبلد كان في وقت ما يتحلى بالشجاعة.
يا له من مشهد قاتم يعيشه الإنجليز في أعقاب الهزيمة هذه الأيام. وهذا ليس فقط بسبب الطبقات المعقدة والمستمرة من الغضب، والإهانة، والهراء الكامل، لكن بسبب غياب التوازن أيضًا. من أفضل مميزات أن تكون خارج إنجلترا عندما تلعب إنجلترا خارج أرضها، هو الدليل الواضح على أنه في العالم الأوسع ليس هناك من يبالي فعلا. لا أحد يضع على الإطلاق آمالا جادة في أي بطولة بأن تقدم إنجلترا أداءً مثيرًا، ولم يشعر الناس في أي بلد آخر بأن متعتهم تضاءلت بسبب خروج إنجلترا.
نحن لسنا جيدين يا رفاق. لسنا نحن الشخصيات الرئيسية. بل إننا لسنا الشخصيات الشريرة الأساسية. إن دورنا هو أن نقف على الهامش ثم نموت سينمائيا. وفي هذه الحالة فعلت إنجلترا هذا بالضبط بأن نسجت حكاية خيالية، ودعونا نواجه الأمر، بطريقة مضحكة جدا. على الأقل كان الناس في أحد حانات باريس يضحكون على الملأ خلال مباراة آيسلندا، مع كل تمريرة خاطئة، وتسديدة رعناء، مستمتعين حقيقة بالمشهد.
لم يكن هذا هو الحال في إنجلترا بالطبع، حيث هنالك أجواء مألوفة، كان هناك تغيير في النبرة. في وقت مضى كان يكفي إلقاء اللائمة على عامل خارجي ما - الحكام، المدربون، الألمان - عن فشل إنجلترا في الفوز. أما الآن، فيبدو - لأسباب تتعلق بالبؤس، والحسد، والغضب الذي ليس له حدود - يبدو من الضروري أن نلوم ونهاجم ونهين اللاعبين بعنف.
حصل المدرب روي هودجسون على نصيبه من الإهانة والهجوم بالطبع، حتى قبل أن يدخل إلى مؤتمره الصحافي، كما لو كان آخر المحتجزين في عملية احتجاز رهائن مطولة في متجر كبير، يقف زائغ العينين وهزيلا ومرعوبًا وراء منصته، وكأنه قضى آخر 6 أشهر مخطوفا يأكل حساء معلبًا.
وما كان الهجوم على هودجسون ليكون كافيا أبدا. كان لا بد وأن ينال اللاعبون دورهم كذلك. وهناك 3 مسارات أساسية للهجوم هنا. الأول هو التشهير والبحث عن الفضائح على نحو كريه، والادعاء بأن الهزيمة هي عاقبة الانهيار الأخلاقي والشخصي والروحي الكامل. وقد أدين لاعبو إنجلترا بالفعل بالجشع والوقاحة وحضور الحفلات، وأنهم أولاد تافهون، ولديهم صديقات جميلات على نحو غير ملائم، وأشخاص متضخمي الذات.
بعد يومين على الهزيمة في نيس، نشر مكتب صحيفة «ديلي ميل» في لندن، اعتمادا على بحث سريع على «غوغل»، قائمة كاملة للنشاطات المخزية للاعبين الإنجليز، وامتدت هذه القائمة من آدم لالانا إلى كايل ووكر لاعب توتنهام.
إضافة إلى هذا، كان موسم الهجوم المفتوح المعتاد على رحيم ستيرلينغ، وهو شاب آخر عمره 21 عاما، وهو متواضع وموهوب وغاب عنه الحماس خلال البطولة، لكنه لا يستحق فعلا كل هذا الهجوم الحقير الموجه إليه. كالمعتاد كان هناك سخرية واستهزاء وتشهير بحياة ستيرلينغ الشخصية. حيث ربطته تقارير صحافية بمجلة «بلاي بوي» الإباحية الشهيرة، والزعم بأنه أنجب طفلا وهو في الـ17 من العمر. في اليوم التالي، علمنا بأمر المنزل الذي اشتراه لوالدته. وفي نفس الصحيفة، تم استخدام صورة لستيرلينغ مع قصة تتعلق بتاجر مخدرات غير ذي صلة. من الأهمية بمكان أن نتذكر أنه ليس هناك أي من الصحافيين الرياضيين يفعلون هذا، وكلهم تقريبا سيشعرون بالصدمة تجاه هذه التقارير، لكن هؤلاء الصحافيين رغم هذا هم من سيتعرض للانتقادات عن أجندة «إخبارية» أوسع مدى.
الكتابة عن هذا الموضوع شيء محرج، لكن اللغة تستحق الانتباه، كعبارات من قبيل «أرسلوه إلى بلده.. أعيدوا اختيار الفريق الوطني.. الطفل.. الأخ... الأضواء والهراء». يمكنك أن تتسرع في الوصول إلى استنتاجات هنا، أليس كذلك؟ لا شك بأن أيا من هذه الكلمات يمثل «عنصرية» مقصودة. الأمر لم يصل إلى هذا الحد. لكن نبرة هذه الكلمات مخيفة، ولا شك بأنها تخيف آخرين أيضًا. إن كرة القدم في أفضل أحوالها تجمع الناس، وتذيب الانقسامات، وتقترح نوعا من عالم مثالي معياره الكفاءة. لكننا لسنا في أفضل أحوال كرة القدم.
وليس معنى هذا أن ستيرلينغ هو أول لاعب إنجليزي يعامل بهذا العداء ويستهدفه جمهوره بصافرات الاستهجان. لكن على أي حال فإن الانقسامات والانتقادات اللاذعة، والإبعاد، وصافرات الاستهجان والاحتقار: كما رأينا في الأسبوع الماضي، هذه أشياء خطيرة.
إذن، هم أشرار. لكنهم أيضًا أناس ضعفاء. من الأقوال الأخرى المغلفة باليأس أن لاعبي إنجلترا جزء من الجيل الناعم القادم من أكاديميات الناشئين، ومن ثم غابت عنهم أشياء أساسية كالاعتماد على النفس والصلابة. لقد تم استبدال أسودنا الجسورة التي تزأر، بأسود جبانة على غرار أسود بحيرة البجع، من أصحاب الأصوات الطفولية، ومن هنا حدث الانهيار في نيس، وعدم القدرة على اتخاذ القرارات الصعبة، والسيطرة على المباراة. يوصف اللاعبون بأنهم مدللون أكثر من اللازم، وقادمون من الطبقة المتوسطة وخريجو مدارس داخلية.
ومع هذا، فالمغزى الحقيقي هنا أن ليس هناك أي صلة لأي من هذه الأسباب المذكورة. أميل إلى الاعتقاد بأن لاعبي كرة القدم الإنجليز يقدمون أداء دون المطلوب (بشكل طفيف جدا) لأن اللاعبين لم ينالوا من التعليم سوى النزر اليسير، اليسير جدا. وهم لا يسافرون كثيرا. لا يتحدثون اللغات أو يدرسون. والحق، هم يكادون لا ينتسبون إلى الطبقة المتوسطة. وشأن هذه الشريحة الصغيرة من المشجعين الإنجليز، أينما يذهبون يتحول المكان إلى ركن من إنجلترا، حيث تلتف الأعلام حول طاولات المقاهي، ولا يقدرون على تذوق الخبز، ولا يستطيعون فهم النادل، ويكونون مرعوبين وعابسين.
مرة أخرى، هذا كلام نابع من انحياز خاص. إن ما نفعله بالأساس هنا هو أننا نسيء لأنفسنا. يحدث الفوز والهزيمة في الرياضة عن طريق التفاصيل، والتي يمكنك من خلالها أن تجد حكاية مناسبة. أو في حالة إنجلترا، أن تجد حكاية تنقل اللوم من القضية شبه المهيمنة عن مسؤوليتنا الجماعية عن حسن أو سوء إدارة منتخبنا الوطني، وهي مسألة تجد تعاطفا معها في المدرسة، وفي الفضاء العام، وفي الاقتصادات النيوليبرالية، وكذلك مسؤولية بطولة دوري قائم على المتعة بشكل مدمر، وقرن من القرارات المجتمعية المشتركة.
في النهاية، اللاعبون هم نحن، ونحن هم. وشأن الآباء الذين يفقدون مزاجهم ويشعرون بالغضب حيال أطفالهم الأشقياء، فإننا نقف هناك متسائلين لماذا هذه الكائنات البشرية الحساسة - ليست الأفضل، ولكنها ليست الأسوأ - تلعب بمثل هذا الخوف في مباراة حاسمة كهذه تحيط بها وجوه معادية.
ومع هذا، فأنت تحصل على اللاعبين الذين تستحقهم. والتسليم بهذا ربما لا يساعد في تحسنهم، لكنه على الأقل يسمح لنا بتجاوز الفترة المثيرة للانقسام والإقصاء عقب الهزيمة. وبالأساس، اتركوا «رحيم» وشأنه. الهزيمة على أرض الملعب هي شيء واحد، والإصرار الغريب على استخدامه ككبش فداء ينتقص منا جميعا.
ستيرلينغ ولاعبو إنجلترا انعكاس للمجتمع.. فلماذا كل هذه الكراهية؟
انتقادات الخروج من «يورو 2016» تذهب لأبعد من مجرد أوجه القصور الكروية
ستيرلينغ ولاعبو إنجلترا انعكاس للمجتمع.. فلماذا كل هذه الكراهية؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة