الثقافة الشعبوية تضلل بريطانيا

الثقافة الشعبوية تضلل بريطانيا
TT

الثقافة الشعبوية تضلل بريطانيا

الثقافة الشعبوية تضلل بريطانيا

تحدثنا سابقاً عن كتاب جون استوري» النظرية الثقافية والثقافة الشعبية»، الذي تناول فيه بشكل خاص بريطانيا، مميزاً بين نوعين من الثقافة، ثقافة مشتركة تتقاسمها جميع الطبقات، و» ثقافة منفصلة»، حسب تعبيره، تنتهجها الطبقة المسيطرة في المجتمع. وهو طرح جديد يرى أن ثقافة الطبقة السائدة لم تعد هي الثقافة السائدة، حسب المفهوم الكلاسيكي، بل إن هناك ثقافة شعبية، يمكن ملؤها، حسب تعبير استوري، بـ» مفاهيم مغلوطة، ومتناقضة، تبعاً لسياق الاستعمال».
ونعتقد بأن المفهوم صحيح إلى حد كبير في عصرنا الحالي، عربياً إلى حد كبير، وعالمياً في بريطانيا في الأقل، في ضوء الاستفتاء الأخير الذي خرج فيه هذا البلد من الاتحاد الاوروبي. فنحن نرى هنا أن الثقافة الشعبية تتحول، بحكم عناصر تاريخية واجتماعية واقتصادية، إلى ثقافية شعبوية خطرة كما حدث في مراحل تاريخية معينة، إذ خرج الفكر النازي من بطن هذه الثقافة، وتسرب منها الفكر الطائفي والفئوي. إنها ثقافة يملأ فجواتها الهوى والعاطفة، وضيق الأفق، والمصالح الضيقة، وتعتمد الحس بدل الوعي والفكر، ويطربها الخطاب الديماغوجي الناري، الذي يدغدغ مشاعرها بدل المحاججة المتعبة والنقاش الفكري.
والسياسيون المحترفون يعرفون جيداً كيف يغذون ذلك، وكيف يحركون الجموع عاطفياً، عبر الشعارات الجاذبة، بإحياء نزعاتها البدائية، قياساً بالعصر الذي نعيش. هذه الثقافة الشعبوية، قد تختفي في مراحل معينة بحكم التطور السياسي والاجتماعي، ولكنها لا تموت، بل تبقى كامنة في أعماق كثير من البشر، ويمكن إحياؤها إذا توفرت الشروط المناسبة، كما يحصل الآن للنزعات الطائفية والفئوية في المنطقة العربية، التي اضمحلت أو اختفت تحت السطح في فترات زمنية معينة، وعادت الآن بشكل أقوى، بعد أن وجدت حاملها السياسي والاجتماعي، ممثلاً بالجماعات والأحزاب الطائفية.
في أوروبا، خفتت التيارات الشعبوية بعد الحرب العالمية الثانية، بعد أن استطاعت الطبقات الحاكمة في بلدان اوروبا الغربية، التي هي في أغلبيتها متحدرة من الطبقة البرجوازية المتوسطة والكبيرة، ونجحت مجتمعاتها، التي بلغت درجة كبيرة من التطور، والواضحة الحدود طبقياً، احتواء المد الشعبوي إلى حد كبير، بالإضافة إلى أن شعوبها تعلمت دروساً مؤلمة من المد الشعبوي في ألمانيا وإيطاليا، الذي توج بالنازية والفاشية. وتركز هذا المد بالدرجة الاولى على تمجيد الأنا، الذي يلغي الآخر بالضرورة، وتقديس» الوطنية الضيقة»، التي حلت محل الأخوة الإنسانية، وتكريس مفاهيم غائمة، تستند إلى خطاب مبهم وعاطفي، يدغدغ ما تراكم في اللاوعي الجماعي من «أمجاد ماضٍ تليد»، يعتمد الحماس وإلهاب المشاعر من دون تقديم أية رؤية واقعية لأنه ببساطة لا يملكها، ولذلك يلجأ إلى الكذب الصريح.
هذه الشعبوية، وفي ظل تفاقم المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، كما حدث في الأزمة الرأسمالية الأخيرة، واتساع الهوة بين الاغنياء والفقراء، كان لا بد أن تنمو، وإن بديكور آخر، وسرعان ما استغلها سياسيون محترفون قادرون على تحريك الجماهير، وتضليلها، وتمويه الأسباب الحقيقية لبؤسها بأسباب وهمية.
الخطاب العنصري النازي يعاد إنتاجه في اميركا على يد ترامب، وفي بريطانيا على يد نايجل فاراج وبوريس جونسون. والجوهر واحد: كل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية ليست من صنع مجتمعاتنا وحكوماتنا، بل بسبب الآخر، القادم إلينا من خارج الحدود، والهوة المتفاقمة بين الأغنياء والفقراء، ليس بسبب النظام الاقتصادي، وإنما بسبب المهاجرين الذين حلوا محل الطبقة العاملة المحلية، والصراع ليس داخلياً فيما بيننا، بل هو خارجي، مع اوروبا والعالم كله. وكما نجح دعاة الشعبوية عبر التاريخ، وتسببوا في كوارث كبرى، نجحوا ليس فقط في عزل بريطانيا عن محيطها الاوروبي، بل في عزل بريطانيا عن نفسها، لتصبح قريباً جداً، جزيرة معزولة اسمها: انجلترا، في زمن مفتوح سميناه زمن العولمة.
كان الباحث الفرنسي بيير أندريه تاغييف يقول: إن من الخطأ مساواة الشعبوية مع الديماغوجية. فالديماغوجي يهدف إلى تضليل الآخرين، بينما الشعبوي يبدأ بتضليل نفسه.



«الأوسكار» في نسختها الـ 97... من سيفوز بالجائزة الأبرز؟

عدسات المصورين تتابع النجوم على السجادة الحمراء للأوسكار (رويترز)
عدسات المصورين تتابع النجوم على السجادة الحمراء للأوسكار (رويترز)
TT

«الأوسكار» في نسختها الـ 97... من سيفوز بالجائزة الأبرز؟

عدسات المصورين تتابع النجوم على السجادة الحمراء للأوسكار (رويترز)
عدسات المصورين تتابع النجوم على السجادة الحمراء للأوسكار (رويترز)

تنطلق فعاليات جوائز «الأوسكار» بنسختها الـ97 من على مسرح «دولبي» في هوليوود.

المنافسات صعبة في كل فئة، فالعام الحالي شهد أعمالاً فنية غزيرة ومختلفة معظمها من صنع جيل جديد من المخرجين غرز أسنانه في العمل في السنوات العشرين الأخيرة أو ما جاورها.

ويتصدر فيلم «إميليا بيريز» السباق بعدما حصد 13 ترشيحاً، في رقم قياسي من نوعه لعمل غير ناطق بالإنجليزية.

من سيفوز ومن سيخرج من الحفل بالذكريات وحدها غير معروف، لكن التكهنات مطروحة والاتجاهات النقدية تؤم لعبة التنبؤات كما في كل عام. المختلف هو عناوين وأسماء المشاركين.