«البدع المجيدة» تغوص في قاع الطبقة العاملة الآيرلندية

موظفة استقبال وكاتبة مغمورة فازت بجائزة «بيليز» للكتابة النسائية

«البدع المجيدة» تغوص في قاع الطبقة العاملة الآيرلندية
TT

«البدع المجيدة» تغوص في قاع الطبقة العاملة الآيرلندية

«البدع المجيدة» تغوص في قاع الطبقة العاملة الآيرلندية

تحدت لجنة تحكيم (بيليز - Bailey›s) - الجائزة العالمية الأرفع للكتابة الروائية النسائية باللغة الإنجليزية - كل التوقعات، مانحة الفوز في دورتها لعام 2016، لليزا ماكينيرني، الكاتبة الآيرلندية غير المعروفة نسبيا، وذلك على روايتها اليتيمة حتى الآن، (البدع المجيدة -Glorious Heresies). وتبلغ قيمة الجائزة 30 ألف جنيه إسترليني.
أطلقت «بيليز» عام 1996 بوصفها رد فعل على جائزة «بوكر» التي أهملت الكتابة النسائية وغلب عليها الصوت الذكوري، وهي ممولة بالكامل من قبل مجموعة متبرعين أثرياء، تقوم بتعيين لجنة تحكيم سنويا من كتاب وصحافيين وأكاديميين وناشرين وأمناء مكتبات، لتمنح الجائزة لعمل روائي بقلم نسائي صدر حديثًا باللغة الإنجليزية.
لجنة التحكيم ضمت هذا العام، إلى جانب مارجريت ماونتفورد رئيسة، كلا من الروائية التركية المعروفة إلف شافاك (صاحبة رواية قواعد العشق الأربعون) والصحافيتين ناجا مونتشيتي ولوري بيني، إضافة إلى الكاتبة والمغنية تريسي ثورن. وماكنيرني هي ثاني كاتبة آيرلندية تحوز «بيليز» التي فازت بها سابقا 9 أميركيات و5 بريطانيات، وكنديتان وأسترالية ونيجيرية، ومن أشهرهن زادي سميث (عن روايتها «عن الجمال») وليونيل شرايفر (عن روايتها «نحن بحاجة للتحدث بشأن كيفين») ومارلين روبنسون (عن روايتها «وطن»).
بدّدت مارجريت ماونتفورد رئيسة اللجنة، أي شكوك بشأن الخيار الجريء للرواية - ذات النفس الكوميدي الأسود، التي تسجل نبض الحياة في قاع حي للطبقة العاملة على هامش مدينة آيرلندية – بقولها إن ليزا قد حصلت على تأييد بنسبة 110 % من قبل لجنة التحكيم.
تفوقت ماكينيرني بـ«البدع المجيدة» على 10 روائيات معروفات في الأوساط الأدبية في العالم الناطق بالإنجليزية، كن قد أدرجن في قائمة المرشحات هذا العام، ومنهن آن إنرايت الفائزة بجائزة «بوكر» للرواية، وهانيا ياناجيهارا صاحبة رواية «حياة صغيرة» المرشحة لجائزة «بوكر» للرواية والكاتبة الواسعة الانتشار.
ماكينيرني موظفة الاستقبال، المطلقة التي تربي وحيدها، كتبت تعليقات شديدة السخرية عن وقائع الحياة اليومية الآيرلندية المعاصرة في مدونة على الإنترنت، أثارت لغتها اللاذعة انتباه ناشر تقدمي، فاقترح عليها كتابة قصة قصيرة بهدف استكشاف السرد الروائي، قبل انطلاقها في ركوب مغامرة الرواية الطويلة، انتهت بها مجللة بالجائزة الأرفع للروائيات النساء في العالم الأنجلو - ساكسوني.
«البدع المجيدة» رواية «طازجة، عذبة ومليئة بالحيوية» تقول ماونتفورد في حديثها للصحافيين عقب الإعلان عن الجائزة، ثم تضيف: «هي عمل شديد التفرد، يدفعك للتعاطف مع الحياة الحالكة للطبقات الشعبية الآيرلندية، من خلال سخرية مريرة وسرد ساحر».
ووصف الناقد الأدبي ألفريد هيكلنغ في صحيفة «الغارديان» البريطانية الرواية بأنها «عمل يكشف عن موهبة متفجرة»، وأن طريقة ماكينيرني في الكتابة «مكثفة وصادمة، فهي تطلق مقاطعها الروائية ككرات مندفعة تتشظى عبر الصفحات، قادرة على التعبير بسطوع عن المشاعر، سواء بتعبيرات شعبية مبتذلة أو من دونها». فرنسيس جيرتلير من دار «فوليز» للكتب، وصفت خيار اللجنة بأنه «شجاع» وقالت: «(البدع المجيدة) عمل غير تقليدي على الإطلاق، ويأخذ السرد الروائي إلى مساحات غير مطروقة. ربما لن يحظى العمل برضى الجميع، لكنه دون شك تجربة نسائية متفردة ستثير إعجاب كثيرين».
ماكينيرني أعربت عن سعادتها بالتقدير الذي حصلت عليه، بعد هذا الفوز المدوي: «لا أعرف على وجه الدقة سبب اختيار (البدع المجيدة).. ألأنها رواية تسترسل في مرح صاخب بينما يتوقع من النساء دومًا الانصراف إلى أمور هادئة كالتطريز ورعاية شؤون المنزل؟ هل لأن لغتها سوقية ومبتذلة في وقت يتوقع فيه من النساء أن يتعاطين النميمة بصوت خفيض؟ أنا امرأة كاتبة لكن محاولة استكشاف كتابتي من خلال أنوثتي هي مضيعة تامة للوقت». وكتبت تقول: «إن هذه الجائزة تمنحنا نحن النساء شيئًا رائعًا، إنها تشق لنا طريقًا إلى عالم ممكن، تكتب فيه النساء ضمن موجة عاتية الكتابات الفوضوية الجميلة التي تجتاح الحقل الأدبي، حيث يمكن لنا أن نكون تمامًا كما نحن، لا كما يريدنا الآخرون أن نكون».
في الحقيقة أن ماكينيرني تصف عالمًا لا يزال على الرغم من كل التقدم الذي حققته النساء محكومًا بسطوة ذكورية. فبينما تقول الإحصاءات التي نشرتها صحف غربية معروفة، إن النساء يشترين ثلثي الأعمال الأدبية المطبوعة، فإنهن لا يزلن ثلث عدد الكتّاب فقط، وربع عدد النقّاد، فتشكيل تصور معظم النساء عن العالم والحياة في يد المجموعة الأخرى من البشر، دون أن ننسى بالطبع أن كثيرات من الكاتبات هن بدورهن نتاج ثقافة ذكورية غالبة من حيث المبدأ.
تجربة ماكينيرني الأولى في السرد كانت قصة قصيرة، وعنها تقول: «القصة القصيرة لا تترك للكاتب أي فسحة للاختباء كما في الرواية، حيث يمكنك دومًا أن تهرب إلى شخصية جديدة أو الانزواء خلف نظرية مؤامرة كبرى، تعطى تفسيرًا لكل ما لا يمكن تفسيره. القصة القصيرة تجبر كاتبها على أن يقدم من خلال حدث محدود ما يقنع القارئ بأن كل الكون متمحور حول ذلك الحدث بالذات». «لقد منحتني القصة القصيرة التوق للسير في طريق روايتي (البدع المجيدة) التي كتبتها كدفقات لمشاهد مركزة، وكأن كلاً منها قصة قصيرة بحد ذاتها، أو صور صامتة متعددة لكنها تتراكب معًا كأسنان آلة ضخمة هي الرواية. القصة القصيرة والرواية ما هما إلا شكلان متكاملان للسرد. ربما ليس صدفة أن الروايات التي وقعت في غرامها بدأت أصلاً كقصص قصيرة».
«البدع المجيدة» تنطلق من ذات المناخات التي طالما خاطبتها ماكينيرني، وتقدم للقارئ تجربة حياة إنسانية حميمة ذات لون آيرلندي في قاع الطبقة العاملة، ما بعد الأزمة المالية العالمية الأخيرة (بدءا من2008)، شخصيات متقاطعة تائهة وساقطة: سكيرون، تجار مخدرات، مدمنون، عاهرات ورجال عصابات، تصارع الحياة وتصارعهم، وفي كل معاركهم - الخاسرة حكمًا - يقاتلون بطموح، يسطعون كنجوم صغيرة وينتهون إلى ضياعات لا تشبه بعضها إلا في كونها سخرية مريرة من كل تجربة الوجود القاسية. هي نفسها تقول إنها كانت تضطر للكتابة عندما لا تتوفر لديها النقود للخروج إلى الحانات في معظم الأيام، وهكذا تبقى مع كومبيوترها المحمول أمام طاولة المطبخ تكتب حتى وقت متأخر من الليل.
ماكينيرني بروايتها المدهشة تقدم أيضا نقدًا مبطنًا لفساد السلطة والكنيسة، تكاد لا ترحم أحدًا من سيف شتائمها المقذعة، وقد سجلت اسمها بقوة ضمن تيار أصوات أدبية شديدة المعاصرة اجتاح الثقافة الآيرلندية في العقد الحالي، وقدم نماذج روائية أنيقة وضعت آيرلندا على خريطة الرواية العالمية: سارة بوام، إيمير مكبرايد، كولن باريت، وماري كوستيللو، وغيرهم، ولا شك أن ماكينيرني لديها كثير لتضيفه إلى إنتاجات هذا الجيل الشاب.
كاتبتنا إذن نموذج طازج للمرأة المبدعة، في إشكاليتها الوجودية مع نفسها ومحيطها وخيالاتها الصاخبة، هذه المرأة التي حتى عندما تقدم على فعلتها الإبداعية في الكتابة والبوح تحت أشعة الشمس وفي الهواء الطلق، تجد حولها ألف سؤال وسؤال، كأن ما تفعله هي طارئة عليه أو هو طارئ عليها. وتبقى مناقشة مظلومية المرأة المبدعة تستحوذ على أجندة القادم من الزمن.



[«كاوْدا» - صَخْرةُ الصُّمود] (إلى أطفال الكهوف... أنتم أجْدرُ بالوطنِ منّا!)

[«كاوْدا» - صَخْرةُ الصُّمود]
(إلى أطفال الكهوف... أنتم أجْدرُ بالوطنِ منّا!)
TT

[«كاوْدا» - صَخْرةُ الصُّمود] (إلى أطفال الكهوف... أنتم أجْدرُ بالوطنِ منّا!)

[«كاوْدا» - صَخْرةُ الصُّمود]
(إلى أطفال الكهوف... أنتم أجْدرُ بالوطنِ منّا!)

[«كاوْدا» - صَخْرةُ الصُّمود]

(إلى أطفال الكهوف... أنتم أجْدرُ بالوطنِ منّا!)

1

مطرٌ في اللّيْلِ، رعْدٌ

راجماتٌ تحصُبُ الأرضَ

ونارٌ ودخانْ!

السماءُ احترقتْ، صبّت شُواظاً

والهوامُّ، الناسُ، سربُ الطيرِ،

قطعانُ الظباءِ السُّمْرِ، والسبعُ،

وما دبّ على الأرضِ اختفتْ

تنشد مأوى، وملاذاً، ونجاهْ!

ليس إلا القممُ الشاهقةُ الصمَاءُ

تُعطِي صدرَها العارِي لنيرانِ الغزاهْ !

2

حدّثوني أنّ في صمتِكِ أسرارَ الأساطيرِ

وقاموسَ لغاتِ الإنسِ والجنِّ

ومعنى أن يصُدَّ الجبلُ الرّيحَ

وفي سفحِكِ يرتاحُ الخلودْ !

أيّ لغزٍ فيكِ؟ في جوف تضاريسكِ ..

يسقيكِ معاني الصبْرِ والصّمْتَ

وآياتِ الصمودْ؟

حارَ فيكِ الغزْوُ واحتارَ الغزاهْ

كلما أمطركِ الطيرُ الأبابيلُ جحيماً

سال واديكِ، ومن خاصرةِ الصخْر

نما العُشْبُ،

وضجّتْ في روابيكِ الحياهْ !!

يخرجُ الأطفالُ من رحْمِ المغاراتِ خفافاً

ينشدونَ اللّهْوَ تحت القمرِ الضاحكِ

تنسابُ ترانيمُ الصبّياتِ مع اللّيلِ

وينثالُ الغناءْ !

ينبتُ الزهرُ، ولكنّ الغزاهْ

ليس في شرعتهم

ورْدٌ وأطفالٌ وحبٌّ وغناءْ !

تارةً أخرى تعودُ الطائراتْ

الموتُ لا يمشي على الأرضِ

ولكنْ، مطرٌ في اللّيْلِ، رعْدٌ

راجماتٌ تحصُبُ الأرضَ

ونارٌ ودخانْ!

يهربُ القاتلُ في لمحةِ عينْ!

ويعودُ النبضُ، ينمو الوردُ

يسري في السفوح الشمِّ

إكسير الحياهْ !

3

حدّثوني أنّ في صمتِكِ أسرارَ الأساطيرِ

وقاموسَ لغاتِ الإنسِ والجنِّ،

ومعنى أن يَصُدَّ الجبلُ الرّيحَ

وفي سفحِكِ يرتاحُ الخلودْ !

فيكِ معنى الصمْتِ يا كاودا

وآيات الصمودْ !

-----------------------------

مايو- 2014

من ديوان

«المشي على الحبل المشدود»

----------------------------