خلافات حوثية ـ حوثية حادة تعرقل مشاورات الكويت

مسؤولون ومحللون يفسرون طبيعة انقسامات الجماعة والمصالح التي تعوق الحلول السياسية

تجمعات حوثية للاستعراض بالسلاح في صنعاء (أ.ف.ب)
تجمعات حوثية للاستعراض بالسلاح في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

خلافات حوثية ـ حوثية حادة تعرقل مشاورات الكويت

تجمعات حوثية للاستعراض بالسلاح في صنعاء (أ.ف.ب)
تجمعات حوثية للاستعراض بالسلاح في صنعاء (أ.ف.ب)

كشفت مصادر دبلوماسية وعسكرية يمنية، لـ«الشرق الأوسط»، عن ارتفاع حدة الخلافات الداخلية في أوساط ميليشيا الحوثي حول المشاورات السياسية القائمة في الكويت، في حين تواصل الميليشيا عملياتها وانتهاكاتها، حسب منظمات حقوقية دولية وإقليمية.
ويفسر الانقسام الحوثي - الحوثي، التراجع السياسي الذي تشهده المشاورات في الكويت، لا سيما بعد إعلان الأمم المتحدة لخريطة الحل.
وبيّن الاختلاف مدى التخبط الحوثي، ففي حين رحب قادة بالحل الأممي الذي أعلنه موفد الأمم المتحدة إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، عاد قادة آخرون ورفضوا الخطة الأممية.
وقال دبلوماسي يمني لـ«الشرق الأوسط»، إن زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي لم يعد قادرا على الإمساك بزمام الأمور، والسيطرة على القياديين أتباعه، وهو ما يمنع مفاوضي الانقلاب من قبول الحل الأممي الذي يشمل إجراء الترتيبات الأمنية التي ينص عليها قرار مجلس الأمن الدولي رقم «2216»، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تعمل على إعادة تأمين الخدمات السياسية وإنعاش الاقتصاد اليمني، وهي ما تضمنته خريطة الطريق التي أعلنها ولد الشيخ أحمد المبعوث الأممي لليمن.
وتحدثت مصادر حكومية عن تغيير لهجة المفاوضات الحوثية وتقلبها، خلال المشاورات، فهم يوافقون على بنود ويعودون لرفضها ويصدرون بيانات، ثم يناقضونها بأخرى، وهو ما يفسر الانقسامات التي بدأت تأخذ منحى غير سوي لإكمال العملية السياسية والخروج باليمن من براثن الحرب والدمار إلى سلام ووئام.
هذه الانقسامات، فسرها مسؤولون ومختصون يمنيون بتفسيرين، الأول أنها طبيعية نظرا لتضارب المصالح، والثاني أنها مفتعلة.
يقول نجيب غلاب، رئيس مركز دراسات الجزيرة العربية، إن مصالح القيادات الحوثية منقسمة إلى قسمين، الأول مرتبط بصعدة ومتواصل مع ما يسمى «حزب الله» وإيران، والثاني تتقاطع مصالحه مع مصالح المخلوع صالح الذي وجد نفسه خارج اللعبة السياسية تماما.
ويقر غلاب الانقسام في بنية الانقلاب بين الأجنحة التي أيدت الحوثيين في البداية، ثم اقتنعوا أن «الحوثية» أصبحت مثل القنبلة المشتعلة التي تحرق الجميع ولا بد من دفنها. ويؤكد غلاب أن الهدف الأساسي للحوثيين في المشاورات السياسية يتمثل في تجذير وجودهم في أي سلطة حاكمة، وأن تكون الجماعة جزءا مهيمنا على النظام اليمني، معلقا: وهذا لا تحققه الحلول الأممية وتمسك الشرعية بالقرار «2216».
وتجدر الإشارة إلى إعلان الحوثيين قبولهم بالقرار «2216» قبيل إجراء مشاورات الكويت، وهو ما دفع الحكومة الشرعية إلى المبادرة بالقبول والتفاعل وتحمل جميع المماطلات التي يتخذها الانقلابيون، للالتفاف على «المسلمات»، وهي النقاط الخمس والقرار «2216»، بما في ذلك مخرجات الحوار المبنية على المبادرة الخليجية.
يقول غمدان الشريف، السكرتير الصحافي لمكتب رئاسة مجلس الوزراء، لـ«الشرق الأوسط»، إن الانقسام مفتعل، وباختصار الحوثيون يريدون تشكيل حكومة توافقية في حين يبقى السلاح معهم.
ويفسر الشريف ذلك بأن القاعدة الأولى للحوثيين إيرانية، والانقسامات لا تحيدهم عن مبدئهم، وهو وجود السلاح.. وبالتالي إنهم يريدون العودة إلى اتفاق السلم والشراكة. وحول القيادات الحوثية التي تميل إلى كفة صالح، قال الشريف: «هناك خلاف بين علي صالح والحوثي في أكثر الأمور، وعلي صالح خارج اللعبة تماما، وحزبه أيضا مستبعد، صحيح أن هناك قسما يؤيد المبادرة الخليجية، لكن يبدو لي أنهم لا يملكون القرار».
وأصر غمدان الشريف على أن ما يحدث في الكويت يؤكد أن الشرعية لن تتنازل عن القرارات مهما كانت، والحكومة لن تعود إلى صنعاء إلا بعد تسليم السلاح.
يعود نجيب غلاب بالقول إن فكرة الوصول لحل سياسي من قبل الحوثيين تعد مسألة سيطرة، والمؤتمر الشعبي العام بكل تكويناته يرى أن الحركة الحوثية بدأت تكبر، وتلعب دورا أكبر من حجمها الحقيقي الذي يعرفونه جيدا، رغم أنهم (أي المؤتمريين) خارج اللعبة.
يضيف غلاب أن الحوثي مدرك أن استمرار الحرب سيؤدي إلى هزيمة، وإن هزموا فلن تقوم لهم قائمة، لذلك هم يسعون لحلول تجذر وجودهم، لأن إيران في الناحية الأخرى لن تستغني عنهم باعتبارها أداة وظيفتها الحرب.
ويستطرد قائلا إن صالح يتصارع معهم على المجال الحيوي نفسه للمصالح، فأي حل سياسي ضد مصالح صالح تهميش له، لذا يريد إضعاف الحوثيين ليكون صاحب الحل والعقد، وهو لا يريد أن تتشكل تحالفات جديدة لا يكون على الأقل جزءا منها.
ولم يقتصر الارتباك على الجانب السياسي المتمثل في الكويت وحسب، بل تأثرت مواقع ميدانية على الهدنة التي اخترقها الانقلاب في الأساس منذ بدايتها. يقول مصدر عسكري يمني: «إن الميليشيا الحوثية تواصل عملياتها الميدانية على الأرض، وترتكب الانتهاكات، ضاربة بالهدنة عرض الحائط». وأضاف: «هناك فوضى في تحركاتهم.. لقد أدت هذه الخلخلة إلى مصرع كثير منهم بعمليات تعد بسيطة عسكريا، واستطاعت القوات الشرعية التغلب عليهم في أربعة اشتباكات على الأقل بكل سهولة خلال اليومين الماضيين».
وقال المسؤول العسكري إن ذلك لا يفسر إلا بأن القيادات الانقلابية لا تسير وفق منهج عسكري متسق.. «نحن العسكريين ندرس التحركات ونقيم الأوضاع الميدانية وفقًا لتحليلات منطقية.. ما نشهده هذه الأيام من تخبط لم يعد حتى يسعفنا في التنبؤ، وبالتالي رفعنا الاستعداد بشكل أكبر في مختلف الجبهات».
وتقدمت قوات الشرعية اليمنية في كثير من الجبهات، إذ أعلن متحدث القوات الشرعية في صنعاء عبد الله الشندقي مصرع 20 حوثيا أمس، في نهم (قرب صنعاء)، وقال إن ذلك جرى عند سقوطهم في محاولات الهجوم على موقع جبل رشح التابع للجيش الوطني بالمديرية نفسها.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية، أول من أمس، مقتل 22 متمردا من الحوثيين في معارك اندلعت الجمعة في كثير من المناطق، وقال مسؤول عسكري إن معارك عنيفة اندلعت في محافظة الجوف، إثر هجوم شنه الحوثيون على القوات الشرعية في المحافظة الشمالية، الأمر الذي استدعى هجوما مضادا وأوقع 13 قتيلا.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.