شهدت الأسواق المالية حول العالم أمس «جمعة أسود»، نتيجة صدمة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لتصل التراجعات في بعض البورصات إلى 10 في المائة، بينما هوت أسهم شركات وبنوك أوروبية كبرى بالحد الأقصى 20 في المائة، في حين هبطت أسعار النفط نحو 5 في المائة في نيويورك. كما هبط الجنيه الإسترليني إلى أدنى مستوى له في 31 عامًا مسجلاً أكبر خسارة في تاريخه، بنحو عشرة في المائة.
وحقق الذهب أمس أعلى مكاسبه منذ الأزمة المالية العالمية الأخيرة، وقفز ثمانية في المائة في أول رد فعل فوري على نتيجة الاستفتاء إلى أعلى مستوياته في أكثر من عامين. وسجلت سندات الدين الألمانية «بوند» نتيجة سلبية كما كانت فائدة الاقتراض على عشر سنوات في فرنسا وبريطانيا عند أدنى مستوى تاريخي بينما أهمل المتعاملون سندات ديون الدول الأضعف اقتصاديا.
قال وزراء مالية ومحافظو البنوك المركزية في مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى إنهم سيتعاونون من أجل دعم الأسواق المالية وضمان توافر مستويات من السيولة فيها في أعقاب تصويت البريطانيين لصالح الخروج.
وقالت المجموعة في بيان: «ندرك أن التقلبات الحادة والحركات المضطربة في أسواق الصرف يمكن أن يكون لها انعكاسات خطيرة على الاستقرار المالي والاقتصادي.. البنوك المركزية في مجموعة السبع تتخذ الخطوات لضمان مستويات مناسبة من السيولة ودعم استقرار الأسواق.. ونحن مستعدون لاستخدام أدوات السيولة الموجودة للوصول إلى هذه الغاية». وتضم مجموعة الدول السبع بريطانيا وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والولايات المتحدة.
وفي أول رد فعل اقتصادي على الخروج، أبدى المصرف المركزي الأوروبي، استعداده لتوفير «السيولة اللازمة عند الضرورة باليورو والعملات الأجنبية»، وقال إنه سيتحمل مسؤولياته إزاء ضمان استقرار الأسعار والقطاع المالي في منطقة اليورو.
كما أعلن بنك إنجلترا المركزي ضخ 250 مليار جنيه إسترليني (334 مليار دولار) للحفاظ على السيولة في البلاد. قائلاً إن البنك «سيتخذ كل الإجراءات اللازمة» لتحمل مسؤولياته وضمان الاستقرار النقدي والمالي للمملكة المتحدة، مؤكدًا أنه درس مسبقًا حلول إنقاذ عميقة وسيعمل بشكل وثيق مع وزيرة الخزانة البريطانية والمصارف المركزية الكبرى الأخرى.
وأعلن حاكم البنك المركزي البريطاني مارك كارني، في مقابلة تلفزيونية مباشرة من مكاتب المصرف المركزي البريطاني في وسط حي الأعمال في لندن أنه «كشبكة أمان ومن أجل دعم حسن سير الأسواق، يبقى بنك إنجلترا مستعدًا لمنح أكثر من 250 مليار جنيه إسترليني من الأموال الإضافية عن طريق عملياته الطبيعية».
وأضاف أن البنك المركزي البريطاني «قادر أيضًا على تأمين سيولة كبيرة بالعملات الأجنبية في حال الضرورة».
وعلق البنك المركزي الألماني على نتائج الاستفتاء أن «النتائج ستكون سيئة على كل الأصعدة».
أما المصرف المركزي الياباني فأكد «استعداده لضخ سيولة» بالتشاور مع المصارف المركزية الأخرى، بينما قال وزير المالية تارو اسو إنه لن يقف مكتوف اليدين من أجل تهدئة الأسواق بعد قرار البريطانيين مغادرة الاتحاد الأوروبي.
وتراجعت بورصة باريس في بداية تعاملاتها بنحو 8 في المائة وفرانكفورت بأكثر من 7 في المائة تقريبًا ولندن بنحو 5 في المائة. بينما سجل مصرف «دويتشه بنك» تراجعًا بنحو 14 في المائة مثل «كريدي أغريكول»، و«بي أن بي باريبا» بأكثر من 16 في المائة، وتراجع «سوسيتيه جنرال» بنحو 20 في المائة.
وبلغت خسائر مؤشر داكس الرئيسي لبورصة فرانكفورت الألمانية نحو 10 في المائة في مستهل تعاملات أمس، وتراجع مؤشر (إف.تي.إس.إي 100) الرئيسي في بورصة لندن بأكثر من ثمانية في المائة.
وفي محاولة لامتصاص أثر الصدمة على المتعاملين، تعهدت بورصة لندن ونظيرتها الألمانية بالمضي قدمًا في عملية اندماج قيمتها 30 مليار دولار.
وقالت البورصتان إن نتيجة الاستفتاء لم تغير المنطق الاستراتيجي لعملية الاندماج وإنهما ستواصلان السعي للحصول على موافقة الجهات التنظيمية على العملية.
وتراجعت بورصة طوكيو بنحو 8 في المائة، وخسر عملاقا تصنيع السيارات اليابانيان «تويوتا» و«نيسان» اللذان لديهما مقرات في بريطانيا أكثر من 8 في المائة. وبالنسبة إلى البورصات الأخرى في منطقة آسيا المحيط الهادئ، فقد تراجعت سيدني وسيول بأكثر من 3 في المائة وشنغهاي بأكثر من 1 في المائة.
من جانبها قالت وكالة موديز للتصنيف الائتماني إن تصويت بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي يؤثر سلبًا على التصنيف الائتماني السيادي لبريطانيا وتصنيفات المصدرين الآخرين لأدوات الدين في البلاد.
وقالت الوكالة في بيان: «هذه النتيجة تحمل في طياتها فترة طويلة من الضبابية بشأن السياسات ستفرض ضغوطًا على الأداء الاقتصادي والمالي للمملكة المتحدة، وزيادة الضبابية ستقلص تدفق الاستثمارات والثقة على الأرجح بما يضغط على آفاق النمو في المملكة المتحدة وهو ما يؤثر سلبًا على التصنيف الائتماني للديون السيادية وديون المصدرين الآخرين للسندات في المملكة المتحدة».
والمملكة المتحدة حاصلة على تصنيف يقل درجة واحدة عن AAA من وكالة موديز مع نظرة مستقبلية مستقرة. ودعت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد أمس الاتحاد الأوروبي وبريطانيا على العمل معًا من أجل «انتقال هادئ» نحو علاقة اقتصادية جديدة. وقالت في بيان «نحض السلطات في بريطانيا وأوروبا على التعاون معا لضمان انتقال هادئ نحو علاقة اقتصادية جديدة، وخصوصًا عبر توضيح الإجراءات والأهداف التي ستوجه هذه العملية».
وبينما حاولت وزارة الاقتصاد الإيطالية تخفيف حدة الأزمة، بقولها إن خروج بريطانيا من الاتحاد سيكون له تأثير محدود على الاقتصاد الإيطالي الذي سيصمد في مواجهة تقلبات أسواق المال في الأجل القريب. قال رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي إن تسوية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بشكل قانوني سيستغرق عامين، مؤكدًا إن كل القواعد سوف تظل سارية في اللحظة الراهنة.
ووسط مخاوف من انتشار عدوى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، من أن تصل إلى دول أخرى، استبعد كريستيان كيرن المستشار النمساوي أن يكون لتصويت بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد «أثر الدومينو» على باقي الدول الأعضاء، مؤكدًا أن بلاده لن تقدم على مثل هذه الخطوة.
وقال كيرن «لا أخشى أثر الدومينو.. ستخسر أوروبا مكانتها وأهميتها في العالم بسبب خطوة بريطانيا. كما أننا سنشعر بالآثار الاقتصادية طويلة المدى لبعض الوقت».
يأتي تصريح المستشار النمساوي متزامنًا مع قول يورين ديسلبلويم رئيس مجموعة وزراء مالية منطقة اليورو، إن بريطانيا اختارت طريق عدم الاستقرار عن طريق التصويت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وقال وزير المالية الهولندي في لاهاي: «نحن في الاتحاد الأوروبي يتعين أن نقوم باختيار آخر»، مضيفًا أن «عدم الاستقرار هو آخر ما نحتاجه هنا في أوروبا وفي منطقة اليورو». وأعرب ديسلبلويم عن توقعاته أن تعود أسواق المال والبورصات إلى الاستقرار سريعًا، مستبعدًا أن تصاب أوروبا بحالة من الذعر.
«جمعة أسود» في الأسواق المالية بعد «صدمة الخروج»
يوم حزين على أوروبا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء
«جمعة أسود» في الأسواق المالية بعد «صدمة الخروج»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة