تماسك المملكة المتحدة مهدد بطلاق بريطاني ـ أوروبي

مخاوف من اشتعال نزعة الاستقلال في اسكوتلندا والتوترات الحدودية مع آيرلندا الشمالية

رئيس الوزراء الاسكوتلندي الأسبق أليكس سالموند (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء الاسكوتلندي الأسبق أليكس سالموند (أ.ف.ب)
TT

تماسك المملكة المتحدة مهدد بطلاق بريطاني ـ أوروبي

رئيس الوزراء الاسكوتلندي الأسبق أليكس سالموند (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء الاسكوتلندي الأسبق أليكس سالموند (أ.ف.ب)

مع عدم وجود ما يميز النقطة الحدودية التي تنتهي عندها إحدى الدول لتبدأ حدود الدولة الأخرى، يصعب الفصل بين المملكة المتحدة وآيرلندا في قرية أوغناكلوي عند الواجهة الحدودية التي كانت خاضعة في السابق لسيطرة نقاط التفتيش العسكرية.
في مخبز «دياموند» ومقهى «تيروم» في قرية أوغناكلوي، يمكن للزبائن الدفع باستخدام الجنيه الإسترليني أو اليورو المستخدم في آيرلندا، وغالبا ما يسأل الزوار الموظفين في المقاهي عن الدولة التي يتواجدون فيها.
وقال غلين روبنسون، الذي يمتلك متجرا قريبا للحواسيب، بأنه خرج في رحلتين إلى داخل آيرلندا في ذلك اليوم، وأن أحد موظفيه يسافر للعمل من هناك: «إننا لا نعتبرها مثل الحدود الدولية».
ومع ذلك، فإن هذه الحدود قد تثير اهتمام العالم إذا صوت الشعب البريطاني الأسبوع المقبل على مغادرة الاتحاد الأوروبي، والانسحاب من كتلة الـ28 دولة أوروبية والتي تبقى جارتها آيرلندا من الأعضاء البارزين فيها.
فقد تعود المراكز الجمركية للظهور على الحدود مرة أخرى، كما يمكن أن تظهر أشكال من ضوابط وقيود الهجرة للحيلولة دون استخدام آيرلندا الشمالية من قبل المهاجرين كبوابة خلفية للوصول إلى بقية أنحاء بريطانيا. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن الناخبين في اسكوتلندا وآيرلندا الشمالية سوف يفضلون البقاء ضمن عضوية الاتحاد الأوروبي، في حين أن جيرانهم من الإنجليز يبدو أنهم يميلون نحو المغادرة. كما تبدو وجهات النظر في ويلز متسقة مع تلك السائدة في إنجلترا. ومع ذلك، فقد يجد الاسكوتلنديون والآيرلنديون الشماليون أنفسهم خارج الاتحاد الأوروبي رغما عنهم، إذا ما رجحت كفة أصوات الإنجليز وتجاوزت عدد أصواتهم القليلة.
ومن شأن الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، على الأرجح، أن يثير من جديد الضغوط في اسكوتلندا نحو الاستقلال عن بريطانيا، وهي الفكرة التي رُفضت في الاستفتاء الذي جرى عام 2014 ولكنها لم تتلاشَ من الأذهان بعد.
كما أن التصويت للخروج من الكتلة الأوروبية من شأنه كذلك أن يضع آيرلندا الشمالية على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي. وسوف يشكل تحديات في مواجهة التكامل الرسمي وغير الرسمي للشمال والجنوب والذي تسارعت وتيرته في أعقاب اتفاق السلام لعام 1998 والذي نزع فتيل النزاع الطائفي طويل الأمد بين الطائفة البروتستانتية الموالية لبريطانيا، والطائفة الكاثوليكية الموالية لآيرلندا في الشمال.
وبالتالي، يمكن أن يؤدي الأمر إلى عكس العملية التي تلاشت بسببها الحواجز الجمركية والمراقبات الحدودية بين البلدين، كما تقول ماري ماكاليس الرئيسة السابقة لآيرلندا. وفي حين أنه من غير المرجح أن تقرر آيرلندا الشمالية عقد ترتيبات دستورية جديدة مع الحكومة البريطانية في لندن ومع الحكومة الآيرلندية في دبلن، إلا أن هناك شعورا سائدا بـ«رياح انكماش اقتصادي باردة وشديدة» في أعقاب الطلاق البريطاني من الاتحاد الأوروبي، وربما قد يكون هناك أيضا «عملية سياسية جديدة»، كما أضافت.
حتى التصويت على البقاء ضمن الكتلة الأوروبية سوف يكون له تداعياته الدستورية إذا ما تأرجحت أصوات الناخبين في اسكوتلندا وآيرلندا الشمالية لصالح نتيجة وثيقة القرب من البقاء في الاتحاد، مما يؤدي إلى استعداء أنصار المغادرة في الشعب الإنجليزي.
ومثل هذه النتائج من شأنها أن تدفع الناخبين إلى إعادة النظر في الأواصر التي تربط إنجلترا واسكوتلندا وويلز وآيرلندا الشمالية بعضهم ببعض. بهذا الصدد، أوضح أندرو بليك، المحاضر في السياسات والتاريخ المعاصر في كينغز كوليدج بلندن أن «المملكة المتحدة تعاني من عدم الاستقرار بصورة من الصور بسبب مزيج من المجموعات الوطنية المختلفة، وكذلك عدم التوازن بين حجم إنجلترا وبقية أجزاء المملكة».
وفي آيرلندا الشمالية، التي لا تزال جزءا من المملكة المتحدة بعد أن نالت آيرلندا استقلالها منذ ما يقرب من قرن من الزمان، فإن احتمالات الانسحاب من الاتحاد الأوروبي قد أثارت جدلا حادا. وتوقع اثنان من رؤساء الوزراء البريطانيين السابقين، جون ميجور من حزب المحافظين، وتوني بلير من حزب العمال، أن الانسحاب من أوروبا قد يعني عودة للحواجز الحدودية بين الشمال والجنوب، وقد يقوض أيضا من عملية السلام التي ساعدت على تضميد جراح عقود من العنف في آيرلندا الشمالية. ومن الأمور المعرضة للخطر، بحسب قول جون ميجور هو «التسوية الدستورية المعقدة ومتعددة المستويات التي تؤسس وتدعم للاستقرار الحالي في آيرلندا الشمالية».
ولقد رفضت تيريزا فيليرز، وزيرة الدولة لشؤون آيرلندا الشمالية وهي من أعضاء مجلس الوزراء البريطاني التي تؤيد انسحاب بريطانيا من عضوية الاتحاد الأوروبي، تأكيدات جون ميجور ووصفتها بأنها «غير مسؤولة للغاية»؛ على العكس من زعيم حزب المحافظين الذي تنتمي إليه، رئيس الوزراء الحالي ديفيد كاميرون، والذي يرغب في بقاء بريطانيا ضمن دول الاتحاد. وقالت فيليرز بأنها تعتقد أنه سيكون من الممكن «إبقاء الحدود البرية مفتوحة» مع آيرلندا الشمالية.
ومن المرجح أن تتم إعادة بعض أنماط الرقابة الجمركية، باعتبار أن بريطانيا وآيرلندا لن يكونا من الدول الأعضاء في نفس الكتلة الأوروبية الموحدة. وبالنظر إلى التركيز الموجه إلى الحد من الهجرة من جانب المؤيدين للخروج البريطاني من عضوية الاتحاد، فمن المنطقي وقتئذ إعادة العمل بضوابط الهجرة بالنسبة للأشخاص المسافرين إلى آيرلندا الشمالية.
إلى ذلك، أثار الجدل الدائر حاليا ذكريات الحياة في قرية أوغناكلوي خلال السنوات المعروفة بسنوات الاضطرابات، عندما أدى العنف الطائفي إلى تواجد عسكري بريطاني مكثف. نشأ ستيفن سالي، المهندس المعماري، في هذه المنطقة في الأيام التي شهدت تواجد القاعدة العسكرية البريطانية، عندما وقعت حوادث كثيرة لإطلاق النار هناك، وعندما كانت المروحيات العسكرية تحوم في أجواء المنطقة كل يوم، وتثير قدرا لا بأس به من الفوضى المحلية، عندما تسبب انبعاث السخام أسفل مداخن المنازل والبيوت.
في تلك الأيام، كان سالي نادرا ما يسافر إلى آيرلندا، ويساوره القلق من فرض القيود على حرية الحركة المشاهدة اليوم، حيث يقول: «لا أعتقد أن الأمر حينها سوف يكون على نفس السهولة التي نشاهدها اليوم، فسوف يكون هناك المزيد من القيود والضوابط».
أما في اسكوتلندا، فيرى أنصار الاستقلال أن القرار بمغادرة الاتحاد الأوروبي من شأنه أن يثير قدرا من الضغوط السياسية في اتجاه استفتاء جديد حول انفصال اسكوتلندا عن بريطانيا. وتخضع اسكوتلندا في الوقت الراهن للهيمنة السياسية للحزب الوطني الاسكوتلندي، صاحب الأجندة السياسية المكرسة من أجل الاستقلال، على الرغم من أن زعيمة الحزب، نيكولا ستورجيون، لم تكن واضحة بشأن ما إذا كانت سوف تتحرك سريعا في اتجاه المطالبة بإجراء استفتاء جديد في حال انسحاب لندن من الاتحاد الأوروبي.
يقول هنري ماكليش، الوزير الأول السابق لاسكوتلندا من حزب العمال البريطاني: «إذا ما انسحبنا من الاتحاد الأوروبي، فإن الكثير من الاسكوتلنديين سوف يرغبون بالتالي في الانسحاب بدورهم من المملكة المتحدة». وقال ماكليش أنه يساوره القلق أيضا بشأن «صراع القوميات»، والذي أثير بدرجة من الدرجات من قبل حزب الاستقلال البريطاني المؤيد للانسحاب من عضوية الاتحاد في إنجلترا.
ومع ذلك، فإن معظم كبار السياسيين الاسكوتلنديين يرغبون في البقاء ضمن عضوية الاتحاد الأوروبي، ومن ثم يبدو الاستفتاء من القضايا التي يشوبها صمت غريب في اسكوتلندا، حيث إنها تذكر بالجدل على الاستقلال في عام 2014 الذي قسم الأصدقاء والعائلات الاسكوتلندية بين مؤيد ومعارض.
يقول حمزة يوسف، وهو وزير في الحكومة الاسكوتلندية ومن نجوم السياسة الصاعدين في الحزب الوطني الاسكوتلندي، أن توجهات الشعب الاسكوتلندي قد تغيرت بسبب الجدال الدائر في إنجلترا، مع التركيز على قضية الهجرة، و«الاقتتال» الداخلي بين سياسيي حزب المحافظين، وما وصفه بأنه «نوع من الحملات التي تتميز بالسلبية، والتنابز بالألقاب، والمثيرة للذعر».
* خدمة «نيويورك تايمز»



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».